تسابقت أناملهم الصغيرة لملء مساحة بيضاء، بعد أن قضوا معاً رحلة البحث عن شغفهم وإبداعهم الفني خلال مسار فني ومجتمعي، حيث تمرسوا على رسم جدارية على أحد الجدران الخارجية للمدرسة الإنجيلية الأسقفية العربية في رام الله، التي تُعبر عن قضية مجتمعية واقعية مضمونها "السياقة غير الآمنة وما ينتج عنها من حوادث سير وتبعات اجتماعية".
بلمسة جمالية، قام 12 طالباً وطالبةً من المدرسة الإنجيلية، عبر انخراطهم في مبادرة تعليمية مجتمعية للتعبير عن رؤيتهم حول "حوادث السير"، برسم جدارية في المدرسة، تتضمن سيارة مقلوبة غرست فيها شجرة للدلالة على الحياة، فيما أن نصف أوراقها ميتة بفعل الدخان المتصاعد من الحادث، والنصف الآخر أخضر ومحافظ على ريعانه.
"استلهمنا فكرة الجدارية من واقعنا الذي نعيشه، وعملنا معاً كفريق متكامل من أجل إيصالها، وهي تفسح للناظر مساحة للتأمل والتفكر في مضمونها المهم حول حوادث السير" ... هذا ما قاله الطالب وائل عودة (15 عاماً) من مدرسة الإنجيلية مبتكر فكرة الجدارية، وهو أحد المنخرطين في مشروع "حول التعلم والعمل المجتمعي" الذي تقوده مؤسسة عبد المحسن القطَّان ضمن مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية" الممول من قبل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC). ويُعتبر تنفيذ الجدارية أحد مخرجات أنشطة المشروع الذي تنفذه المؤسسة بالتشارك مع المدرسة الإنجيلية.
أما الطالبتان رفاه أحمد، وأميرة منسي فقد اتفقتا على أن المشروع قد ساهم في تعزيز قدراتهما وأفكارهما تجاه قضايا عدة لم تعلما بها من قبل، وكان أهمها "حوادث السير".
قالت أحمد (15 عاماً): "نحاول توعية من هم بأعمارنا بمخاطر السرعة، وما ينجم عنها من حوادث سير، حيث أصبحنا ندرك حجم المشكلة وخطورتها".
وعمل 20 طالباً وطالبةً منذ بدء المشروع بإشراف باحثين من "القطان" في كانون الأول 2020 على تقديم المقترحات والأفكار العملية لتجسيدها من خلال أعمال فنية، ومنها الحديث عن "التنمر، والعنف، والقتل على خلفية الشرف، والعنصرية"، إلا أنه تم اختيار قضية "حوادث السير" من بين القضايا المهمة التي قُدمت، والتي تمس الواقع الحقيقي وتقدم رسالة توعوية وتثقيفية للمجتمع.
وأوضحت الفنانة أسماء غانم أحد المشرفين على المشروع، أن الطلبة قد أجمعوا على اختيار مضمون الجدارية لتنفيذها على أرض الواقع من بين 4 مقترحات كان قد قدمها الطلبة خلال ورش تدريبية في "القطان"، حيث وظفوا خلالها مهاراتهم وأفكارهم الخيالية، من خلال تقسيمهم إلى 4 مجموعات بهدف التخطيط لرسم جداريات على مجسمات (كرتون) صغيرة قبل الانطلاق لتجسيدها على أرض الواقع.
وقالت غانم أثناء مشاركة الطلبة رسم الجدارية: تم اختيار "السكتش" بعد إجراء تصويت مسبق، حيث وجد الطلاب أنه يعبر عن رسوماتهم ورؤيتهم الفنية، ويحقق الهدف ذاته، حيث تمكن الطالب وائل عودة من خلال مقترحه من التعبير عن المقترحات الأخرى".
وفي معرض حديثها عن اختيار مدرسة الإنجيلية لرسم الجدارية فيها، أوضحت أن الطلاب قد شاركوا في مسار مجتمعي للبحث عن مكان ملائم يتسع لمضمون الجدارية، ويشتبك مع الشارع الفلسطيني، إلا أن الظروف والأحداث السياسية الداخلية الأخيرة، حالت دون رسمها في فضاء خارجي يعزز الاشتباك الفني المباشر مع المجتمع.
وقالت غانم: "الفعالية جاءت في ظروف صعبة، ولكن الطلبة تعلموا من هذه التجربة أن يضعوا أمامهم خططاً بديلة حتى يتم تحقيق الهدف".
وأشارت إلى أن الشغف لن يتوقف عند رسم جدارية تُعبر عن خطر حوادث السير فحسب، وإنما يحمل الطلبة في جعبتهم العديد من القضايا المهمة التي يتم تجسيدها فنياً، والتي تطرق أبواباً لم تُطرق من قبل كطرح قضية التحرش والعنف.
وينخرط طلبة المشروع في مسار مجتمعي بحثي، هو أحد أهم أنشطة المشروع، حيث يُمكن الطلبة من التعرف على شوارع مدينة رام الله وأزقتها، واكتشاف جدرانها ومبانيها بجانب البحث عن مبنى يعبر عنهم وعن فكرتهم التي يودون تنفيذها بأيديهم.
وعن اختيار الطلاب للمشاركة في المشروع، أوضحت نجلاء بركات، معلمة منخرطة في المشروع، "أن المشروع مهم جداً لتطوير قدرات الطلبة وارتباطهم بقضايا وطنية ومجتمعية، كما أنه يمثل فعلاً مجتمعياً لهم، لكونه يتضمن نشاطات لا منهجية، كما يُشعرهم بالمسؤولية تجاه ما يفعلون".