كلمة المؤسس
لقد كان أبي أميّاً، ولكنه آمن، بذكائه الفطري وعبر خبرته الحياتية، بضرورة العلم من أجل تمكين أبنائه، بمن فيهم البنات، من مواجهة العالم الحديث.
بعد النكبة، وحيث فقدنا كل شيء، لم يكن أمام شعبنا سوى خيار واحد: النهوض من جديد من خلال العلم والمعرفة. وخلال السنين التي تلت النكبة، والتي شهدت سلسلة من الهزائم المعنوية والمادية التي واجهها العالم العربي ولا يزال، والتي ساهمت في تحطيم كياننا وردفنا إلى عصر العجز والظلمات، تبين لي ولزوجتي ليلى -وكلانا بدأ حياته المهنية معلماً- أن مخرجنا الوحيد يكمن في التطلع إلى المستقبل. فإذا استحالت الحلول السريعة لمصائبنا، وتردت أوضاع مجتمعنا الحاضر، فلنعمل إذن من أجل مستقبل أفضل.
غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون، كما قال المربي الفلسطيني الكبير وأستاذي السابق خليل السكاكيني.
وآمنا، منذ البداية، أن الإنسان الحر هو القادر على الشك والإبداع، وهو الذي لا يخشى التجديد والمغامرة؛ وأنه لا يمكننا مواجهة واقع الحرب والجهل والاستبداد دون امتلاك المكونات الأساسية لذلك: الفرد المبدع المتنور والخلاق الذي يصنع المجتمع المنفتح والحيوي والمبادر.
وآمنا، أيضاً، أن فلسطين جزء لا يتجزأ من الامتداد الفكري الثري والعريق الذي نطلق عليه اسم الثقافة العربية؛ وأن فلسطين، لكي تستأهل شهداءها ومناضليها وما قدموه من تضحيات، يجب أن تكون عنصراً حياً في المشهد الثقافي العالمي. كما آمنا أن الاستثمار بأطفال فلسطين والعالم العربي هو خير ما يمكن أن نورثه.
نفتخر أننا، عبر السنين وبعد أن سمحت لنا ظروفنا المالية، حاولنا قدر الإمكان تقديم الدعم والتشجيع للعديد من الأفراد والمؤسسات والمشاريع العربية في حقلي التربية والثقافة. وقد تزايدت مع الزمن التزاماتنا، وتبين لنا ضرورة إنشاء مؤسسة مستقلة تتميز بمستوى عالٍ من المهنية، وبمنهجية واضحة تقوم بتطوير عدد من المشاريع السبّاقة، والقادرة على الاستمرارية. وفضلاً عن ذلك أن يكون لهذه المؤسسة حضور فعلي وحيوي على أرض فلسطين. وهكذا بدأت مؤسسة عبد المحسن القطان عملها في فلسطين العام 1998.
غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون.
عبد المحسن القطَّان
عبد المحسن القطان (1929-2017)
وُلد عبد المحسن القطّان في مدينة يافا، 5 تشرين الثاني 1929، وبدأ دراسته بالمدرسة الأيوبية فيها، ثم التحق بكلية النهضة في القدس التي كان يرأسها المربي خليل السكاكيني الذي تأثر به كثيراً. التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت العام 1947، حيث بدأ دراسته في مادة العلوم السياسية، إلا أن أحداث النكبة أرغمته على تغيير مسار تعليمه إلى إدارة الأعمال من أجل إعالة أسرته التي تشردت من يافا إلى عمان. في العام 1951، تخرج بدرجة البكالوريوس، وبدأ حياته المهنية مُعلماً في عمّان أولاً، ومن ثم في الكويت، وهناك التقى بليلى المقدادي، ابنة المربي الفلسطيني درويش المقدادي، وتزوجا. في العام 1953، التحق القطّان بوزارة الماء والكهرباء في الكويت، وعمل فيها إلى أن أصبح مديرها العام. وفي العام 1963، أسس شركة الهاني للإنشاءات والتجارة، بالشراكة مع المرحوم الحاج خالد المطوّع، التي أضحت خلال فترة وجيزة إحدى أكثر شركات المقاولات نجاحاً في الوطن العربي.
شارك القطّان في العمل الاجتماعي والخيري والتنموي على مستويات مختلفة منذ ستينيات القرن الماضي، فكان أحد مؤسسي مؤسستي الدراسات الفلسطينية، والتعاون، ومحافظ فلسطين في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت، هذا إضافة إلى انخراطه في السياسة الفلسطينية والعربية، بتمثيله فلسطين في زيارات دولية عدة، حيث رافق أحمد الشقيري إلى الصين في العام 1964، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية في أيام مهدها في الكويت. وفي العام 1969، انتخب رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماع المجلس في القاهرة، إلا أنّه استقال بعد بضعة أيام بعد رفض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الاتفاق على قيادة موحدة للأصول العسكرية والمالية للمنظمة. وكانت هذه نهاية انخراطه المباشر في السياسة، إلا أنّه استمر عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني حتى استقالته في 1990، جنباً إلى جنب مع صديقيه إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد، احتجاجاً على موقف منظمة التحرير المساند لاجتياح صدام حسين للكويت.
اهتم عبد المحسن القطان وزوجته ليلى المقدادي القطَّان بالمساهمة في دعم التعليم والثقافة في فلسطين بشكل متواصل، وقاما بتتويج ذلك من خلال تأسيس مؤسسة عبد المحسن القطان العام 1993، وإطلاقها في لندن. وفي أيار العام 1999، عاد إلى فلسطين، وزار لأول مرة منذ العام 1948 مسقط رأسه يافا، ومُنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرزيت.
في آذار 2011، أعلن القطان عن قراره بتخصيص ربع ثروته لإنشاء صندوق لضمان استدامة واستقلالية مؤسسة عبد المحسن القطان، واستمرارها في رحلتها وعملها لإحداث التغيير المجتمعي المطلوب.
جسد القطان، جنباً إلى جنب مع زوجته المرحومة ليلى المقدادي، قدرة الفلسطيني الذاتية على المساهمة في بناء وطنه، دون حاجته لوصاية منح خارجية، فسعى إلى جعل نجاحه جزءاً رافداً لرفعة الشعب الفلسطيني وتحرره، من خلال دعم التعليم والثقافة والفن. ولقد كانت آماله برفعة الشعب الفلسطيني وتحرره هاجساً دائماً له، وحلماً بذل في سبيله الكثير. وكان من المنتظر أن يفتتح أبو هاني مبنى مؤسسة عبد المحسن القطان الجديد في حي الطيرة في رام الله خلال حزيران 2017، لكن الموت لم يمهله كي يبصر حلمه متجسداً على أرض الواقع. غيب الموت عبد المحسن القطان، في 4 كانون الأول 2017 في منزله بلندن. لكن إرثه سيبقى حياً بيننا.
ليلى المقدادي-القطان (1934-2015)
ولدت ليلى المقدادي في مدينة الموصل في العراق، في العام 1934، ووالدها هو المربي العريق درويش المقدادي. وكفلسطينية، أجبرت على الانتقال مراراً؛ أولاً إلى القدس، ومن ثم إلى دمشق وبيروت، واستقرت أخيراً في الكويت حيث عملت في مجال التعليم، والتقت بزوجها عبد المحسن القطَّان.
انتقلت العائلة إلى بيروت في العام 1963، وهناك عملت مع مجموعة من النساء اللبنانيات والفلسطينيات على إعادة إحياء التطريز الفلسطيني في مخيمات اللجوء. كما شاركت في تأسيس جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني التي ما زالت قائمة حتى اليوم. كما ساهمت، إلى جانب زوجها، في تأسيس مؤسسة عبد المحسن القطَّان، وكانت عضوة في مجلس أمنائها، ولعبت دوراً محورياً في تشكيل البرامج الثقافية فيها.
كانت ليلى شغوفة بالفن، وبالأخص الموسيقى، وكانت داعمة لجميع أشكال التعبير الفني. كما كانت من النساء الرياديات في العمل الخيري والاجتماعي في فلسطين والعالم العربي، إلى جانب دعمها العديدَ من المشاريع والمبادرات الثقافية والخيرية في فلسطين، أبرزها المتحف الفلسطيني.
توفيت ليلى في 27 كانون الثاني من العام 2015 في مدينة لندن، ليبقى اسمها محفوراً في ذاكرة الحقل الثقافي والفني الفلسطيني، وفي عقل كل من زار مكتبة مركز القطان في رام الله التي سميت تيمناً بها وبمسيرتها الحافلة بالاهتمام بالثقافة والفنون والتربية من أجل فلسطين.
في عام المؤسسة العشرين، صدر كتيب "هكذا بدأ كل شيء"، حول رحلة المؤسسة منذ التأسيس حتى عامها الـ20، وتطورها، والخبرات التي راكمتها، وعن الحلم الذي ما زال مستمراً.
يمكنكم تحميل الكتيب كاملاً بالضغط على الرابط: