الباب الذي تدخل منه لحضور فيلم ما، لا تخرج منه نفسه، وهذا ما يطمح له برنامج السينما في قرية نعلين، التي تقع غرب مدينة رام الله. في تلك القرية المحاطة بالمستوطنات، التي تتحدى المركزية الثقافية للمدن، يعمل مركز نعلين للمعلمين التابع لمركز القطان للبحث والتطوير التربوي، على تنفيذ عروض أفلام في القرية، ضمن برنامج السينما في التعليم، ويشارك في هذه العروض حوالي 13 قرية محيطة في نعلين، إذ أصبح المركز يشكل نواة وحركة ثقافية في كل تلك المنطقة.
المركز يأتي بأفلام فلسطينية وعالمية، بعضها لا يزال يعرض في دور سينما، وكان آخرها عرض فيلم "المطلوبون الـ 18" للمخرجين عامر الشوملي وباول كوين، الذي عرض مساء يوم الخميس الماضي.أكثر من 100 شخص من معلمين وطلاب مدارس وجامعات وأطفال وأهالي القرية والقرى المجاورة لنعلين،حملوا شغفهم وحماستهم وذهبوا وأبناءهم أو أصدقاءهم لحضور عرض الفيلم الذييروي تجربة العصيان المدني خلال الانتفاضة الأولى، حيث كان الجيش الإسرائيلي يطارد 18 بقرة.
وتدور أحداث الفيلم في بيت ساحور، التي كانت مركز الحدث، وشكلت نموذجاً لشكل المقاومة السلمية، والتكافل الاجتماعي، والاكتفاء الذاتي.
وما ميز هذا الفيلم أنه شكل أيضاً نموذجاً جديداً لنمط إخراج الفيلم الوثائقي، من خلال الرسوم المتحركة للشخصيات والبقرات، ودمج الأسلوب، بحيث بدت الشخصيات حقيقية جداً.
يتحدث في الفيلم أشخاص وأهالٍ من بيت ساحور عايشوا تلك الفترة، وشاركوا في العصيان المدني. البقرات الـ 18 يصبحن مطاردات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث استخدمها أهالي بيت ساحور لإنتاج الحليب ليصبح بديلاً عن المنتجات الإسرائيلية. البقرات تتنقل من بيت لبيت حيث يخبئها الأهالي بعيداً عن أعين الجنود، وتصبح البقرات مشاركات في النضال الفلسطيني.
تتغير مجريات الفيلم ويسود جو من الإحباط والحزن عند توقيع اتفاقية أوسلو، واستشهاد "أنطوان"، أحد الشباب المناضلين الذي تحدث عنه الفيلم.
ينتهي الفيلم بأسئلة مفتوحة وغير مباشرة عن مصير البقرة التي هربت. يقول المخرج عامر الشوملي في نهاية الفيلم "مضت 20 سنة الآن، لعلها أصبحت بقرة مسنة، تعيش في إحدى تلك الكهوف، ربما تفكر في العودة إلى بيت ساحور، أو لعلها ماتت، وأنا أطارد شبحاً. لكن كي تشعر أحياناً بأن الحياة تستحق أن نعيشها، لابد من الإيمان بفكرة ما، وأنا قررت أن أؤمن ببقرة بيضاء تعيش في كهف".
وخلال النقاش الذي تبع الفيلم، اعتقد البعض أن البقرة الصغيرة التي هربت رمزت إلى الأمل، واستمرار النضال الفلسطيني. وتم عرض نماذج مقاومة مشابهة من قرية نعلين في فترة الانتفاضة الأولى سادها التكافل الاجتماعي، والعصيان المدني، والاكتفاء الذاتي، منها تجربة إنتاج دجاج بياض، وفكرة خياطة الأعلام وشراء القماش لاستخدامه في المظاهرات، حيث كانت النسوة يدرزن الأعلام بالخفية، إذ كان يعتبر عملاً سياسياً خطيراً.
ودار جدال عن الوضع الحالي الذي تغيب فيه المثل العليا، وتطغى المصلحة الشخصية على العمل الوطني، وما يحدث من تهميش لطاقات الشباب، ولم يعد هناك تكافل اجتماعي كالسابق، وأصبح الناس يعيشون في بيوت حديدية منفصلة عن بعضها البعض.
وتقول أمل صلاح ربيع إحدى المشاركات في الفيلم، تخصص تربية ابتدائية التي جاءت برفقة ابنتها "هبة"(13 ربيعاً) لمشاهدة الفيلم: "الفيلم مؤثر جداً، ولكن في النهاية الأمل موجود، والبقرة الصغيرة مثلت ذلك الجيل الجديد".
وتتحدث الابنة: "لقد أعجبني الفيلم جداً، فهو يحكي عن فترة الماضي، وكيف كان هناك تشجيع من الأهالي لبعضهم البعض، وهذا ما نفتقره الآن".
وتعلق صفاء عميرة إحدى المشاركات أيضا "الفيلم أعجبني جداً، فهو مؤثر على الصعيد الشخصي والوطني، وأعجبني أيضاً أسلوب الإخراج وعرضه باللغتين العربية والإنجليزية".
أما يوسف ومحمد الخواجا منسقا عمل المركز، فيعتبران "أن جزءاً مهماً من عمل المركز هو عرض الأفلام الذي يأتي ضمن مسار السينما في التعليم، بحيث يتم العمل على الجانب الثقافي والتوعوي والتربوي لدى الأهالي والطلاب والمعلمين، ويُطمح في المستقبل إلى تطوير هذا البرنامج من برنامج عروض سينمائية إلى إنتاج أفلام سينمائية، إذ لمسنا أهمية تأثير السينما في حياة الناس".
وتجدر الإشارة إلى أن مركز نعلين عرض في الفترة السابقة أفلاماً مثل: حجر سليمان، رؤوس الدجاج، ذاكرة الصبار، وسادة، وغيرها العديد. كل ذلك كجزء من توفير الأفلام للمجتمع، بحيث تصبح جزءاً من الثقافة السائدة، وتعرض في أماكن عامة ومفتوحة أمام الجميع بشكل مجاني. ويحرص البرنامج على عرض أفلام تناقش قضايا اجتماعية إنسانية وعالمية مهمة، وتمس حياة المواطنين، كقضايا الحرية، والعدالة، والتربية، والتعليم. ويأتي هذا البرنامج كجزء من عمل ضخم يقوم به المركز ضمن برنامج التكون المهني مع المعلمين، وفعاليات مع الأطفال وطلاب المدارس الفلسطينية، ومهرجانات في العلوم وغيرها من إحياء لفعاليات متنوعة أبرزها يوم الأرض.