رام الله- نظمت مؤسّسة عبد المحسن القطّان، الأربعاء 1/11/2017، لقاءً لتقييم مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة الذي تنفّذه المؤسسة بتمويل مشارك من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC).
وقد انطلقت الدورة الأولى من هذا المشروع الذي سيستمرّ على مدى ثلاث سنوات قابلة للتمديد، العام الماضي.
ويقدّم المشروع بشقّه الأول -بإشراف برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطّان- مجموعةً من المنح الماليّة لمؤسساتٍ ومجموعاتٍ فنيّة وثقافيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة من أجل تمكينها من تنفيذ رؤاها الخاصة لتحقيق أهداف المشروع المتمثلة بتعزيز المشاركة المجتمعية من خلال استعمال الفنون والثقافة؛ بينما تعمل فرقٌ من الباحثين والنشطاء المجتمعيين ضمن الشقّ الثاني من المشروع، بإشراف برنامج البحث والتطوير التربويّ في المؤسّسة.
ويهدف المشروع، بشكلٍ عام، إلى إبراز الدور الذي يمكن للثقافة والفنون تأديته لتشجيع المشاركة المجتمعية، ولإيصال صوت المجتمعات لصنّاع القرار.
المسرح يتكلّم
حين عرضت جمعيّة حكاوي في غزّة مسرحية حول معاناة امرأةٍ للوصول إلى الخدمات الطبيّة، تقدّمت سيّدة غزيّة من الجمهور إلى خشبة المسرح قائلة: "هذه قصّتي"؛ ثمّ روَت حكاية عنائها لاستصدار تصريحِ علاجٍ لابنها، الذي صدر فعلاً في النهاية، ولكن بعد فوات الأوان؛ بعد وفاة ابنها بأسبوعيْن.
اتبعت "حكاوي" أسلوب مسرح المضطهدين، الذي يعرض مشاهد واقعيّة لما يعانيه الناس من اضطهاد، ثم يناقشها في النهاية مع الحضور ليقترحوا حلولاً وتأملاتٍ للقضيّة المعروضة.
وكانت جمعيّة حكاوي، المنضمّة إلى مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة في دورته الثانية، قد عقدت لقاءاتٍ عدّة مع المجتمعات المحليّة لخمس مناطق نائية في قطاع غزّة، ووقع الاختيار على قضيّة الخدمات الطبيّة، بعد مناقشة عدّة قضايا اقتصاديّة واجتماعيّة وحقوقيّة أخرى. كما قدّمت الجمعيّة 17 عرضاً للعمل المسرحي الذي طورته لقيادة نقاش مجتمعي حول موضوع العناية الصحية، وإيصال صوت الناس إلى صنّاع القرار في مجال الصحّة والعاملين فيه.
لم تكن "حكاوي" الوحيدة التي وظّفت مسرح المضطهدين في المشروع، بل اتبّعه مسرح عشتار أيضاً في قرية الجفتلك. وانضمّ عشتار إلى المشروع في دورته الأولى، واستكشف العديد من القضايا المجتمعيّة في منطقة الأغوار، بعد إجراء بحثٍ ميدانيّ في المنطقة.
دعا "عشتار" 150 شخصاً من الأهالي للحضور، دون إعلامهم بأنّ هناك مسرحيّة، فحضروا مشهداً لطلبة يؤكدون أنّ الجفتلك لا تعاني من أيّ مشاكل، ولا ينقصها شيء. سرعان ما اعترض الجمهور وخلق المشهدُ التمثيليّ حواراً حول تحديّات الحياة في الجفتلك.
تبعت ذلك لقاءاتٌ حواريّة مع المزارعين والمزارعات والطلبة، مع تواجد ممثّلين عن مراكز صنع القرار، فتم طرح مشاكل مثل انتشار المخدرات وعمالة النساء في المستوطنات وتسرّب الأطفال من المدارس. قدّم مسرح عشتار خلال المشروع عروضاً مسرحيّة وفعاليّات ثقافيّة في المدرستيْن الابتدائية والثانويّة، إضافةً إلى تدريبٍ في مجال الدراما للشباب نتجت عنه حلقتا دراما إذاعيّة حول قضايا الجفتلك.
ثم تمّ تتويج هذا المشروع بعقد مؤتمر ليوم واحد تناول قضايا منطقة الأغوار والجفتلك، بحضور عدد من صناع القرار، وجرى تداول كثير من القضايا المهمّة التي تحتاج إلى متابعة حثيثة من قبل الجهات المعنيّة.
في سياقٍ متصّل، قدّم طلبة مدرسيّون وجامعيّون مدينتهم أريحا في مسرحيّة بعنوان "افتح الحقيبة" في الدورة الأولى للمشروع، مشكّلين فريقاً مسرحيّاً شبابيّاً يستمرّ في تدريباته حتى الآن لإنتاج مسرحيّة ثانية، ستكون -كسابقتها- نتاجاً جماعيّاً، يتشكّل نصّها من خلال لقاءاتٍ حواريّة دوريّة بمشاركة عددٍ من الأمّهات، يحمل أطفالهنّ القضايا التي يطرحنها، ثم يضعونها على المسرح، وذلك بعد تلقّي تدريباتٍ مع مختصين وباحثين في هذا المجال.
كما أنّ الدراما مكوّن أساسيّ في عمل مسرح "نَعم" بالخليل خلال دورتيْ المشروع الأولى والثانية. ففي الوقت الذي وظف فيه مسرح "نعم" الدمى في إثارة الحوار المجتمعيّ في عدد من قرى مدينة دورا وخِرَبها، فإنّه يوظّف حالياً الدراما في عدد من القرى والبلدات في منطقة الخليل أيضاً، من أجل تحقيق تواصل مباشر ما بين المواطنين والمجالس المحليّة والبلدية؛ لاسيما عبر إشراك المواطنين في التخطيط الاستراتيجي لمجالس هذه القرى والبلدات، التي لطالما استثنت المواطنين من المشاركة فيها في السابق.
وقدّم "نعم" العديد من العروض المسرحيّة والحلقات الحواريّة، التي كشفت الفجوة بين المواطنين وصنّاع القرار، بحيث يعتقد القائمون على "نعم" أنّ حلّ القضايا الخدميّة يحتاج تضافراً للجهود بين الطرفيْن.
مشاريع فنيّة متنوّعة
خاضت كلّ فرق المشروع لقاءاتٍ بحثيّة مع الأهالي في مرحلةٍ ما، ولم يكن من السهل اختيار قضايا محدّدة لإخراجها بطريقةٍ فنيّة، بسبب كثرة القضايا الملحّة وتعقيدها. لذا، كثّف فريق قلقيلية -مثلاً- عمله في عددٍ محدود من القضايا، موظّفاً الفنون البصريّة.
في قلقيلية، سيعمل كلٌّ من الباحثين والمعلّمين والناشطين في فريق المشروع على عمله/ـا الفنيّ الفرديّ، بعد أن أنتجوا في الدورة الأولى للمشروع معرضاً جماعيّاً بعنوان "اليد الثالثة".
من جانبها؛ تعمل المعّلمة المشاركة منار زيد على مشروعٍ بصريّ يصوّر قلقيلية كما تراها وتتذكرها، وصفت رحلتها قائلة: "كنت أشوف قلقيلية دون سلبيات، يوم ورا يوم صرت أروح جولات بالمدينة، وجدت صورتي عنها رومانسية جداً، أصبحت شيئاً عشوائياً. أغلب الأراضي الزراعيّة تمت مصادرتها، ولمّا تنفي الصفة الزراعية عنها؛ شو بقي من قلقيلية؟".
يحاور فريق المشروع في نعلين صورة بلدتهم بالطريقةِ ذاتها، من خلال لقاءاتٍ مع الطلبة والنساء والمعلّمين، بإشراف باحثين وفنّانين. واختارَ الفريق عدّة قضايا كمحدودية مشاركة الإناث بعد سنّ 12 عاماً في الحياة الاجتماعيّة في البلدة، وإرث الألعاب الشعبيّة الذي تحمله نعلين. كما أُنتج فيلمٌ وثائقيّ عن نعلين في المرحلة الأولى من المشروع يبيّن الدور المحوري الذي يلعبه حاجز الاحتلال على مشارف البلدة في حياةِ أهلها.
أمّا في قرية دير الغصون شمال طولكرم، فقال الأهالي إنّهم يسعون إلى إعادة قريتهم إلى مجدها وعزّها الثقافيّيْن؛ فقد قادت مؤسسة دار قنديل هذا المشروع بعد أن استطاعت حشد عشرات الشباب والشابات من أهل البلدة للانخراط فيه، وتنفيذ عناصره المختلفة والمركبة، ما قاد إلى انخراط فئات مجتمعية مختلفة من البلدة.
وتضمّن العمل في دير الغصون تنفيذ فعاليّات في الفضاءات العامة، مثل جداريّات من مخلّفات معاد تدويرها، وغيرها من نشاطاتٍ تطوّعيّة شاركت فيها النساء والرجال والمجموعات الشبابية. كما نظّمت دار قنديل، ضمن المشروع، العديد من اللقاءات والندوات التي شارك فيها شخصيّات ثقافيّة ومن صناع القرار.
وقدّمت أسرة من أهالي دير الغصون بيتاً قديماً لإقامة مركزٍ ثقافيّ في البلدة، ما زال قائماً وحيّاً بجهودِ مجموعاتٍ شبابيّة نشطة من القرية نفسها، حتى بعد انتهاء مشروع "ثلاثي أبعاد"؛ الاسم الذي اختارته دار قنديل لتدخلاتها المختلفة لتعزيز المشاركة المجتمعية.
يُذكر أنّ مجموعاتٍ ومناطق جديدة انضمت إلى المشروع في دورته الثانية، ولم يسبق لها أن شاركت فيه، منها جمعيّة الخيمة الفضيّة البدويّة التي تعمل في التجمعات البدويّة في منطقة العيزرية وعناتا والخان الأحمر، وجمعيّة حكاوي في عدد من المناطق المهمشة في قطاع غزة، إضافةً إلى فرق جديدة للمشروع في بلدة عنبتا شرق طولكرم، وقرية قطنّة شمال غرب القدس، وخان يونس في قطاع غزة.
يُذكر أنّ جمعية الخريجات الجامعيات/غزة قد شاركت في الدورة الأولى من المشروع، بحيث حازت الجمعية على منحة لتنفيذ مشروع سينما الخريجات الذي تمخض عن إنتاج ثلاثة أفلام تبعتها جلساتٌ حواريّة مع صنّاع القرار.
أحد الأفلام هو فيلم القرية البدوية (أم النصر) عن برك تجمع مياه الصرف الصحيّ، التي فاضت أكثر من مرّة، ما عرّض أهالي "أم النصر" لخسائر في الأرواح والممتلكات، وما زالت تشكل خطراً على حياة أطفالهم لقربها من منازلهم.
"مردوان" فيلم آخر يسلّط الضوء على حياة العائلات التي تعيش في الكرفانات، بعد أن لجأت إليها كبديل مؤقت، إثر تدمير منازلها خلال الحرب على غزّة العام 2014. ولم تنتهِ معاناة العائلات بوجود تلك الكرفانات الضيقة التي لا تفسح مجالاً للخصوصيّة، ولا تؤمّن أيّ استقرار.