*هبة برقان ورامي محتسب
جانب من زيارات المدارس إلى استوديو العلوم، مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله. |
استوديو العلوم هو فضاءٌ إبداعيّ يجتمع فيه العلماء والفنانون والمهندسون والمعلّمون والفنيّون لتفاكر ونمذجة أفكار لمعروضات علمية تفاعلية وتصنيعها وعرضها للجمهور العام. وهو أحد المشاريع التي ينفذّها برنامج البحث والتطوير التربويّ في مؤسّسة عبد المحسن القطان الذي يسعى إلى وضع الحجر الأساس لإنشاء مركز علومٍ تفاعليّ في فلسطين.
|
تبحث المتاحف ومراكز العلوم دوماً عن فرصٍ لجذب المزيد من الزوّار من خلال توفير مجموعةٍ متنوّعةٍ من التجارب التعلّمية غير الرسمية عبر معارضها وأنشطتها وبرامجها. إن هذا النوع من الفضاءات يتيح للزوّار التعلم واللّعب والتفاعل مع غيرهم ومع محيطهم في بيئة تعلّم جوهرها الاختيار الحرّ (free-choice) (Chang, E., 2006; Lundgren & Crippen, 2019). ولتحقيق ذلك، تعمل طواقم العمل في المتاحف على تصميم بيئات التعلّم في المتحف، بحيث تخدم أغراضاً عامة وأهدافاً غير محدّدة (Allen, S. et al., 2007)، حيث أكّدَت تشانغ (2006) على ضرورة أن توفّر هذه البيئات تجارب تعلّميّة هادفة. إضافةِ إلى ذلك، فإنّ على هذه البيئات مراعاة السياقات الثقافية للتعلّم لدى الزوّار، مثل معرفة القيم والمعايير للثقافة المختلفة واحترامها.
تهدف المتاحف إلى تشجيع مشاركة الزوّار في جوانب متعدّدة من أنشطتها، وتحاول توسيع دورها ليتجاوز نقل المعرفة ليشمل انخراط ومشاركة الجمهور داخل المتاحف. فقد لخّص كلّ من دُودْ وساندل وسكوت (2014) خبرة الزائر والقيم التي يقدّمها المتحف ضمنَ أربع ثيمات: استكشاف القيمة الجوهريّة، والمشاركة النّشطة، والرّفاهية، والاتّصال (Exploring intrinsic value, active engagement, wellbeing, and connection). ويحيل كولمان (2018) إلى ديوي في أن الغرض والغاية من المقتنيات والفضاءات المصمّمة -مثل المتاحف والمراكز العلميّة- هو "تسهيل الاستكشاف التشاركي لتجارب جديدة، تشجّع على التفاعل مع الآخرين والانخراط في العالم".
تسعى المتاحف والمراكز العلميّة على الدّوام إلى الخروج بأفكار لمعروضات تفاعليّة فريدة ومبتكرة، وذلك يتطلّب إشراك الجمهور في المراحل الأولى من التفاكر والتصميم وتطوير الأفكار. كما يتطلّب ذلك فهم احتياجات الجمهور ورغباتهم وتوقعاتهم لما سيرونه في المعرض. هذه الممارسات تسهم في جذب المزيد من الجمهور وتساعدهم على الانخراط في خبراتٍ تعلّميّة غنية.
عندما سُئل فرانك أوبنهايمر -مؤسّس متحف الإكسبلوراتوريوم- عن مصدر الأفكار الجديدة للمعارض، أجاب: "ثمّة معروضات تتولّد حين نتجوّل في أنحاء المدينة أو نبحث في أدراجنا القديمة، لنعثر على مادّة ما، أو أداةٍ أو ظاهرة تعبّر لنا بوضوحٍ على شيءٍ نريد عرضه (Oppenheimer, F., 1986, p.14).
تناقش نينا سيمون (2010) في كتابها "المتحف التشاركي" (The Participatory Museum) أنّ المؤسّسات الثقافيّة بوسعها المساهمة في التواصل مع الجمهور من خلال الترويج إلى إشراك الزوّار كجزء من أهدافها. كما تطرح في كتابها المبادئ الأساسية للإشراك في المؤسّسات الثقافيّة، وتقدّمُ سُبلاً مختلفة لتعزيز الإشراك في المعارض والبرامج التربوية والعامة.
عملية تطوير المعروضة
تتّسم عملية تطوير المعروضة بطابعها التعاونيّ، حيثُ يساهم في تطوير المعروضة فرقٌ متعدّدة التخصّصات تعمل معاً من أجل توليد الأفكار الإبداعيّة. وعادة ما يتم نمذجة هذه الأفكار وتصنيعها لتصبح معروضاتٍ تتناسبُ مع جمهور المتاحف ومراكز العلوم الواسع والمتنوّع. وتتطلّبُ هذه العمليّة المرور بمراحل مختلفة من العصف الذهنيّ والبحث في المحتوى العلمي والنمْذجة والاختبار. تهدف المعروضات الناتجة إلى تحقيق غايات ترفيهيّة وتفاعليّة تتيح الفرصة للزوّار للانخراط بتجارب تعلّميّة مختلفة.
في استوديو العلوم، ساهمت عملية تطوير المعارض العلميّة التفاعليّة في دعم الفريقَ على اتّباع نهج عابرٍ للتخصّصات (transdisciplinary). لذلك، يسعى الفريق باستمرار إلى استكشاف أساليب جديدة للعصف الذهنيّ الإبداعيّ لتطوير المعروضات العلمية التفاعليّة، مع إشراك خبراء متعددّي التخصّصات (multidisciplinary) في العمليّة.
التفكير التّصميميّ
يوظّفُ نهج التّفكير التصميميّ عمليّة مباعدةٍ ومقاربةٍ (diverge and converge) تكراريّةِ (iterative) الطّابع لإنشاء الحلول واختيارها. ويتضمن ثلاثة أنشطة أساسيّة تدور حول: استلهام الحلول، التفاكر أكثرَ في تلك الحلول وتطبيقها، ثمّ الرّجوع إلى ما تمّ تطبيقه من أجل البحث فيه عن مزيد من مصادر الإلهام وتطبيقات الحلول السابقة.
فالتفكير التصميميّ، إذن، هو عمليّة تكراريّة تتضمّن، وفقاً لمعهد التصميم في جامعة ستانفورد (d school) خمس خطوات: التّعاطف، تحديد المشكلة، التفاكر، النمذجة، الاختبار. كما يوصف التفكير التصميمي بكوْنه نهجاً قائماً على إيجاد الحلول، بحيث يركّز بعمق على فهم الاحتياجات الحقيقية للمستخدمين، والتعاطف مع المستخدم لفهم طرق التفاعل وتفسيرها، وتطويرِ المنتجات أو الخدمات اللازمة لحل المشكلة المطروحة انطلاقاً من ذلك كلّه. ويرى سام سايدل، مدير (استراتيجية K12) في معهد التصميم في ستانفورد (D-school)، أنّ تطبيق نهج التفكير التصميميّ يمكن أنْ يُوظّفَ بهدفِ إعادة التفكير في المدارس والنّظم الاجتماعيّة، حيث يمكنه معالجة المشكلات الهيكليّة المتعلقة بالتعليم مثل إعادة النّظر في طرق التقويم التّربويّ (Schein, 2019).
الشكل 1: مراحل التفكير التّصميميّ
استخدام المتاحف والمراكز العلميّة للتفكير التّصميميّ
طُرِحَ التفكير التصميميّ بوصفه وسيلة إبداعية للابتكار وحل المشكلات. وبذلك يمكن لتطبيق التفكير التصميميّ في المتاحف والمراكز العلميّة أن يقدم فرصاً مختلفة لتعزيز كفاءة العمل اليوميّ والعديد من الجوانب الأخرى ذات الصّلةِ بالمعارض والفعاليّات والأنشطة اليومية. فإلى جانب عمليّة المباعدة والمقاربة التكراريّة (iterative divergence and convergence)، تسمح المراحل المرتبطةُ بالتفكير التصميميّ بمزيد من التطبيقات العمليّة القائمةِ على هذا النّهج في المتاحف والمراكز العلميّة.
ويمكن تطبيق التفكير التصميميّ في التطرّق إلى بعض القضايا وتصميم المعارض ذاتِ الصلة بالسياق الاجتماعيّ والثقافة المحليّة، حيث يساعد التفكير التصميمي في تعزيز معرفة المتحف بتجربة الزوّار وفهم احتياجاتهم من خلال مرحلة "التعاطف". ومن منظور الإنتاج، يمكن أن يشجّع التفكير التصميميّ على تصميم بيئات التعلّم غير الرسمية، وإنشاء المعارض وإعادة إنشائها عبرَ تكرار عمليّاتِ التّصميم والتطوير. أمّا من الناحية الإداريّة، فإنّ هذا النّهج يفيد في تحسين فعاليّة العمل التعاونيّ، بما في ذلك العصف الذهنيّ والعمل الجماعي ضمن الفريق.
لقد وجدنا مؤخراً زيادة في الأبحاث وورشات العمل من أجل مناقشة دور التفكير التصميميّ في تطوير المعارض. ففي مؤتمر (إيكسايت) (Ecsite, 2016)،[1] على سبيل المثال، نظّم رالف كرويسن (Ralph Kruijssen) وستيفن شايكن (Steven Schaeken) ورشة عمل بعنوان "التفكير التصميميّ من أجل التأثير الاجتماعي" (Design thinking for social impact) قدّما فيها مفهوم "التفكير التصميميّ الاجتماعيّ"، ودوره في تطوير المعارض من أجل التغيير الاجتماعيّ، بما يتضمّنه من خلق تجارب ذات تأثير اجتماعيّ، وتحفيز النقاش والفِعل في معالجة القضايا المهمّة.[2]
من جانب آخر، وجدنا أنّ التفكير التصميميّ قد استُخدِمَ كنهجٍ لتطوير المعارض (Kendal et. al. 2016; Topp, 2011)، وتعزيز تجربة الزاّئر (Silvers, 2015). وقد أشارت كِندال وآخرون (Kendal et. al., 2016) إلى أن استخدام نهج التفكير التصميميّ قد مكّن من زيادة فعالية تصميم وتطوير ونمذجة المعارض العلميّة وما يتعلق بها من تجارب.
في شباط من العام 2015، أجرت دانا سيلفرز مقابلة مع كارلين غاردنر (Karleen Gardner)[3] وشيلا ماكغواير (Sheila McGuire)[4] في معهد مينيابولس للفنون (MIA). خلال المقابلة، أكدّت كل من غاردنر وماكغواير على أنّ التفكير التصميميّ قد دعم فلسفتهما المتمركزة حول الجمهور (audience-centered)، وأنّهما تعلّمتا -من خلال تعزيز التعاطف- أنه لا يمكنهما أبداً وضع افتراضاتٍ حين يتعلق الأمر باحتياجات الزوّار. كما وتنظران إلى التفكير التصميميّ بوصفه عمليّة إبداعيّة مشتركة ساعدتهما في فهم وإدراك القضايا المتنوعة من أكثر من منظور. وذكرتا أنّ التفكير التصميميّ أعانهما على تكوين فريق عمل متنوع ومتعدّد التخصصات قادر على التعاون في المشاريع. وقد منح التّفكير التّصميميّ فريق العمل -كما أشارت كارلين غاردنر- لغة داخليّة مختلفة ومجموعة من الأفكار والتوجهات (Silvers, 2015).
في مقالتها "إدراج التفكير التصميميّ في المتاحف (Embedding Design Thinking in Museums)، تقترح دانا سيلفرز (2019) إلى أنّ سٌبل التفكير التصميميّ يُمكنُ أنْ تُدمَجَ في تجربةِ المتاحف من خلال:
- حث الموظف على التحرّك خارج المكاتب لفهم احتياجات الزوّار المُحتملين، من خلال جمع قصص شخصيّة ثريّة وتطوير رؤى حول كيفيّة تلبية احتياجات الزوّار واختبارها.
- التشكيك في البديهيات والافتراضات والسعي نحو تحديد وفهم القضايا والمشكلات والفرص المتاحة قبل التسرّع نحو إيجاد الحلول، وذلك لضمان حلّ المشكلة الصحيحة والعثور على الفرص المحتملة.
- النّمذجة والتكرار في وقت مبكّر وبطريقة فعّالة، وذلك بهدف السماح لفريق العمل بأنْ يتطوّر ويتغيّر بالتوازي مع تطوير المعروضات والمعارض.
- صرف الوقت الأكثر في الجانب العملي والأقلّ في التحدّث، واستثمار وقتٍ أكبر في مراقبة الزوّار ووضع بعض النماذج الأوليّة السّهلةِ والسّريعة، واختبارها مع الجمهور الموجود في المعارض.
خاتمة
إن طريقة العمل التي تتبعها المتاحف وطواقمها قد يكون لها تأثير كبير على تحقيق أهداف المتاحف والوصول إلى جمهور أوسع. التفكير التصميمي هو نهجٌ منتظمٌ انبثق من عالم الأعمال، مستمدّاً جذوره من الأساليب التي يتبعها المصمّمون في تطوير المشاريع التصميمية. سعت هذه المقالة إلى استكشاف كيفيّة توظيف المتاحف ومراكز العلوم التفكير التّصميميّ في عملها اليومي.
من المهم أن تستمر المتاحف ومراكز العلوم في تجريب منهجيّاتٍ جديدة قد يكون لها دور في تعزيز أي جانب من جوانب عمل المتاحف، حتّى وإنْ تم اعتماد أجزاء معيّنة من تلك الطرق أو المنهجيات. وقد يكون التفكير التصميميّ ذا تأثيرٍ كبيرٍ إذا ما طُبّقِ على بعض جوانب عمل المتاحف. ومع ذلك، فإنّ دمج التفكير التصميميّ في تطوير المعارض لا يزال بحاجة إلى مزيد من البحث. وينبغي أن تتبنّى المتاحف موقفاً نقديّاً من التعامل مع التفكير التصميميّ كنهج عالميّ صالح لكل ثقافةٍ وفي كلّ مجال. ثمّة حاجة إلى مزيد من المرونة أثناء تطبيق التفكير التصميميّ في تطوير المعارض، وقد تكون هناك حاجة، أيضاً، إلى مزيد من البحث حول تطبيق التفكير التصميميّ بشكل يراعي السياق الثقافيّ والمحلي. فقد تتغير المراحل، وقد تظهر عوامل جديدة مؤثرة تستلزم مزيداً من الدّراسة.
*باحثان في استوديو العلوم / برنامج البحث والتطوير التربوي
المراجع
- Allen, S., Gutwill, J. P., Perry, D., Garabay, C., Ellenbogen, K., Heimlich, J., . . . Klein, C. (2007). Research in Museums: Coping with Complexity. In J. Falk, L. Dierking & S. Foutz (Eds.), In Principle, In Practice: Museums as Learning Institutions (pp. 229-246). New York: Rowman & Littlefield Publishers, Inc.
- Chang, E. (2006). Interactive experiences and contextual learning in museums. Studies in Art Education, 47(2), 170-186.
- Dodd, J. A., Sandell, R., & Scott, C. (2014). Cultural Value: User value of museums and galleries: a critical view of the literature. Figshare. Report. http://hdl.handle.net/2381/37043
- Falk, J & Dierking, LD 2000, Learning from museums: visitor experiences and the making of meaning. Alta Mira Press, Walnut Creek, CA.
- Humphrey, T., & Gutwill, J. P. (2017). Fostering active prolonged engagement: The art of creating APE exhibits. Routledge.
- Kendal, R. L., Kendal, J. R., Mursic, Z., Bailey-Ross, C., Rudman, H., Lloyd, A., & Ross, B. (2016). Designing for creativity and innovation in informal science learning. Informal learning review., (137), 20-24.
- Kullman, K. (2018). Perennial Prototypes: Designing Science Exhibits with John Dewey. In Advancements in the Philosophy of Design (pp. 185-199). Springer, Cham.
- Lundgren, L., & Crippen, K. J. (2019). Learning and the practice of social media in informal science education centers. International Journal on E-Learning, 18(1), 31-52.
- Michael Schein, The Next Revolution In Education: Design Thinking, 2019 Available at: https://www.forbes.com/sites/michaelschein/2019/01/08/the-next-revolution-in-education-design-thinking/
- Oppenheimer, F. (1986). Working prototypes: Exhibit design at the Exploratorium. Exploratorium.
- Silvers, Dana. (2015). Activating the museum with design thinking: stories from the Minneapolis Institute of Arts. Published in https://designthinkingformuseums.net/2015/02/02/design-thinking-at-the-mia on February 2015.
- Silvers, Dana. (2019). Embedding Design Thinking in Museums. Published in https://thisisdesignthinking.net/2015/03/embedding-design-thinking-in-museums/ on February 2019.
- Simon, N. (2010). The participatory museum. Museum 2.0.
- Topp, K. R. (2011). A Content Assessment Tool for the exhibit design process, using graphic design and communication theory as a framework for generating meaningful messages. Iowa State University.
الهوامش:
[1] الشبكة الأوروبيّة للمراكز العلميّة والمتاحف (European Network of Science Centers and Museums).
[2] https://www.ecsite.eu/activities-and-services/ecsite-events/annual-conferences/sessions/design-thinking-social-impact
[3] مديرة ابتكار التعليم في معهد مينيابولس للفنون.
[4] مديرة برامج المدرسة والمعلّم في معهد مينيابولس للفنون.