تنقلوا بين أزقة بلدة عقربا ولامسوا بعيونهم الصغيرة جدرانها ليرووا حكاية المكان، ويرصدون بشغفهم قضايا مجتمعية عدة مخبأة بين أحيائها، حيث ساقهم الفضول إلى مجالسة أهالي البلدة ومحاورتهم مجتمعياً لمعرفة ما تخفيه البلدة من حكايات وقضايا يمكن تجسيدها عبر أنشطة وفعاليات مجتمعية عدة، ضمن مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية الذي تنفذه مؤسسة عبد المحسن القطان، بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)، وبالتعاون مع المركز النسوي في عقربا.
وضمن جولات ميدانية قادها عدد من طلبة المدارس المشاركين في المشروع في مواقع عدة في بلدة عقربا بمحافظة نابلس، تعرفوا خلالها على آراء أهالي البلدة حول ما يميز منطقتهم وما تحتاجه، وكيف يرون قريتهم في المستقبل، وذلك عبر مشاركتهم في استطلاع للرأي هدف إلى إحداث حراك مجتمعي بالشراكة مع سكان المنطقة، على أن يتم تمثيل ذلك من خلال الفن.
وتم جمع تلك الآراء وتصنيفها ووضعها ضمن سياق شامل يضم القضايا الي تُعبر عن الطلبة أنفسهم ومحيطهم، من أجل بناء صورة أعمق عن طبيعة القرية، وما يمكن عمله في المرحلة القادمة.
ولم يكتفِ الطلبة بمحاورة الأهالي والاستماع لهم، بل لجأوا إلى استخدام الفن كأداة للتعبير عن القضايا المجتمعية العالقة في بلدتهم، والتي تعبر عن أفكارهم وتطلعاتهم، من خلال مشاركتهم في ورش إنتاجية مع الفنان علاء البابا، بهدف رسم جدارية مجتمعية في وسط البلد، تعكس قضاياهم وتطلعاتهم وأحلامهم.
"كن أنت ولا تكن نسخة عن الآخرين" ... جملة خطها أحد الطلبة خلال ورشة للرسم على ألواح الكرتون، تجهيزاً لتضمينها بفحواها الرمزي في الجدارية التي سترسم على أحد جدران البلدة، والمستوحاة فكرتها من لعبة "السلم والثعبان". إذ قام المشاركون خلالها بكتابة عبارات عدة ذات دلالات رمزية، ورسم لوحات صغيرة في 65 مربعاً، عبروا من خلالها عن أفكارهم وما يريدونه من بلدتهم ومحيطهم، مستخدمين بذلك ألواناً جاذبة (أزرق، أحمر، أصفر، أخضر، أبيض)، تترك للناظر متعة التأمل والتفكير، وشملت رسوماتهم معاني الحرية، والأمل، والأحلام البسيطة المؤجلة.
يذكر أن الجدارية تضم 100 مربع، وفي كل مربع ترقد حكاية يسردها أحد الطلبة، فإما تعبر عن قضايا تمسهم وتُعبر عن ذاتهم، وإما قضايا تمس محيطهم وما تواجهه البلدة من صعوبات وقيود يفرضها المجتمع، حيث طالب البعض منهم بتوفير أماكن للتفريغ كـ"مراكز تعليم الموسيقى، وملاعب كرة قدم، ودرّجات هوائية".
بدوره، أوضح الفنان علاء البابا، أن المسار المجتمعي قد بدأ بمرحلة التجريب وصناعة مربعات الكرتون وكتابة النصوص، والتفكير بما سيتم وضعه داخل تلك المربعات، وأين يبدأ السلم وأين ينتهي الثعبان، مشيراً إلى أن فكرة الجدارية برزت خلال النقاشات والحوارات والتمارين التي انخرط فيها الطلبة خلال التدريب، حيث تم تعليمهم طرق الرسم والتعبير وتحويل النصوص إلى أيقونات ورموز متعلقة بالرسمة التي يتوقع إنجازها بعد انتهاء اللقاءات التدريبية، كما ستتم طباعتها للاستفادة منها واستخدامها كلعبة لتقوية التفكير والإبداع.
وعن اختيار لعبة "السلم والثعبان" كأداة لتجسيد الفكرة، قال البابا: "السلم يُجسد الصعود لتحقيق الفكرة، والثعبان يرمز للمصاعب التي تتم مواجهتها من أجل تحقيق تلك الفكرة، وهذا ما سنعكسه من خلال الحديث عن القضايا المجتمعية التي يطرحها الطلبة".
وأكد منسق الموقع في عقربا، حمزة عقرباوي، أن فعالية رسم الجدارية قد تُحدث تدخلاً واضحاً وحقيقياً في تناول القضايا المجتمعية المهمة في بلدة عقربا، حيث تفتقر البلدة لأي نشاط ثقافي يلامس هموم أهلها، ويطرق بابهم، ويتحدث عن قضاياهم، غير أن البلدة تفتقر للأماكن الترفيهية والتفريغ النفسي التي يحتاجها أهالي البلدة، وقد تتوفر ولكن ضمن نطاق محدود. كما تساهم النشاطات في تعزيز روح التطوع وتعميق الفكر والإبداع.
وقال عقرباوي: "البلدة لم تستكشف ثقافياً، كما أن المشروع هو تحدٍ بالنسبة لنا ولأهالي البلدة، حيث اعتادوا على ممارسة نشاطاتهم ضمن قوالب وعادات اجتماعية معينة، ولكن رغم الصعوبات لا بد أن نستمر".
من ناحيته، قال عبد الكريم حسين منسق المشروع: انخرط فريق المشروع في عقربا في عملية بحث اجتماعي تخللها بناء خريطة للقرية، يظهر عليها أهم المعالم الأثرية، والقضايا الاجتماعية، وأهم الأحداث التي مرت على البلدة، للبحث عن ممكنات البلدة، والثيمة التي يمكن الانطلاق منها نحو مشروع مجتمعي، نابع من الناس أنفسهم، ويجسد البلدة وتاريخها، ويقدمها بصورة مغايرة من خلال توظيف الفن كفعل مجتمعي. وتأتي الجدارية كجزء من طبيعة وشكل المسار الفني الذي يخطط فريق المشروع لتنفيذه في عقربا.
يُذكر أن المشروع ينفذ على شكل ثلاثة تدخلات: التدخل الأول: تنفيذ مبادرات مجتمعية يقودها المعلمون والطلاب معاً؛ التدخل الثاني: مسار المواقع عبر تكوين فريق يضم منسقاً، وباحثاً، وفناناً من المواقع التي ينفذ فيها المشروع، وهي: عقربا في نابلس، عقابا في طوباس، موقع في جامعة الأقصى فرع خان يونس في قطاع غزة؛ التدخل الثالث: عبر تقديم المنح الماليّة لمؤسساتٍ ومجموعاتٍ فنيّة وثقافيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة؛ من أجل تمكينها من تنفيذ مشاريعها الفنية، الأمر الذي يساهم في تحقيق أهداف مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية المتمثلة بتعزيز المشاركة المجتمعية عبر توظيف الفنون والثقافة.