كتب يوسف الشايب:
لم تكن إطلالة الإخوة عشراوي، مؤسسي فرقة "البراعم" في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من القدس، فرصة للجمهور للتعرف على هذه التجربة الريادية على الصعيدين الثقافي والتنويري والسياسي والتاريخي أيضاً، بل فرصة للقاء أعضاء الفرقة الذين تشتتوا بين قارات العالم، أو عدد منهم، بعد فراق تواصل لقرابة النصف، وهو ما كان مؤثراً بالنسبة لهم وللحضور من أجيال مختلفة، امتلأت بهم كما بأحاديث "البراعم" وذكرياتهم وموسيقاهم، قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله، مساء أول من أمس.
وتأسست الفرقة من الأشقاء الثلاثة إبراهيم وسمير وإيميل عشراوي في العام 1966، وتراوحت أعمارهم، حينذاك، ما بين 14 و17 عاماً، لتنضم إليهما في وقت لاحق الشقيقتان سميرة وألكسندرا عشراوي، وقبلهما وبعدهما عدد من الفنانين، من أبرزهم: جورج قرمز، وداود سعادة، وميرا رزق، وأيلين رزق، وجوني رزق، وفرانسوا فرح، ووليام بسكرجيان، وغيرهم.
وأشار إيميل عشراوي إلى أن عرضاً لفرقة سبقتهم في عزف الروك، كانت تحمل اسم "فلينت ستونز"، احتضنته قاعة سينما الحمراء وقتذاك، أثّر عليهم كثيراً، بحيث قدّمت الفرقة التي من بين مؤسسيها سيروب أوهانسيان، أغنيات فريق "البيتلز" الشهير في تلك الفترة، ما أبهر إيميل وشكل حافزاً بالنسبة له لتأسيس فرقة، فتعلم على يد زميله في المدرسة أسامة حداد، ومن ثم قام بتعليم شقيقه سمير، قبل أن ينضم إليهما شقيقهما إبراهيم، ويبدأ مشوار الفرقة.
وكشف عشراوي أن الفرقة بداية تأسست تحت اسم أجنبي هو "سكست بور أند بير"، وهو اختصار لأدوار قدّمها الأشقاء الثلاثة في المسرح المدرسي، وأنه بناء على حوار أجرته معهم إذاعة القدس وكانت تتبع الأردن ما قبل احتلال العام 1967، وقدموا فيه عديد أغنياتهم بالإنكليزية، انضم إليهم فرانسوا فرح، الذي قرع باب منزلهم معرباً عن رغبته في الانضمام للفرقة بعد أن كان استمع للقاء، وكان ذلك في ذات العام الذي احتلت فيه القدس، ولم يكن يجيد العزف أو الغناء، ولكنه انضم للفرقة بعد أن تعلم العزف والغناء، وأحضر معه صديقه اليوناني، ليتحول اسم الفرقة إلى "فليغرز فايف".
من وقتها بدأت تتوسع الفرقة التي حملت اسم "بلومز" لاحقاً كواحدة من أشهر فرق الروك الفلسطينية التي جالت غالبية المدن والقرى والمخيّمات تحت اسم "البراعم"، حتى عرضها الاختتامي في العام 1976، بحيث أسدل الستار على الفرقة في ذلك العام، لأسباب تتعلق بسفر العديد من أعضائها إلى خارج البلاد، ومن بينهم بعض مؤسسيها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وآخرون لأسباب اجتماعية عائلية أو مهنية.
وحول التحوّل الذي كان في العام 1973 إلى الغناء بالعربية على أنغام الروك، أشار سمير عشراوي إلى أنه من جهة كان بتأثير من أغنيات فيروز القصيرة من ألحان الأخوين رحباني، وهي تصلح لتكون شرقية وغربية في آن، ولإدراكهم بقدرتهم على كتابة الأغنيات بالعربية كما الإنكليزية، كما الاستعانة ببعض أشعار لكتّاب آخرين على قلّتهم، وأنهم واصلوا غناء "الروك العربي" بعد نجاح التجربة، مقدمين شهادات عدّة حول ذلك الحفل الذي كان في قاعة جمعية الشابات المسيحيات بالقدس، وسط حضور كثيف للغاية، وتحديداً في السابع والعشرين من كانون الأول، وهو اليوم الذي كشف إيميل أنه شهد تعارفه الأول بحنان عشراوي زوجته، والتي كان منزلهما لاحقاً المساحة الأبرز لتدريبات أعضاء الفرقة، بعد أن كان التدريب في منزل عائلة عشراوي في قلب القدس.
ولفت عشراوي إلى أن تلك الفترة كانت تشهد حراكاً ثقافياً مهماً كواحد من أدوات المقاومة السياسية والاجتماعية، وبالتزامن مع نهضة في العمل السياسي أيضاً، علاوة على ذلك النضوج الفكري وهو ما "عمدنا إلى التعبير عنه بالأغنية"، إضافة إلى انتعاش العمل التطوعي حتى على صعيد الفرقة لدرجة أننا كنا نقرع أبواب منازل القدس لبيع تذاكر الحفلات، وهو ما أكد عليه شقيقه سمير، وعضوة الفرقة التي شاركتهم الحديث أيلين رزق، وهو ما اتضح أيضاً من شهادات عبر "زووم" لكل من إبراهيم وسميرة عشراوي وجون، وشهادات لمن حضروا من داخل الوطن وخارجه خصيصاً لهذه المناسبة كداود سعادة ووليام بسكرجيان، ولحفل الفرقة ضمن فعاليات مهرجان "وين ع رام الله"، بعد أيام، وكان تأجل بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
كان الجمهور كبيراً لفرقة "البراعم" بشكل لافت، حسب شهادات أعضاء الفرقة، وكان النقاش حول ما تقدمه من جديد حضارياً عبر مقالات لكتابات في صفحات الجرائد، لكن الغالبية، وحسب آيلين رزق كتّاب، فإنه كان يتم التعامل معهم كحالة ثورية مقاومة للاحتلال، الذي كان، وفق إيميل عشراوي، يلاحق الفرق المسرحية والشعراء أكثر من الموسيقيين، في نهايات ستيينيات القرن الماضي وسبعينياته، إلا أن جنود الاحتلال قاموا بتمزيق ملصقات الحفل، وقتذاك.
وقدّم الأخوان إيميل وسمير عشراوي رفقة أعضاء فرقة "مفر" والمغنية مايا الخالدي، أغنيتين من أغنيات "البراعم"، الأولى بعنوان "بعدنا"، وهي من محاولات فرقة "البراعم" لتقديم "فيروز" والرحابنة على طريقتهم الخاصة، والثانية "جئت من الطريق" وهي من ألحان الأخوين إيميل وسمير عشراوي.
وكانت الأمسية انطلقت بكلمة ترحيبية لفداء توما، المدير العام لمؤسسة عبد المحسن القطان، شددت فيها على أن هذه الحوارية والأغنيات المرافقة لها، هي بمثابة نافذة لي وللكثيرين للإطلالة على فترة أعتبرها عظيمة من تاريخ النضال الثقافي الفلسطيني، حيث أنه في سبعينيات القرن الماضي، كان الحراك الثقافي، والإبداع، والفكر التقدمي والمقاوم والمنفتح على العالم، سيّد الموقف، ولذا فهذه النافذة مهمة للغاية في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها هذه الأيام على أكثر من صعيد، من بينها ما يحدث من تغوّل للاحتلال على أكثر من صعيد، علاوة على تعرّض العديد من المؤسسات الثقافية والفنانين للعنف والتهديد، وسط تراجع واضح لتلك الحالة الحضارية التي تشكل "البراعم" واحداً من تكويناتها المهمة.
المصدر: جريدة الأيام | نشر بتاريخ 20-08-2022