بيت لحم- (مؤسسة عبد المحسن القطان – 15/9/2018):
نظم برنامج البحث والتطوير التربوي/مؤسسة عبد المحسن القطان، في بيت لحم، مؤخراً، مساقاً لمعلمي العلوم، ومربيات الطفولة، ومنتديات المعلمين التي يشرف عليها البرنامج، وذلك ضمن تحضيراته لمهرجان أيام العلوم في فلسطين الذي يتمحور حول ثيمة "الغذاء تلبية لاحتياجات العام 2050"، والذي سينظم خلال الفترة بين 22/10 – 22/11 العام الحالي
وامتد المساق على مدار 3 أيام، تم العمل خلالها حول ثلاثة محاور رئيسية؛ استهدف الأول تفكيك الموضوعة المركزية (الثيمة) وإعادة تشكيلها في ضوء الدلالات والعلاقات التي يتم اكتشافها أثناء التحليل وإعادة التركيب، أما المحور الثاني، فركز على الكتابة والتأمل كسياق للتخطيط لأنشطة المهرجان أولاً، ثم التعبير عنها والتأمل فيها ثانياً، بينما ركز المحور الثالث على توظيف أشكال الانخراط والتفاعل وتوظيف الفنون لبناء أشكال مختلفة للعرض والتفاعل.
وانطلقت فعاليات المساق بنشاط تعريفي، بحيث عرف كل مشارك عن نفسه من خلال اسمه وغرض ما يرتبط معه بقصة. وفيما قدم المشاركون أنفسهم وقصصهم، قامت فيفيان طنوس الباحثة في البرنامج بتعميق الغاية من النشاط وربطها بأهداف المساق، من خلال ربط النشاط بأهمية فتح الثيمة على عالم الأشياء والأغراض، وما فيها من مخزونات ثقافية، وربطها بالـ"أنا" كشخص فاعل وحياة قابلة للسرد والتجدد وللتجربة والتعلم.
وأدار د. نادر وهبة، مدير مسار العلوم والاستديو، حواراً حول أهمية البعد الفكري والاجتماعي في فهم موضوعة المهرجان (الغذاء)، وربطها بالزمن (التاريخ والمستقبل) من جهة، وبالسياق الفلسطيني والعالمي من جهة ثانية، ثم سأل المشاركين عن سبب مشاركتهم، حيث إن بعضهم مشاركون جدد، في حين أن الآخرين يشاركون منذ سنوات. وذكر معظم المشاركين أن السبب يعود إلى ثنائية الانتماء والمقاومة؛ الانتماء لما وجدوه في المهرجان ويمثل في نظرهم ما يجب أن يكون في التعليم، ومقاومة ما يجب أن لا يكون في التعليم، من خلال ترسيخ مفاهيم البحث والاستكشاف والتجريب ومواجهة مفاهيم وأسباب التعليم المعزول عن العالم.
وأفاد وهبة أن فكرة المساق جاءت لبناء حوار حول ثيمة المهرجان كقضية إنسانية اجتماعية ذات أبعاد ثقافية تاريخية لنقل التفكير حولها إلى مراحل أعمق، وبناء قاعدة مفاهيمية تمثل لغة مشتركة بين المعلمين والباحثين المنظمين للمهرجان.
وأضاف: إن المساق قد تمكن من تحقيق الأهداف، حيث تمكن المشاركون من رؤية موضوع الغذاء في علاقته بسياقاتهم المحلية، وتمكنوا من الخروج بأشكال مختلفة للعرض، وأسئلة جديدة للتفكير.
بدورها، قدمت سمر قرش الباحثة الرئيسة في مسار العلوم، المشرفة على المهرجان، رحلة بحثية حول ثيمة الغذاء كموضوع علمي في ارتباطها بالفنون، ما جعل الرحلة البحثية رحلة في تطور المفاهيم ودلالاتها، وفي اكتشاف العلاقات وتوظيفها دلالياً، والتعرف على المصادر، والأهم هو اكتشاف أشكال التمثيل الفني والعملي الإجرائي لهذه الدلالات والعلاقات المتولدة حول شبكة المفاهيم التي نسجت حول الغذاء كموضوع وقضية وسياق ثقافي اجتماعي.
لم يقف المساق عند عرض رحلة البحث، فقد تحولت الرحلة نفسها إلى عملية بحثية تفكيكية، حيث قام المشاركون بإعادة تفكيكها لاستكشاف كل من: المفاهيم والدلالات والعلاقات؛ الأسئلة وتطورها؛ القضايا وتحولاتها؛ المصادر وتنوعها؛ أشكال بناء المعنى وطرق تمثيله وعرضه.
وتركز المساق في محطته الثانية على تعميق التفكير والحفر النظري والعملي الكامن خلف المفاهيم، من خلال توظيف مشهد درامي تلخَّص في لعب المشاركين دور أناس يلقون الطعام الزائد في حاوية، لتظهر أم ومعها عائلة تأخذ غذاء أسرتها من الحاوية نفسها.
المشهد تحول إلى نقاش حول ثيمة الاستهلاك وهدر الطعام، وتحول إلى سياق لتوظيف الكتابة كنص سيميائي وكخطاب ذي بعد اجتماعي، عبر بناء تمارين توضح كيفية توظيف الشكلين في التخطيط للمهرجان وفي التعبير عنه والتأمل فيه.
وعن أهمية توظيف الدراما في المساق، قالت طنوس: إن الدراما، كسياق للتفاعل مع القضايا، تمثل شكلاً مختلفاً في تقديم التجربة الإنسانية، ما يكشف عن المعاني العميقة والمضمرة فيها، فنحن نعرف أن ثمة أناساً جوعى، ومع ذلك نهدر كميات كبيرة من الطعام ونلقيها في النفايات، كأنه فعل عادي، لكن في المشهد الدرامي شاهد المشاركون عائلة (أم وأطفالها) تأخذ طعامها من الحاوية. إن وضع سلوك الجائع في هذه الدرجة من المرئية كشف للمشاركين ما كان خفياً في فعلهم (هدر الطعام)، فالمرئي في سلوك الجائع كشف لنا الجانب غير المرئي في سلوكنا اليومي، هذا ما تفعله الدراما، تكشف الجانب الخفي من حياتنا الإنسانية.
وقام مالك الريماوي مدير مسار اللغات والعلوم الاجتماعية في البرنامج بقراءة المشهد الدرامي مع المشاركين وكتابته وتحليله والتأمل فيه كتمرين على توظيف الكتابة؛ الكتابة كشكل سردي بنائي وتأملي نقدي يتوازى مع أشكال التمثيل والعرض الأخرى، ولذلك تم توظيف الصور وقراءتها وإعادة ترتيبها في أشكال متعددة من التجاور والتضاد ضمن استكشاف ثيمات مهمة، منها الإعلام، وصورة المرأة ودورها في مجال إنتاج الغذاء واستهلاكه، وتأثير صورة المرأة وتحولات دورها على واقع الغذاء، والنباتات الدخيلة والأصيلة في السياق الفلسطيني وعلاقتها بالاستعمار ومستقبل الغذاء، والعلاقة بين النباتات من التزامن إلى التجاور والتكامل، حيث تم توظيف الصور وقراءتها وبناؤها كعلاقات؛ الفيلم والتجربة اليومية، والكتابة والمشهد الدرامي.
وفي ضوء تطور الموضوعات وتطور الكتابة عنها؛ كتابة قصة أو سيناريو لما يحدث الآن، ولما سيحدث كنوع من السرد المتقدم، وتحليله كسياق نصي يقوم على بنية رمزية دلالية، وكخطاب يعمل كممارسة اجتماعية، تتضمن تفاعلاً اجتماعياً وغايات عملية، تم الانتقال إلى المحطة الأخيرة وهي محطة بناء المخطط.
ويرى الريماوي أن توظيف الكتابة والسرد في التخطيط للمهرجان هو نوع من بناء الصلة الشخصية للمشاركين في تنظيم المهرجان مع موضوعته؛ تلك الصلة التي تمت رؤيتها والعمل عليها كصلة شخصية تتحول عبر الكتابة والتخطيط إلى علاقة اجتماعية؛ علاقة بين المشاركين وسياقهم الاجتماعي يمثل الغذاء فيها وسيطاً وسياقاً للقاء والتعلم.
وأضاف الريماوي واصفاً دور السرد والكتابة قائلاً: يأتي حضور السرد والكتابة هنا بوصفهما شكل تنظيم مسبق، تصوراً تخيلياً لشكل المهرجان، أو هو وجود فعلي عبر السرد، ولهذا سوف يستمر العمل مع المشاركين لبناء قصة المعرض وسرديته بشكل موازٍ لمسار نموه كمخطط، ما يجمع السرد كأفق توقع مع التخطيط كتجربة ممارسة في مسار واحد هو مسار تصميم المهرجان وتنفيذه من جهة، وبناء المشاركين فيه كفاعلين اجتماعيين ومعلمين متأملين من جهة ثانية.
وتضمنت محطة بناء المخطط تحويل كل الإرث النظري، والحصاد الدلالي إلى أشكال عرض وتفاعل مع الجمهور المتخيل (الطلاب والأهالي والمجتمع) من خلال إنتاج ست ثيمات حول موضوعة الغذاء وإنتاجه، والثقافة والهدر والاستهلاك ومشكلاته، التنوع والنباتات البرية الصالحة للأكل، الأدوار الاجتماعية وإنتاج الغذاء ... حيث قام المشاركون بتحويلها إلى مسارات عرض وتفاعل من خلال بناء طاولات تجريب وزوايا عمل ضمن مسار انخراط متكامل يضمن للجمهور رحلة انخراط تتضمن أشكالاً متنوعة من الانخراط والمشاركة والتساؤل.
وقام الفنان رأفت أسعد بالعمل مع المشاركين في توظيف الأشكال الفنية في فهم الثيمة وتطوير أشكال عرض متنوعة تمزج الفن كرؤية وشكل ومعالجة في بناء طاولات العرض ومسارات التمثيل، فيما قام فريق استديو العلوم من باحثين ومطوري معروضات بتطوير الحوار وتوفير الممكنات العملية لتصميم الأنشطة وبناء طرق العرض، ما أفضى إلى بناء مخططات أولية رأى فيها المشاركون بداية واعدة نحو مهرجان جديد بأفق جديد، وبداية لمسار تخطيطي سردي مستمر.
وقالت قرش: إن انضواء المساق ضمن مسار التكون المهني للمعلمين، يعطيه قيمة إضافية من خلال ما يوفره للمعلمين من مراجعة تأملية لمسيرتهم التعليمية، وإعادة التفكير في الأدوار الممكنة لهم ولطلابهم، وكذلك إعادة النظر في العلاقات بين التعليم والمجتمع، وبين المدرسة ومحيطها، ما يفتح الأفق على ممكنات جديدة خاصة، بموقع المعلم وأدواره وموقع المدرسة ووظيفتها.
وترى قرش أن المساق قد فتح عبر محاوره المختلفة أمام المعلمين ممكنات جديدة، خاصة بكيف يمكن استكشاف أدوار ومهام وآليات جديدة لتنفيذ المهرجان مع طلابهم كمشاركين، ومع زائري المهرجان، ضمن تصور تكاملي في التعليم، ليس عبر محتوى فحسب، بل عبر تناول ترابطاته المختلفة، وتكاملها مع كيف يعرض أو يجسد في إطار عملي وفني تفاعلي متكامل داخل المهرجان (فكرة المعرض الذي يبنيه قيِّم). كما استطاع المساق أن يبني فهماً جديداً لدى المعلمين حول مسار استوديو العلوم في بناء المعروضات والمعارض والفعاليات العلمية المجتمعية.
يذكر أن مهرجان أيام العلوم - فلسطين 2018 يقام بتنظيم وتمويل كل من: بلدية رام الله ومؤسسة النيزك للتعليم المساند والإبداع العلمي ومؤسسة عبد المحسن القطان ومعهد غوته والمعهد الفرنسي، بالشراكة مع مؤسسات محلية عدة.