افتتحت مؤسسة عبد المحسن القطان ووكالة الاستقصاء المعماري، السبت 25 كانون الثاني 2020، معرضاً فنياً بعنوان "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" في مبنى المؤسسة في الطيرة/رام الله.
وقال يزيد عناني قيّم المعرض؛ مدير البرنامج العام في مؤسسة عبد المحسن القطان، إن لتنظيم معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" في فلسطين أهمية كبيرة، حيث إنه يُطلع الجمهور على منهجيات عمل وكالة الاستقصاء المعماري، التي توظف العمارة والقانون والفن وغيرها، من أجل فضح جرائم الدولة، الأمر الذي يساهم في تطوير منهجيات البحث في فلسطين، وبخاصة على الصعيد الأكاديمي؛ مثل المشاريع التي سيقوم بها طلاب العمارة في جامعة بيرزيت على هامش المعرض.
ويعتبر عناني أن العمل الذي تقوم به الوكالة مهم جداً، كونه يستند، بشكل أساسي، إلى التقنيات والأدوات الحديثة التي تستخدمها الدولة في القمع والتحكم ومراقبة المواطنين. فتقوم الوكالة بقلب هذه الأدوات لصالح المواطنين لمواجهة النظام، ولفضح جرائمه بحقهم، وفي ذلك دحض لكل نظريات ما بعد الاستعمار، التي اعتقدت أن من المستحيل استخدام أدوات النظام القمعي في عملية تفكيكه وهدمه، في حين تقدم وكالة الاستقصاء المعماري تجارب ناجحة في عملية فضح النظام القمعي وتعرية ادّعاءاته.
ويضيف عناني: علينا كفلسطينيين التعلم من تجارب الشعوب المضطهدة الأخرى، التي استطاعت انتزاع أدوات النظام القمعي، واستخدامها في فضح جرائمه ومحاسبته على انتهاكاته لحقوق الإنسان، وبخاصة في ظل الانتهاكات المستمرة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي يومياً بحق الفلسطينيين.
وتعليقاً على المعرض، قالت المشاركة في تنظيم المعرض من وكالة الاستقصاء المعماري شوريدة مولوي: "اخترنا لمعرضنا في مؤسسة عبد المحسن القطان، عرض بعض من تدخلاتنا في أماكن أخرى حول العالم، آملين أن تتوافق مع أشكال النشاط السياسي في فلسطين، وأن توطد روابط التضامن والمقاومة عبر الحدود الفاصلة".
ويستعرض المعرض ثلاثة تحقيقات لوكالة البحث الاستقصائي حول التقنيات المركبة وشبكات العلاقات المنتشرة التي تؤثر على ممارساتهم السياسية والفكرية والفنية. فيستند العمل الذي يحمل عنوان "التعذيب في سجن صدنايا" إلى الشهادات السمعية والحسية لبعض الناجين من سجن صدنايا؛ أحد سجون النظام السوري الذي لقي فيه عشرات الآلاف من السجناء حتفهم. ونظراً لعدم توفر أي صور لداخل السجن، تعاونت وكالة الاستقصاء المعماري مع خمسة سجناء سابقين، واستخدمت تقنيات نمذجة صوتية ومعمارية لتمثيل بنية السجن وفقاً لذكرياتهم. يبرز هذا التحقيق دور حيز السجن ليس كموقع تعذيب فحسب، بل كأداة لإدامته. سيكون هذا المشروع جزءاً من مساق خاص في دائرة العمارة في جامعة بيرزيت، يدور حول إعادة تمثيل السجون، وتعلم التقنيات البصرية والمساحية اللازمة لتوثيق الشهادات عن الصدمات النفسية.
ويتكون عمل "مقتل هاريث أوغوستوس" من سلسلة من مقاطع الفيديو التي ترصد عنف الشرطة في شيكاغو لأسباب عرقية، حيث قام أحد عناصر الشرطة بإصابة وقتل أوغوستوس في حي "ساوث شور" في شيكاغو، خلال "جولة تحقيق" قام بها خمسة من ضباط الشرطة. حللت وكالة الاستقصاء المعماري مفهوم "الجزء من الثانية"، وهي الحالة الزمنية التي تقوم خلالها قوات الشرطة بقتل العديد من "الملونين"، ما أدى إلى قتل أغوستوس، مستخدمة ست عدسات زمنية مختلفة عبر البيانات الحضرية وفيديوهات المراقبة المتوفرة. وباستخدام مزيج من التحليل البصري والوثائقي والشهادات البصرية، استكشفت الوكالة الدوافع البنيوية لهذا العنف، والمتجذرة في التفرقة العنصرية. أسفر هذا التحقيق عن سلسلة من الإجراءات القانونية ضد شرطة شكياغو، وقررت الوكالة عرض هذا المشروع في فلسطين لتضيء على العلاقة بين ممارسات الشرطة العسكرية المستخدمة ضد مجتمعات السود في الولايات المتحدة، وتجارب الفلسطينيين اليومية مع عنف سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
أما في "قنبلة غاز ثلاثية الأمشاط"، فتعرض الوكالة استخدامها لتقنيات التعلم الآلي وإنتاج الصور التركيبية والنمذجة الواقعية، لرصد عبوات الغاز المسيل للدموع التي تقوم شركة تسمى سفاريلاند (Safariland) بتصنيعها. فور إدراك علاقة وارين ب. كندرز –نائب رئيس مجلس أمناء متحف ويتني للفن الأمريكي- بالشركة، استجابت الوكالة لدعوتها بالمشاركة في بينالي ويتني العام 2019، باستخدام برامج تصنيف تعتمد على الرؤية المحوسبة، لجمع وتحليل استخدامات قنابل غاز سفاريلاند من خلال الصور التي يشاركها الناشطون والمتظاهرون عبر الإنترنت. ربط هذا البحث شركة سفاريلاند بأحداث قمع للمجتمع المدني وحركات اجتماعية في مناطق أخرى، كما كشفت علاقة كندرز بعنف القنص المميت الذي يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، من خلال شركة سييرا بوليتس (Sierre Bullets) الأمريكية. ساهم عرض الفيلم في متحف ويتني في إجبار كندرز على الاستقالة من مجلس الإدارة.
سيرافق معرض "وكالة الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" سلسلة من الندوات والورشات التي تستضيفها مؤسسة عبد المحسن القطان، حيث سيناقش بعض أعضاء الوكالة ممارستهم في فلسطين وخارجها، عبر شرح منهجيات عملهم المعروضة. كما سيضم برنامج المعرض ورشاً تجمع أعضاء الوكالة ومؤسسات ومجموعات حقوقية فلسطينية رائدة، للحديث عن الطرق التي يمكن فيها استخدام أساليب معمارية ومساحية كجزء من المقاومة القانونية والسياسية في فلسطين.
تتخذ وكالة الاستقصاء المعماري من جامعة غولدسميث في لندن مقراً لها، وينصب عملها على التحقيق في قمع الدول والشركات والتدمير البيئي. كما يستخدم عمل الوكالة البيانات المعمارية والحضرية والآثار المادية والشهادات الإنسانية، ويبني على شبكة واسعة من المتعاونين التي تضم مجتمعات تعاني من عنف الدولة وتقاومه، وناشطين سياسيين ومحامين.
منذ تأسيسها العام 2010، جابهت وكالة الاستقصاء المعماري العنف العسكري والاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين، وحققت في حالات مختلفة بالتعاون مع المجتمع الفلسطيني، ومنها: قضية التجمع البدوي في قرية العراقيب، عنف المستوطنين الإسرائيليين في الخليل، تدمير الأراضي الفلسطينية في بتير، إبادة الاحتلال الإسرائيلي للتربة والمحاصيل الزراعية قطاع غزة. خلال السنوات العشر الماضية، وسعت الوكالة نطاق بحثها وطبقت منهجياتها على حالات عنف واضطهاد أخرى حول العالم.
يستمر معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" حتى 2 نيسان 2020، وهو مفتوح أمام الجمهور يومياً من الساعة 11 صباحاً وحتى 7 مساءً، عدا يومي الجمعة والأحد.