رام الله – (مؤسسة عبد المحسن القطان – 23/4/2018)
نظمت مؤسسة عبد المحسن القطان، ضمن مشروع "الفنون البصرية: نماء واستدامة"، الأربعاء 18/4/2018 في رام الله، حلقة نقاش حول جمهور الفنون البصرية، بحضور ممثلي عدد من المؤسسات والمجموعات الفنية العاملة في قطاع الفنون البصرية ضمت مؤسسة المعمل للفن المعاصر، وحوش الفن الفلسطيني، ومركز خليل السكاكيني الثقافي، ومؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ومنتدى الفنون البصرية، وجامعة بيرزيت، ودار يوسف نصري جاسر للفن والبحث (بيت لحم)، وساقية للبحث التجريبي والتطوير (عين قينيا)، فيما شارك من قطاع غزة عبر الفيديوكونفرس، مجموعة شبابيك ممثلة عن اللجنة الفنية للاتحاد العام للمراكز الثقافية، ومجموعة التقاء.
وهدفت حلقة النقاش إلى الخروج بتصور لتطوير تدخل أو برنامج تدريبي قادر على الاستجابة لحاجات قطاع الفنون البصرية فيما يتعلق بمسألة بناء وتوسيع قاعدة جمهوره، وتعميق أثر عمل المؤسسات العاملة فيه.
وقد تم خلال هذا اللقاء تناول مسألة الجمهور في تعقيداتها ومستوياتها المختلفة، بحيث تفاوت تناول كل مؤسسة لمفهوم الجمهور، وذلك بناءً على طبيعة عمل تلك المؤسسة وبرامجها وفعالياتها المختلفة، بحيث لا يمكن الحديث عن الجمهور ككتلة واحدة ومتجانسة، بل هناك أشكال مختلفة من الجمهور، ومستويات متعددة من عملية تلقي العمل البصري والتفاعل معه، كما أن هناك مستويات متعددة ومعقدة للأثر الذي يمكن أن يتركه عمل هذه المؤسسات في المجتمع، والذي اتفق الجميع على أنه تراكمي ويحتاج إلى وقت.
وتم التركيز على التحديات المختلفة التي تواجهها مؤسسات الفنون البصرية على وجه الخصوص في بناء جمهور استراتيجي لهذا القطاع، وتناول للأسباب التي يمكن أن تقف وراء تلك التحديات، وربما يقف على رأسها الواقع السياسي، الذي يحول دون قدرة المؤسسة على التواصل مع قطاعات واسعة من المجتمع الذي تستهدفه، كما أن القيود المفروضة على العمل في الفضاء العام، سواء من الجهات الرسمية، أو بسبب قيود اجتماعية مختلفة، تحد من قدرة الأعمال البصرية على الوصول إلى قطاعات واسعة من الناس، هي أصلاً عرضة لكل أشكال الغزو البصري من ثقافة السوق، والثقافة المحافظة، وغيرها من التيارات المضادة والمقاومة التي تزيد من صعوبة عمل هذه المؤسسات. كما أن للإقبال على الإنتاج الثقافي وأشكال الفنون المختلفة علاقة وطيدة بالحالة الاقتصادية والوضع الاجتماعي للناس، الأمر الذي يدفع الثقافة والفنون إلى قاع السلم في أولويات بعض الفئات الاجتماعية، ولاسيما أن العمل الثقافي والفني، ومنذ اتفاقية أوسلو، قد فك ارتباطه الوثيق مع المشروع السياسي، بل غدا في موقع الناقد له، ما جعل العمل الفني يطور جماليات وأشكالاً ليست بالضرورة شعبية، أو قادرة على مخاطبة الذائقة العامة، ما يطرح على المؤسسات أسئلة وتحديات جديدة لها علاقة بمضامين وأشكال إنتاجاتها ومشاريعها، وعلاقة ما تنتج بالسياق العام الذي تعمل به وبهموم المجتمع.
وأجمع المشاركون على أن أي بناء حقيقي واستراتيجي لجمهور حيوي ومتفاعل مع الأشكال والممارسات الفنية المختلفة يجب أن يبدأ من البيت والمدرسة، وأن الدور الذي تلعبه وزارة التربية والتعليم حتى الآن في هذا المضمار، لا يساعد على ذلك، بحيث لا يزال تعليم الفنون في المنهاج المدرسي لا يشكل أي أولوية لدى صناع القرار، وهذا يتزامن مع فقر في الموارد التعليمية المتخصصة التي يمكن توظيفها في هذا المجال، ولاسيما تلك التي تستهدف فئة الأطفال والطلاب. ومن هذه التحديات، أيضاً، قلّة الموارد المالية المخصصة لقطاع الفنون البصرية والفنانين، وبخاصة تلك التي يحتاجها العمل المنظم مع الجمهور، كما أن المحتوى اللغوي والترويجي لمؤسسات الفنون البصرية يحول، في أحيان كثيرة، دون إقامة الصلة الضرورية أو إثارة الاهتمام ما يزيد من التصور السائد بأن الفنون البصرية تقتصر على النخبويين.
وأكد المشاركون أن مراكمة أثر نوعي على جمهور متنوع، عبر فترة زمنية طويلة، بشكل عضوي وبطيء، هو مؤشر أساسي لنجاح عملها في مجال الفنون البصرية، مشيرين إلى ضرورة مناقشة مفهوم معايير نجاح فعاليات الفنون البصرية السائدة والتقليدية، والخروج بمفهوم وأدوات قياس ومؤشرات جديدة أكثر ملاءمة لقطاع الفنون البصرية.
وخرج المشاركون بمجموعة من التوصيات في ختام حلقة النقاش كان أهمها: فتح باب الحوار مع وزارة التربية والتعليم ومعلمي الفنون حول مادة التربية الفنية في المدارس، ومناقشة محتوى مادة الفن وأسلوب تعليمها في المدارس، ودورها في خلق ثقافة بصرية نقدية.
وأكدوا أهمية وضع خطة استراتيجية تطور من أداء المؤسسات في توسيع وإدماج جمهور الفنون البصرية، وتقيس الأثر البعيد والقريب لدى التعامل مع الجمهور، واقتراح أساليب أكثر نجاحاً في اجتذاب الجمهور والمحافظة عليه وتوسيع قاعدته.
ودعوا إلى تحفيز إنتاج ونشر مواد إعلامية حول أنشطة الفنون البصرية عبر بناء قدرات الصحافيين في الكتابة والنقد في مجال الثقافة والفنون البصرية، والتفكير بأدوات إعلان جديدة ومتنوعة في الترويج للفعاليات البصرية.
وشددوا على أخذ فئة الأطفال بعين الاعتبار لدى قيام المؤسسات العاملة في مجال الفنون البصرية بتخطيط وبناء برامجها، حيث إن الطفل هو مدخل قوي لجذب العائلة بأكملها إلى دائرة الاهتمام بهذه الفنون، والأمثلة على ذلك واضحة، ولاسيما في مجال الموسيقى.
ولفت المشاركون إلى أهمية أن تراجع المؤسسات الطريقة التي اعتادت على العمل بها، وبناء برامجها على أساسها، وعليها أن تنظر بجدية في إمكانية إحداث تغييرات ولو بشكل بطيء وتدريجي، ليس على صعيد اجتذاب الجمهور وتوسيع قاعدته فحسب، بل على صعيد تفاعله مع عمل المؤسسة، وإن بمستويات متعددة، بحيث يصبح مشاركاً في عمليه الإنتاج، حيث يكون ذلك ممكناً.
واتفق المشاركون على ضرورة الاستمرار في تنظيم مثل هذا اللقاء لأهميته في إثارة الحوار، ودفع المؤسسات إلى التأمل في تجربتها وطرائق عملها، إضافة إلى تسهيل عملية التشبيك والتعاون، وربما العمل بشكل تكاملي من أجل تحقيق أثر أكبر وأعمق، ومواجهة تحديات العمل الكثيرة.
يذكر أنّ مشروع "الفنون البصرية: نماء واستدامة"، الجهة الداعية للاجتماع، هو أحد مشروعات برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان، بدعم من القنصلية السويدية العامة ممثلةً بالوكالة السويدية للتنمية الدولية (سيدا). ويستمر المشروع على مدار ستة أعوام (2017 - 2022)، ساعياً إلى تعزيز قدرة المؤسسات العاملة في حقل الفنون البصرية، وفرص استدامتها، وتطوير برامج تعلّم الفنون البصرية، وفرص البحث، وجعلها متوفرة لطلاب الفنون، والفنانين، والعاملين في الحقل الفني والثقافي، إلى جانب تمكين المؤسسات الفنية من تقديم الدعم للفنانين والعاملين في الحقل؛ وتوسيع دائرة جمهور الفنون البصرية في فلسطين. كما يسعى إلى بناء قدرات العاملين في هذه المؤسسات بحسب احتياجاتهم، وذلك في مجالات بناء الجمهور، والتقييم الفني، والاستدامة، والمتابعة، ... وغيرها.
هذا المشروع بدعم من: