نحن نتعرض للأصوات بشكل مستمر في الصحو والمنام، وفي كل الأماكن التي نتواجد فيها، وتأخذ تلك الأصوات شكلاً يميزها عن غيرها باختلاف وتميز البيئة التي تصدر فيها، فهنالك البيئة الطبيعية، والبيئة العمرانية السكنية أو الصناعية، التي تتمايز فيما بينها باختلاف الطبيعة والجغرافيا والتجمعات السكانية. إضافة إلى ذلك، تؤثر التطورات الاجتماعية والتكنولوجية على المحيط الصوتي، فكل التغييرات التي حصلت على مر التاريخ في وسائل التواصل، والنقل والتنقل، والزراعة والتصنيع، إلى جانب أساليب قضاء وقت الفراغ من لعب أو تواجد في المجمعات التجارية، تؤثر على المحيط الصوتي.
يشكل المحيط الصوتي في مدينة رام الله نموذجاً خاصاً نتيجة التغييرات والتطورات السكانية، والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت عليها منذ كانت قرية صغيرة، ثم مدينة هادئة، حتى أصبحت اليوم بمثابة مدينة تشكل مركزاً اقتصادياً وعمرانياً وحيوياً، ما أدى إلى زيادة سريعة ومفاجئة في الكثافة والتعداد السكاني من جهة، وفي حركة البناء والعمران من جهة أخرى، مع الأخذ بالحسبان القيود العديدة التي تحد من إمكانيات التوسع والتخطيط المدني والمجتمعي الصحي.
يستعرض هذا العمل التركيبي دراسة ميدانية لمجموعة من المناطق في مدينة رام الله ومحيطها، التي تشكل مناطقَ ذات سياقات جغرافية وتاريخية وسياسية وطبيعية متنوعة ومتباينة. تعتمد هذه الدراسة على جولات إصغاء سجِّل خلالها مجموعة من الأصوات التي تشكل المحيط الصوتي لتلك المناطق المختلفة، بعضها ريفية وطبيعية، وأخرى سكانية أو صناعية أو تجارية.
عين قينيايسمح الهدوء لك بالاستماع إلى تفاصيل صوتية كثيرة في منطقة عين قينيا، وتمييز بعضها عن البعض الآخر، إضافة إلى القدرة على تحديد مكان الصوت واتجاهه، الأمر الذي يكاد يكون شبه مستحيل وسط محيط صوتي صاخب كمركز المدينة على سبيل المثال. |
|
مخيم قلنديايؤثر الواقع السكاني المفروض على مخيمات اللجوء الفلسطينية على طبيعة الأصوات فيها، فالازدحام السكاني وضِيق المساحة يجعل الفصل ما بين الحيز الداخلي والخارجي في المخيم شبه مستحيل، فتمتزج الأصوات داخل البيوت مع أصوات اللعب والنداءات والمكالمات الهاتفية والحوارات التي تدور |
|
مركز مدينة رام اللهفي التسجيلات المدمجة مع الخارطة يتسنى لك الاستماع إلى أصوات مواقع مختلفة في مركز مدينة رام الله، فتلاحظ الضوضاء في الميادين المركزية التي تتألف من أصوات المارة ومحركات وأبواق السيارات والباعة المتجولين، إضافة إلى أصوات العمل وآلات البناء والعمارة. وما يميز هذا النسيج الصوتي الصاخب هو السرعة والديناميكية العالية لحركة الأصوات، إضافة إلى تداخل كم كبير من الأصوات المتباينة، من الأصوات الآلية إلى الأصوات البشرية، كما يساهم التركيب العمراني المتمثل في تخطيط الشوارع والبنايات في التأثير على قوة الصوت وحركته.
|
|
بيتونياتعتبر بيتونيا منطقة صناعية، حيث تنتشر الآلة فيها بشكل ملحوظ، فيهيمن صوت السيارات والموتورات والزمامير وحركة الإطارات على المكان، لذلك يعتمد العمال الصراخ كوسيلة تواصل حتى يتمكن أحدهم من سماع الآخر وسط كل تلك الضوضاء المحيطة. وهنالك، أيضاً، أصوت الحديد والمياكن اليدوية التي تعمل طوال اليوم، فيغلب على المشهد الصوتي النهاري أصوات آلية ومكنية متواصلة ومتكررة ذات طبيعة خشنة، وترددات بعيدة عن أصوات الإنسان والحيوان، إضافة إلى كون المنطقة تحمل طابعاً مختلطاً، فإلى جانب التواجد الصناعي الصارخ، لا يخلو المكان من العمارات السكنية والبيوت التي تختفي أصواتها تحت ترددات الأصوات الآلية الضخمة. |