"كان في الخان" ... مشروع مجتمعي في خان يونس

الرئيسية "كان في الخان" ... مشروع مجتمعي في خان يونس

حمدان الأغا*

العرض الافتتاحي في خانيونس لفيلم "كان في الخان" يوم الثلاثاء 23 تموز 2019، والذي أنتج ضمن مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية، الذي ينفذه برنامج البحث والتطوير التربوي/ مؤسسة عبد المحسن القطان بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)".

 

ماذا يمكن لمشروع أن يقدم بعد أن استكشفه الطلبة وشاركوا به مجتمعهم؟ إنه السؤال الذي نطرحه للبحث في مكنوناته المادية والمعنوية.  الطلبة اعتادوا على المشاريع المدرسية أو المشاريع المؤسساتية أن تكون واضحة بخطة محكمة بزمن معين، لكن في مشروعنا (مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية في خان يونس) هذا الأمر لم يكن واضحاً، وكان الغموض مسيطراً على مجريات المشروع وفعالياته.  الطلبة في حالة من الارتباك؛ الارتباك الذي أتاح لهم فرصاً للتساؤل، ما دورنا؟ ماذا نفعل؟ الطلبة يتحاورون، مين عارف شو بدنا نسوي؟ أولياء الأمور يتصلون دوماً، ما دور ابني وبنتي؟ متى سيتضح دور أبنائنا؟ لقد بدأ المشروع بالغموض، فكيف يمكن أن يكون الغموض سياقاً لبداية مشروع مجتمعي؟!

 

لم يكن المشروع جاهزاً، بل كان مساحة من الأراضي التي يمكن لنا أن نزرعها مع الطلبة عبر مشاركة المجتمع، أو يمكننا القول إنه مساحة من فيلم وضعتنا أمام تحدٍّ كبير؛ وهو كيف نصنع الصورة داخل إطار الفيلم، فما كان منا كفريق عمل إلا أن نخطط مع الطلبة كيف سنبدأ؟ ما الصورة التي نريد أن تظهر عبر شاشة الفيلم؟ ما القضايا التي يمكن أن نبرزها؟ كيف سنشارك المجتمع لإبرازها؟

 

بدأ الطلبة بجمع القضايا التي تهمهم وتهم الناس في خان يونس.  في بداية المشروع صاغوا رؤيتهم ورسالتهم كفريق متعاون.  في لحظة ما ضمن سياق سيناريو الورشات التراكمية، قرر الطلبة أنهم بحاجة لإبراز القضايا بصورة أكثر عمقاً، بدلاً من سرد الحكاية؛ حكاية القضية، ولكن سرد الحكاية عبر الصورة، وهنا تحول الفعل من ذكر للقضايا إلى البحث عن القضايا من خلال الصورة، ولكننا لا نجيد التصوير، ولا نمتلك الكاميرا التي سنرصد القضايا من خلالها، فحضر فريق التصوير، ليبدأ مع الطلبة رسم فنيات الصورة وأبجدياتها عبر الكاميرا.  تدرب الطلبة جيداً على الكاميرا لرؤية قضاياهم من خلالها والتعبير عنها، فتمت مساعدة الطلبة على التخطيط لزيارة الأماكن التي سيتم رصدها واستكشافها عبر المرئي، فأظهرت المشاهد التي تم التقاطها من أجل إنتاج الفيديو التوثيقي للقضايا، علاقة الأمل بالمكان والزمان، وكذلك الحزن والحاجة؛ أطفال يلعبون بجوار بيوتهم غير المؤهلة للعيش الآمن، وآخرون يلعبون على فرن طين قديم، مقابلات الطلبة للناس بجوار سور القلعة المتآكل بمرور الزمن، البدوية التي تقول "ما حدش سامع صوتنا"، فكان الفيديو والطلبة صوتاً لها.  تم عرض الفيديو في صورته النهائية على الطلبة، هنا لا توصف مشاعر الطلبة بافتخارهم بمنتجهم، لقد نجحوا في وضع الصورة المناسبة في إطار فيديو توثيقي، صنعوا صورة قضيتهم، وقرروا مشاركة أصدقائهم والمجتمع ومناقشة الجمهور ومشاركته من خلال عرضه كمنجز حقيقي لهم.

 

البداية جاءت من خلال عرض الفيديو على فئة من النشطاء المجتمعيين والفنانين والمثقفين، تقول الفنانة دعاء "لم يسبق لنا أن شاهدنا صورة وفيلماً بهذا العمق".  وتعبر أم محمد قائلة "هذا الفيديو يعلمنا كيف نتعامل مع أطفالنا، وكيف نشاركهم القضايا".  تقول الناشطة مروة "عندما دعيت لورشة النشطاء وجدت النشاط والتفاعل والحراك، فقررت أن أدعو السيدات والأهالي ليشاركوا في الورشة القادمة".  رأت السيدات والمربيات القضايا التي تعرض لها الفيديو بأنها أساسية، واختيار الطلبة لها يدل على وعيهم تجاه ما يقومون به من فعل وعمل وممارسة، ليأتي دور المعلمين والمعلمات، فنظر مجموعة منهم على أن القضايا التي تم رصدها من قبل الطلبة يقع الدور الأكبر من المسؤولية عن حلها على البلدية.  لعل مناقشة المعلمين لمثل هذه القضايا يبرز دورهم التفاعلي قي مناقشة قضايا خان يونس.  وتأملت مجموعة أخرى من المعلمين الدور النشط للطلبة وانتقالهم من السجن إلى فضاء الحرية، ورصدهم للقضايا بصورة تفاعلية اجتماعية، لربما يجعلنا ذلك أن ننظر إلى الطلبة على أنهم كائنات إنسانية مجتمعية، وليسوا كائنات مدرسية خاملة، وهذا ما أكد عليه طلبة الجامعات والخريجون بأن الطلبة لهم الدور الأكبر والأبرز عبر تفاعلاتهم المجتمعية وبناء ذواتهم والتأثير في المجتمع.  يقول أحد الخريجين "الطلبة عندما عرضوا القضايا بهذا العمق، أدركوا المعني الحقيقي لدورهم ولمن يعيشون بجوارهم".

 

وبعد هذا الحراك المجتمعي قرر مجموعة من المتطوعين أن يدربوا الطلبة على الحشد والمناصرة والإعلام الاجتماعي قبل ورشة الشراكة مع بلدية خان يونس.  الطلبة يوزعون أنفسهم على مجموعات تعاونية وفقاً للقضايا التي تم استكشافها ورصدها في الفيديو، يتحاورون ويتفاعلون ويناقشون معاً، ما الذي سنعرضه؟ ثمة تفاعلات وتساؤلات يطرحها الطلبة للاستعداد للمواجهة والاشتباك مع المسؤولين في البلدية.  وبالفعل، نفذت الجلسة الحوارية مع البلدية، كل مجموعة تسوق لنفسها، فمنهم من عبر عن قضيته بالمخططات، ومنهم من تقدم بعرض تفاعلي، ومنهم من طرح التساؤلات، ومناقشة فيديو القضايا.  يرد المسؤولون على تساؤلات الطلبة ومناقشتهم؛ رئيس البلدية المهندس علاء الدين البطة يشارك في الورشة، المسؤولون مندهشون من تساؤلات الطلبة وحواراتهم، ويجيبون عن تساؤلات الطلبة المدهشة فعلاً وعملاً.  لعل الدهشة هي صفة من صفات الفلاسفة.  يقول المهندس حاتم: "الطلبة جاءوا إلى الورشة مستعدين ومسلحين بالمعلومات"؛ تلك هي الأراضي التي تمت زراعتها من قبل الطلبة، فأصبحت الأراضي ملكاً لهم بعد أن كانت ملكاً للنظام التقليدي وعادات المجتمع.

لم يتوقف الطلبة عند ذلك، بل قرورا التمرد على العادات والتقاليد، وقرورا، أيضاً، أن يتعلموا الخيانة.  بالفعل إنها الخيانة؛ بأن نخون كل العادات والتقاليد البالية والروتين الممل في حياتنا، ونكتسب الجديد من المهارات المجتمعية الفعالة عبر التفكير والحوار والوعي في كيفية إخراج القضايا والتعبير عن بعضها بمنتج فني.

 

فكرت مجموعة من الطلبة في المسرح، والفن التشكيلي، ومجموعة أخرى فكرت في معرض تفاعلي، وثالثة فكرت في الأفلام القصيرة الصامتة والمحكية، وآخرون فكروا في منصات تفاعلية لمناقشة بعض القضايا.  فعندما يفكر الجميع ويتحاورون معاً عبر الوعي والمناقشة الفعالة، يصبح للنقاش والاختلاف معنى ودلاله بسبب المساحة التي وفرها المشروع من الاحترام والحوار.  هذا ما حدث مع الطلبة عندما اتجهوا باتجاه عرض قضاياهم وقضايا مدينتهم عبر سياق فيلم قصير مغاير ومختلف عن الفيديو الوثائقي الذي أنتجوه سابقاً، فبدأت المجموعات الطلابية بالتركيز على القضايا التي سيتم عرضها في الفيلم: ما العناصر الأساسية والفرعية للقضية؟ ما القصص والحكايات الكامنة وراء القضايا؟ ما المشاهد التي يمكن أن يتضمنها الفيلم؟

 

ركز الطلبة على مجموعة من القضايا، منها: العشوائيات، القرية البدوية، الصرف الصحي، المساحات الخضراء، تآكل سور القلعة.  عند مناقشتنا للقضايا والمشاهد، بدأ الطلبة يتساءلون: كيف سنقوم بتصوير القضايا؟ ومن سيساعدنا في بناء المشاهد؟ كيف سنقوم بإخراج الفيلم ومونتاجه؟ وهنا تأتي المساحة التي يقدمها المشروع لاندماج الفنان في مرحلة تقديم المنتج النهائي للمشروع عبر السياق الفني؛ لأن الفن بدوره يلعب دوراً مهماً في الوعي والحراك المجتمعي تجاه القضايا المجتمعية.  هنا نلاحظ عبر السياق أن المشروع أتاح الفرصة للفنان، ولم يكن الفن والفنان في المشروع هو الهدف، بل جاء ليعبر عن القضايا المجتمعية على شكل فيلم قصير.  حضر المخرجون ليناقشوا الطلبة في القضايا المجتمعية التي تم التركيز عليها، وكيف سنقدم هذه القضايا؟ كيف سنكتب السيناريو؟ كيف سنتدرب على التصوير والمونتاج؟ كيف سنشارك في إخراج الفيلم؟ ثمة أسئلة عميقة في مضمونها، جعلت الطلبة يتوزعون في فرق للتدريب على الكتابة والتصوير والمونتاج.

 

ناقشنا كتابات الطلبة مع المخرجين.  ظهرت النزاعات بين الفرق الطلابية على مستوى الكتابات، أي الكتابات أفضل؟ ولماذا تم تناول القضية بهذه الصورة؟ تنوعت الكتابات والقصص، ما جعل للنزاعات معنى، وأصبحت نزاعات يقودها الطلبة، ولكنها فاعلة عبر سياق فعل الكتابة، كتبنا السيناريو، ليبدأ العمل الميداني ونزول الطلبة إلى الشارع مع الكاميرات التي سترصد القضايا.  ثمة تحضيرات ومساعٍ للحصول على الموافقات من الجهات المختصة كفريق عمل، والطلبة منهمكون عبر الفعل؛ فعل الكاميرا، فعل الميدان، فبدأنا كفرق طلابية بالنزول إلى أماكن القضايا، وبدأنا بالقرية البدوية، وعلى الرغم من الحصول على الموافقة من الجهات المختصة، فإن الأهالي رفضوا التصوير بحجة العادات والتقاليد التي ترفض تصوير قضيتهم؛ لأنها ستكشف أموراً خاصة بهم، أو لربما كما يتوقعون أننا سنتاجر بقضيتهم، ونحصل على الدعم اللازم من الجهات الداعمة.  يقول أحد الأطفال في القرية: "ما ودي تصورني"، لعل الحوار والنقاش الذي دار بين الطلبة بسبب رفض التصوير بعد فترة وجيزة من العمل الميداني تمحور حول أسباب الرفض؟ هل هي ثقافة؟ هل يمكننا التفكير في مكان آخر؟ تحول الرفض إلى وقود من التساؤلات؛ التساؤلات التي تنتج عبر الاشتباك مع القضايا والناس في السياق المجتمعي، هل بالإمكان أن نرصد ونصور قضية أخرى؟ ماذا لو اتجهنا لقلعة برقوق؟ اتجه فريق آخر للقلعة، ماذا سنفعل؟ من أين سنبدأ؟ هل نريد مقابلات مع أشخاص؟ من هم الأشخاص؟، بدأنا بتصوير سور القلعة من الخارج ومن الداخل، النفايات بجوار القلعة، سور القلعة بدأ بالتآكل، لربما ارتباط الطلبة بالكاميرا والرصد والتوثيق لسور القلعة والمحيط بها، يصبح علاقة ارتباط بين الطلبة والمكان، ويصبح للمكان دلالة وقوة في المعني وفي الحياة.  قضية أخرى وفريق طلابي آخر يرصد لنا قضية الصرف الصحي، وكيف يمكن لنا أن نقوم بتلويث البحر بمياه الصرف الصحي؟ النوارس في سماء المكان تحلق وتبعث الأمل من جديد في المكان وفي الناس وفي الفريق.

 

يبدأ الطلبة بالرصد والتوثيق ليشتعل الديناميت مفجراً شظايا من التساؤلات، منها: لماذا الصرف الصحي هذا مكانه؟ وهل للبلدية دور في ذلك؟ وما دورنا نحن كطلاب؟ الشظايا تصيب البنية المعرفية في الدماغ لتفضي بنا إلى حالة من عدم التوزان؛ عدم التوزان المنتج لحالة من الحراك والوعي والتفاعل مع الآخر؛ من الأهالي والمسؤولين والتعليم، مساحات لعلها تعطي لنا الكثير من الإلهام، بأن كيف نبدأ مع أنفسنا ومع أبنائنا ومع الطلبة في المدارس؟ مساحات خضراء في خان يونس بدأت بالتآكل بفعل تدخلات الإنسان بالعمران تارةً، وبالتجارة تارةً أخرى، فكيف لنا أن نستبدل منتزهاً للناس بموقف و"كراج" سيارات، ليحل المستهلك مكان المنتج، ويحل ثاني أكسيد الكربون مكان الأكسجين.  إلى مدى يحق لنا التدخل في الطبيعة لإحداث تغيرات؟ سؤال طرحه الفريق الطلابي؛ هذا السؤال هو السؤال المركزي أو السؤال الأكثر عمقاً ومعنى، يتعلمه طلبة الفلسفة وعلم الاجتماع في الجامعات، وبالتالي يمكننا التساؤل: هل أتاح المشروع فرصاً ذات دلالة ومعنى لنا كفريق وللطلبة لكي نشتيك مع القضايا ومع الناس؟ هنا يمكن القول إن المشروع أتاح للطلبة البعد الفلسفي المفقود حالياً في التعليم المدرسي، وأيضاً التعلم عبر المشروع الثقافي المجتمعي وفر للطلبة فرصة للنمو وفرصاً ثرية أصلية للتعلم الحقيقي في سياق حياتي.

العرض الافتتاحي في خانيونس لفيلم "كان في الخان" يوم الثلاثاء 23 تموز 2019

 

قد تكون ذواتنا عشوائية؛ العشوائية المعنوية، والعشوائيات كأماكن على أراضي حكومية لأفراد لا تتوفر لهم فرص السكن، فقرورا أن يفترشوا الأرض بدون موافقات من الجهات المختصة، تلاحقهم بعض المؤسسات المعنية، قرر الطلبة أن يقوموا بالبحث عبر القصص والحكايات لأشخاص في المكان، رصدوا المتناقضات كجزء أساسي من الفلسفة الفكرية للمشروع، حوض الورود بجوار الجدار المائل، وألعاب الأطفال (المرجيحة) بجوار الركام، شجرة العنب المتسلقة على الجدار المائل كمصدر أمل وحماية، وما بين العشوائية في الذات والعشوائية في السكن، ارتباط له دلالة ومعنى، لربما يقودنا ذلك إلى تساؤلات مغايرة: لماذا نسمي المكان بالعشوائيات؟ هل من وجهة نظر القانون؟ أم من وجهة نظر ذواتنا العشوائية؟ فعندما رصد الطلبة قضية العشوائيات بعثوا الأمل فيها مرة أخرى، وأعادوا للعشوائيات اعتبارها، بل وتخطى الأمر ذلك بأن ما تم عرضه قي الفيلم، زعزع منطقة الأمان للقانون، وأكد أن الأفراد في العشوائيات يستحقون الحياة والأمان والعيش.

 

لم يكن المنتج وهو فيلم توثيقي عن قضايا مجتمعية في خان يونس، كبقية منتجات المشاريع الجاهزة ينتهي بانتهاء اليوم الأخير في التصوير، بل كان كنسخة أولية تناقش مع الطلبة وتعرض أمامهم، بدأت الدهشة على وجوه الطلبة، ما تم إنجازه في الميدان يعرض أمامنا اليوم.  بدأ الصراع والنزاع: أين الصورة التي قمت بتصويرها؟ أين مشهدي؟ حضر النقاش بين الطلبة، فتحول من صورتي أو مشهدي في الفيلم، إلى فيلمنا جميعاً، ومنتجنا الشخصي الذي سنعرضه على المجتمع بفئاته كافة.

 

قرر طلبة المشروع عمل مجموعة من عروض للفيلم تضم فئات مختلفة من المجتمع، وفي أماكن مختلفة في القطاع.  خلال العروض تحول المنتج في سياق احتفالية مجتمعية طلابية، الطلبة يناقشون الجمهور المتابع لهم بعد حضور الفيلم، الطلاب يجيبون، الجمهور يشكر الفريق والطلبة، المعلم "عبد" يناقش الطلبة ويقول لهم: "لقد فشلتم في إيجاد دوركم المناسب"، يرد الطالب محمد متحدثاً: "نحن فشلنا في إيجاد أدورانا التقليدية، وأنتم كنتم دوماً تقولون إننا سنفشل، لقد حولنا الفشل إلى نجاح في صناعة أدورانا المفقودة والمغايرة"، فكيف يمكن لمشروع أن يجعل الطلبة يتحولون ويجيدون صناعة أدوراهم المفقودة؟ كيف يمكن لهذا التحول أن يحمل المشروع للأمام؟ ثمة تحولات في النقاش والفعل المجتمعي، الطلبة عرضوا وناقشوا منتجهم أو بالأحرى مشروعهم.  ما أود قوله أن أي منتج لم يتم عرضه على المجتمع، ولم يُقدَّر، سيذهب هباءً، ولربما يجد الطلبة أنفسهم في حالة من الضياع.  محمود درويش يعود إلى فلسطين بعد أن قرأ الناس كتاباته وقدّروها، فعاد مسرعاً إلى وطنه، العمق في كتابات درويش والتعلم عبر المشروع ما نريده في مجتمعنا، فما دورنا في المدرسة والأسرة والمسجد والإعلام إلا إبراز قضايا المجتمع.

 

لم يعد المنتج – فيلم "كان في الخان"– يُعرض في خان يونس، بل تعدى الحدود الجغرافية، ليعرض في جباليا، وبيت حانون، وغزة.  يتحدث الناشط محمد من جباليا: "القضايا متشابهة بين جباليا وخان يونس، أحب أن أعترف إلى قلعة برقوق، ما فعله الطلبة في الفيلم، قاموا برصد القضايا"، بينما تتحدث الحاجة أم سهيل: "القضايا متشابهة، أولادنا والتصوير، المواشي، الأوساخ في الشوارع، الماء ليس نظيفاً، النار والشاي، وتتحدث أيضاً: لم أشتم رائحة أزهار الليمون ورائحة البيارة منذ زمن، كنا نجتمع ونساء القرية تحت شجرة الجميز، أشتم الآن رائحة الغبار الملوث، اليوم لم نجلس كما نجلس منذ زمن، اليوم الحكايات عبر الجوال".  بينما الفنانة ريهام تقول: "الفن والمسرح يمكنه أن يعرض القضايا بطريقة مختلفة، لقد تغيرت نظرة الناس لي كفنانة مسرح، بعد تصميمي على تأدية رسالتي الفنية".  أما الإعلامي علي يتحدث عن "الوعي الذي لاحظه في أداء الطلبة لأدوارهم المختلفة، منها كتابة السيناريو والتصوير والأدوار المجتمعية، فبعد سنوات قليلة سنجد الكاتب والمصور والناشط المجتمعي منهم يمارسون أدواراً مختلفة في الحياة"، بينما تتحدث المعلمة ماجدة: "علينا أن نفكر في الجذور والعلاقات للقضايا المجتمعية".  وأكد المعلم رمزي على الأمل الموجود في قضايا خان يونس، أن يعرض الطالب القضية فهذا الأمل، ولعل ما تحدث به الناشط في حقوق الإنسان عبد الحليم بأن الفيلم أبرز الدور المجتمعي للطلبة، وليس مطلوباً منهم حل القضايا، فكيف أتاح الفيلم فرصاً للناس للتعبير والسؤال؟ هل التطوع بالفعل مرتبط بعمر معين؟ هل يقتصر على الذكور فقط؟ هل يقتصر على مهنة محددة؟ هل يمكن للمؤسسات أن تفعل مثل هذه الأدوار المجتمعية؟ هل نحن بحاجة لإعادة النظر في أدورانا في المسجد والشارع والمدرسة والنادي والمؤسسة؟

 

عندما تم عرض الفيلم على مجموعة من الفنانين والسينمائيين، كانت نظرتهم للفيلم كسياق فني، فمنهم من قال: "الصوت في بعض المشاهد ضعيف، السيناريو بحاجة إلى تعديل، التصوير مرة قوي وأخرى ضعيف، في المونتاج لم يعرض القضية متكاملة بل تم عرضها مجزأة، لم يكن للمخرج دور بارز في الفيلم، هذا فيلم كواليس"، ولكن كيف يمكن أن يتحول الفيلم عبر النقاش من السياق الفني إلى السياق المجتمعي؟ كيف سيكون شكل النقاش عندما نغير طريقة تفكيرنا في الأشياء؟ ما الأدوار التي صنعها الطلبة وقاموا بممارستها في الفيلم؟ ما دورنا تجاه تلك الأدوار المجتمعية؟ كيف يمكن أن نطورها في المجتمع ونبني عليها؟ ما الأدوات والأشكال التي يمكن أن نستخدمها في الحياة كفيلم طويل ومستمر؟ مجموعة من التساؤلات تعطينا مساحة واسعة من التفكير والوعي في المواقف الحياتية.

من مكان وفضاء واسع، ومدرج، يغادر الطلبة بحقائبهم المكان في اللقطة الأخيرة من الفيلم، إلى أين سيتجه الطلبة بحقائبهم؟ هل سيرصدون قضايا أخرى؟ هل سيقومون بمهمة تطوعية؟ ولكن هل انتهى الفيلم كفكرة مجتمعية؟ سياقات مفتوحة تركها الفيلم لنا لنفكر فيها بعمق، ونجد ذواتنا بتفاعلها مع الآخر.

 

*معلم في مدرسة الحاج محمد النجار الثانوية للبنين–خان يونس