غسّان ندّاف*
مسرحية "خارج السيطرة" التي عرضت في مدينة أريحا بتنظّيم برنامج البحث والتطوير التربويّ في مؤسسة عبد المحسن القطّان، ضمن مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة" الذي تنفذه مؤسسة عبد المحسن القطان، بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية (SDC). |
تقديم
كنتُ في كلِّ عرضٍ مسرحيٍّ أشاهده، أسأل نفسي "لماذا أذهبُ إلى المسرح؟". وقد أصبحَ السّؤال أكثر إلحاحاً عندما دعوتُ أحدِ الأصدقاء لمشاركتي مشاهدة العرضِ، فقال لي ببرودٍ تامّ: "ولماذا أرافقكَ إلى المسرح على حساب ساندويش شاورما مثلاً؟ على كلِّ حالٍ، أستطيعُ أن أقفَ على الرّصيف وأتابع حياة النّاس" وهنا افترقنا، ذهبتُ أنا لمشاهدة مسرحية واقعية، وذهب هو لمشاهدة الواقع نفسه.
أستطيعُ أن أقولَ بعد هذه القصّة "غير المهمة" الّتي حدثت معي قبل أعوام عدّة، إنّني بدأتُ أطرح السّؤال بجديّةٍ أكبر، فإنْ كانَ المسرحُ يرينا ما تريه الحياة لنا، فلماذا نتوجّهُ لمشاهدة العروض المسرحيةِ؟ أمّا وإن كانَ المسرحُ منفصلاً تماماً عن الحياة والواقع الاجتماعي، فما هو دوره وأهميته بالنّسبة للمجتمع؟ وقد كانَ السّؤال في البداية ذاتيّاً وشخصيّاً؛ بمعنى "ما الّذي يدفعني أنا شخصياً لأن أذهبَ لمشاهدة العروض المسرحية؟" وما لبثَ أن اختلفَ السّؤال قليلاً ليمسّ عملي في مجال المسرح ليصبحَ: "لماذا أصنعُ المسرح؟ وما وظيفة المسرح الّذي نصنعه كمجموعة؟".
هنا كانَ لا بدَّ من البحثِ في الدورِ الّذي يحملهُ المسرح، وأهمية وجوده ومدى تأثيره وتأثره بالمجتمع. وقد تناولت أدبيات ونظريات عدةُ تسبر غور موضوع العلاقة بين المسرح والمجتمع، وقد اتّفقت هذه النّظريات جوهريّاً على وجود العلاقة، وتباينت من ناحية شكل هذه العلاقة وشكل حضور المجتمع في المسرح، والمسرح في المجتمع، وسيتمّ التّركيز في هذه المقالة على شكلين رئيسيّين: الأول هو ذاك النّوع الّذي ينقل وقائع وأحداثاً واقعية ويعيد سردها بشكلٍ عقلانيّ على المجتمع في محاولةٍ لدفع الجمهور لأن يأخذ موقفاً نقدياً منها حسب رأي الكاتب والمخرج الألماني "بروتلد بريخت"، الّذي رفضَ مبدأ التطهير "الأرسطوي"،[1] واستبدله بتقنيات وأدوات مسرحية مختلفة أبرزها "التّغريب".[2]
والشكّل الثّاني المرتبط بالكاتِب المسرحي "إدوار بوند"، الّذي يهدف في أعماله المسرحية إلى "إعادة بناء معنى القصة وتغييره من خلال أحداث الدراما،[3] حيث يبدأ (حدث الدّراما) بفعلٍ يعتقد المشاهدون أنهم يفهمونه، ومن ثم يعرضه مسرحياً بطريقة يتغير بها معناه، فالهدف هو خلق لحظة أو لحظات في القصة، حيث يكون ممكناً فتحُ فجوة للمعنى يستطيع المشاركون من خلالها أن "يروا" ويحكموا بأنفسهم، ولا يقبلوا القصص باعتبارها "حوادث طبيعية".[4]
إذن، ستعتمد المقالة على بريخت وبوند، في محاولةٍ للبحث في سؤال التّأثير المجتمعي في سياق مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية"، الّذي قامَت به مؤسسة عبد المحسن القطّان في مواقع عدّة، مستخدمةً أكثر من حقلٍ فنّي، كالمسرح وتحريك الدّمى والرّسم والتصوير ... وغيرها.
عندما نقول "الثّقافة والفنون ومشاركة المجتمعية"، إذن فثمة تأكيد على أنّ المجتمع مشارِك في العملية الفنية، ويبدو أنّ المشروع قد استندَ إلى أسس ونظريات مختلفة، وقد تكون النظريتانِ السّابقتانِ حاضرتينِ في المشروع.
تنطلقُ الورقةُ من التجربة المسرحية في موقعيّ أريحا وعنبتا، حيث تمّ العمل على النّص وعملية إنتاجه في موقع عنبتا، والعمل على العرض وعملية إنتاجه في موقع أريحا، وكلا الموقعين قد انخرطا في المجتمع بشكلٍ أو بآخر.
المجتمع كمؤلّفٍ للنّص
"تجربة عنبتا من سطح الأرض إلى الحفر في معناها"
في بلدة عنبتا، تحديداً بيت النّساء، بدأت ورشة الكتابة المسرحية الّتي قامَ واشتغلَ عليها المدرّب كفاح فنّي الباحث في برنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان، مع مجموعة من النّساء انخرطنَ في المشروع "الكتابة المسرحية"، وقد كنتُ موجوداً، وأشاهدُ الورشة وأتعلم من خلالها لأتابعها فيما بعد. وقد بدأت الورشة بلقاءات أسبوعية انشغلت في البداية بعناصر الدراما والشكل الفنّي وتمارين حول الكتابة المسرحية، حيث اشتغلَتِ المنخرطاتُ في المشروع على مشاهِد قصيرة وظّفوا خلالها العناصر الدّرامية للمشهد المسرحي.
خلال الأسابيع الأولى، تمكّنت المشاركاتُ[5] من توظيف العناصر، وهنا أضافَ المدرب العنصر الأهم برأيي الشخصيّ، وهو القيمة الّتي تريدُ المشاركاتُ تفكيكها وإعادة النظر فيها عبر المسرح، وقد تمّت بعض التّمارين المسرحية لاستكشاف قيمٍ اجتماعية، وهنا عرفَنَ أنّ المسرح ليس بتوظيف العناصِر، بل بفهم هذه القيم وإعادة النّظر فيها عبر العناصر المسرحية والمسرح نفسه.
ومن مناقشة "القيمة" المُراد استكشافها في المشهد، ذهبَ المدرب مع المشاركات إلى مفهوم المركز الّذي يُعرَّف باعتباره "الموقعَ الخاص بموقف يشتمل على نزاع بين حاجة الإنسان للعدالة من جهة، وانتشار الفساد من جهة أخرى"،[6] فإدوارد بوند يرى "أنّ أي مسرحية ذات قيمة، لها مركز وسطر مركزيّ، وينبغي لهذا المركز أن يتخلّل كل مشهد".[7]
وهنا بدأت المُشارِكات بالبحث في مركز مسرحتهنّ من خلال نقاش القيم الّتي أردنَ استكشافها والبحث فيها، وقد توصّلن لأكثر من مركز، وبعدَ نقاش المراكز اتفقت المشاركاتُ على مركزينِ مسرحيينِ، الأول "أثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية"، والثّاني "ثقافة الاستهلاك وأثرها على البنية الاجتماعية".
لم يتم استكمال الكتابة والاستكشاف في المركز الأول، وقد بدأت المجموعة كلّها[8] بالعمل على استكشاف المركز الثّاني من خلال موضوع الأرض. ولكن ما معنى الأرض؟ وهنا انطلقَ النّقاش بين المجموعة، وقد كانت أغلبُ الإجابات تتمحورُ حول الموروث الاجتماعي لقيمة الأرض بكونها "الأرض هي الشّرف والوطن".
باعتقادي أنّ هذا هو جزء من حضور المجتمع داخِل النص، كوننا نسمع صوت المجتمع يمرّ من خلال الشخص والشخصيات في السياق المسرحي، أو كما يعبّر عنه إدوارد بوند بحضور الموقع (أ) وهو "موقع المجتمع المألوف لدى الجمهور الّذي يؤخَذ كأمرٍ واقعٍ من قِبَلِهِم"،[9] وربما لهذا أول ما قيلَ في الورشة عن الأرض هو "الأرض هي الوطن".
وهنا كان لا بدّ أن تذهبُ المشارِكاتُ إلى الأرض، وقد انتعلنَ قبل ذلك أحذية الأدوار،[10] وهناكَ قابلنَ صاحب الأرض وزوجته العاملينَ في الأرض، وقد حاولت المشاركاتُ إقناع الرجل وزوجته بشراء الأرض بشتّى الطّرق، في محاولةٍ لفهم معنى الأرض بالنسبةِ لمن يعملُ فيها ويتواصل معها باستمرار.
في البدايةِ، رفضَ الزوجانِ بيع الأرض قطعيّاً، وقد حملا تقريباً المفاهيم نفسها، حيث قالَ الزّوج مثلاً أنّ "الأرض كالعرض، والأرض وطن، والوطن لا يُباع". وهنا أصرّت المشارِكاتُ على شراء الأرض باستخدام ضغوطات مختلفة كدفع مبلغ كبير وعدم جدوى الأرض اقتصادياً. وإحدى المشاركات قالت لهما إنّهما بثمن الأرض سيفتحان مشروعاً يحقّق ربحاً أضعاف ما تحقّقهُ الأرضُ، وبهذا تساهمُ قيمتها "المادية" بتعليم وتزويج الأبناء، وهنا ردّت الزّوجة حرفياً: "عليهم أن يدبروا رؤوسهم ويعملوا ويتزوجوا".
كل الحوار كانَ يدور حول وجهتي نظر رئيسيتينِ: القيمة المادية للأرض مقابِل القيمة الاجتماعية والوطنية لها، إلى أن قالت إحدى المشاركات (وهي مشاركة تعرف العائلة المالكة للأرض بشكلٍ شخصيّ) قالت: "بسعر الأرض أستطيع أن أرسلَ ابنكِ الأصغر إلى مشفى في الخارج، وحتماً سيجد العلاج". وقد تكفّلت المشاركة بأنّها تستطيع تأمين علاج بقيمة الأرض، وهنا ردّت المرأة بسرعةٍ: أبيع الأرض والبيت وكلّ شيءٍ.
يبدو أنّه من البداية كانَ على المشارِكات أن يتنازلن عن وجهة النظر المتعلقة بالقيمة المادية، فالمرأة الّتي تقدّس الأرض كوطن، اتّضح أنّها تقدّس ابنها بالضّرورة بالعودة إلى كينونتها الإنسانية كأم تريد إنقاذ ابنها.
هل كانت هي نفسها الّتي تحدّثت في الحالتين؟
يبدو أنّها تبنّت أكثر من دورٍ في "المسرحية" الّتي حدثت حول الأرض، فعندما يتحدث المجتمع على لسان المرأة بالطّبع ستقول: "الأرض مقدسة ولا تُباع"، وعندما تتحدث الأم الخائفة على ابنها وتريد حمايته قد قالت: "فليعش ابني على حساب الأرض"، وعندما تتعرض الأرض لخطر الاحتلال، فإنها -كما العديد من الأمهات- قد تجنّد ابنها وتعطيه سكيناً ليذهب ويدافع عن الأرض ويموت في سبيلها.
هي المرأة ذاتها، ولكن في أدوار مختلفة، ففي البداية لم تمسّ الأرض طبيعتها الإنسانية، بل كانت بمثابة "مفهوم" اجتماعي ورثته وتسعى لِتورِثَه، لذلك تبنت في البداية القول الاجتماعي "الأرض لا تُباع" فقط. أمّا لو تستطيع الأرض حمايةَ ابنها، فلم تزل الأرض قيمة وطنية واجتماعية، ولكنها تُباع إن وضعت مقابِل الحياة؛ حياة ابنها.
ولو أخذنا الحالات الثلاث للمرأة إجمالاً، امرأة لا تبيع الأرض، وامرأة تبيع الأرض في سبيل حياة الابن، وامرأة تجنّد ابنها في سبيل الوطن، لوجدنا أنّ الأرض والوطن والابن هما تجليات لقيمة إنسانية أولية واحدة. وهنا كشفت عبارة المرأة عن ممكنات أخرى لمعنى الأرض، حيث أصبحت المشاركات يستطعنَ النظر للأرض كقطعة فيزيائية، وكقيمة اجتماعية وطنية، وكقيمة إنسانية أولية.
لا أدّعي أنّ المشاركات هنا توصلنَ إلى إجابة شافية، ولكنّني أدّعي أنّ المرأة فتحت ممكنات أخرى لفهم المركز خصوصاً، والمسرح بشكلٍ عام، لو نظرنا إلى الفهم الأول للأرض، سنراه معنى مجرّداً ومؤدلجاً، وهو "المعنى الّذي يمنحه المجتمع لنفسه وللواقع"،[11] ولكنّ المسرح حسب إدوارد بوند بحاجة ليمسّ ما هو أوليّ وجوهريّ في الكائن الإنسانيّ، والجوهريّ هنا "أنّ الأم تحاول حماية ابنها"، وأستطيع أن أقول مجازاً أنّ الأرض الّتي حاولت المرأة حمايتها بشتّى الطّرق، وتحت كلّ المغريات هي نفسها الابن الّذي حاولت حمايته حتّى ببيعِ الأرض كقطعة فيزيائية وليس كقيمة.
وهنا بدأت المقاربة بين المجتمع والمسرحية في كتابة النص، حيث تشكّل الصراع والتّوتر الأساسيّ بأن تكون الأرض هي نقيض الابن، فزواج الابن من الفتاة التي يحبها، يعني بيع الأرض، والتمسك بالأرض يعني خسارة الابن، ولم يكن الصّراع لأجل انتصار أحد الطرفين على الآخر، بل لاستكشاف الصراع نفسه بحثاً في سؤال: كيف تكون الأرض هي الإنسان؟ أو فلنقلب العبارة لتكون "الإنسان هو الأرض"، في سبيل البحث عن الفن بصورته الأولية: "أن يترك الإنسان أثراً".
وفي العودة إلى مركز المسرحية، فقد استطاعَت المشاركاتُ أن ينتبهنَ إلى أنّ ثقافة الاستهلاك لا تتعلق ببيع الأرض أو عدم بيع الأرض وحسب، بل برؤية أنّ كل ثقافة الاستهلاك يُعاد إنتاجها عند فصل الإنسان الأوليّ عن الأرض الأوليّة، بمعنى أنّ المنظومة الاقتصادية تَخلِق هنا تعارضاً وصراعاً بينهما. إذ تقوم المنظومة والأيديولوجيا هنا على تجزئة الأرض، والنّظر إليها كقيمة مادية بمفهوم الربح والخسارة.
وبعودة المشاركات إلى بيتِ النّساء، بدأ النّقاش عما حدث، وقد بحثت المجموعة في معنى العودة إلى الأرض، والعلاقة الأولية الطبيعية بها، ثم اختلفَ النقاش ليصل إلى النّظر في عنبتا كبلدة زراعية، كيفَ "تحجرّت" وتحولت الأراضي في معظمها إلى مبانٍ تجارية، وهذا ما أعادَ المجموعة مجدّداً إلى المركز، ليناقشنَ قسوة الاستهلاك وثقافته، ومدى تأثيره على العلاقات الاجتماعية والأسرية.
أستطيع أن أدّعي من خلال مشاهدتي للورشة مع المدرب كفاح فنّي، ومشاركتي له في نهايتها، أنّ المنتَج الحقيقي للمشروع لم يكن بما كتبته المجموعة من مسرح فقط، بل أيضاً بما فهمته عن المسرح، فقد كانَ مثيراً أن يفتحَ النّص المسرحي أسئلته على مؤلّفيه، بمعنى أنّ نقاش معنى الأرض، والعلاقة بها ومعنى "أن نكون وأن نتركَ أثراً"،[12] وفتح حوارات مع أصحاب الأرض، وفهم وجهات نظر مختلفة ومتباينة، ونقاش ثقافة الاستهلاك ورؤيتها في سياق البلدة وسياق الأرض، والاستكشاف في المركز، كلّ هذا هو مسرح بحدِّ ذاته، وقد كانَ ذلك إجابةً عن أسئلة كانت ملحّة في بداية المشروع حول "متى العرض؟ ومن سيمثّله ... إلخ"، فكانت الإجابة أنّ المسرح ليس هو العرض وحسب، بل هو عملية مسرحية تحفر في مفاهيم وقيم، وتفتح حوارات مختلفة.
جانب من لقاءات غسان نداف مع المشاركات في مشروع الكتابة المسرحية في بلدة عنبتا |
تصورا النّص حول الأرض
يدور نصّ المسرحية حول عائلة صغيرة تمتلك قطعة أرض، العائلة مكوّنة من الأم والأب وأمل، ومحمد، لتمتد العائلة ونرى الأطفال (الأحفاد) في الفصل الأخير، محمد وأمل تخرجا من الجامعة ولم يجدا عملاً، لينطلق بعد ذلك الصّراع والتوتر الرئيسي بين شخصية الابن "محمد" الّذي يريدُ بيع الأرض، وشخصية الابنة "أمل" الّتي تريدُ استثمار الأرض بمشروعٍ زراعيّ، وقد أخذ الصراع شكل التّوتر في العلاقات بين الأخوين، ما أدى إلى توتر عائلي يدفع إلى استكشاف أثر ثقافتي الإنتاج والاستهلاك على طبيعة العلاقة داخل الأسرة. ولكن كون الطّرفينِ يمتلكان ممكناتهما الخاصة، فلم يُحسم الصراع إضافة للاختلاف الجذري في وجهتي النظر. كما أنّ النّص لم يكن دوره أن ينصر وجهة نظر على أخرى "بشكلٍ حرفيٍّ"، وإنما الاستكشاف فيهما، وفي تبعات كلٍّ منهما. ولذلك، توجهت المجموعة لاستخدام تقنية المسرح داخل المسرح بافتراض سيناريوهات متخيلة حسب توجّه الكاتب المسرحي الإيطالي "داريو فو".[13] إذ كان يقطع الحدث المسرحي في العديد من نصوصه، فيدفع بالممثل لمخاطبة الجمهور، وافتراض سيناريوهات مختلفة كتبعات للحدث المسرحي.
وقد تقاطع النّص المكتوب حول الأرض مع هذا التّوجه، في نهاية المشهد الثّاني من الفصل الأوّل، حيث يقطع "ممثل" شخصية "محمد" المشهد، ويقول بما معناه "لنتخيّل ماذا سيحدث لو أنّ أمل استثمرت في الأرض، وهنا يبدأ الفصل الثّاني والمكوّن من مشهدين: المشهد الأول يمثّل "سيناريو" محمّد وتصوره حول استثمار أمل للأرض، والمشهد الثّاني يمثّل سيناريو أمل وتصوّرها حول "بيع الأرض".
يمثّل السيناريو الأول تصوّر محمد حول استثمار الأرض؛ وقد انطلقَ من عبارة أنّ الأرض لا تكفي كي نعيش، فكانَ تصورّه أسودَ جعلَ من استثمار الأرض صفقة خاسرة على المستوى الماديّ، إذ إنّ أمل سوف تستطيع أن تزرع الأرض بالزّعتر، ولكن، ومع إغراق السوق الفلسطينية بمنتجات الاحتلال الزراعية، فلن تستطيع أن تبيع ما تُنتِج من زعتر.
يذهب التصوّر إلى المبالغة في إظهار هشاشة الأرض في مجاراة رأس المال، فالعاملات في الزراعة مع أمل لا يردن غذاءً مقابل العمل، بل مال، والأرض عاجزة عن أن تصنع المال، وهنا سيثبُت نظرية محمد أنّ بيع الأرض يجلب مالاً، أما زراعتها فتجلب بعض الزعتر لا غير، والزعتر -حسب تصوّره- حين يتكوّم في البيت دون قدرته على منافسة رأس المال، لا يحمل أي معنى، ولا حتى ليفي بالتزامات أمل تجاه العاملات "المزارعات" اللواتي ينتظرن "فرج الله"، أو على حسب تعبير محمد: "فرفطوا زعتر".
أمّا السيناريو الثاني وهو تصور أمل حول استثمار الأرض، فلم تقم بإعادة النظر في المعنى، بل ذهبت للتصور الورديّ لما يمكن أن يحدث، فقد أسقطَتْ سيناريو محمد بآخر نقيض تماماً وكأنها مجابهة الأيديولوجيا بأيديولوجيا نقيضة، فقد أحسنت التصرّف بالأرض واستثمرت فيها جيّداً، حيث زرعتها وأسست جمعيةً زراعيةً.
فكانت النتيجة أنّ المال وبيع الأرض عبارة عن استهلاك سريعٍ ومتعة لحظية ما تلبث أن تنتهي، حيث يفنى المال، أمّا الأرض فتبقى، وتستطيع طوال الوقت أن تعيد إنتاج حاجاتنا وغذائنا.
في الواقع المسرحي، رفضت كلتا الشخصيتينِ تصوّر الأخرى، إذ اعتقدَ محمدٌ أن أمل أفرطت بورديتها تجاه استثمار الأرض. أما أمل فقد اعتقدت أنّ محمداً هو من أفرطَ بسوداويته تجاه استثمارها.
في الحالتين، كانت الشخصيتان تتخيلان الأفضل، فقد كانَ كلُّ مشهدٍ "سيناريو" ليس أكثر من حلم أحدهم ورغبته المشتهاة. أمّا مسرحياً، فقد كان المشهدان عبارة عن عرضٍ للخيارينِ عبر ممكناتِ النّص.
في واقع القصة نفسها كانت الأرض لم تزل مكانها، وحلم كلٍ من الشخصيتين لم يتحقق، ما دفعَ الأب ليفترض سيناريو أكثر تطرفاً بأنْ نرى الأرض بعد عشرةِ أعوامٍ من الآن، على افتراضِ أنّه باعَ نصفها، وقبض محمدٌ ثمنه، ووهبَ النصفَ الآخر لأمل لتستثمر فيه.
أعتقد أنّ السؤال يكمن في هذا السيناريو، حيث ذهبَ كلٌّ من الشخصيتين في طريقه، وبعد عشرة أعوامٍ كان لا بدّ للعائلة الّتي أصبحت عائلتين من أن تجتمعا على المائدة وتفتح المسرحية أسئلتها حول ما يمكن أنّه قد حدث خلال الأعوام الماضية.
من ناحيةٍ ثانية، أخذ سؤال الاستهلاك منحىً آخر متعلق بشكل الحياة نفسها، فالاستهلاك كما يفترض مركز المسرحية هو ثقافة في جزئيةٍ ما؛ فلم يناقش السيناريو الأخير جدوى الأرض مالياً، بل عرض نمط الحياة الاستهلاكية مقابل نمط الحياة الإنتاجية على لسان الأطفال الّذين ورثوا شكل الحياتين.
إذن، فقد ذهب مركز المسرحية إلى البيت؛ المائدة تحديداً وعلى لسان الأطفال، مستكشفاً أثر ثقافة الاستهلاك على البنية الاجتماعية الأسرية.
وكانَ اختيار الأطفال اختياراً ذكيّاً بنظري، فعادةً ما يتمكّن البالغون من تجميل ما يحدث أو إخفائه أو حتّى الكذب فيه، أمّا الأطفال المجتمعون بعيداً عن الأسرة -كنوع من التراتبية الّتي تأتي من الموقع الاجتماعي الأيديولوجي- فتجدهم يقولون ما يرونه، ويعيشونه دون وعيٍ لأهميةِ إخفاء الحقيقة أو تجميلها، كونهم يرون الأمور ببراءة راديكالية بدون تدخّل الأيديولوجيا حسب تعبير إدوارد بوند.
في مقاربةٍ أوليةٍ بين الإنسان وحاجاته الأولية، يكون السّؤال: ماذا نحتاج؟ وليس ما يمليه علينا النّظام، لو أخذنا الطّفل مثلنا فهو يحتاج الحليب، في اللحظة الّتي لا يجد فيها الأب مالاً بالضّرورة لن يجدَ حليباً، أمّا في النّمط الإنتاجي فبقرة "أمل" تنتِج حليباً بغض النّظر إن امتلكت الأسرة مالاً أم لا.
هكذا، وعلى مائدتي طعامٍ؛ مائدة البالغين، ومائدة الأطفال، نرى كيفَ يصنع المال نمط الحياة، وكيفَ تصنعه الأرض، في مقاربة أولية بين الإنسان وحاجاته، فالمال في نهاية الأمر مجرد ورقٍ ترتفع قيمته وتهبط، وبالضرورة يؤثر على شكلِ الحياة المرتبطة بما يتوفر من مال، أمّا الأرض فهي أقرب إلى الثّبات، وبالتّالي نمط الحياة التّي تخلقه أكثر أمناً.
عند القراءة الأولى لهذا النّص، قد تجده عادياً، كما في الواقع، فقد تبدو الأشياء في الواقع عادية بل مفرطة في عاديتها، العادي هنا هو ما نراه، ما يطفو على السّطح، أمّا المعنى فيُصنَع في لحظة الوقوف التّام. النّص الّذي يبدو مفرطاً في عاديته هنا يعيد تبطيء الحياة في لحظات الذروة، فننتقل مع الحدث من المألوف العاديّ إلى اللامألوف، ولينجح هذا بشكلٍ جدّيٍّ قد يحتاجُ النّص إلى معايشته،[14] لتبدأ فعلاً عملية صنع المعنى. يصنعه القارئ أو الجمهور كوننا نحنُ البشر لسنا ذوات ساكنة، بل فاعلة مؤثرة ومتأثرة بالمنتَج، بل -وكما يعتقد ديفيد ديفيس- نحنُ كائنات المعنى.
المجتمع صانِع ومُشاهِد
"تجربة أريحا من الاستراحة إلى المعبر، ومن كونها حقيبة إلى فتحها للحقيبة"
من خلال مشاهدتي لمعظم العروض المسرحية المعروضة في مدينة رام الله، لاحظتُ أنّ لكلِّ مسرحٍ جمهوره، بمعنى أنّ الجمهور هو جمهور المكان، أو "الفرقة والمخرج" في أحسن الأحوال، وليس جمهور العرض نفسه، وهذا الجمهور متشابِه في أغلب العروض، لا أتذكّرُ أنّني شاهدتُ أسرةً ريفية في مسرح (X) أو مجموعة بسيطة من العمال مثلاً.
ثمة افتراض قاسٍ ومسبق أنّ الأمّ المنشغلة بتدريس ابنها لن ترهقَ نفسها بالذهاب إلى المسرح، والعامِل البسيط قد يشعُر بالغربةِ في المسارِح، وكذلك الفلاح وعامة النّاس، ولكن ماذا لو دخلَ المسرحُ إلى بيوتهم؟ لو اقتحمَ بيتَ تلك الأمِّ مثلاً وسرقَ ابنها منها؟ أعتقد أنّها ستلحقه إلى المسرح لا لتُدَرِّسه بل لتشاهده، الأمر هنا مختلف: هي ذهبت لتشاهد نفسها وابنها وجارتها، ولكن من منظورٍ آخر. كما أنّ الفلاح والعامل وجمهور أريحا قد ذهبوا لمشاهدة أبنائهم ونصوصهم وصوتهم وحياتهم، ذهبوا لمشاهدة أريحا التي يعرفون، أو التي يعتقدون بمعرفتها.
وبهذا يختلف دور الفنان كناشط اجتماعي عن دوره كمحترف، فليس الهدف، هنا، أن يرضى "النّقاد" مثلاً، أو زملاء المهنة، أو المثقفون، بل يبتعد الهدف ليرتبط بشريحة أوسع من المجتمع، أولئك الّذين يحكي العرض قصّتهم، وهنا يبدو الأمر صعباً، ففي العمل الاحترافي يناقشُ "الناقد" عناصر هذا العمل من خلال أسئلته الفنية، وقد يتطرف الناقد أكثر ويقول "هذا ليس مسرحاً" وفق معايير فنية محدّدة. أما في عمل الفنان كناشط، فمن المهم جدّاً أن يرتبط دور الفنان بمدى تأثيره وتأثره بهذا النّوع الجديد "والمربِك" من الجمهور-المجتمع. يكونُ العرض هنا على المحكّ، فالجمهور هنا هوَ صوت المسرحية ونصّها. هنا تقفُ الشّخصيات المتخيّلة أمام الأشخاص الحقيقيين، والأحداث المسرحية تجابه الأحداث الواقعية. وتقفُ القصّةُ أمام مؤلّفيها. الأمر هنا مختلف، ومعنى الجمال مختلف على الأقل كما أفهمه أنا.
العرض هنا ينجح أو يفشل بمدى ارتباطه بالنّاس والمجتمع، وبالنّظر إلى كلٍّ من بريخت وبوند سنرى أنّ كلّاً منهما يسعى إلى "تطوير شكل من الدراما/المسرح، من شأنه أن يفتح عيون النّاس على "الواقع" الّذي ينغمسون فيه، ولكنهما اختلفا بالطّرق الّتي تسعى إلى ذلك"،[15] كما أنّ كليهما ينطلق في أعماله من كشف العلاقات والمفاهيم المهيمنة على المجتمع والمحكومة بالأيديولوجيا، فيهدف بوند بذلك إلى "جعل الجمهور يرى ما يحدث بطريقة جديدة، وخلخلة منظوره الأيديولوجي، والوصول إلى كينونته الإنسانية"، ويتفق معه -من حيث الجوهر والهدف- بريخت، حيث يريد أن "تصبح شخصية الممثل شاهدة على الأحداث، ويقوم بالتعليق عليها، ويمارس النقد، ويكتشف زيف الحقائق الأيديولوجية".
واستخدم كلٌّ من المسرحيَّيْنِ السابقِينِ عناصر وأدوات وتكنيكات مختلفة إلى درجة التّناقض، للوصول إلى الهدف الأسمى للمسرح من وجهة نظريهما. أمّا في مسرحية "افتح الحقيبة"، فقد استخدمت عناصر مختلفة من كليهما كان أبرزها: القصة والغرض عند إدوارد بوند، والتّغريب عند بريخت.
القصّة: حكايةُ مدينة
يبدأ عرض "افتح الحقيبة" بجملةٍ توحي لنا أنّ المسرحية ستعرضُ لَنا حكايات النّاس – حكايات أريحا.
إذن، فثمّة إعلانٌ واضحٌ في أنّنا كجمهور–مجتمع سنشاهدُ قصصاً، وهذا ما أربكني في البدايةِ قبل أن أكمل العرض، ذاكَ أنّ المسرح من وجهة نظري ليس في القصة، بل في معالجتها، ليس في "ماذا يحدث"، بل في "لماذا وكيف يحدث ما يحدث"، فسكان أريحا، بالطّبع، يعرفون تلكَ القصص جيّداً؛ فهم في النهاية من قالوها إما علناً وإما ضمناً، فما الجدوى من إعادة مشاهدتها؟
الناس لا يتوافدون إلى المسارح لمتابعة القصة، كما يقول الكاتب السوريّ سعد الله ونوس في مقدمته لمسرحة "الاغتصاب" في أنّ "إلهام المسرح الحقيقيّ لم يكن في يومٍ من الأيّام الحكاية بحدِّ ذاتها، وإنما المعالجة الجديدة التي تتيحُ للمتفرج تأمل شرطه الحياتيّ والاجتماعيّ في ضوء تلك المعالجة".
ولكن هذا لا يعني باعتقادي أن ننسفَ القصةَ تماماً، "فزمن الحكاية لم ينتهِ بعد"، ولكن شرطَ أن تكون حذراً من إضفاء طابع التشويق وملاحقة الحدث على الاستكشاف والبحث عن المعنى داخِل العرض ومن خلاله.
وهذا ما أعتقدُ أنّه قد كانَ في مسرحية "افتح الحقيبة" التي جعلت مجتمع أريحا يقفُ أمامَ مرآته ومرآة مدينته مجدداً، وقد ساهمَ العرضُ في تغريبه عن مألوفه ليقفَ مرةً أخرى أمام سؤالٍ يبدو بسيطاً للوهلةِ الأولى: ما هي أريحا؟
استخدمَ العرض قصّصَ النّاس ليعيد عرضها عليهم، يخاطبُ خيالهم في لحظات وعقلهم في لحظاتٍ أخرى، في محاولةٍ منه لدفع الجمهور إلى استكشاف وأحياناً تلقّي قصّته مؤدرمةً، فقد كانَ العرض في أجزاءٍ منه يدفع الجمهور إلى الاندماج في القصة والدخول فيها عبر المعايشة الآنية للحدث، حسب التّوجه البوندي. وفي أجزاءٍ أخرى يسرد الأحداث، ويواجه الجمهور بالحقيقة، يقولها في وجهه، يخاطِب عقله في محاولةٍ لأن يجبرَ الجمهور على أن يأخذَ موقفاً وموقعاً من مجتمعه، حسب التّوجه البريختي.
الغرض: أريحا حقيبة
الحقيبة تدفع بالخيال عادةً إلى أن يُوَجّهَ نحو السّفر، وقد تكون الحقيبة هنا بهذا المعنى؛ أي السّفر والتّرحال بمفهوم محمود درويش في عبارته "وطني ليس حقيبة". ولكن قد تكون أريحا حقيبة فتعرضُ القصّة سفرَ المدينة من النّخيلِ إلى العمارات. وقد توحي لنا بشاحنات الحقائب الّتي نراها عند "الاستراحة"، وتكون بذلك أريحا هي الاستراحة. وربما رحيل الأهل، بالطّبع هناك العديد من الممكنات لما تعنيه الحقيبة.
فلنفتح الحقيبةَ إذن لنعرف عن أي معنىً سنبحثُ خلال العرض، تُفتَحُ الحقيبة ونرى دمية. والدمية هنا حملت القصّة الرّئيسية في العرض.
يرتبط مفهوم الغرض في المسرح بالنسبةِ لي بإدوارد بوند الّذي يستخدمُ الغرض ليعمّقَ المعنى ويكشف الصّراع، "يعتمد في ذلك على أغراضٍ بسيطة كفنجان قهوة، صحن، معطف..."،[16] ويتم توظيفها "لإظهار المعنى الإنساني الشامل".[17]
واعتقد أنّ اختيار الدّمية كان موفّقاً كونه مرتبطاً بألعابنا منذ كنّا أطفالاً، وفي الوقت نفسه ليس مرمّزاً تماماً، كما أنّ الدّمية هي غرضٌ مألوف، "ومجرّد مما يحمله من أيديولوجيا"، ووجوده يعطي "فرصة لإشراك المشاركين بطريقة شخصية عن طريق تحميل الأغراض بالانفعال باستخدام معنى مرتبط بهم"،[18] ما يدفعهم إلى الاستكشاف لا التّلقي، إنّه "يخاطب الخيال الأوليّ للجمهور"؛ ذاك أنّ العقل قد يُفسَد، أمّا الخيال فلم يفسد "كونه لا يحمل أفكاراً" حسب رأي ديفيد ديفيس.
الدميةُ خلال القصة قد حُمِّلَت بمعانٍ مختلفة عمّا يرى فيها حارِس الحدود، إذ لا يرى فيها أكثر من قماشٍ محشوٍ بالقطن، وقد يكون وسيلة جيّدة للتهريب، كما ظهر في المشهد الثّاني من مسرحية "افتح الحقيبة".
شهدت الدّميةُ على لحظة الفراق الأول بين أمٍّ من أريحا وابنتها "رحيق"، وبهذا يتشكّل مفهوم "فلسطينيّ" عند الطّفلة، فالفلسطينيّ "ألّا أكون مع أمي" كما تقول "رحيق" تلك الطّفلة البسيطة التي تعرفُ شيئاً بسيطاً وأولياً أنّ الأبناء يجب أن يعيشوا مع أمهاتهم.
رحيق إذن تعيشُ مع الدمية "ها نحنُ وحدنا الآن" قرار المستعمِر بألا تعيشَ الطفلة مع أمها، بل مع القطن والقماش، ولكن هذا القطن والقماش قد أصبحا بمثابةِ الأمّ التي تشكو لها همومها. هذا الحدث الآنيّ، وفي هذا الحدث "الآنيّ"[19] لا يخاطبُ الممثل الجمهور، بل يَدمَجه "في القصة ويجعله يرتبط فيها عبر الشعور بالمشاكل التي تواجهها الشخصيات، وفي الوقت ذاته يمكنه من مراقبة ما يحدث".[20] يحدث هذا من خلال العلاقة الآنية مع الحدث "زمن الحادث"؛[21] زمن افتراق الأمّ عن ابنتها، وهو زمن تفتيش الدّمية من حارس الحدود، وهو زمن عبارة الجنديّ "أنتِ لا، وأنتِ نعم".
تبطيء الزّمن هنا يعطي تبئيراً للحدث مما يمكِّن الجمهور من مراقبته والاندماج فيه دون أن يصعد فيزيائياً إلى الخشبة كما عند أغوستو بوال ومسرح المنبر، ثم يستطيع أن يتأمّل ما يحدث كما لو أنّه يحدث معه فيدفعه لصنع المعنى.
في المدرسةِ تكتشفُ رحيق أنّ طفلةً أخرى تعيشُ مع أمها، وهنا تختلط المفاهيم عند رحيق، إذ تقول "كيفَ أنتِ فلسطينية وأمّكِ معكِ؟" هكذا تفهمُ رحيق مفهوم "فلسطينية"، لكن الطفلة لا تفهم السؤال بل تغني، وهنا الفجوة الأخرى، فالطفلة تحفظُ الأغاني كما الأطفال، تعلّم رحيق أغنية فلسطينية، ولكنها تبقى أغنية تعلّمتها ذات يومٍ أمّا بالنسبةِ لرحيق فهي ليست أغنية، هي ما حدث فعلاً، فقد أخذوا أمّها منها، "ورقة الأم لا، وورقة رحيق نعم!".[22] إذن، فأغاني الأطفال الجميلة التي سمعناها ويسمعها أطفالنا هي ليست مجرّدة تماماً كما نظن، وإنما قد يكون وراءها قصة، كقصّة رحيق.
تكبر رحيق قليلاً وتصبح الدمية مريضةً بحاجةٍ إلى علاج، تضع السماعة الطبية في أذنها لتسمع دقات قلبِ الدّمية، ولكن رحيق تكبر أكثر واللعبة تنتهي، فقد "حانَ وقتُ الجد"، ولكن ما هي الجدّية؟
رحيق تظنّ أنّها قد كبرت على لعبة "الطّبيب" التي تشغلُ الكثيرين من أطفالنا، والجدّية أن تدرسَ الطّب، أما الأب فيعتقدُ أنّ الحلم واللعب شيءٌ واحدٌ لا يمكن أخذهما على محملِ الجدّ. الفتيات ينتقلنَ من بيتِ الأبِ إلى بيتِ الزّوج "هذا هو مجتمعنا"، والأبُّ "واحدٌ من هذا المجتمع" كما يعبر الأب في المسرحية.
وهذا حضورٌ آخر لموقع المجتمع في الشّخصيّ وفي القصة ككل، فغالباً هناك العديد من الآباء والأمهات في صالة الجمهور قد قالوا جملاً مشابهة؛ كأنْ تكون الفتاة بحاجة إلى حماية والمجتمع يخبرنا بأنّ علينا أن نؤمّن الحماية لبناتنا، ولكن هل فحص الجمهور تبعات هذا؟ الدراما تدفعهم إلى ذلك من خلال مشاهدة أنفسهم في شخصِ الأب الّذي يرقدُ المجتمعُ فيه، ذلك الأبّ الّذي "توقّفت ساعته السوداء منذ زمنٍ، وتوقّف هو أيضاً عند ذاك الزّمن"، يقفُ الآن بحسمٍ أمام ابنته الدمية.
الآباء والأمهات يرونه يفعلُ هذا، الحدث يحدث الآن لا يُسرَد كما يحدث في المسرح البريختي، ولا يحدث أيّ تغريب، يبدو الحدث حقيقياً وآنياً بأن يقف الأب أمام الدّمية التي حُمِّلَت بمعنى الابنة "رحيق" وحلمها، ويخبرها عن حلمه الذي انقضى، وعن حياته في الأردن "الرصيفة تحديداً"، وغربته عن أريحا "أريحا الاستراحة". هو ابنٌ لها، ولكنّها أصبحت معبراً ليس له، الاستراحة قد تكون له ولكن المعبر لا، الحقيبة ليست له، المعبر الذي يجثمُ على صدرِ أريحا يرفضُ أبناءه.
الأبُّ أيضاً كانَ لديه حلمٌ بأن يرجع إلى أريحا عبر معبرها الذي يرفضه، والذي رفض زوجته ذات يومٍ، وكانَ الطّفلُ الّذي فيه يأملُ بأن يرجعَ إلى أريحا عبرَ الهواء، والهواءُ هنا حلمٌ، والحلم بأن يدرسَ الطّيران ليعبرَ أريحا عبر الهواء.
ولكن مجدّداً "لا".
مجدّداً: هل يعرفُ الأهلُ تبعات رفض الأحلام وفرض الواقع؟ لنرى إذن، ولنبحث عمّا يشبهه فينا:
تتزوجُ رحيق ويضربها زوجها "حاميها"، نعودُ إلى الحقيبةِ ونخرجُ منها الغطاء والدمية بمعنى العروس. تنامُ رحيق تحتَ الغطاء وتتوِّجُ العروس بالزينة لتدخلَ بيتَ من يُفتَرض أنّه حاميها، ولكن ما حدث بأنّ رحيق لم تعد تمتلك من فرصةٍ إلا أن تعمل في المستوطنة هي والمقص. ذلك المقص الّذي رافقها طوال فترة عملها، إلى أن قطعَ أصبعها، ولم تستغنِ عنه، بل كانَ عليها أن تحافظَ عليه. أخبروها بأنْ لا أمل من زراعة الأصبع في اليد فزرعته في الأرض.
الأرض آمنة لزراعة أجسادنا، أما الأزواج فليسوا دوماً آمنين.
تعملُ رحيق في المستوطنةِ، ابنةُ أريحا السياحية الزراعية لا تجدُ عملاً فيها! فبعد حالةٍ مريبة من تفكك الأحلام، وبعد تراكم المباني والمستوطنات فوق الأرض، بعد كلّ هذا تعيد رحيق أحلامها إلى الحقيبة وتزرعُ أصبعها في الأرض وتخلعُ ضفيرة شعرها وتفعلُ ما يريدُ الأب والمجتمع: تنامُ على سريرها في غرفةٍ بابها مغلقٌ بشكلٍ جيّدٍ ولكن لا تشعرُ بالأمان الّذي يشعرُ به أصبعها في الأرض.
الأب هنا قد كانَ غائباً في المسرحية، ولكنه حاضرٌ على مقاعِد الجمهور يشاهد ويعيش. كلُّ الآباء والأمهات كانوا موجودين إلّا الأب المتخيل داخِل القصة. كأنّ الغياب مقصودٌ هنا: (عندما يحدث ذلك لن تكونوا، أما الآن فأنتم هنا تشاهدون وتعيشون في لحظةٍ واحدة تحاول أن تدفع بكم إلى كينونتكم الإنسانية دون مخاطبة أو تحريض).
التّغريب: أريحا ليست حقيبة
خلال قصّة رحيق والدّمية كانت هناك قصص أخرى منفصلة متّصلة، والتّقطيع في القصة يبدو مقصوداً، فتقطيع القصّة عند بروتلد بريخت مهم ليَقطع تعاطف الجمهور مع شخصيات القصة في محاولةٍ منه لتحفيز العقل، فهو يؤمن بدور المسرح في خلق الوعي والفاعلية لدى المجتمع، وهو من الّذين يدعون إلى "تغيير الواقع عن طريق توعية الجمهور وإشراكهم في الإدلاء بآرائهم في أحداث المسرحية ووقائعها المأخوذة من الواقع المعاش"،[23] فالوقائع والأحداث فعلاً قد أُخِذَت من مجتمع أريحا، وقد تمّ في بعض الأجزاء من العرض إعادة سردها دون معايشة من منطلق بريختي "بسرد الأحداث في محاولةٍ لجعل المتفرج مراقباً، دون إدماجه بالأحداث".[24]
على العكس مما حدث في معالجة قصّة رحيق والدّمية: أن نرى أريحا في الحقيبة؛ ذاك أنّ عرض هذه القصّة لم يقم بالإدانة أو النقد بمخاطبة منطق الجمهور بل مخيلته، وهذا مهم في ذلك السّياق، أمّا عن مفهوم المدينة فقد ذهب العرضُ إلى ما هو مختلفٌ عن الاستكشاف والبحث عن المعنى -رغم أهميتهما- وهو التّغريب في مسرح بريخت.
وهذا يعتمد على الممثل ودوره في إرشاد الجمهور و"مخاطبة عقله لا عاطفته"، فغاية المسرح باعتقاد بريخت تكمن في "شحذ المتفرج لتغيير واقعه، أي لا يجوز أن يكون المسرح وسيلة للتنفيس والتّطهير"،[25] في محاولةٍ منه لأن يدفع المشاهِد إلى اتّخاذ موقف من خلال "وضعه في مواجهة شيءٍ ما، لا أن ينجذب لهذا الشيء"،[26] بمعنى أن يواجه مجتمع أريحا مدينتهم ومجتمعهم والأحداث الّتي باتوا معتادين عليها، لذلك وجبَ التّغريب لأجلِ التّغيير في المجتمع، فالمشاهد (الإنسان) كما يعتقد بريخت، هو "قابل للتغيير بصورة مستمرة، وليس ذاتاً ساكنة. ووجوده داخل المجتمع هو الذي يخطط مسيرة فكره".[27]
والتّغريب كما عرّفه أريك بنتلي هو "تقنية تتناول الأحداث الاجتماعية الإنسانية المطلوب تصويرها بوصفها شيئاً يدعو إلى التفسير والإيضاح، لا مجرّد أمر طبيعي مألوف، والغرض من هذا التأثير هو السّماح للمتفرّج أن يلجأ إلى النّقد بشكلٍ بنّاء من وجهة نظر اجتماعية".
وحسب تعريف أريك بينتلي لتقنية التغريب، سنجد أنّها تصوّر الأحداث الاجتماعية بوصفها شيئاً يدعو إلى التفسير والإيضاح، ومدينة أريحا بمفاهيمها وظواهرها ووقائعها أعتقد أنّها بحاجة للتفسير، وبتغريبها عن المجتمع من خلال أداء الممثل، فقد تستطيع حينها أن تتركَ أثراً حقيقياً ليبدو العرض مؤثراً في المجتمع طوال الوقت، حيث تسمح هذه التقنية للمتفرج "بأن يلجأ إلى النّقد بشكلٍ بنّاءٍ من وجهة نظرٍ اجتماعية"،[28] وليس على الجمهور أن ينتظر "الخاتمة التي يتمركزُ فيها التّأثير كما يحدث في المسرح التّقليدي الذي يستنفذُ طاقة المشاهِد في تشويقه إلى الخاتمة".[29]
يحدثُ مثلاً في عرض "افتح الحقيبة" أن ترى مُمَثلَينِ يتبادلان الحديث حول أخبار المدينة، أو يحكي أحدُ الممثلين عن المطعم الريفيّ الّذي افتتحَ في أريحا ويمارس نقده عليه كممثل يعلّق على الأحداث وليس كشخصية تعيش الحدث، أو تَسردُ لنا ممثلةً أخرى قصّة الفأر الّذي احتلّ البيت منذ سنة أو سنتين أو عشر.
هنا لا نتحدث عن معايشة الشخصيات أو الأحداث، لا تدفع بنا هذه المشاهِد إلى التّصديق أو التّعاطف، ولا حتّى "أن نكون في الحدث" للاستكشاف وصنع المعنى، بل هم يسردون علينا وقائع من أريحا يعرفها الجمهور جيّداً، ولكنّه قد اعتادَ عليها، وتعيد المَشاهِد سردها في محاولةٍ "لتحفيز طاقة المشاهِد" على التّفكير والنقد، فتتشكلُ بعضُ الأسئلة لديه، مثل: من هو هذا الفأر؟ كيفَ يمكن أن تكون أريحا مدينةً زراعية وقد تمّ قطع نخيلها؟ هنا يخبرنا الممثل بما نعرف، يغرّبنا عنه، ويدفعنا إلى تغييره.
حاولَ الممثلون أن يدفعوا بالجمهور لإعادة التّفكير بما اختلف في المدينة وما تمّ قبوله، إضافةً إلى فتح أعينه على وقائع تبدو عادية، بل ومثيرة للاهتمام كالمطعم "الّذي يشبهنا، طينه من طيننا ويقدّم مأكولاتنا الشعبية وزبائنه من طينتنا" فتح الأعين تمّ هنا من خلال كشف العلاقات الطبقية والمفاهيم المهيمنة، وفضح الاستغلال من خلال عرض حقيقة أخرى موازية لحقيقة رأس المال، وهي أنّ نساء أريحا يقمن بخبزِ وطبخ وصنع المأكولات الشعبية. إذن، فرأس المال ينتجُ حاجاتنا لتطويعنا في خانة المستهلكين، أمّا النّساء فتعلّمنا معنى أن نكون منتجين، وكلاهما يقدّمان المأكولات الشّعبية.
هذا يحدث في العديد من المدن والقرى، فهو خاص ويمسّ المجتمع بأسره، وكان على الممثلينَ أن يفضحوا للجمهور زيف الرّأسمال ودور المرأة في الإنتاج. فإن كانَ المجتمع يعرف أنّ المرأة ورأس المال يصنعان المأكولات الشّعبية فالممثل يخبره بخبايا ما يعرف.
وصلَ التغريب أوجه من خلال إلقاء الممثلين بعبارات المدينة على الجمهور، في محاولةٍ للإجابة عن سؤال هذا الجزء من الورقة "ما هي أريحا"؟ ليقولوا لنا صراحةً إنّ أريحا ليست حقيبة!
"أريحا ليست حقيبة ولا ممراً ولاً معبراً. أريحا ليست طريقاً ولا حتى مدينة النّجوم، هي ليست أسطورة وليست لعنة ولا وثيقة. هي ليست دليلاً سياحيّاً ولا إقامةً مزوّرة ... أريحا ليست الجسر!".[30]
هي صرخة الممثلين لا الشخصيات، صرخةٌ تعيد للجمهور فرصةً لمعرفة مدينته التي اعتادَ عليها، هي دعوة لرفض أن تكون أريحا الممر أو حتى الاستراحة، كما أنّهم يرفضون، بشكلٍ واضح ونقديّ، القصص الأيديولوجية عن أريحا، هي رفض الأيديولوجيا بمنطق عقلاني وإدانة صريحة متمثلةً في رفض أن تكون "أريحا باعت نفسها للغرباء"، أو أن تكون "أرضاً ملعونة إذا مررتَ عنها فأسرع" كأنهم بهذا أرادوا أن يقولوا إنّ أريحا ليست كلّ تلك القصص مهما كانت راسخة ومقدّسة في وعي المجتمع وحيّزه البصريّ كصورة المغادرين والقادمين وسائحي البحر الميّت والمشتى وعبارات الأنبياء والنّاس.
لم يكتفِ العرض بالرّفض، بل وحاول أن يوجّه الجمهور لأن يفهم مدينته أكثر بصورةٍ إنسانية أوّلية بعيداً عن كلّ المقولات عنها، فأهلُ أريحا أدرى بها، وليخبرونا كمجتمع أريحا، وكمجتمعٍ فلسطينيٍّ عامّ، بأنّ أريحا هي "روائح البرتقال والطيبة والكرم وهي فصول السنة في يومٍ واحد، هي الشّمس والنّخيل، هي أهلي وأصحابي، هي لوني ولهجتي... أريحا هي أنا".
أعتقدُ أنّ الجمهور سينتبه، بعد الآن، على أريحا النّاس، لا على أريحا المعبر، سيلحظون تجوالهم على الدراجات الهوائية ولونهم وأحاديثهم وقد يحدث أن يمرّ النّاسُ بأريحا دون رغبةٍ في السّفر، ولا سياحةٍ إلى البحر، بل للتجوال فيها، كأنهم يرونها لأولِ مرة، قد يبحثون عن النّخيل فيها، وعن المتبقي من هوائها. أريحا هي النّاس!
خاتمة
مشاركو عنبتا وأريحا لم يتعرف بعضهم على بعضٍ، ولكنهم اشتركوا في طبيعة الأسئلة الّتي طرحوها؛ إما ضمناً عبر طريقة إنتاج العمل المسرحي، وإما علناً عبر العمل المسرحي نفسه.
بالنسبةِ لطريقة العمل، فالسؤال يكون حول من هو الفنان؟ وما هو دوره؟ وكيفَ نستطيع أن نقول أنّ هذا العمل فنيّ؟
أمّا العمل المسرحي نفسه، فقد وضعنا أمامَ أسئلة متشابهة أخرى كأسئلة الإنتاج والاستهلاك بين الأرض والمطعم الريفي، وفي موقعٍ آخر نبحث عن معنى الأرض بالحفر في الإنسان، والمعنى للإنسان بزراعة الأصبع في الأرض.
لقد فتح مشاركو أريحا الحقيبة لنعرف أريحا من جديدٍ، وحفرَ مشاركو عنبتا في الأرض والإنسان ليبحثوا عن معنى الأرض، فتكون الأرض هي الإنسان والوطن في آن، كما أصبحت أريحا أيضاً هي الإنسان، والإنسان هنا هو القضية وصاحبها والمُعَبِّر عنها والمشاركُ في استكشاف ممكناتها وتبعاتها والمعنى الآخر.
معلم وكاتب مسرحي*
الهوامش:
[1] ﺛﺎر بريخت على المسرح الأرسطي الّذي ﻳﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﻟتطﻬﻴﺮ اﻟﻨﻔﺴﻲ والاندماج. فهو ﻳﺮﻓﺾ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻘﻤﺺ واﻟﺘﻄﻬﻴﺮ، ويستوجب أن ﺗﺒﻘﻰ ﺧﺸﺒﺔ اﻟﻤﺴﺮح ﺧﺸﺒﺔ ﻟﻠﻤﺴﺮح واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ (جميل حمداوي، التصورات المسرحية وتقنيات الإخراج).
[2] هناك العديد من التعريفات لمفهوم التغريب، وسأقتبس هنا تعريف أريك بينتلي الّذي يعرفه بأنّه "تقنية تتناول الأحداث الاجتماعية الإنسانية المطلوب تصويرها بوصفها شيئاً يدعو إلى التفسير والإيضاح، لا مجرد أمر طبيعي مألوف، والغرض من هذا التأثير هو السماح للمتفرج أن يلجأ إلى النقد بشكل بناء من وجهة نظر اجتماعية" (محمد صالح مروشية: أثر المسرح الملحمي البريختي في التغريب عند سعد الله ونوس).
[3] استراتيجية [أحداث الدراما] هي أن نختار أحداثاً في القصة ونوسّعها بطريقة لا يمكن التقاطها عبر القصة، بل يجب فحصها لذاتها، وذلك في علاقتها مع القصة. بعد ذلك قد يفرض "الواقع" تأويله على القصّة (كوستاس أمويروبولوس. (2016) مبادئ الدراما وأدواتها حسب نظرية الدراما وتطبيقاتها عند إدوارد بوند، مجلة رؤى التّربوية، العددان الثالث والخمسون والرابع والخمسون).
[4] المرجع السّابق.
[5] مجموعة من النّساء المنخرطات في المشروع.
[6] كوستاس أمويروبولوس. مبادئ الدراما وأدواتها حسب نظرية الدراما وتطبيقاتها عند إدوارد بوند، مرجع سابق.
[7] ديفيد ديفيس. (2016). تخيّل الواقعيّ .. نحو نظرية جديدة للدراما في التعليم. ترجمة: وليد السويركي، ط1، رام الله: مؤسسة عبد المحسن القطان.
[8] في بداية الورشة، كانت هناك كتابات فردية لفهم عناصِر الدراما، أمّا بعد الاتفاق على المركز، فقد أصبحت العملية كلها عملية جماعية في الكتابة والتفكير.
[9] كوستاس أمويروبولوس. مبادئ الدراما وأدواتها حسب نظرية الدراما وتطبيقاتها عند إدوارد بوند، مرجع سابق.
[10] عندما ذهبت المشاركاتُ إلى أصحاب الأرض، قررنَ أن يلعبنَ دور من يريدُ شراء الأرض، وحملنَ وجهة نظر هذا الشخص.
[11] ديفيد ديفيس. تخيّل الواقعيّ ...، مصدر سابق.
[12] كانت هذه إجابة المدرب كفاح عن موضوع علاقته بالأرض ورحيله إليها، الّذي لم يفصل هذه العلاقة عن علاقته بالفن ومعناه الخاص للوطن.
[13] يوظّف الكاتِب الإيطالي "داريو فو" تقنية المسرح داخل المسرح وقد تجاوز هذا التكنيك مقترباً من التقنيات الملحمية، حيث استخدم تقنيات كسر الإيهام، وإيقاف الحدث المسرحي، وجعل الممثل يخاطب الجمهور مباشرة، بل والتعليق على الأحداث أيضاً. (داريو فو... الظّاهرة والنّموذج): http://egyptartsacademy.kenanaonline.com/posts/507086
[14] المقصود بالمعايشة هنا ليس معايشة الممثل للشخصية كما في مسرح ستانسلافيسكي، وإنما معايشة وتجسيد الموقف الدرامي، الّذي يتحدث عنه ديفيد ديفيس باعتباره "تجسيد التجربة المعاشة للموقف الّذي ينشأ من خلال الفهم المحسوس للموقف الّذي يتم التقاطه في الدراما والقصة الّتي تكشف في النهاية عن "القوى الاجتماعية الّتي تغذي ذلك الموقف".
[15] ديفيد ديفيس: تخيّل الواقعيّ، مصدر سابق.
[16] كوستاس أمويروبولوس. "مبادئ الدراما وأدواتها حسب نظرية الدراما وتطبيقاتها عند إدوارد بوند"، مصدر سابق.
[17] المرجع السّابق.
[18] المرجع السّابق.
[19] يتعامل بوند مع الأحداث كما لو أنّها تحدث الآن "لحظة المعايشة".
[20] ديفيد ديفيس. تخيّل الواقعيّ ...، مصدر سابق.
[21] زمن الحادث: هو الشعور الذي يجتاحنا عندما نكون في أزمة مفاجئة، كما يحدث عند التعرض لحادث سير، حيث نشعر بالأحداث بوتيرة أبطأ مما نحن معتادون عليه" (كوستاس أمويروبولوس).
[22] في مسرحية "افتح الحقيبة"، ينظر الجندي في تصريح كلٍّ من رحيق والأم، ثم يقول: أنتِ لا، وأنتِ نعم.
[23] جميل حمداوي. "التّصورات المسرحية ونظريات الإخراج".
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2007/03/24/80518.html
[24] محمد صالح مروشية. (2014) "أثر المسرح الملحمي البريختي في التغريب عند سعد الله ونوس"، مجلة دراسات في اللّغة العربية وآدابها، فصلية محكّمة، العدد الثامن عشر.
[25] المرجع السّابق.
[26] المرجع السّابق.
[27] أحمد سلمان عطیة. المسرح الملحمي والمنظر الملحمي. محاضرة في جامعة بابل.
[28] مروشية. أثر المسرح الملحمي البريختي في التغريب عند سعد الله ونوس، مرجع سابق.
[29] المرجع السّابق.
[30] عبارات للممثلين في مسرحية "افتح الحقيبة".