سَنَكُونُ وُحُوشَاً
أملي جاسر - قيّم المعرض
"هذا صحيح، سنكون وحوشاً، مقطوعين من كل شيء في هذا العالم، ولكن، ولهذا السبب بالتحديد، سنكون أكثر قرباً من بعضنا البعض".
ماري شيلي، فرانكشتاين
يجمع "سَنَكُونُ وُحُوشَاً" أعمالاً فنية حديثة لعشرة فنانين تم اختيارهم للقائمة القصيرة من النسخة العاشرة من مسابقة الفنان الشاب (اليايا 2018). انشغال المعرض مستمد من الممارسات الفنية للمشاركين الذي عملوا على تطوير أعمالهم الفنية على مدى عشرة أشهر، بتعاون وطيد مع قيِّمة المعرض.
تجلى التركيز خلال فترة العمل على خلق منصة مبنية على التواريخ الثقافية، والسياسية، والاجتماعية التي كانت محل استكشاف الفنانين، وعلى تعزيز فضاء يتم فيه دعم أيٍّ من هذه المواضيع البحثية، وجعلها جزءاً من نقاشات وتبادلات حيوية. شارك كل فنان الجسم المعرفي لمشروعه مع المجموعة، كما شارك في تنظيم لقاءات وندوات صاحبتها نقاشات معمقة لمنهجيات البحث ودوافعه. شجع التخلي عن ثيمة فنية عامة لليايا 2018 الفنانين على المساهمة في بناء فضاء جمعي من الإنتاج المعرفي، وعلى إعادة تقييم وتعزيز ممارساتهم في سياق خطاب فني أوسع، ضم زملاءهم، إضافة إلى ضيوف الندوات. وقد تم تصميم برنامج إشراف فني؛ من أجل ربط هؤلاء الفنانين بالمشاركين السابقين في اليايا؛ بغية تعزيز الحوار وتبادل المعرفة بين أجيال متعددة. وتوج كل ذلك في حزيران بورشة استمرت عشرة أيام في جامعة الأفكار في شيتيديلارتيه ببييلا، إيطاليا، ركزت على نقاشات يومية تناولت المشاريع، إضافة إلى عروض أفلام وجولات.
ما يأتي في واجهة مشاريع "سَنَكُونُ وُحُوشَاً" هو استكشاف للأجساد وأطرافها المرتوقة، والمكسورة، والممزقة، والمجروحة، والمقطعة، والمدفونة. تركز كثير من الأعمال على موقع العين، وعلى انهيار وتبدل المناظير ووجهات النظر. تمثل الهيمنة، والتاريخ، والتساؤل عمن ينظر مواضيع يتم فحصها من خلال تجارب سردية نحو القطيعة، والخلل، وموقعة الجسد المكسور في هويات وطوبوغرافيات متعددة، تنعكس في جميع أعمال المعرض. تتأرجح الأعمال بين التنقيب والدفن، وتمتد نحو الماضي والمستقبل في الوقت نفسه.
يتداخل الشخصي والجمعي، بشكل عميق، في أعمال هؤلاء الفنانين، كما في لوحات علا زيتون ذات القوة النفسية، التي تصور الأجساد المشوهة للنساء، أو في الجدائل المقصوصة التي يتم عرضها كدليل على المقاومة في صور صفاء خطيب الفوتوغرافية. لا تتحدث هذه الأعمال فقط عن الخلايا الميتة المتداخلة مع الأنسجة الحية، ولكنها، وبشكل كبير، تتحدث عن استمرارية هذه الخلايا في النمو. يصبح الجسد المدفون والممزق وثيقة تخدم ككبسولة زمن، ورسالة إلى المستقبل في عمل هيثم حداد، حيث ينجلي تهديد عين أزيز الطائرات بلا طيار في الأعلى. تتبدّى مواضيع كالترددات المرسلة عبر أجيال متعددة، والذاكرة، وتحدي الكيفية التي نبني فيها، بشكل جمعي وفردي، تاريخنا، بقوة، في أعمال الفنانين كافة. تعبر الطيارات بلا طيار في فيديو فراس شحادة، حيث تفاوض عين الجوال بشكل مستمر أشكال دنو مختلفة من مناطق الحدود. تستقصي دينا الميمي نظرة الجماجم لمقاتلي المقاومة الجزائريين الذين قطعت رؤوسهم، بشكل عنيف، ووضعت في متحف في باريس. أما رسومات ليلى عبد الرازق المصورة والحية، فهي تحدث انهياراً في الزمن، من خلال رواية المأساة الشخصية لولادة طفل ميت من أجل مساءلة الذاكرة الجمعية، والفقدان، والاستمرار بالحياة. يعتمد فنانون آخرون في أعمالهم على استكشاف إمكانيات خرائطية نقدية ذات قوة. تثير ديمة سروجي انهيار المكان والزمان، وتكشف عن سجل شخصي للقدس، من خلال التنقيبات الجسدية أسفل سطح المدينة. تتقفى أغراض ولوحات يوسف عودة جسد ذكر جنساني ومجهول الهوية، من خلال التنقل بين الاقتصاد والعملة المعماة. يقوم كل من غزال ومالك الحزين بسرد شعري للحركة الجسدية في الفضاءات، وحركة بطيئة خلال الزمن في عمل فيديو علاء أبو أسعد. في الوقت نفسه، يتحدى وليد الواوي الوضع السائد من خلال رمزية المنطاد الذي تهدف ميكانيكيته إلى إبطاء سقوط الجسد.
يُعرض "سَنَكُونُ وُحُوشَاً" في المركز الثقافي الجديد لمؤسسة عبد المحسن القطان، الكائن في حي الطيرة في رام الله، على بعد أمتار قليلة من ساحة نيلسون مانديلا، وهو موقع مناسب ليجمع هذه الأجزاء التي تقوم بالحفر في الماضي، وتخيل المستقبل، بينما نقوم معاً بتأمل هذه اللحظة المتوترة والمتحولة.
للاطلاع على كتالوج المعرض كاملا اضغط هنا