تكونت لجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب للعام 2019 (جائزة الرواية) من الكاتب والناقد أحمد المديني (المغرب – فرنسا)، والروائية والقاصة منصورة عز الدين (مصر)، والروائي والقاص علاء حليحل، والكاتب والشاعر زكريا محمد (فلسطين). ونظرت اللجنة في 27 مخطوطة روائية تقدم بها كتاب وكاتبات شباب فلسطينيون من أنحاء مختلفة من فلسطين التاريخية والشتات.
وقام كل عضو، منفرداً، بقراءة المخطوطات الروائية المشاركة وتقييمها دون علمه بأسماء كاتبيها، وبتزويد المؤسسة بتقريره الفردي، ومن ثم قامت إدارة البرنامج بجمع التقارير الأربعة في تقرير واحد، وإطلاع أعضاء اللجنة عليه. وعقبت ذلك عملية تداول تمت عبر البريد الإلكتروني، خلصت إلى الاتفاق على النتائج التي يقدمها هذا البيان.
وجدت اللجنة أن المواضيع المطروقة تتنوع بدرجة قصوى، فلا يوجد جامعٌ مشتركٌ في المتن العام بتاتاً، أو رؤى متقاربة. تحضُر حكاياتُ الطفولة كما في القصة القصيرة إلى جانب المراهقة، إلى القصص الغرامية ومشاعر الحرمان لدى فئة الشباب، بتعالق أو تقارب مع المحبطات الاجتماعية وثقل التقاليد والسلطة الأبوية. ثم ننتقل إلى عوالم وسيناريوهات الخيال العلمي. يأتي أخيراً الشاغلُ الوطني المتمثل في وضع الاحتلال، وهو فعلاً ثيمة محدودة لا غالبة كما قد يظن البعض. تأتي كثيراً متفرقة الحضور، بُعداً من أبعاد الرواية أو اهتمام شخصياتها بحسب بيئة النصّ لا غير، وقليلاً، موضوعاً أساساً تدور حوله الرواية ويعتبر قوامها ومناط انشغالها.
يحاول هذا الجيل الناشئ أن يصنع له وجوداً استثنائيّاً في وجود الأمر الواقع. يتم هذا إما بالنأي عن موضوع المقاومة لصنع مصير فردي مقابل، بديل بأيّ ثمن، وهي ثيمة عديد نصوص؛ وإما باستحضار الماضي وإعادة تشخيص أحداث ورسم شخصيات في المراحل المختلفة لاحتلال التراب الفلسطينيّ وتهجير سكانه بدءاً من 1948 وصعداً، هنا حيث الذاكرة وفعاليتها هي المسرح والأبطال بإعادة نحت الأماكن والعلامات والبطولات والشهادات، ومحتواها هو المعنى، وواقعيتها واستعاراتها هما الدلالة الوطنية.
وقد اشتملت المخطوطات المشاركة على أعمال روائية جيدة اقترب عدد منها من تأليف الموضوع الروائي وتوفير الصيغ المناسبة له هيئة ولباساً وبناء وأصواتاً فردية ووعياً جمعياً وبعض خيال يصنع جو التخييل مجال حياة الرواية وفعلها. وقد توزع هذا الموضوع بين النوازع الفردية الإنسانية، والقضية الوطنية بين وضع الاحتلال وتحدّي المقاومة ومعيش الفلسطيني بمظاهر مختلفة في مساحة التوتر بينهما.
وقد خلصت اللجنة إلى الاتفاق على النتائج التالية:
التنويه بالمخطوطة الروائية:
"البث"
لـ فخري طه
من سردا، رام الله
رواية جيدة. لغة مختصرة، وسرد قويّ. هناك سيطرة على الشكل وعلى المعلومات. وأسلوب روائي يدمج بين المعلومة وبين الحبكة والشخصيات، لكن النص يظلّ معتدلاً بكلّ جوانبه، من دون إثارة ما أو استفزاز للحواسّ، كما يجدر بنصّ روائي طويل.
الفكرة جيدة والكاتب واعد جداً، لكن فكرة الرواية كانت تحتمل عالماً أوسع وأكثر تركيباً، كما إن النهاية تبدو مبتورة قليلًا.
ملك طريق الجديدة
لـ سارة أبو غزال
من بيروت
رواية قصيرة ومتقشفة لكنها قوية ومتينة وصادمة، وإن كان النصف الأول من الرواية مشغولًا بشكل أفضل من نصفها الثاني الذي يسير أسرع من اللازم، وليس فيه ما يكفي من التفاصيل.
لكنها تقدم سرداً مؤلماً في برودته وذكياً في تنقله عبر المحطات التاريخية المختلفة، استطاع بلورة شخصيات متعدّدة الوجوه والطبقات في نصٍّ قصير ورشيق جداً. الموضوع جيد، وطريقة إلقاء الكاتب الضوء على تغريبة الفلسطينيّين وشتاتهم حيوية وسريعة الإيقاع، لكن العمل يتحول في أجزاء كثيرة إلى مجرد حدوتة تُحكَى دون أن تكتسي بثوب روائي.
وقررت اللجنة الإشادة بالمشاركات الروائية التالية مع توصية بنشرها مشروطة بنجاح كتابها في تطويرها، وتمتينها بناء على ملاحظات أعضاء اللجنة:
الأولاد من هناك
لـ هناء أسامة سلمان أحمد
(غزة)
لأنها عمل روائي قوي متماسك البناء وشجيّ يشف عن كتابة ناضجة وذكية ومختمرة، ونفس روائي متميز وبارز، لولا أنّ الشخصيات الفاعلة تتحدث خطاباً لا ينسجم مع سنها كأنه صوت المؤلف مباشرة؛ فمشكلتها الكبرى أنّ الأطفال يتحدّثون كفلاسفة، وبأخطاء لغويّة كثيرة. والراوي يتحدّث عمليّاً باسم الأطفال كلهم ويُنطِقها بلسانه هو بوعيه وثقافته، كما إنّ النهاية بحاجة إلى جهد أكبر لتصير أكثر إثارة.
طيور يناير
لـ أمنية أبو سويرح
(غزة)
رواية جيدة تقدم كتابة دقيقة وناضجة، وسرداً متيناً وذكياً ومتطوراً عبر مراحل درامية تتشكل ببطء وجاذبية، وإن أخذ عليها بعض أعضاء اللجنة انشغالها بالأساس بحكي الحدوتة دون تأسيس وتأثيث العالم الروائي.
تبدأ الرواية متعثرة، وبأخطاء لغوية كثيرة، لكنها تتحسن لاحقاً وتصبح أكثر إقناعاً، وقدرة على السيطرة على الزمان الذي يغطي فترة طويلة.
عندما يبكي الحنون
لـ مصطفى أكرم مصطفى بدر
(بتير، بيت لحم)
تجمع هذه الرواية أطراف أسرة فلسطينية كاملة من أم وأب وأبناء، إلى جانب هذا الحضور التمثيليّ ترسم الرواية خريطة واسعة للأمكنة وتضاريس ومعالم الأرض التي اجتاحها الاحتلال، هي هكذا تحييها وترسّخها في الذاكرة الوطنية فتصبح الرواية ملاذها.
تتميز هذه الرواية أيضاً، بجمعها لصوتين وموقفين: الفلسطيني، صاحب الأرض، والإسرائيلي الغاصب المحتل، وهذه طريقة إذ توفر تعدد وجهات النظر وتنوع المواقف والخطابات، وتسمح بتوليد التوتر الدرامي المطلوب، فإنها تخفف من النبرة الحماسية وتجعل التعارض يولد طباقاً روائياً لا بلاغة خطابية نصيرة للقضية بلا حساب.
فاللغة جيدة وتكاد تخلو من الأخطاء، لكن الجزء الأول يلجأ فيه الكاتب إلى الإخبار لا السرد، ثم في الأجزاء التالية ينضبط السرد إلى حدّ بعيد، وعلى الكاتب العمل أكثر على دمج خيوط السرد المتنوعة بشكل أكثر إقناعاً.
أما الجائزة الأولى، وقدرها 4000 دولار، مع النشر، فقد قرّرت اللجنة منحها بغالبية أعضائها لـ:
حصرم (مر)
لـ موفق أبو حمدية
(الخليل)
رواية ناضجة فنياً إلى حدّ بعيد، يجيد الكاتب/ة السرد بطريقة مشوقة، كما يمتلك ثقافة ومعرفة كبيرة بموضوعه. العلاقات بين الشخصيات مقدمة بمهارة ورهافة، وتشف عن معرفة جيدة بالتاريخ، وبالأدب العبري وحقائق الصراع من خلال لغة جيدة، وسرد وبناء محكمين، وإن نزعت أحياناً نحو المباشرة في الحوارات وتعقيبات الكاتب/ة.
تندرج هذه الرواية في تيار روائيّ بدأ يتبلور في الرواية العربية يحكي حياة اليهود في البلدان العربية، ومعيشهم من كل النواحي، ونوع الانفصام الذي باتوا يعيشونه بين ثقافتين ووضعين، وهو في العمق يرسم وضعية اجتثات وقعوا فيه بفعل الدعاية الصهيونية، وبالمقابل تسبب في اجتثاث الفلسطيني من أرضه. هذا وجه مهم في رصد الموضوع الفلسطيني وتاريخيته، وهو منسوج هنا بذكاء وتزاوج بين السرد الروائي والعرض العام، ذي الطابع التسجيليّ، بلغة تقريريّة ومقتصدة في آن، وتتخللها بعض الحوارات تضفي الحيوية والانسياب.
تتمنّى اللجنة أنها وفقت فيما خرجت به من نتائج، متمنية لجميع المشاركين دوام التقدم.
أعضاء لجنة التحكيم
كانون الأول 2019