يواصل البرنامج العام في مؤسسة عبد المحسن القطان فعاليات معرض "أمم متعاقدة من الباطن" الذي افتتح في 28 حزيران 2018، وهو المعرض الافتتاحي للمركز الثقافي الجديد للمؤسسة. ويضم المعرض 53 عملاً لأكثر من ستين فناناً.
يشير عنوان المعرض ومحتواه إلى الانتشار المتسارع لعمليات التعاقد بين الدول والقطاع الاستثماري الخاص، سواء أكان التعاقد للخدمات الصحية، أم خصخصة الموارد العامة، بما في ذلك التعليم.
ويبين المعرض أن عمليات الخصخصة أدت بمجموعها إلى "تشظية الخدمات العامة وتجزئتها، وتحجيم دور الدولة وتقليص التزاماتها. وبذلك، فإن الدول المتعاقدة من الباطن، تهدف إلى تسليط الضوء على مقدّمي الخدمات، والوسطاء، والاستعانة بمصادر خارجية، وعلى مدى انتشار ذلك في مجتمعاتنا وتأثيره على إدارة الأمم".
ويتساءل المعرض كذلك عن هيمنة الأشكال المختلفة للهياكل النيوليبرالية على المجتمعات ضمن حدود مقبولة اجتماعياً واقتصادياً، وبأسلوب يُعتبر الأمثل في تقويض أي مبادرات فردية أو جمعية في مقاومتها، أو الاعتراض عليها، وبالتالي تنسج هذه الهياكل النيوليبرالية وَهْم وجود فاعلية اجتماعية من خلال الاستهلاك.
يقول قيم المعرض يزيد عناني، إن المعرض يبحث في مفهوم الأمة الحديثة، وعلاقة الدولة بالمجتمع والشعب، ويتساءل عن الأشكال الموجودة حالياً للدول، وعن جدوى وجود الدولة بالشكل الحالي في ظل خصخصة الخدمات.
تم ترتيب الأعمال في إطار كبير من "السقالات"، ويبين عناني أن فكرة السقالات هي فكرة "منظِّمة" للأعمال الفنية، وفي ذلك مشابهة للنظم التي تفرضها الدولة لحوكمة المناطق الخاضعة لسيادتها. ويتابع عناني: "بعض الأعمال يمكننا رؤيتها بشكل كامل، وأخرى علينا الاقتراب منها لرؤيتها كاملة، لكن جميع الأعمال سواء أكانت خارج إطار هيكلية الدولة (السقالات) أم داخلها، فإنها تبقى تحت ظل الدولة (السقالات)".
عن بعض الأعمال في المعرض
عند مدخل المعرض يتربع ختم ضخم للسلطة الوطنية الفلسطينية. هذا العمل للفنان مجدي حديد تحت عنوان "موثق معتمد".
يقول حديد، إن "الختم غير المتناسب يعكس مرحلة القصور بين كاتب العدل والجمهور".
وولد حديد ونشأ في رام الله. ودرس فن الجرافيك والطباعة في أوتاوا في كندا، حيث عمل لسنوات عدة قبل أن يعود إلى فلسطين ليبني مسيرة مهنية ناجحة. يدير حالياً شركته الخاصة للتصميم والطباعة (أي برنت) وهي شركة رائدة في هذا المجال، ولديها مستوى عالٍ من التجربة الاستشارية والإدارية لاستراتيجيات التصميم ومنهجيات التنظيم، كما تقدم خدمات مهنية متعلقة بالإبداع والابتكار.
أما الفنانة الفلسطينية الكندية جمانة إميل عبود، فتقدم فيديو من سبع دقائق و14 ثانية، تحت عنوان "الرمان". الفيديو عبارة عن لقطة قريبة ليدي الفنانة وهما تحاولان بعناية فائقة إعادة بذر الرمان إلى قشرة الرمان، حيث يكون من الصعب بقاء الحبات بشكلها الأصلي.
في هذا العمل، تتساءل جمانة عن معنى إعادة شيء إلى مكانه لاستعادة التوازن. ويمكن قياس هذه الفكرة على محاولة توطين الإنسان في غير وطنه الأصلي، أو إعادته إلى مكان طالت مدة ابتعاده عنه.
وتستخدم جمانة الرسم والفيديو والعروض الحركية والأغراض والنصوص للملاحة في مواضيع الذاكرة والفقدان والصمود. وتهتم بموضوعات الذاكرة التي يمكن قراءتها من خلال الجسد، ومن خلال الطقوس أو الممارسات الثقافية، والفولكلور ورواية القصة. وتعكس أعمالها دائماً المشهد الثقافي الفلسطيني الذي يستدعي الصراع من أجل الاستمرار في خضم سياق سياسي أوسع، حيث تتولد عملية متواصلة من الانسلاخ والابتكار.
على امتداد ما يقارب الستة أمتار، تتأرجح مئات "الرايات الفضية المهزومة" تبعاً لحركة مروحة مضبوطة حسب الهواء الذي تتعرض له، ويخضع لعامل السلطة الموقوتة. "لا راية في الريح تخفق"، هو عمل للفنانة المقدسية ميرنا بامية، التي استخدمت أعلاماً فضية من منظفات الأنابيب الفضية المشوهة وأوراق السوليفان، لترتبها على هيئة شبكة. ترمز ميرنا في هذا العمل إلى حراك الشعوب مع التيارات المختلفة وعدم مقاومتها لتأثير تلك التيارات.
ويذكر أن ميرنا قد أنهت درجتها الجامعية الأولى في علم النفس من جامعة بيرزيت وحصلت على ماجستير الفنون الجميلة من أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم في القدس، وبرنامج الدراسة المنزلية "أشكال ألوان" في بيروت.
وتحاول أعمالُها فهمَ وتأمُّل السياسة دائمة التحول، كما تطرح أسئلة حول مفاهيم الأرض والجغرافيات والوقتية بينها. وتبحث أعمالُها في سيناريوهات تستخدم لغة مجردة وساخرة، تكرسها كأدوات للتعليق السياسي.
حصلت بامية على جائزة فنان العام السنوية 2012 من مؤسسة عبد المحسن القطان، وجائزة قاعات الموزاييك في لندن.
ويتخلل المعرض عروض أفلام قصيرة وعروضاً موسيقية ومناظرات ومحاضرات. ويستمر المعرض في استقبال رواده حتى 30 أيلول 2018 يومياً عدا الجمعة والأحد من الساعة العاشرة صباحاً حتى السابعة مساءً.