تنعى مؤسسة عبد المحسن القطان الفنان التشكيلي سمير سلامة الذي توفي اليوم الخميس 16 آب 2018 عن عمر ناهز 72 عاماً. وتعد وفاة سلامة خسارة كبيرة للمشهد الفني والثقافي في فلسطين، حيث أنه ساهم بتجربته الفنية الطويلة في صياغة معالم الفن التشكيلي الفلسطيني، وعمق ملامحه وسماته؛ سواء من خلال الأعمال التي أنتجها في المنفى، أو تلك الأعمال التي أبدعها بعد عودته إلى فلسطين العام 1996.
وُلدَ سمير سلامة في مدينة صفد بتاريخ 16 آب 1944، وعلى أثر النكبة اضطر إلى الانتقال برفقةِ أسرتهِ نحو بلدة مجد الكروم في الجليل ومنها إلى قرية بنت جبيل في لبنان، حيثُ بحث والده عن معارفه الذين كان يعمل معهم في نقش الحجر. مكث سمير معهم فترةً قصيرة لكنه تابع مشواره إلى بيروت ثم دمشق وأخيراً استقر في دير للطائفة المسيحية في درعا.
بدأ سمير الرسم مبكراً، ونالَ التشجيع من مُدرس الفن، وكان للفنان السوري أدهم إسماعيل فضل في تسيير سمير في مجال فنون الرسم، كما أسهم في اختياره كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق.
أنهى سمير دراسته الجامعية العام 1972، ثم انتقل إلى بيروت حيث التحق بدائرة الإعلام الموحد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسهم طوال ثلاث سنوات في صياغة البوستر السياسي استجابة لمتطلبات المرحلة، كما شارك في حينه في معارض جماعية في بيروت، وكذلك في معارض عالمية عديدة باسم فلسطين، وعلاوةً على ذلك فقد أسس قسم الفنون التشكيلية في دائرة الإعلام الموحد، وأسهم في نشاطات الإطار النقابي للفنانين التشكيليين الفلسطينيين برئاسة إسماعيل شموط الذي أصبح الأمين العام الأول لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
في العام 1975، غادر سمير إلى باريس لمتابعة دراسته العليا في كلية الفنون الجميلة المقابلة لمتحف اللوفر، وحين تسلم بطاقة إقامته اكتشف على أوراقها أن مكان ولادته صفد كُتب بأنه مدينة في إسرائيل، فاعترض على ذلك حتى تسلم بطاقة جديدة استبدلت فيها إسرائيل، ولكن عُرفت جنسيته "غير محدد"، إلا أن سمير لم يستسلم، وخاض بعد ذلك بسنوات حرباً لاعتماد صفد/فلسطين كمكان ولادته في جواز سفره الفرنسي، وكان له ذلك في سابقة مهمة نجح في تحقيقها.
بعد أن أنهى سمير تعليمه واستقر في فرنسا، تسلم وظيفةً لمدة ثلاث سنوات في مجال التصميم والجرافيك في قسم المطبوعات العربية في مقر اليونيسكو، ثم عمل مدرساً لمدة ثلاث سنوات في برنامج الرسم المفتوح في جامعة غوسيو في باريس، كما ساهم في تشكيل مجموعة "فنانون من أجل فلسطين".
شارك سمير في عددٍ من المعارض الفنية الخارجية في المغرب ومصر والأردن وغيرها، كما شاركَ أيضاً في المعارض الداخلية في المدن الفرنسية.
أقام سمير معرضاً دولياً من أجل فلسطين في بيروت بإشراف التشكيلية منى السعودي، ثم انتقل إلى طوكيو في اليابان قبل أن يعود إلى بيروت وتتعرض لوحاته للتدمير بفعل قصف الطيران الحربي أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982.
وصل سمير إلى فلسطين مطلع العام 1996 وعاد إلى صفد للمرة الأولى، لكنه فشل في العثور على بيته. تسلم في رام الله قراراً رئاسياً بتعيينه مستشاراً في وزارة الثقافة، فعمل لمدة عامين في التصميمات الفنية لمستشفى خان يونس التابع لجمعية الهلال الأحمر قبل أن يعود إلى رام الله للإشراف على دائرة الفنون وصالة الحلاج وبعض المعارض، وانتُدِبَ فيما بعد للمتابعة الفنية في مقر جمعية الهلال الأحمر في البيرة الذي كان في طور البناء، وظل في وظيفته برتبة مدير عام حتى التقاعد العام 2004. في العام 2005، أقام سمير معرضه الأول في فلسطين.
منحهُ الرئيس محمود عباس، وسام الثقافة والفنون والعلوم (مستوى التألق)، تقديراً لسيرته ومسيرته الثقافية والفنية، ودوره في تأسيس قسم الفنون التشكيلية والإعلام الموحد في منظمة التحرير.
وقد تصادف تاريخ وفاة الفنان سمير سلامة، مع تاريخ ميلاده، ومع يوم انتهاء معرضه الاستعادي الذي تم تنظيمه في كل من جاليري الدير في بيت لحم، وجاليري وان في رام الله، وجاليري الزاوية في مدينة البيرة، وجاليري الحوش في القدس، بمبادرة وإشراف من الفنان خالد حوراني، وقد تكلل المعرض بصدور كتالوج بعنوان "سمير سلامة" يتطرق إلى التجربة الفنية الثرية لهذا الفنان. وقد كانت زيارة سمير سلامة لمواكبة معرضه هذا، التي استمرت شهراً كاملاً، خلال حزيران وتموز الماضيين، هي الأخيرة له في فلسطين، حيث قوبل الفنان ومعرضه باحتفاء شديد.
وتتقدم مؤسسة عبد المحسن القطان بأحرّ التعازي لعائلة الفقيد وأصدقائه، ولجميع العاملين في الحقل الفني والثقافي خاصةً، ولشعبنا الفلسطيني عامة.