المنهاج القائم على الفنون لتعزيز صمود الطلاب

الرئيسية المنهاج القائم على الفنون لتعزيز صمود الطلاب

مقابلة اجرتها ربيكا فوكوفيتش مع بيتر اوكونور |  ترجمة داليا صالح - غزة

المصدر بالإنجليزية: هنا

كيف يمكن للمعلمين في هذه الظروف غير المستقرة أن يدعموا تعلم طلابهم لمفهوم وباء الفيروس ويزودوهم بالأدوات اللازمة للتغلب على هذه التحديات والسيطرة على المرض؟

يقترح البروفيسور بيتر أوكونور من جامعة أوكلاند مقاربات قائمة على الفنون لتعزيز الصمود لدى الطلاب في أوقات الكوارث. وأردف قائلاً: "لقد تأرجح العالم بين كارثة وأخرى، كما حدث لأستراليا التي عانت من حرائق الغابات، ثم الفيضانات، وصولاً إلى فيروس كوفيد-19. كيف يمكن لنا أن نستوعب ذلك ونساعد طلبتنا أيضاً على استيعابه؟ لا بد أن للمدرسة دوراً رئيساً في ذلك". يملك أوكونور خبرة عميقة في مجال استخدام المنهجيات القائمة على الفنون لتعزيز صمود الشباب ومساعدتهم على التغلب على الصدمة بعد الكارثة، وقد عمل طوال حياته المهنية في السجون والمستشفيات النفسية ومناطق الزلازل، ومع المشردين، كما قدم الدعم للمدارس أثناء الزلازل في كرايستشيرش، ومدينة مكسيكو، ومؤخراً خلال أزمة حرائق الغابات في أستراليا.

يقول أوكونور: "أعتقد أن لدي خبرة كافية الآن للعمل بشكل مباشر مع الأطفال والمعلمين عند عودتهم إلى المدرسة بعد وقوع الكارثة، فلا أحد منا يستطيع فهم فايروس كوفيد-19، ولكن الأمر سيكون أصعب لطفل في التاسعة أو العاشرة من عمره وهو يرى الكبار خائفين ومتوترين، والعالم متخبط حوله. إذن، من المهم جداً فهم كيفية استعمال الفنون لاستيعاب الكارثة للعمل بها في المدارس.

 

لماذا المنهاج القائم على الفنون؟

يقول أوكونور "إن الفنون هي طريقة للتفكير والتعبير نستطيع من خلالها الكشف عن عمق ما نشعر ونفكر به، وما يحدث في العالم من حولنا". ويضيف: "غالباً ما أشعر بذلك مع الأطفال الصغار على وجه الخصوص، فأحياناً قد يجدون صعوبة في التحدث عن الأشياء، ولكن يمكنهم التعبير عن ذلك بأجسادهم، أو من خلال رسوماتهم، أو من خلال الرقص، كما إن الفنون تساعد الناس في التفكير بعد الكارثة في الماضي، وتتيح الفرصة لهم للتعبير عن مشاعر الحزن والفقد، فعندما نحتاج إلى استيعاب ما خسرناه، غالباً ما نفعل ذلك من خلال الشعر، أو استخدام طرق مختلفة، وهذا شيء طبيعي. لذا، فإن الارتباط بالماضي مهم حقاً في المدارس".

إذن، تستطيع الفنون ربطنا معاً، وهو أمر صعب في هذه الأزمة الحالية، حيث يتعين علينا عزل أنفسنا، وأخيراً فإن الفنون تذكرنا بالمستقبل، لأنها تدور حول الخيال، وهو أحد أهم الأشياء بعد الكارثة، حيث يمكن أن نتخيل أن الأشياء تتحسن، وهذا مهم جداً لنا خلال أي أزمة، وبالأخص خلال الأزمة الحالية. ويقول أوكونور إن الفنون بطبيعتها توفر مسافة آمنة للناس للتعامل مع الكوارث، ويوضح قائلاً أنه "لسنا بحاجة إلى أطفال يسردون ما حدث لهم، لكننا بحاجة للفنون لمساعدتهم على التفكير والتشكيل وإعادة تصور الحالة التي قد يكونون عليها، كما إنه من الأهمية بمكان، خلال هذا الوقت، منح الطلاب الفرصة للتحدث بأمان عن مخاوفهم، لما يدور حول العالم، ومنحهم الفرصة للتفاعل مع مشاعرهم".

 

الاستجابة لأزمة حرائق الغابات الأسترالية

في كانون الثاني (يناير)، اتصل زملاء أكاديميون أستراليون بـ أوكونور لقيادة مشروع لمساعدة المعلمين بعد عودة الطلاب إلى المدارس خلال أزمة حرائق الغابات التي دمرت المجتمعات في جميع أنحاء أستراليا. وقد عمل في هذا المشروع مع زميلته البروفيسور كارول ماتش، وهي، أيضاً، مفوضة اليونسكو للتربية في نيوزيلندا، ونتج عن ذلك اجتماع استمر 30 يوماً لعدد من الخبراء الأكاديميين في الفنون والصحة والتعليم والتعافي من الكوارث من جامعات ملبورن، وسيدني، ووسط كوينزلاند، ونيوساوث ويلز، وتسمانيا، وجنوب أستراليا، وكان من أحد الأشياء التي قررناها، على وجه السرعة، وتعلمتها من خلال تجربتي الخاصة -كما يقول أوكونور- هو "أننا كنا بحاجة إلى تقديم المشورة والدعم للمعلمين منذ اليوم الأول، ليستطيعوا التعامل مع هذا العدد من الصغار الذين يعودون بعدد كبير من القصص، ومحملين بالخوف والقلق، وكيف يمكن تمكينهم من التعامل مع تلك القصص بطريقة آمنة وبشكل لا يسبب الصدمة لهم".

و"قد قامت المجموعة بتجميع المصادر العلمية الموثوقة التي كانت متاحة عبر الإنترنت لجعلها سهلة الوصول، واستطاعوا فعل ذلك خلال خمسة أيام فقط، وأطلقوا عليها مبادرة بانكسيا تيمناً بورود البانكسيا الأسترالية التي تزهر فقط بعد الحرارة الشديدة، حيث الحرائق والدمار الذي يسبب تفتح البذور وينتج جمالاً غير عادي. تتمثل مهمة مبادرة بانكسيا في تقديم المشورة القائمة على البحث العلمي للمدارس حول كيفية استخدام الفنون بعد الكوارث، حيث يمكن استخدام المصادر الموجودة على موقعهم مع الطلاب من جميع الأعمار، بدءاً من رياض الأطفال وصولاً إلى المرحلة الثانوية العليا، وعلى الرغم من أن هذه المصادر قد تم تصميمها استجابة لحرائق الغابات في أستراليا، فإنها متاحة للمعلمين لاستخدامها خلال أي كارثة، كما آمل أن تساعد في الاستجابة لكوفيد-19 ومشكلة تشتت الأطفال والمجتمعات"، يقول أوكونور.

 

دعم المعلمين خلال الأزمات

يقول أوكونور "إن الأكاديميين كانوا متحمسين حقاً لتفعيل مبادرة بانكسيا وتشغيلها، حيث إن المعلمين كانوا يريدون فعل الشيء الصحيح بعد الكارثة، لكنهم لا يعرفون كيف يتصرفون. هناك الكثير من النصائح حول العودة إلى الحياة الطبيعية، بغض النظر عن ما تعنيه كلمة طبيعية هنا، من يعلم كيف ستعود الحياة لطبيعتها بعد كوفيد-19؟ لا أملك أدنى فكرة عن ذلك. لكن الحياة الطبيعية لن تكون كما كانت مسبقاً"، ويقول أوكونور "إن تلك المجتمعات التي دمرتها حرائق الغابات لن تعود إلى سابق عهدها".

في كانون الثاني (يناير)، اجتمع مبادرو بانكسيا في سيدني وقدموا ورشة عمل تستند إلى استخدام الفنون لحوالي 50 معلماً، ومائتي معلم آخرين عبر الإنترنت. يقول أوكونور إنه كان قادراً على معرفة ما يشعر به المعلمون خلال هذه الجلسات، ما أعطاه فكرة جيدة عن الموارد التي يحتاجونها لدعم عملهم في الفصل الدراسي. أعتقد أن المعلمين أرادوا العمل بطرق آمنة تمكنهم من التحدث عن مواضيع صعبة، فهم لا يريدون أن ينتهي بهم المطاف إلى كميات هائلة من الدموع، بحيث لا يشعر الأطفال أنهم بحاجة إلى التحدث عن قصصهم الشخصية، يقول أوكونور: "كانت إحدى الطرق للقيام بذلك هي الشراكة مع مسرح سيدني لتزويد المدارس الابتدائية بقصص مصورة ذات حجم كبير، وما فعلناه هو أننا قدمنا مصادر للمعلمين حول الكتب المصورة الجيدة، حيث يجب أن نقدم فرصاً حقيقية للأطفال للتحدث عن الأشياء المرتبطة بحرائق الغابات، وليس عن حرائق الغابات نفسها، فعلى سبيل المثال، يمكنهم الحديث عن الخسارة والقلق والشجاعة، والحديث عن رعاية بعضهم البعض، وهي أمور ذات علاقة بما حدث معهم أثناء حريق الغابات، ولكن ليس عن الحرائق ذاتها".

يقول أوكونور إنه في كل مرة يعمل بها في مثل هذه الظروف، فإن المعلمين غالباً ما يجدون صعوبة في معرفة إذا ما كانوا يفعلون الشيء الصحيح، وإن تزويدهم بالموارد التي هي نتيجة سنوات من البحث والعمل والدراسة التي تساعدهم على توفير بيئة آمنة هو ما نقترحه، فهناك أشياء يمكنهم القيام بها مع الأطفال، ويجب العمل بها أيضاً.

 

أسس التحدث عن كوفيد-19 للعاملين والطلاب

الشيء الآخر الذي أدهشني حقاً عندما كنت في سيدني، هو شعوري بالارتباك عندما جلست مع حوالي 25 معلماً بسبب عمق العاطفة والشعور في حديثهم الذي كان يدور حول ما كان يحدث في أستراليا ... أدركت أنه من المهم، أيضاً، العمل مع المعلمين، إضافة لعملنا مع الأطفال، يقول أوكونور: "إنه بمجرد أن يعود الناس إلى حياتهم ويخرجون من العزلة، سنحتاج إلى هياكل محددة يمكننا من خلالها التحدث عن كوفيد-19"، ويعتقد أوكونور أن "الفنون هي الطريقة الأمثل لفعل ذلك".

مع إغلاق المدارس في جميع أنحاء أستراليا لفترة من الوقت، وعندما يعاد فتحها، من المهم أن نعيد الاتصال ببعضنا البعض كبشر في الفصول الدراسية، سنحتاج إلى اللعب قليلاً، سنحتاج إلى بعض المرح، وسنحتاج للضحك معاً كما سنحتاج، بشكل كبير، إلى أن نكون مع بعضنا البعض بعد أن كنا معزولين، وهنا يكمن الدور الهائل للمعلم للقيام بذلك. نحن نعلم أن الأطفال سيعودون إلى المدرسة، وسنفقد بعضاً من الأجداد والآباء والأفراد، وسيعاني المجتمع بطرق هائلة؛ طرق ربما لا نفهمها حتى في هذه المرحلة، والمدارس تعد دائماً أماكن للتعلم، ولكنها أيضاً أماكن تشفى فيها المجتمعات.