"ارتباطٌ وثيق هو ذلك الارتباط ما بين قصّتي وفصل الخريف، ففيه وُلدت، وفيه تركتُ الوطن لبلادٍ لا أعرفُ أهلها ولا لغتها، وفيه ارتبطتُ بشريكةِ حياتي، وفيه بدأتُ عملاً اعتبرته تتويجاً لأحلام سنواتٍ طويلة من الدراسة والعمل"؛ هكذا اختار المعلّم يوسف جابر أنْ يصفَ حياته بكلماتٍ قليلة، الخميس الماضي "الخريفيّ"، خلال اللّقاء الثالث من البرنامج التدريبيّ في الثقافة السينمائيّة.
كانت المنسّقة في مؤسّسة عبد المحسن القطّان، ديما سقف الحيط، قد طلبتْ من المشاركين أن يسردوا حياتهم في نصّ أقصاه 150 كلمة؛ لذا كان عليهم أنْ يختاروا مقاطع مكثّفة ممّا عاشوه، وأن يستثنوا العديد من اللحظات؛ تماماً كما تفعل السينما، فكتبت المعلّمة سيرين الخالدي عن حلمها الماضي بأن تصبح طبيبة، وعدم قدرةِ أيّ من الأطبّاء على إنقاذ والدها من الموت إثر حادثِ سير.
أمّا المعلّمة منى جرجاوي؛ فكتبتْ عن حلمِ الصغر بأنْ تكونَ فنّانة، الذي لاقى استهزاءً ممّن حولها، فأصبحت معلّمة؛ لتقول اليوم: "أفكّر دائماً بطريقة الفنّان، أشعر أنّي أنقشُ على طالباتي كأنّهنّ لوحة فنيّة".
ووصف المعلّم لؤي خليل أوّل فرحةٍ عاشها، حين حصلَ على المرتبة الأولى في المرحلةِ الثانويّة في مدرسته، وتكريماً له؛ أهداه مدير المدرسة مبلغاً ماليّاً، فما كان منه إلّا أن ذهبَ إلى السوق؛ ليبتاعَ بدلةً رسميّة ويهديها لوالده.
شارك المعلّمون والمعلّمات لحظاتٍ مهمّة من حياتهم، وكثّفوها في نصوصٍ قصيرة، ووجدوا أنفسهم يمارسون رقابةً ذاتيّة على أنفسهم أحياناً؛ فقالت سقف الحيط في هذا الصدد: "المواضيع إللي قلبك بينخزك لمّا تفكّر فيها، وما عندك رغبة تحكيها ... هي الأشياء المهمّة"، مدلّلةً على أنّ القصص التي نُحسنُ سردها وكتابتها، هي قصصنا نحن.
التدخّل الاجتماعيّ
عرضَ المخرجُ جورج خليفي، المشرفُ على المرحلة الأولى من البرنامج التدريبي: "كتابة السيناريو"، فيلماً قصيراً نرويجياً بعنوان "AMOR"، إضافةً إلى عدد من الأفلام التي تندرج تحت مسمّى أفلام "التدخّل الاجتماعيّ"، وهي تلك التي تطرحُ قضيّة اجتماعيّة للنقاش وتستعرضُ وجهة نظر فئةٍ معيّنة فيها، وتناول الفيلم الأول موضوع التمييز استناداً إلى اللون، الذي يُمارس على طفلةٍ سمراء البشرة "لا تشبه فلقة الجبنة" حسب جارتها، والفيلم الثاني حولَ طفلٍ يغدقه الجميع بالمحاضرات حول ضرورة تغيير سلوكه، من أمّه إلى جدّه وصولاً إلى معلّمته.
ناقشَ المعلّمون المواضيع الواردة في الأفلام مع المخرج خليفي، طارحين سؤالاً حول ما إذا كان عرضها سيعزّز التصرّفات السلبيّة التي تمارسها شخصيات الفيلم لدى الأطفال، أم سيعلّمهم ألّا يقبلوا كلّ ما يشاهدونه؛ بل أن يكونوا مستعدّين دائماً للنقاش.
الشراكة الفلسطينيّة الأردنيّة
يستطيع برنامج الثقافة السينمائيّة أن يُريكَ الشراكةَ الحقيقيّة بين مؤسّسة عبد المحسن القطّان ومبادرة "مدرستي"، بدلاً من الحديثِ عنها مطوّلاً؛ فهما تدفعهما رؤية مشتركة، ورغبة من "القطّان" في استكمال برنامج السينما في التعليم الذي بدأته العام 2012 -ولكن واجه صعوبةً في تكثيف العمل في منطقةٍ واحدة- فجاء إيمان "مدرستي" بقدرة الصورة على إيصال الطلبة والمعلّمين إلى حالة تعليميّة نقديّة، ويدعمه فريق معلّمي المبادرة في القدس؛ حيث يتركّز عملها؛ فتبلورَ برنامج تدريبيّ طويل يشارك فيه معلّمو "مدرستي" ومجموعةٌ من المعلّمين الذين يعملون مع "القطّان" معاً.
وفي سياقٍ متصّل؛ قالت سقف الحيط: إنّ مراكمة العمل والإنتاج في مجال "السينما في التعليم" أصبحا أسهل بالشراكة مع مدرستي، وأتيحت الفرصة للقطّان للوصول إلى العاصمة عبر قناةِ اتصالٍ جديدة.
بدوره؛ قال رامي مشعشع مدير المبادرة، إنّ هذه الشراكة هي ضمن وحدة تدريب المعلّمين في "مدرستي"، التي تُعدّ ركيزةً أساسيّة في عمل هذه المبادرة التي أطلقتها الملكة رانيا العبدالله العام 2010؛ إضافةً إلى صيانة وتأهيل البنى التحتيّة لستّ وعشرين مدرسة مقدسيّة، وبرنامج النشاطات الطلابيّة الداعمة المختصّ في تشكيل مختلف النوادي الإبداعيّة في المدارس.
يُذكر أنّ هذا اللقاء هو ضمن سلسلة لقاءات مجموعها 114 ساعة تدريبية، وستستمرّ لغاية شهر نيسان من العام 2017، ضمن برنامج تدريبي في مجال إعداد الأفلام، بحيث ينخرط المعلمون في عمليّة إيجاد الفكرة وكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج، بإشراف مخرجين سينمائيين محليين، وفريقٍ من "القطّان" و"مدرستي" لينقل بذلك المعلمون التجربة للطلاب بالتزامن مع فترة التدريب.