في الذكرى الأربعين ليوم الأرض الذي يصادف 30 آذار من كلّ عام، التقى الإنسان مع الأرض والطبيعة، ليؤكد ارتباطه الوثيق بهذا الفضاء الذي لا تحده الحواجز؛ وقد أحيا مركز المعلّمين في نعلين/ برنامج البحث والتطوير التربوي، ذكرى يوم الأرض، الجمعة الماضي، كما اعتاد أن يفعل كلّ عام، ولكن بطريقةٍ غير تقليديّة.
فقد شارك في إحياء الذكرى ما يقارب 75 مشاركاً ومشاركة من فئات عمريّة مختلفة، جاؤوا من مناطق مختلفة هي الناصرة، وعرابة البطوف، وسخنين وأبو سنان، ورام الله، والخليل، إضافة إلى نعلين والقرى المجاورة، وعبَّروا بالحوار والفن والموسيقى عن ارتباطهم بالأرض، وتوقهم للحرية، من خلال تنفيذ أنشطة في حضن الأرض وأركانها.
تجمع المشاركون في قلعة دار الخواجا، وتم التعرف على مركز المعلمين في نعلين ونشاطاته والفئات التي يستهدفها من معلمين وطلبة ومجتمع محلي، ثم سار المشاركون في جولة داخل القلعة للتعرّف على تاريخها وهويّتها الفلسطينية.
ومن جولة في التاريخ إلى أخرى في الطبيعة للانطلاق بفعاليات يوم الأرض؛ حيث سار المشاركون في الجبل ما يقرب من كيلومترين حتى وصلوا إلى منطقة "زبدة"؛ وهي منطقة أثرية تعود إلى العهد الروماني، وبعد التأمل في المكان، انخرط المشاركون في مجموعات ناقشوا خلالها يوم الأرض كواقعة تاريخية، من حيث توقيتها ومكانها وسببها، والشهداء الذين ارتقوا إثرها، كما تناول النقاش مجموعة من القضايا كالتحرّر، والإنسانية، والوحدة، والعنصرية، والتضحية، إضافة إلى الخوض في ارتباط الفرد بالمكان، كما ناقشوا التطورات التي تراكمت على هذه الذكرى وصولاً إلى الوضع الحالي.
وبقدر ما كان في الحوار من دمجٍ للتجارب والمعرفة؛ كان لا بدّ من توثيق التجربة، فقام كلّ مشارك بانتقاء حجر؛ الذي يعد رمزاً للأرض وللنضال الفلسطيني، ثم بعد تجميع الحجارة بدأ المشاركون برسم أفكارهم عن الأرض بالريشة والألوان، كأن يرسم شاب جملاً يعبر به عن منطقة العراقيب الصحراوية المهدّدة بالهدم وبترحيل أهلها، وآخر يرسم شجر زيتون، وأخرى ترسم مفتاحاً أو خريطة الوطن، وطفل يرسم جدار الفصل العنصري، وغيرها الكثير من الرسومات المحمّلة بالمعاني.
وترافق الرسم مع عود الفنّان أسامة دياب الذي غنّى للأرض والثورة والحب، وشاركته الناشطة سلام طه في بعض الأغنيات، وعلى بُعد بضعة أمتار كانت أكلات فلسطينيّة تُطهى على الحطب، إحياء لتراث المطبخ الفلسطينيّ.
وما إن اكتملت لوحة الفنون التي تشكلت من الحجارة والعود، حتى تبعتها أنغام وتر الموسيقيّة لبنى طه على آلة التشيللو، وقد أثرت اللقاء بالموسيقى الكلاسيكية العربية والعالميّة.
وعبر المشاركون عن أهمّية هذه الفعاليات؛ فقال محمود أبو صالح الطالب والناشط من سخنين: "اللقاء أسعدني لما فيه من تعارف على مجموعات مختلفة، وممارسة الرسم، وسعيد بالمرور بتجربة غنية".
وأثنى على ذلك حسام كناعنة ممثل عن جمعية البيادر في عرابة البطوف، الذي يأمل بإمكانية تنظيم لقاء مع المركز في الداخل الفلسطيني، لكي يستمر التواصل في جميع المناطق.
وأضافت المشاركة ختام الخواجا أنه كان لقاء ممتعاً ومفيداً، وكان من الضروري الاندماج بشكل أقوى، إلا أنّ اللقاء استطاع أن يحقق أهدافه المتمثلة بالتعارف والارتباط بين أبناء الشعب الواحد.
وبعد انتهاء النشاط، ارتأى المشاركون إمكانية فتح فضاءات للتلاقي والعمل المشترك في أنشطة ثقافية وتربوية، وغادروا المكان في نهاية اليوم عائدين إلى قراهم ومدنهم، تاركين أثرهم في هذا المكان؛ ليكون شاهدا عبر الأجيال على وجود الإنسان في الأرض، وحقه، كفلسطيني، في امتلاكها والتنقل فيها دون تصنيفات الاحتلال وقمعه.
ويهدف مركز المعلّمين في نعلين من خلال هذه الفعالية إلى التقاء الفلسطينيين من جميع المناطق، لاسيّما الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة العام 1948، إضافة إلى تحفيز المعلّمين نحو الانخراط مع المجتمع خارج نطاق الغرفة الصفيّة، كما يحيي المركز نشاطاته في مقره القائم في قلعة دار الخواجا التاريخية، ما يتيح خدمة الفكرة التي رممت من أجلها القلعة، وذلك من خلال النشاطات التي أقامها المركز في هذه المناسبة وفي مناسبات أخرى على مدار سنوات من استضافات لفنانين وأعمال مسرحية مثل: الفنان عامر خليل في مسرحية محمد علي طه، والفنان محمد بكري في مسرحية المتشائل، وفرق غنائية: كفرقة عشاق الشيخ إمام، وفرقة بيلسان ... وغيرها.