التعليم في زمن كورونا: الإنسان والفعل في الزمن الخطر - مالك الريماوي

الرئيسية التعليم في زمن كورونا: الإنسان والفعل في الزمن الخطر - مالك الريماوي

يمكننا أن نبدأ بمقولة "أن أعظم الإنجازات الإنسانية قد تحققت أثناء الصعود الخطر للبشر نحو صناعة مصيرهم"، من منطلق أن الحياة تصل أعلى درجات توثبها في زمن المرض والخطر؛ المرض ليس نقيض الحياة فحسب، بل قد يكون محرضاً لها على التوق لخلق المناعة والديمومة، لذلك فاللحظة التي نعيشها هي لحظة مشحونة بالممكنات بمقدار ما فيها من خطر وتحديات، وسوف أركز على التعليم في زمن الكورونا.

ثمة توجه من قبل وزارة التربية والتعليم والمعلمين والمعلمات للاستفادة من الممكنات الإلكترونية والرقمية لتوفير تعليم بديل للطلاب في البيوت، وهذا توجه إيجابي ويعبر عن ضرورة "لتعليم الطلاب وإدامة تماسهم مع عمليتي التعليم والتعلم"، وهو توجه ضروري، أيضا، لتعليم النظام التربوي نفسه؛ تعليمه كيف يتطور ويطور ذاته في ظل الأزمة وما بعدها، وهذا يعني توفر فرصة للاستفادة من الممكنات الرقمية وتوظيف الفضاء الافتراضي لتحقيق تعليم فاعل وآمن؛ فرصة لانخراط المعلمين في تطوير أشكال تناسب التعليم عن بعد، وفرصة لانخراط الأهل والمعلمين في أكبر وأوسع عملية تعلم جماعية؛ عملية تمثل (مهمة) في حقل المعرفة والتربية و"إنجازاً" في حقل بناء المقاومة والمناعة الاجتماعية.

لذلك، علينا أن نتفاعل ونطور أشكال تعلم تناسب حالة التعلم الفردي في البيت، وتوظف المجموعات الافتراضية لإجراء التفاعلات الجماعية (كمجموعات محادثة وتعلم) وبناء أنشطة تعلمية تحقق للطلاب انخراطات نوعية في مجالات التفكير والإنتاج والتعبير المتعددة.

وفي هذا السياق، يجب أن نراعي مبادئ التعليم العامة، كالبنائية، والسياقية، والفاعلية، والإنتاجية، والتمثيل المتعدد، ما يعني أن نبني دروساً تمكن الطلاب:

  • من البناء الذاتي (فردي أو في مجموعات) للمعرفة.
  • ضمن سياق حياتي (ثقافي اجتماعي) معبأ بخبرة إنسانية خاصة جذرية وعميقة.
  • يمنح الطلاب ممكنات للعب أدوار فاعلة ومهام متعددة.
  • إنتاج مواد ومعانٍ مجسدة ومتحققة.
  • تمثيلها بأشكال رمزية وتصويرية ومادية متعددة.

 

وأن لا نغفل خصوصية التعليم عن بعد، حيث يفتقد إلى:

  • خاصية التواجد الجسماني المباشر لكل من الطالب والمعلم.
  • الصف كجماعة (مجتمع ممارسة وتعلم).
  • صعوبة استعمال الأدوات التقليدية مثل السبورة والعروض والوسائل وحل المسائل والتدريبات والقراءة معاً والنقاش المباشر... .

 

وهذا لا يعني أن على التعليم الإلكتروني أن يحمل هذه الأدوات الحقيقية على شكل صور، فلن يفيد كثيراً أن نصور الكتاب، أو الدفتر، أو معلماً يشرح ويكتب ... ونرسله إلى الطلاب على شكل مادة مصورة ... .

المطلوب بنية جديدة ومختلفة تناسب الوضع، تناسب أن يتعلم الطالب في البيت بشكل مفرد أو عبر مجموعة الزملاء، ليس المطلوب درساً مقدماً بشكل شرح تقليدي أو واجب بيتي يشبه الاختبار، بل المطلوب إعادة بناء المادة على شكل تعلم (بالمهمة) وتعلم عبر (الوسائط الثقافية) وعبر (النشاط العملي والذهني)، أهم ما يمكن تقديمه للطلاب هو نشاط يكون سياقاً للتفكير والعمل معاً، حيث لا تفكير بدون عمل والعكس صحيح، فبنية النشاط وشكله هما اللذان يحددان نوع الوعي الناتج ونوع التعلم المتحقق.

إذن، لنفكر معاً في تطوير "مضامين تعليم تناسب اللحظة، وتكون بمستوى التحدي". ليس المطلوب تغطية المناهج، بل المطلوب تحقيق تعليم وتعلم يناسب اللحظة، وليس المطلوب تغطية المناهج، بل كشفها للحياة، والكشف عن الجانب الحي في التعليم، وفتحه على منتجات الثقافة ومصادرها، وتحويله إلى عمليات تفاعل عميقة بين الطالب ونفسه، وبينه وبين المعلم والزملاء، وبين الطلاب والمعلمين والأهل، لنوظف خبرات الأهل في الفعل والعمل، ولنستفيد من دروس الكيمياء في تعزيز قدرة الأهل على مواجهة المرض، ونحول دروس البيولوجيا إلى معرفة حول الجسم والمناعة والفيروسات ... ودروس العلوم الاجتماعية إلى فعل اجتماعي تكافلي ومبادرات في التطوع ومساعدة الآخرين ... ونحول دروس التاريخ إلى استقصاء عن أشكال المقاومة التي أنتجتها البشرية في مواجهة المحن، ولتصبح دروس التاريخ نوعاً من الصناعة له، ودروس العلوم الاجتماعية نوعاً من الفعل الاجتماعي وإعادة بناء للقيم ... لتتحول دروس الرياضيات إلى مشروعات في اقتصاد الحياة وفنون التدبير ... .

ليكن التعليم الإلكتروني مبادرات، فيطلب المعلم من الطلاب القيام بمبادرات في البيت وفي العمارة التي يسكنها وفي الحي، قد تكون صنع شيء، أو تصميم ملصق، أو تقريراً للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ... طريقة تجعل المادة التعلمية مادة حية، وتعطي للمهمة معنى، فيشعر الطالب بأنه يتعلم، وأنه يقوم بعمل ذي معنى، لا فعل ولا تعلم خارج إحساس الإنسان بالمعنى والجدوى.

هذه مجرد أفكار أولية، لنعمل معاً على تطويرها لتقديم أسس أعمق حول مضامين التعليم والتعلم، ثم نصمم نماذج وأمثلة، أما بخصوص الممكنات الإلكترونية وأشكال التعليم الرقمية ووسائط التواصل الافتراضي، فالمطلوب ممن لهم خبرة في هذا المجال أن يقدموا إسهاماتهم.

 

معاً نتجاوز الخطر عبر صناعة معنى للحياة.