أطلقت مؤسسة عبد المحسن القطان ومؤسسة المعمل للفن المعاصر، أمس السبت 18 كانون الثاني 2020، النسخة الثانية من معرض الفنانة الفلسطينية سوزان حجاب في رام الله في مبنى مؤسسة القطان.
ويظهر المعرض تجربة الرحيل الملازمة للفلسطينيين منذ النكبة، فبعد أن بلغت من العمر 77 عاماً، وفي أول معرض استعادي لها في فلسطين، تتمحور أعمال حجاب حول تجربتها الشخصية في عدم الاستقرار أو "حالة المغادرة المستمرة" التي عاشتها في الغربة. فيمثل الرحيل عنصراً أساسياً في حياة حجاب وعملها، سواء بمعناه المادي؛ أي الانتقال من مكان إلى آخر، أو بمعنى التحولات الداخلية في المشاعر.
يجمع المعرض أكثر من 50 عملاً من نهاية السبعينيات وحتى يومنا هذا، موفراً فرصة نادرة أمام الجمهور الفلسطيني للتعرف على أعمال فنانة فلسطينية من الرواد، لم يسبق أن تم عرض أعمالها في وطنها فلسطين على هذا النطاق من قبل.
تتميز أعمال حجاب باحتوائها على مشاهد وكأنها تنزلق داخل بعضها البعض لتخلق حركة مستمرة وسلسة دون بداية أو نهاية، وتوحي شخصياتها ذات الأجساد المشوهة والمشرحة التي تفتقد الرؤوس، أحياناً، ببعد بدائي فطري، وتطل علينا محبوسة في إطارات لا نهائية في صراع ومحاولة دائمة للتحرر. وتصبح الصدوع والندوب في شخصيات حجاب دليلاً مادياً على الألم الداخلي الذي يسببه شرخ الرحيل.
وفي مقابلة أجراها قيم المعرض جاك برسكيان من مؤسسة المعمل مع الفنانة في فرانكفورت في الأول من حزيران 2019 تحضيراً للمعرض، تحدثت الفنانة عن تجربتها الفنية بإسهاب، وعن حياتها وعن الحافز الذي يدفعها للرسم، والذي يتمثل في الصراع الداخلي الذي لازمها خلال حياتها الشخصية والفنية، وفي كفاحها كامرأة، كفلسطينية، وكمهاجرة في بلد غربي، وكذات معقدة ومتعددة تعبّر عن نفسها من خلال صور تتجزأ وتتفتت من خلال الظلال، والألوان، والضوء، وتباينات الظلام والفراغ.
كما تظهر في أعمال حجاب شخصيات نساء، تنبعث منهن هالة من القوة المتمردة على الاضطهاد وعدم المساواة. عندما انتقلت حجاب إلى ألمانيا، كان عليها أن تفهم الآخر أولاً، واستطاعت من خلال عملها أن تصل إلى مساحة شخصية وحميمة يلتقي فيها الشرق والغرب، وسمح لها تعدد الرؤى هذا، بإدراك أبعاد متزامنة في آن معاً، أثرت على أسلوبها الفني بعمق.
وقررت مؤسستا المعمل و"القطان" تنظيم هذا المعرض، إيماناً بأهمية توظيف الوسيط الفني كمنصة للتعبير ولعرض الأعمال الفنية التي تسرد بطرق شتى واقعنا الفلسطيني، وتسلط الضوء على ما يخلّفه من أفكار وأفعال وحالات جسدية ونفسية علينا كأفراد وكمجتمع.
هذا، وافتتحت النسخة الأولى من المعرض في مقر مؤسسة المعمل داخل أسوار مدينة القدس في 27 حزيران 2019، ولعدم تمكن الجمهور الفلسطيني الواسع من مشاهدة المعرض بسبب قيود الاحتلال، تقرر تنظيمه في نسخته الثانية في مقر مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، ويستمر من 18 كانون الثاني/يناير حتى 2 نيسان/أبريل 2020.
يشار إلى أن حجاب ولدت في يافا العام 1942، وانتقلت مع عائلتها إلى الإسكندرية أثناء النكبة، ثم غادرت حجاب مصر في سن التاسعة عشرة، من أجل الدراسة في الأكاديمية العليا للفنون في أوفينباخ في ألمانيا، وتعيش في فرانكفورت منذ ذلك الحين، باستثناء قضائها بضعة أعوام في بيروت خلال السبعينيات.