أماني أبو رحمة*
مشاركون في مشروع مسار في قرية قطنة حول الفن الجداري المجتمعي ضمن مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية" الذي ينفذه برنامج البحث والتطوير التربوي/مؤسسة عبد المحسن القطان بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC). |
ملخص الدراسة
لا شك في أن الثقافة مهمة لتحقيق التمكين الفردي والمجتمعي. فكثير من المشكلات البيئية على هذا الكوكب، وبالتأكيد مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، لها بعد ثقافي في جذورها يتمثل في البشر وممارساتهم. تنحاز معظم نماذج التنمية والتمكين المعاصرة للبعد الاقتصادي، ولكن الواقع يقول، إنها لن تحقق أهدافها المرجوة دون تضمين الثقافة بمعناها الواسع، والفنون في قلبها، ودون أن يضع صانعو السياسات الثقافة نصب أعينهم كعنصر فاعل يحدث فرقاً في التخطيط والتنفيذ والنتائج.
يمثل دمج الثقافة في التنمية والتمكين تحدياً علمياً وسياسياً حقيقياً. يكمن التحدي العلمي في أن الثقافة والتنمية والتمكين مصطلحات معقدة، متنازع عليها، معيارية، وتقطع عرضياً العديد من التخصصات العلمية الرئيسية والفرعية. أما التحدي السياسي، فيكمن في أن الفهم الواسع للثقافة يتطلب سياسات تقطع عرضياً، أيضاً، العديد من القطاعات، ونماذج مبتكرة، بل وجذرية في بعض الأحيان، للتنفيذ تتضمن إعادة فحص طيف واسع من الموضوعات والقضايا مثل نظام الحكم (سنشير إليه هنا بالحوكمة) والمشاركة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. يعني اختراق هذه التحديات تقديمَ نموذجٍ يضع الثقافة في قلب استراتيجيات التمكين والتنمية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي ما يعني أيضاً، تجاوز الحدود بين تخصصات وقطاعات متعددة.
تتكون هذه الدراسة من ثلاثة أقسام متداخلة. يعرض الأول نقاشاً مفاهيمياً حول الثقافة والفن والأنشطة الثقافية والتمكين والتنمية، بوصفها مصطلحات مائعة متداخلة الحدود، معقدة ومتشابكة. ويناقش القسم الثاني التمكين الاقتصادي المرتكز على الثقافة، ويشرح ما يعنيه (استغلال الثقافة كأداة)، كما يشرح نموذج الدوائر متحدة المركز للصناعات الثقافية للاقتصادي الأسترالي ديفيد ثروسبي. ويتناول القسم الثالث الأبعاد المجتمعية للتمكين عن طريق القوة التحويلية للثقافة وتحديد قيمة الثقافة في المجتمع. ويحاول الإجابة عن السؤال الكبير: "ما الذي يحدث بالضبط للناس معرفياً وعاطفياً واجتماعياً عندما يصنعون فناً قد يقودهم إلى رؤية أنفسهم وعالمهم بشكل مختلف؟ يشرح هذا الجزء ثلاثة نماذج لفهم كيف يمكن أن تُحدث "الخبرات الفنية" أنواعاً مختلفة من التأثيرات والتداعيات العامة: نموذج كيفن مكارثي (وآخرون) لتنشيط المجتمع، وخريطة آلان براون لفوائد الفنون، ثم النموذج الثالث الذي يتطور من النموذجين السابقين: نموذج مارغاريدا أزيفيدو لعرض سلسلة التأثيرات أو التداعيات الاجتماعية للأنشطة الثقافية على مستوى المجتمع.
وتخلص الدراسة إلى أن الأنشطة الثقافية، والفنون في مركزها، يمكن أن تؤدي إلى تكوين رأس المال الاجتماعي، بتحفيزها للتفاعل الاجتماعي وتكوين الروابط والجسور وتنمية المهارات القيادية والتنظيمية عبر تشجيع الثقة واعتماد القيم المشتركة عند السعي إلى تحقيق أهداف محددة. رأس المال الاجتماعي، كما سنرى، مستمد من "الفلسفة المجتمعية" حين لا تتم تعبئة الناس بتحريض "الاهتمام الذاتي النفعي"، ولكن من خلال مجموعة معقدة من الأهداف الاجتماعية تضمن التشارك في موارد المجتمع.
******
الثقافة والفن والتمكين: ديناميكية الحدود والتنمية بالمشاركة
يحمل مفهوم (Culture/ˈkʌltʃər)، الذي جرى التوافق على أن مقابله في اللغة العربية هو (الثقافة)،[1] دلالات مختلفة وفقاً للحقبة الزمنية واللغة والنهج التحليلي،[2] ما يجعل المفهوم معقداً للغاية. ومع ذلك، يرى ريموند ويليامز، في مناقشةٍ أصبحت الأكثر تداولاً في السياسات والأبحاث، أنه يمكن تقسيم التوظيف والتطور الحداثي لكلمة "ثقافة" إلى ثلاث فئات: العملية التجريدية (التطورات الفكرية والروحية والجمالية)؛ والتخصيص التعددي (الثقافة باعتبارها طريقة حياة مميزة)؛ واختزال الكلمة إلى الفنون كمفهوم تجريدي يصف ممارسات العمل الفكري والفني، ويجسد القيمة التي تبتكرها المؤسسات.[3]
ينبثق من هذا النقاش المفاهيمي معنيان معاصران أصبحا الأكثر استخداماً حالياً: المعنى الأول، والأوسع يمثل نهجاً أنثروبولوجياً ويرتبط بـ "طريقة الحياة"، يرى في الثقافة "مجموعة القيم أو المعايير أو العلامات التي يُهتدى بها، والتي تحدد حالة العلاقات الاجتماعية والأهداف المشتركة والسلوك التعاوني والتبادلية بين الأفراد والمجتمعات داخل مجتمع معين".[4] تُفهم الثقافة هنا على أنها أسلوب حياة ونظام معرفة، يكونها ويتشاركها مجموعة من الناس، ما يعزز الشعور بالهوية المنقولة من جيل إلى جيل؛ أي إنها تواصل رمزي وعمليات تقليد ومحاكاة تعززها المؤسسات المحلية. تبع هذا التفسير العديد من الاتفاقيات والإعلانات السياسية، كما هو الحال في الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي يرى أنه "يجب اعتبار الثقافة مجموعة مميزة من السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية لمجتمع أو مجموعة، وأنها تشمل، إضافة إلى الفن والأدب، طرق الحياة وأساليب التعايش، ونظم القيم، والتقاليد والمعتقدات".[5]
أما المعنى الثاني فهو أكثر تقييداً، بوصفه نهجاً قِطاعياً، يحصر الثقافة في الأنشطة الفنية التي تسمح بالترجمة والتمثيل ونشر قيم جديدة.[6] هذا النهج مرتبط بتفسيرات ويليامز للعملية التنموية الفكرية والجمالية ووسائل هذه العملية - الأنشطة الثقافية والفنون. وعلى عكس النهج الأول الذي يتعلق بالبنية الفكرية المستخدمة ووصف السلوك البشري، يستخدم هذا النهج العمل الفكري لخلق معانٍ جديدة بتوظيف الأنشطة الفنية.
في الواقع، فإن النقاش حول الأنشطة الثقافية وما يشمله القطاع الثقافي لا ينتهي. وعادة ما يستخدم مصطلحا "الثقافة والفنون" في هذا السياق كما لو أنهما يحملان المعنى نفسه، وعلى الرغم من أن الفنون تحتل مركز الصياغة التصورية للثقافة، وتتجاوز الثقافة المجال الفني بتأكيدها على موضوعات التعليم والدين والتاريخ والقيم والمعتقدات والمعلومات،[7] تُستخدم العديد من المصطلحات للإشارة إلى الأنشطة الثقافية، بما في ذلك "الفنون" و"القطاع الثقافي" و"الصناعات الثقافية" و"الصناعات الإبداعية". ولكن هذه المصطلحات سياقية إلى حد يستعصي على التحديد الدقيق.[8]
وسع الربط الأحدث نسبياً بين أقسام القطاع الثقافي و"الصناعة"، والذي جلبه الاعتراف والتقييم الاقتصادي للقطاع الثقافي، حدود مفهوم "الأنشطة الثقافية".[9] طور (تقرير اقتصاد الثقافة في أوروبا، 2006)،[10] ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، 2008[11] ترسيماً لـ "القطاع الثقافي والإبداعي" استناداً إلى نموذج الدوائر متحدة المركز، الذي دخل معجم الصناعات الثقافية على يد ديفيد ثروسبي. وسنتطرق إلى هذا النموذج في القسم الثاني من هذه الدراسة. ومع تسليم النموذج بأن حدود القطاع الثقافي لا تزال تحت النقاش، فإنه يقر بأنها مرتبطة بسياقات مركزها، وتقوم، كما جادل جاستين أوكونور، على أساس التفسير الاقتصادي للقطاع: "من "صناعة الثقافة" إلى "الصناعات الثقافية"، لتنتهي في "الصناعات الإبداعية". والثيمة الرئيسية هنا هي التوتر بين الثقافة والاقتصاد، الذي يكمن في قلب هذه المصطلحات. هذا ليس قضية "الفن" و"السوق" ببساطة؛ هذا جزء منه، ولكن القضية هي أن للسوق مع "السلع الثقافية" تاريخاً طويلاً، وأن "الفنانين" كانوا متوافقين مع ذلك على الدوام.[12]
يحمل مصطلح التمكين دلالات تختلف وفق السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويتشكل عبر المعتقدات والقيم. تشير معظم التعاريف إلى أن التمكين هو عملية اكتساب السلطة على القرارات والموارد. تم الترويج لهذا التحديد بشكل خاص من قبل حركة المنظمات غير الحكومية في الثمانينيات كجزء من أجندة بديلة للتنمية. بالنسبة للكثيرين، لا يمكن تعيين التمكين إلا في سياق سلطة. إذا كانت السلطة محدودة، فيجب أن يشمل التمكين التنافس على الاستيلاء على السلطة. إذا لم تكن السلطة مفهوماً صفرياً في المحصلة، فيجب أن تكون قادرة على التغيير والتوسع، وبالتالي احتضان فكرة تقاسم السلطة أو "السلطة مع ...".[13]
لا يأخذ البعض الآخر سياق السلطة بعين الاعتبار ويقصر التمكين على نتيجة مفترضة من "الدعوة إلى المشاركة" بشكل أساسي. يأخذ آخرون رؤية أخرى للتمكين تتعلق ببناء القدرات، ويعرفون التمكين بأنه "تعزيز قدرة الفرد أو المجموعة على تحديد الخيارات وتحويل هذه الخيارات إلى إجراءات ونتائج مرجوة"،[14] وبالتالي فإن التمكين هنا عملية ونتيجة نهائية، معاً. وعلى الرغم من بعض المحاولات المبكرة لإشراك المستفيدين في صنع القرار حول أهداف التنمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ظهرت حركة التنمية بالمشاركة خلال الثمانينيات كانحراف باراديغمي بعيداً عن التنمية التقليدية. حصل مفهوم التمكين (نتيجة للمشاركة) على دعمٍ هذه المرة، لا سيما بين المنظمات غير الحكومية التي تروّج لأجندة تنمية بديلة. والتنمية هنا، ليست بالضرورة "مساراً تطورياً" مستمراً، لكنها أيضاً مصطلح محدد سياقياً، يعني العمليات المقصودة وغير المقصودة للتغيير والتطور نحو وضع جديد يكون أفضل للحالة البشرية بالمصطلحات الاجتماعية والثقافية والبيئية.[15] إن ما يشتمل على النمو والتقدم، ويحقق بالتالي التمكين من حيث تعدد الخيارات والمشاركة، قد تغير من نظرة مادية إلى نهج أوسع قائم على الإنسان، حيث تشمل التنمية أبعاداً أخرى إلى جانب الأبعاد الاقتصادية.[16]
كان روبرت تشامبرز مؤثراً للغاية في هذه الفترة، وميز التنمية التقليدية التي تفضل تقديم المساعدة لمؤسسات الدولة، وتعمل داخل مراكز السلطة، وتميل إلى التقنيات الحديثة على التقليدية، والتحليل الكمي على الخبرة الذاتية، وتنحاز إلى نهج السوق على الإنتاج الكفافي، وللصناعة على الزراعة.[17] في المقابل، تنطوي التنمية التشاركية على نهج يركز على الناس.
تدين التنمية التشاركية، جزئياً على الأقل، بتراثها إلى عمل التربوي البرازيلي باولو فريري (1921-1997). في عمله الرائد (تعليم المضطهدين، 1972)، أكد فريري على أهمية الحوار: اللقاءات مع الآخرين للمحادثة والاستكشاف التي تتيح التحليل النقدي للعالم؛ والباراكسية: عملية التفكير والعمل التي تجسد الالتزام برفاهية الإنسان، والبحث عن الحقيقة واحترام الآخرين؛ والتوعية: عملية التعلم لإدراك التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واتّخاذ إجراءات ضد العناصر القمعية للواقع، والاستيلاء على السلطة لتغيير الواقع. ولّد هذا العمل جيلاً من المنظمات غير الحكومية التي روجت لمُثله. من الواضح أن أطروحته تربط بين الوصول للمعلومات والمشاركة والفاعلية الفردية والجماعية لجعل التغيير يحدث (التمكين من أجل التنمية).
التمكين إذاً، ولغرض هذه الدراسة، هو تعزيز المشاركة الفردية والجماعية لإحداث تغيير مطلوب باتجاه التنمية المستدامة. والإنسان كفرد ومجموعة في قلب هذا التغيير بوصفه مؤثراً ومتأثراً معاً، وفي الوقت ذاته. ولذلك، سيركز القسم الثاني من هذه الدراسة على تحديد دور الثقافة في التمكين الاقتصادي أولاً، ثم في التمكين الاجتماعي (القسم الثالث) الذي يهدف إلى تنمية مستدامة قائمة على التشاركية، ثانياً.
التمكين الاقتصادي المرتكز على الثقافة والفنون
في العقود الأخيرة، ومع انهيار النماذج الصناعية والتصنيعية، تواجه المجتمعات الحضرية مشاكل ثقافية واجتماعية وبيئية وتحديات اقتصادية. حددت الأزمة المالية وارتفاع مستويات البطالة ووضع عدم استقرار السوق السيناريو الاقتصادي العالمي، حيث يتطور نموذج يكافح نموذج الصناعة والتصنيع من أجل البقاء وإعادة ابتكار نفسه باعتباره تنافسياً، وحيث تتزايد المشاكل الاجتماعية مثل انعدام الأمن والتشرذم والفقر والاستبعاد والعزلة.[18] على هذه الخلفية المثقلة بتحولات اجتماعية واقتصادية، التي تتطلب آليات جديدة للنمو والحوكمة، اكتسبت الأبعاد الاجتماعية غير الملموسة اعترافاً تدريجياً وأُدخلت في إطار ما يعد تنمية.
راج الاعتقاد، في الوقت الحاضر، أن الثقافة والفنون تنتج تأثيرات على المستويين الفردي والجماعي تتجاوز البعد الجمالي، ولها أهمية قد تحقق التمكين والتنمية الاقتصادية- يُطلق على هذا النوع من التأثيرات: التأثيرات الخارجية أو الأدواتية المحددة. تكون هذه التأثيرات مفيدة عندما "يُنظر إلى الفنون على أنها وسيلة لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية واسعة لا علاقة لها بالفن في حد ذاته".[19] هذا الاعتراف بالثقافة وتخصيصها لتحقيق أهداف غير جمالية، يستلزم ما يسمى "استغلال الثقافة كأداة" (instrumentalisation of culture). ارتبطت هذه السياسة الثقافية الأدواتية مؤخراً بالانخفاض الكبير في التمويل المتاح لنشاط القطاع الثقافي،[20] واستراتيجيات البقاء الناتجة عن ذلك، التي تدعو إلى الاعتراف بالأدوار الاقتصادية والاجتماعية للقطاع الثقافي.
ومع ذلك، فإن استغلال الثقافة كأداة للتمكين الاقتصادي في صيغته النظرية قضية قديمة، وليست ناتجة عن تدهور التمويل. في الواقع، حين انتقل الاقتصاد من الارتكاز على الزراعة إلى الصناعة ثم إلى الخدمات والخبرات، غير القطاع الثقافي نفسه. فمن حقبة ما قبل الصناعة، حيث كان إنتاج المنتجات الثقافية يدوياً ومباشراً، إلى الاستهلاك النهائي، وثابتاً ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالماضي، وكانت الدولة هي الداعم الرئيسي للأنشطة الثقافية التي تعتبر تراثاً وأداء وفنوناً بصرية تستهلكها نخبة من الجماهير؛ ثم إلى الحقبة الصناعية (الحداثة)، حيث تميز القطاع بالإنتاج والاستهلاك الضخم (مع إدخال منتجات جديدة، كالسينما، والراديو، والتلفزيون) حين بدأ الاعتراف الاقتصادي بالقطاعات التكميلية مثل السياحة؛ إلى فترة ما بعد الصناعة (ما بعد الحداثة)، حيث تغير استهلاك القطاع الثقافي وأصبح الجمهور الآن مستهلكاً ومنتجاً في الوقت نفسه عن طريق التكنولوجيا وابتكار المنتجات.
ولكن "الجديد" هو اعتراف هذه الاستراتيجيات المحلية للتنمية بأن الأصول الثقافية (بالمعنى الأنثروبولوجي والفني) تمثل مكونات محددة لإقليم معين، وسكان معينين، وفرصاً لإنتاج وتصدير منتجات وخدمات وخبرات عالية القيمة تدمج الرموز والمعرفة الإقليمية.[21] لم تعد الثقافة تلك "القوة" القادرة على جذب السياح فحسب، ولكنها قادرة أيضاً على إنتاج صادرات، حيث "تؤثر الطبيعة الخاصة للموارد المحلية والبراعة المكتسبة من المران الطويل على تحديث المنتجات التي تؤسس الاقتصاد الثقافي الجديد. تحمل هذه المنتجات رموز المناطق التي تم إنتاجها فيها، بقدر ما تدمج معرفتها وبراعتها الفنية، ما أدى إلى ظهور فكرة المنتجات ‘التمييزية‘".[22]
أدت إعادة تفسير دور القطاع الثقافي إلى تشجيع ظهور منتجات جديدة (غير ملموسة ومتنقلة وذات مخاطر اقتصادية أعلى)، وأشكال جديدة للإنتاج (فرق صغيرة، تشمل الوسائط الرقمية) وتخصصات جديدة (مثل التصميم والديكور)، التي أصبحت ذات صلة اقتصادية ومرتبطة بمجالات "الإبداع"، الأمر الذي شجع على توسيع الحدود المفاهيمية للقطاع، وتطوير نماذج جديدة للتنمية، مثل "الاقتصاد الثقافي الحديث"، أو "الاقتصاد الإبداعي"، حيث ترتبط الأصول الثقافية بشكل عرضي بقطاعات مختلفة من الاقتصاد، وتستخدم كمصادر لمنتجات وخدمات وتجارب محددة، مع مجموعات خاصة من القيم الرمزية والنفعية. في هذا الصدد، حظيت الثقافة والفنون باهتمام كبير من المؤسسات السياسية المحلية كبديل محتمل للنموذج الصناعي المتدهور،[23] بحيث تراهن "المدن الثقافية والإبداعية"، على جذب الطبقة الإبداعية وتوفير إمدادات ثقافية مكثفة.[24]
يعتمد نموذج الدوائر متحدة المركز للصناعات الثقافية لديفيد ثروسبي[25] على هذه الأفكار. يقرر النموذج أن السلع والخدمات الثقافية لا بد أن تحظى بثلاث خصائص: "أن تحمل الأنشطة المعنية نوعاً من أنواع الإبداع في إنتاجها، وأن تهتم بإنشاء وتوصيل معنى رمزي، وأن يجسد نتاجها شكلاً من أشكال الملكية الفكرية".[26] تتوافق الفنون المحددة تقليدياً -مثل الرقص والمسرح والأدب والموسيقى والفنون البصرية – تماما مع هذا التصنيف. تقع الأفكار الإبداعية في قلب نموذج ثروسبي، ثم تُشع إلى الخارج، حيث تندمج هذه الأفكار مع مدخلات أخرى لإنتاج نطاق أوسع من المنتجات. لذلك، تقع الفنون الإبداعية التقليدية في صميم "نموذج الصناعة"، ويليها مع توسع الدائرة، الصناعات الثقافية، تلك الصناعات التي تنتج عنها سلع ثقافية، ولكن، توجد أيضاً منتجات وخدمات غير ثقافية أخرى متضمنة. وتقع على حدود هذه الصناعات الثقافية الصناعات الإبداعية "التي تعمل، بشكل أساسي، خارج المجال الثقافي، ولكن يمكن القول إن بعض منتجاتها تحتوي على درجة معينة من المحتوى الثقافي".[27]
يفترض عرض القطاع الثقافي، بناءً على نموذج الدوائر متحدة المركز، أن رأس المال الثقافي هو الذي يعطي هذه الصناعات الحدودية خصائصها التنافسية. ورأس المال الثقافي -كما حدده بيير بورديو- هو "تراكم المعرفة والسلوكيات والمهارات التي يمكن للفرد الاستفادة منها لإثبات الكفاءة الثقافية والوضع الاجتماعي".[28] و"يؤكد النموذج أن الأفكار الإبداعية تنشأ في قلب الفنون الإبداعية على شكل صوت ونص وصورة، وأن هذه الأفكار والتأثيرات تنتشر إلى الخارج عبر سلسلة من الطبقات أو "دوائر متحدة المركز"، وتتناقص نسبة المحتوى الثقافي إلى المحتوى التجاري كلما تحرك المرء بعيداً عن المركز".[29]
نموذج الدوائر متحدة المركز للصناعات الثقافية[30]
يخلص ثروسبي إلى أنه من الممكن ملاحظة أربعة أدوار للثقافة في الحياة الحضرية: أولاً، عندما تكون هناك منشأة ثقافية قادرة على جذب عدد كبير من الناس، والعمل كرمز ثقافي يؤثر على الاقتصاد الحضري المحلي؛ ثانياً، عندما يكون لدى "المنطقة الثقافية" القدرة على تعزيز التنمية المحلية؛ ثالثاً، عندما يشكل نشاط ثقافي -مهرجان، على سبيل المثال- مكوناً حيوياً للاقتصاد المحلي؛ رابعاً، الدور "السائد" للثقافة في التنمية الحضرية، حيث يمكن للخصائص الثقافية التي تحدد مجموعة من المواطنين أن تعزز الهوية المجتمعية والإبداع والتماسك والحيوية.[31]
إن الجهات الفاعلة في هذه الاستراتيجيات القائمة على الثقافة ليست المنظمات السياسية فقط. في الواقع، يلعب الوكلاء الثقافيون المحليون والمؤسسات والمواطنون والجمعيات الأهلية والجامعات دوراً هائلاً في تعزيز الديناميكيات الثقافية في كل منطقة، مع دور أساسي كدافع لهذه الاستراتيجيات معظم الوقت.
الثقافة وأبعاد التمكين الاجتماعي
يحاول هذا القسم من الدراسة تناول الأبعاد المجتمعية للتمكين من خلال القوة التحويلية للثقافة وتحديد قيمة الثقافة في المجتمع. لذلك، يمكننا أن نبدأ بطرح التساؤل التالي: "ما الذي يحدث بالضبط للناس معرفياً وعاطفياً واجتماعياً عندما يصنعون فناً قد يقودهم إلى رؤية أنفسهم وعالمهم بشكل مختلف؟".[32]
في "هدايا الميوز: إعادة تأطير النقاش حول فوائد الفنون"، طور مكارثي ورفاقه، واحداً من أكثر أطر العمل اتساقاً لفهم كيف يمكن أن تُحدث "الخبرات الفنية" أنواعاً مختلفة من التأثيرات، بتقديم فكرة التقدم بمرور الوقت.[33] يستكشف إطار مكارثي كيف تشع المنافع الخاصة وتنتج تداعيات عامة، تتراوح من الفوائد الجوهرية (المتأصلة في الخبرة والمرتبطة بالمجال الجمالي) إلى الفوائد الأدواتية (النتائج غير المباشرة للخبرات الثقافية).
يجادل المؤلفون أنه لفهم كيف تعزز الفنون فوائد أوسع، لا ينبغي أن يقتصر البحث على الفوائد الأدواتية، ولذا فإنهم يقدمون ما يطلقون عليه "العنصر المفقود"- الفوائد الجوهرية. ويذكرون أن هذه الفوائد الجوهرية لا تضيف قيمة جمالية وعاطفية شخصية (لأولئك المعنيين بشكل مباشر) فحسب، بل يمكن أن تؤدي إلى تطوير كلٍّ من التأثيرات الفردية والعامة (مثل "إنشاء روابط اجتماعية" و"التعبير عن المعنى الجماعي") المطلوبة لفهم التأثيرات الاجتماعية على مستوى المجتمع.
قام المؤلفون بتطوير "نظرية تنشيط المجتمع"، مقسمة إلى ثلاث مراحل: أولاً، "بناء الإحساس بالانتماء للمجتمع"، حيث يمكن تكوين رأس المال الاجتماعي،[34] بتعزيز التفاعل الاجتماعي الذي يؤدي إلى التماسك الاجتماعي. وثانياً، "بناء القدرة على العمل الجماعي"- رأس المال الاجتماعي هو مدخل إلى هذه المرحلة من الناحية العملية، حيث يتم تطوير المهارات التنظيمية والقيادية اللازمة لبناء تحالفات مجتمعية، والعمل الجماعي تجاه قضايا محددة (بما في ذلك التأثيرات التي يمكن أن تكون مفيدة، أيضاً، لأولئك الذين لا يشاركون بشكل مباشر من خلال آليات أو تأثيرات أخرى يصعب تحقيقها، وبالتالي تقييمها). تتطلب المرحلة الثالثة، "تنشيط المجتمع"، شكلاً أكثر تقدماً وطويل الأمد من المشاركة المدنية التي تنطوي على التعاون بين المجموعات والعمليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى.
إطار مكارثي و(آخرين) لتنشيط المجتمع[35]
يبني الآن براون في عمله (بناء القيمة، 2006) خريطة لفوائد الفنون على نموذج مكارثي. ويقدم إطاراً مقسماً إلى خمس مجموعات من الفوائد ("بصمة الخبرة الفنية"، و"تنمية الشخصية"، و"التفاعل الإنساني"، و"المعنى الجماعي"، و"الفوائد الاقتصادية والاجتماعية الكلية")، التي تتمحور حول خبرة الفرد للفنون، والتي تتعزز منها الفوائد لأخرى (تشع إلى الخارج). صنف براون الفوائد على النحو التالي: "فردية" (في إشارة إلى الشخص الذي يمارس الخبرة الفنية)، "بين الأشخاص" (يشير إلى مجموعات صغيرة مثل العائلات أو مجموعات الأصدقاء) و"مجتمعية" (بمعنى السكان المحليين أو المجتمع ككل).[36] يستخدم براون متغير الوقت للتأكيد على الجانب التراكمي للتجربة الثقافية وتطور التأثيرات بمرور الوقت. ومع ذلك، فإن "خريطة فوائد الفنون" ثابتة ولا تعكس سلسلة انتشار التأثيرات على مستوى المجتمع.
خريطة براون لفوائد الفنون[37]
وضعت هذه الأعمال وغيرها الأساس لتطوير نماذج ديناميكية تشمل الآثار الاجتماعية للأنشطة الثقافية على مستوى المجتمع، التي تتطلب بحثاً وتفسيراً جديداً. تعتقد مارغاريدا آزيفيدو في (دور الثقافة في التنمية: من الإجراءات الملموسة والنقدية إلى الاجتماعية، 2017) أنه إلى جانب النقاش حول دور الثقافة في التنمية وما يترتب عليه من إنشاء استراتيجيات محلية قائمة على الثقافة، ظهر عدد كبير من الدراسات يهتم بتقييم التأثيرات والتداعيات لإثبات الوظيفة الأساسية للثقافة.[38] ولكنها ترى أن التأثيرات كانت متحيزة للتقييمات الاقتصادية، ولذلك عملت على تطوير نموذج يجلب الأبعاد الاجتماعية وغير الملموسة إلى طاولة النقاش.
يشير مفهوم المجتمع في نموذج أزيفيدو إلى النطاق المحلي، ويمثل بناء مصالح مشتركة. يحدد النموذج التأثيرات الاجتماعية على مستوى المجتمع بوصفه نطاق التأثيرات الاجتماعية الخارجية (الأدواتية) المنتشرة في مجتمع منطقة محددة من خلال الخبرة الفردية والمشاركة التراكمية اللاحقة، وكذلك الروابط الشخصية والتفاعلات الناشئة بين المشاركين وغير المشاركين. هذه الآثار الاجتماعية على مستوى المجتمع هي تغييرات موقفية في أشكال التنشئة الاجتماعية وعمليات الحضارة داخل المجتمع، التي تساعد الناس على إيجاد اهتمامات مشتركة وفرص للاتصال يمكن أن تعزز العمل الجماعي للوصول إلى عملية تدخل مجتمعي من أسفل إلى أعلى تقود إلى تنشيط المجتمع.
لتطوير هذا النموذج وضعت أزيفيدو مجموعة من الافتراضات:
أولاً. تعد المشاركة المباشرة في خبرة ثقافية هي الشكل الرائد للمشاركة في بناء القدرات الجماعية. هناك أشكال مختلفة من المشاركة الثقافية، مثل المشاركة في نشاط فني، وتقدير عمل فني والتطوع في مكان ثقافي. ومع ذلك، هناك مدخلات بديلة أخرى إلى جانب المشاركة المباشرة، قادرة أيضاً على تعزيز التأثيرات الاجتماعية على مستوى المجتمع. يمكن أن تُعزى هذه التأثيرات إلى المؤسسات والمنظمات الثقافية، حيث يمكن للمستهلكين غير المباشرين للسلع والخدمات الثقافية الاستفادة من وجودها: "الأطراف الذين ليسوا مستهلكين للسلعة أو الخدمة المعروضة ولكنهم قد يكونون مهتمين بوجودها".[39] في هذه الحالة، فإن القيم المرتبطة بمجرد وجود مؤسسة ثقافية، دون اشتراط الاستخدام المباشر، يمكن أن تعزز الشعور بالفخر وتمكين المجتمع، ما يساعد على تطوير صورة إيجابية وبيئة جاذبة. على عكس السمة الواعية الطوعية للمشاركة الفردية، فإن هذا التأثير الجماعي عفوي ولا إرادي، ولكن يمكن أن يكون تدخلياً بمعنى أنه قد يكون مرتبطاً بالإجراءات الاستراتيجية المحلية للتنمية.
ثانياً. عملية الاتصال هي المحرك الرئيسي لانتشار التأثير نحو المستوى الجماعي. يدرك النموذج أنه يمكن نشر التأثيرات في المجتمع عبر الروابط الشخصية والصلات بين أولئك الذين يشاركون في الأنشطة وعائلاتهم ومجتمعاتهم.
ثالثاً. تعد المشاركة المستدامة طويلة الأجل أمراً بالغ الأهمية لتحقيق عملية تنشيط للمجتمع تنطلق من القاعدة. يتم تحقيق مستويات أعلى من التأثير مثل التأثيرات على مستوى المجتمع فقط عن طريق المشاركة التراكمية (المباشرة أو غير المباشرة).[40]
رابعاً. من الضروري الاعتراف بأن العناصر المميزة التي تتكون منها منطقة معينة تؤثر على صدى التأثيرات في المجتمع.
جادل ألان كاي بأن مستوى رأس المال الاجتماعي والتوجه المجتمعي داخل إقليم ما، يتم تحديده في المقام الأول من خلال "التاريخ" - التطور التاريخي للمجتمع الذي يحدد نمطاً لما يعتبر طبيعياً، و"السياق" - ما يتعلق بطريقة العمل السياسي والمؤسساتي وتأثيراته.[41] في الواقع، تحدد خصوصيات كل منطقة التفكير الأدواتي، ما يعني أن "نظاماً بيئياً ثقافياً"[42] معيناً يؤثر على البناء الاجتماعي لأخلاقيات المجتمع.
خامساً. على الرغم من أن النموذج يبدو ثابتاً، فإن عملية التحول الاجتماعي ديناميكية وتتطور تدريجياً مع القدرات الاجتماعية غير الخطية، حيث تتفاعل حدودها وقد تتداخل وتعرض الخطوط الهشة التي تقسمها إلى بنيات اجتماعية منفصلة (التفاعل الاجتماعي والتماسك الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي). وكما تجادل هيلين جيرمين، فإن "الفوائد الاجتماعية الثقافية والفنية مترابطة أو متداخلة أو حتى معتمدة على بعضها البعض".[43]
يعرض الشكل أدناه سلسلة محتملة لانتشار التأثير الاجتماعي على مستوى المجتمع لتوضيح التسلسل الهرمي للقدرات والقيم الاجتماعية الناتجة عن الفنون والثقافة، والتي تتراوح من التأثيرات الجوهرية الأساسية مع دور الجمهور في تعزيز التأثيرات الخارجية الجماعية، حتى الوصول إلى عملية تصاعدية للتمكين والعمل المجتمعي.
نموذج أزيفيدو لعرض سلسلة التأثيرات أو التداعيات الاجتماعية للأنشطة الثقافية على مستوى المجتمع[44]
من الواضح أن نموذج التأثيرات الاجتماعية على مستوى المجتمع لأزيفيدو يتطور بشكل ملموس من "خريطة فوائد الفنون" لبراون، ومن نظرية مكارثي ورفاقه "لتنشيط المجتمع". ومع ذلك، وخلافاً لنظرية مكارثي ورفاقه، يدمج هذا النموذج الآثار الجوهرية مع التداعيات العامة أو الصدى العام كما تطلق عليه آزيفيدو - مثل "القدرة الموسعة على التعاطف"، و"إنشاء الروابط الاجتماعية"، و"التعبير عن المعاني الجماعية" – التي يعتبرها مكارثي وآخرون حاسمة في فهم القيم الاجتماعية على مستوى المجتمع.[45]
تجادل مارغو تشارلتون بأن التأثيرات لا تتوقف عند المستوى الفردي ولكن يعاد إنتاجها باتجاه المجتمع، وأن القيم الجوهرية ضرورية لفهم التغيير الأدواتي: "القدرات الفردية المتزايدة لا تتوقف بالضرورة عند الشخص، ولكن يمكن أن تساهم في زيادة الإحساس بالانتماء والرغبة في إحداث فرق، وهي الصفات المطلوبة في مجتمع تعددي. بهذه الطريقة، تساهم القيم الجوهرية في التغيرات الفعالة داخل المجتمع الأكبر مثل تحسين الصحة والتماسك الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك حركات التغيير الاجتماعي".[46]
سنحاول الآن تفحّص كل شريحة في نموذج آزيفيدو الذي يوضح التأثيرات الاجتماعية للأنشطة الثقافية:
يمثل المحوران زوجين من الأبعاد المتقابلة: الجوهري والخارجي والفردي والجماعي. يصف المحور الأفقي نطاق الثقافة وتأثيرات الفنون التي يمكن أن تنتقل من مستوى الفرد من خلال العلاقات الشخصية إلى المستوى الجماعي. عرّف براون هذا المستوى الشخصي بـ "المنافع الاجتماعية مثل الترابط بين الأصدقاء، والتماسك الأسري، وبناء الشبكات الاجتماعية".[47] يمثل المحور الرأسي الأبعاد الجوهرية والأدواتية (الخارجية) من التأثيرات. من التجربة الثقافية الفردية (الافتراض الأول) المحددة عند تقاطع المحورين، تنتشر التأثيرات في شرائح مختلفة تتوافق مع الفرص التي أتاحتها الفنون والثقافة، لتطور القدرات الاجتماعية تدريجياً (الافتراض الخامس) المستحثة بالمشاركة التراكمية، مع الاعتراف بأن المشاركة المستدامة طويلة الأجل، ضرورية للوصول إلى تأثيرات المستوى الأعلى (الافتراض الثالث).
1. زيادة القدرة على التعاطف والاهتمام بالآخرين وبناء علاقات من الاعتراف
عادة ما يخرج الأفراد الذين يشاركون في الخبرات الثقافية من بيئتهم المألوفة وينسحبون نحو المجهول. أوضحت مارثا نوسباوم أن الفن يُمدد الحياة أفقياً، عن طريق جعل الأفراد على اتصال مع ثقافات ومشاكل وأماكن الآخرين، وعمودياً عبر توفير خبرات داخلية أعمق وأكثر حدة مما يحدث في الحياة.[48] وأشار آرنولد وينشتاين أيضاً إلى هاتين الفرصتين في الخبرة الثقافية، قائلاً الفن "يسحبنا للخارج، يربطنا (تخيلياً، وعاطفياً، وعصبياً) بدوائر أخرى، بأرواح أخرى، بأزمنة أخرى".[49] في الواقع، عندما ينجذب الأفراد إلى خبرات فنية يمكنهم مواجهة قيم جديدة، ومواقف تزيد من احترامهم للآخرين.
وهكذا تبني هذه المراجع الجديدة روابط من الاعتراف والاهتمام والتعاطف، وتكون أدوات جديدة لفهم الواقع الذي يحفز الأفراد على التساؤل عن تصوراتهم للعالم وروتين حياتهم، ما يجعلهم أكثر تقبلاً لما هو غير مألوف. حدد مكارثي ورفاقه وبراون هذا البعد باعتباره فائدة جوهرية مع تداعيات العامة، أي على المستوى البين-شخصي.
2. تعزيز الروابط الاجتماعية
بعد ذلك، يقول النموذج إن الأنشطة الثقافية توفر الفرص لكي يجتمع ويتفاعل ويعبر الناس بشكل جماعي عن المشاعر الشخصية الناتجة عن الخبرة الفنية. يرى مكارثي ورفاقه أن الناس يمكن أن يشاركوا الخبرة والاستجابة لعمل فني بمناقشته، على سبيل المثال، مناقشة رواية بعد قراءتها، أو حتى عن طريق التقدير الجماعي للفن في الوقت نفسه (شغف مشترك بين الحضور).[50] جادل مكارثي أن هذه التفاعلات تغمر الأفراد في "دورة الفن التواصلية"، "مساحة عامة تتم فيها مشاركة المعاني والتعبير عن وجهات النظر وتوضيحها".[51] عملية الاتصال هذه (الافتراض الثاني) أساسية لتطوير العلاقات بين الناس عند التعبير الجماعي عن المشاعر الفردية ومشاركتها بفعل خبرة فنية. أوضح ديدرا ويليامز أن الممارسة الفنية التعاونية توفر فرصاً لتوصيل الأفكار والقيم وللتفاعل الاجتماعي من خلال الفنون.[52] وعرف مكارثي وبراون هذا البعد بأنه تأثير جوهري له مغزى جماعي.[53]
3. التعبير عن المعنى الجماعي
تحتوي هذه القدرة الاجتماعية على أنشطة ثقافية توفر للناس فرصاً للتعبير عن المعاني الجماعية. على عكس الشريحة السابقة، في هذه الحالة تحمل الخبرة شكلاً أكثر عمومية للتواصل - ما يرغب المجتمع ككل في التعبير عنه، قيمه ومثله، وليس ما يرغبه الفرد على وجه التحديد. على سبيل المثال، المشاركة الجماهيرية في حدث تذكاري للاحتفال بإنجاز وطني أو تجربة أعمال فنية (أفلام أو أغانٍ) يمكن أن تصبح شكلاً من أشكال التعبير عن مشاعر الأجيال.[54] على غرار الشريحة السابقة، حدد مكارثي ورفاقه وبراون هذا البعد باعتباره تأثيراً جوهرياً له أهمية عامة. في الواقع، يرى مكارثي أن هذه التأثيرات الثلاثة (زيادة القدرة على التعاطف، تعزيز العلاقات الاجتماعية، والتعبير عن المعنى الجماعي) التي تستحثها الثقافة والفنون، تؤسس روابط متأصلة في خبرة الفنون. فيما تشير التأثيرات الاجتماعية الثلاثة التالية إلى تأثيرات خارجية، أي، القدرات الاجتماعية التي يمكن أن تكون ذات قيمة في الحياة العامة للمجتمع، وتصل إلى مجموعات غير فنية.
4. بناء الشعور بالانتماء للمجتمع
توفر الأنشطة الثقافية للناس الفرص للالتقاء والتفاعل عبر مدخلات مختلفة. كما رأينا، هذه اللقاءات هي مناسبات للمشاركين لاكتشاف واستكشاف الاهتمامات المشتركة. يمكن أن تؤدي الفرص المتكررة للقاءات والتفاعل الاجتماعي إلى تضامن وتماسك اجتماعي عن طريق الاعتراف بالمصالح المشتركة وخلق روابط مشتركة. وبالتالي، يمكن للانخراط في الفنون أن يعزز التماسك الاجتماعي بفعل تطوير رموز المجتمع والهوية.[55] في الواقع، تعمل الفنون على تطوير الإحساس بالمجتمع حين توفر الفرص المتكررة للتعبير عن القيم العامة، "يمكن أن تعطي الأحداث والأنشطة الفنية الناس شعوراً بالانتماء (يكتسب بانضمامهم إلى مجموعة أو المشاركة مع المنظمات الفنية المحلية)، ويمكن أن تعزز الاتصال الفردي بالمجتمع من خلال التعبير العام عن قيم وتقاليد هذا المجتمع والحفاظ على تراثه الثقافي".[56]
أكدت إليزابيث كروك، المتخصصة بالمتاحف والآثار، أن "المشاركة الثقافية، سواء أكانت فنوناً تراثية، أم مشاريع المتاحف، هي سياق اجتماعي يمكن أن يتم عن طريقه تطوير الهوية".[57] يعكس التراث، الذي يساعد المجتمعات على التعبير عن الهويات وتشكيل السلوكيات الاجتماعية، السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المحلي (الافتراض الرابع). وبشكل أكثر تحديداً، ترى كروك أن المتاحف، على سبيل المثال، تعمل كمساحات ترمز إلى الهوية وتبني التمثيل والشعور بالانتماء، عبر المرجعيات والإشارات التي تنقلها مجموعات (ذكريات) الماضي: "الماضي هو مكون أساسي للأساطير العرقية التي تشكل الأمم: إنه يوفر إحساساً بالعصور القديمة والنسب. ويساعد في تعريف الشعور بالمكان؛ ويمكن استخدامه لتمثيل العصر الذهبي".[58]
5. تنمية رأس المال الاجتماعي
تأخذ العلاقات الاجتماعية التي يتم إنشاؤها عن طريق الأنشطة الثقافية شكلان رئيسيان: "الروابط"، التي تربط الأفراد على أسس متجانسة وتساهم في تنمية الشعور بهوية المجموعة والتماسك الاجتماعي؛ و"الجسور" التي تربط مختلف الأعمار أو المجموعات المختلفة وتشكل روابط اجتماعية عن طريق المساعدة في تبني التنوع وتقليل الحدود.[59] علاوة على ذلك، ينتج عن التماسك الاجتماعي القائم على "الجسور" تأثيرات أكثر إقناعاً داخل الإقليم، عن طريق تعزيز التماسك على أساس الاختلافات وليس على أساس المصالح الضيقة للمجموعات المتجانسة. في الواقع، يمكن أن يؤدي التماسك القائم على "الروابط" إلى حث المجموعة على متابعة مصلحتها الخاصة على حساب مصلحة أوسع، في حين أن التماسك الاجتماعي القائم على مد "الجسور"، يؤدي إلى تعزيز التسامح في المنطقة، وفتح مساحة للتنوع الثقافي، ويعزز الشعور المتبادل بالثقة، وتطوير رأس المال الاجتماعي.[60]
توصل العديد من المؤلفين إلى وصف لرأس المال الاجتماعي، وهو مصطلح قدمته جين جاكوبس لأول مرة العام 1961. منذ ذلك الحين، جرت مناقشات حول مفهوم رأس المال الاجتماعي من قبل الاقتصاديين والسياسيين وعلماء الاجتماع، ومع ذلك فإن المعنى الحالي، الذي حافظ على سياسات مختلفة بشأن بناء قدرات المجتمع، مشتق من مساهمات متأخرة نوعا ما، مثل مساهمة روبرت بوتنام (1993)، التي تناقش العمل الاجتماعي فيما يتعلق بمفهوم" رأس المال".[61]
عرّف بوتنام رأس المال الاجتماعي بأنه الشكل الأطول زمنياً من الوحدة المجتمعية وقدم حجة مفادها أن رأس المال الاجتماعي هو في الأساس "مقدار" "الثقة" المتاح، وهو المخزون الرئيسي الذي يميز الثقافة السياسية للمجتمعات الحديثة. يشير رأس المال الاجتماعي إلى "سمات المنظمات الاجتماعية، مثل الشبكات، والمعايير والثقة التي تسهل العمل والتعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة".[62] يوافق بوتنام جيمس كولمان في اعتقاده أن رأس المال الاجتماعي هو صفة يمكن أن تكون عاملاً مساعداً للتعاون بين الأفراد.[63] فرأس المال الاجتماعي، بالنسبة لكولمان، "محدد بوظيفته. إنه ليس كياناً واحداً، ولكنه مجموعة متنوعة من الكيانات المختلفة التي تشترك في خاصيتين: يتكون كل منهما من جانب من البنية الاجتماعية، ويسهل إجراءات معينة للأفراد داخل هذه البنية".[64]
وفي تحديد ذي صلة، يرى نورمان أبهوف أن رأس المال الاجتماعي هو "تراكم أنواع مختلفة من الأصول الاجتماعية، والنفسية، والثقافية، والمعرفية، والمؤسسية، والأصول ذات الصلة التي تزيد من مقدار (أو احتمال) السلوك التعاوني متبادل المنفعة".[65] من وجهة نظر بوتنام، يمكن اعتبار هذه الميزة صفة تراكمية تجميعية كلية لدرجة أنها يمكن أن تصبح قابلة للمقارنة تلقائياً عبر المدن والمناطق وحتى البلدان. وفقاً لبولسون وآخرون "هذا هو الشكل من رأس المال الاجتماعي الذي يُفترض أنه ذو قيمة خاصة للمجتمعات لأنه لا يربط الأفراد فحسب، بل يقودهم، أيضاً، إلى العمل معاً من أجل مجتمعهم".[66] في الحقيقة، وفي تعارض مع التماسك الاجتماعي أو الإدماج الاجتماعي،[67] يجلب رأس المال الاجتماعي سلعاً مهمة غير ملموسة يمكن أن تحفز التغيير، بادراك نموذج لـ"التوجه المجتمعي" على أساس الثقة والمعاملة بالمثل.
أدركت كروك أن "الاهتمام المتزايد بفكرة رأس المال الاجتماعي وثيق الصلة بكيفية التخطيط والتفكير في الثقافة والمتاحف والتراث".[68] بشكل ملموس، هناك أشكال من المشاركة الفنية يمكن أن تولد روابط غير متوقعة بين مجموعات مختلفة من الناس، وتخلق شعوراً بالالتزام والانتماء، بتطوير معايير مشتركة بين الأعضاء يتجاوز فيها السعي وراء الأهداف المؤسسية الفروق الفردية. دافع مكارثي عن هذه الظاهرة الجماعية التي يمكن أن تتجاوز فيها "قوة المجموعة بطريقة ما، أو على الأقل أن تفيض عن، مجموع الأجزاء الفردية" والتي تحدث في حالة "مغني الكورال الجماعي، والراقصين في فرقة، وأعضاء الأوركسترا السمفونية، وأعضاء دائرة الطبلة".[69]
وفقاً لـبروس توكمان، يحدث تطوير المجموعة التعاونية عندما يلتزم أعضاؤها، بوعي أو بغير وعي، بتطوير أهداف جماعية، الأمر الذي يحدث عبر تلبية الاحتياجات المتعلقة بالمهمة الرئيسية.[70] على سبيل المثال، التطوع في مشروع ما، أو دعم مكان ثقافي يعني الالتقاء بانتظام مع الآخرين والعمل من أجل الأهداف المؤسسية نفسها، الأمر الذي يمكن أن يزيد الثقة، ويعزز التسامح مع التنوع الثقافي ويخلق الشبكات. في هذا الصدد، وصف ويليامز مشاريع الفنون المجتمعية بأنها "محفز غير عادي" لتوليد رأس المال الاجتماعي، موضحاً أنه في ظل عملية الإنتاج الفني هذه، فإن "التعاون" يحل محل "المنافسة"، و"احتياجات المجموعة" توازن "المصلحة الذاتية" عبر "تحديد الأهداف المشتركة والتعاون الجماعي والتواصل الفعال للأفكار المعقدة".[71]
أوجز كازافيه جريف في (الفن والسوق، 2013)، تسلسل الأحداث التي تؤدي إلى تطوير رأس المال الاجتماعي، على النحو التالي: "تصنف القيم والفوائد الاجتماعية التي تقدمها الفنون للمجتمع في ثلاث فئات: تعديل سلوك الناس بمعنى التنشئة الاجتماعية الأعلى؛ تنفيذ عمليات الإدماج الاجتماعي وإعادة الإدماج؛ تسهيل التفاعلات بين مختلف أفراد المجتمع، ما يؤدي إلى خلق رأس المال الاجتماعي".[72]
يمثل تطوير رأس المال الاجتماعي داخل المجتمع إنجازاً للمرحلة الأولى من نظرية "تنشيط المجتمع".[73]
6. تمكين القدرة على العمل الجماعي
يجادل مكارثي أن الانخراط بنشاط في مؤسسة ثقافية، لا يعزز رأس المال الاجتماعي فحسب، بل "يؤثر، أيضاً، على استعداد أفراد المجتمع للعمل من أجل الصالح العام".[74] وفقاً لمكارثي، هذا الإجراء من أجل الصالح العام، يمكن أن يتخذ شكلاً من أشكال "الرقابة الاجتماعية غير الرسمية"، عندما يدعم أعضاء المجتمع عقوبات ضد السلوكيات المعادية للمجتمع التي يمكن أن تهدد مصلحة المجتمع، مثل النشاط الإجرامي، أو "تعزيز مصالح المجتمع"، عندما يشجع الأعضاء تحسين الصورة المادية للحي، على سبيل المثال. في الواقع، فإن مستوى أعمق من الثقة والهوية بين أفراد المجتمع (لدعم المشاريع المستقبلية) يبني قدرة المجتمع على العمل الجماعي. كما وصف تقرير (معاً أفضل)، يمكن للفنون بناء رأس المال الاجتماعي، عن طريق تقوية الروابط والاحتفاء بالتراث، الأمر الذي يمكن أن يطور الفرص لمناقشة المشكلات الاجتماعية.[75]
لذلك، يعد رأس المال الاجتماعي مدخلاً إلزامياً لتطوير هذا النوع من القدرات الاجتماعية. ومع ذلك، هناك عناصر أخرى مطلوبة لنمو القدرة الاجتماعية على العمل الجماعي - المشاركة المستدامة في أنشطة متعددة بمرور الوقت (الافتراض الثالث)، وتطوير المهارات التنظيمية والقيادية لتوجيه الإجراءات نحو أهداف محددة. يتم تطوير هذه القدرة المحددة عند المشاركة في مشاريع فنية، على سبيل المثال، عند التطوع في مشروع فني محلي أو عند العمل في مجالس إدارة المنظمات الفنية، وجمع الأموال للمشاريع الفنية المحلية وإدارة منظمة. يمكن للناس، عن طريق المشاركة المستدامة في هذه الأنشطة، تطوير مهارات ذات قيمة لمنظمات أخرى في المجتمع خارج المجموعات الفنية، في سياقات اجتماعية خارجية وفي مواقف مستقبلية. هناك شكل آخر محدد من أشكال المشاركة يمكن أن يعزز القدرات الفردية والمجتمعية للعمل الجماعي، ويحدث عند المشاركة في تطوير أنشطة الفنون غير الرسمية (التي تقام في الأماكن العامة، ويمكن الوصول إليها من قبل أشخاص مختلفين).[76]
في هذه الحالات، قد يشارك الأشخاص الأقل خبرة في إدارة مشروع فني وتطوير المهارات التنظيمية والقيادية (عندما يكونون في الاجتماعات، وإدارة البروفات، وإدارة الموارد). وبالتالي، فإن المشاركة الفنية يمكن أن تشجع على المشاركة في الحياة المدنية للمجتمع. تعمل المنظمات الفنية كمحفز لإنشاء العلاقات بين الأفراد والمنظمات المشتتة (الذين لن يقيموا علاقات بطريقة أخرى). يمكن بعد ذلك استخدام هذه الشبكات لتحقيق أهداف مجتمعية أخرى. إن تعاون الناس وعملهم في برنامج فني يكسبهم قدرات تنظيمية وقيادية تمكنهم من مواجهة تحديات المجتمع الأخرى. ويمكن أن تنتج الأنشطة الفنية والثقافية مستويات أعلى من القدرات الاجتماعية، المصنفة على أنها خارجية بالنسبة للنتائج الفنية، بمعنى أنه يمكن استخدامها في السياقات الخارجية لتنتج تأثيرات يستفيد منها أولئك الذين لا يشاركون بشكل مباشر. تمثل هذه القدرة على العمل الجماعي المرحلة الثانية من "نظرية تنشيط المجتمع" لمكارثي ورفاقه. عرف مكارثي "الفعالية الجماعية" بأنها عمل ناجح من أجل الصالح العام، "الإيمان بقدرة المجتمع المحلي على القيام باستجابة متضافرة وناجحة لمواجهة تحدٍ أو فرصة معينة".[77] ويجادل، أيضاً، بأنه يمكن إنشاء تأثيرات أكثر تعقيداً على مستوى المجتمع ليس فقط بالمشاركة المستدامة، ولكن، أيضاً، بتعاون ومشاركة المجموعة نفسها من الأفراد بصورة مستمرة.
7. تحقيق التنشيط الاجتماعي
"تنشيط المجتمع" هو المرحلة الأخيرة من التحول الاجتماعي، وهو شكل متقدم ومعقد من التدخل الجماعي الذي يتطلب تعاوناً طويل الأجل عبر القطاعات المختلفة، وعمليات مكثفة من التعلم الاجتماعي تعزز مشاركة الناس بنشاط في الحياة المدنية للمجتمع (المؤسسات المدنية، وجمعيات المتطوعين).[78] هذا الشكل النهائي للقدرة الاجتماعية -تنشيط الإقليم- يعترف بأهمية الثقافة والفنون في توفير الأدوات لتحفيز المناقشة لتطوير عملية العمل من أسفل إلى أعلى، والمساهمة في الحياة المدنية الديمقراطية.
تحتاج الديمقراطيات إلى مواطنين يمكنهم التفكير بأنفسهم بدلاً من الخضوع للسلطة، وتحتاج إلى مواطنين "لديهم القدرة على رؤية أنفسهم ليس فقط ببساطة كمواطنين في منطقة أو مجموعة محلية ولكن أيضاً، وقبل كل شيء، كبشر مرتبطين مع جميع البشر الآخرين بعلاقات الاعتراف والاهتمام".[79] تقدم الخبرات الفنية، عن طريق نقل الرموز، للمواطنين مرجعيات للتفسير وموقعاً في العالم والحياة المجتمعية التي يمكن أن تصوغ العمل السياسي. تجادل كروك، بتحليل نظريات بورديو عن رأس المال الثقافي، أنه "يمكن أن تنقل ملكية رأس المال الثقافي رسائل فيما يتعلق بالمكانة والقدرة الفكرية، وكذلك وجهات النظر الاجتماعية ووجهات النظر السياسية".[80] على سبيل المثال، يشرح نيومان وماكلين كيف تعزز مشاريع التنمية المجتمعية القائمة على المتاحف المشاركة المدنية حين تسمح للمشاركين بفهم، وفي بعض الحالات تعديل، العالم الاجتماعي من حولهم.[81]
أيضاً يمكن بالاعتماد على موارد هذه الأماكن، مثل المتاحف، أن تتكون حراكات وتيارات داخل المجتمع. ومن ثم، تعتبر الفنون "استحقاقاً وفرصة للأفراد والمجتمعات لتكوين صوت إيجابي في مجتمع ديمقراطي".[82]
من المهم، أخيراً، أن نذكر أن هذا التخصيص للثقافة كمشجع للتكامل الاجتماعي والتحول ليس فقط معاملاً غير خطي، ولكنه أيضاً نظام غير تلقائي يتميز بمجموعة معقدة من المتغيرات. إذ "لا يوجد ما يضمن أن التعرض للقيم نفسها سيؤدي إلى قبولها. الأشياء ليست تلقائية. يتفاعل الأفراد بشكل غريزي أكبر، وبانضباط أقل مما نعتقد ... ويبدو أن هذا الاعتقاد المنهجي في التأثيرات الاجتماعية الإيجابية للثقافة يفترض أن هناك نوعاً من الاتفاق الضمني على القيم المشتركة، كما لو أن التيارات الثقافية المضادة لن تكون موجودة في المجتمعات والتجمعات والأقاليم".[83]
رأس المال الاجتماعي كاستراتيجية للتمكين
في ضوء السلسلة السابقة من التأثيرات الاجتماعية على مستوى المجتمع، يمكن أن تؤدي الأنشطة الثقافية إلى تكوين رأس المال الاجتماعي، بتحفيزها للتفاعل الاجتماعي، وتكوين الروابط لتنمية المهارات القيادية والتنظيمية عن طريق تشجيع الثقة واعتماد القيم المشتركة عند السعي إلى تحقيق غايات محددة، حيث رأس المال الاجتماعي، كما رأينا، مستمد من "الفلسفة المجتمعية" حين لا يتم تحريض الناس عبر "الاهتمام الذاتي النفعي" في السعي إلى تحقيق الرضا عن الحياة، ولكن عبر مجموعة معقدة من الأهداف الاجتماعية الفردية لتقاسم ملكية مجموعة من موارد المجتمع.[84]
لذلك، يمكن تحقيق الثقافة كاستراتيجية مهمة لتنفيذ سياسات التمكين بالحث على تكوين رأس المال الاجتماعي. لا يعني ذلك أن الثقافة والفنون قادرة وحدها فقط على إنتاج تمكين فردي أو مجتمعي من خلال رأس المال الاجتماعي الذي تشكله. في الواقع، يتطلب "تنشيط المجتمع" تعاوناً طويل الأجل بين قطاعات متعددة. لكنه يعني، على الأقل، أن هذه الوظيفة للثقافة داخل التنمية المستدامة ترتبط بحتمية مجتمعية، تحفزها القيم الرمزية التي تنقلها الثقافة بشكل مستعرض إلى قطاعات مختلفة من المجتمع. يتفق هذا التفسير مع الحجة التي تؤكد على أن فعالية دور الثقافة في التنمية يتعزز بأخلاقيات المجتمع ورأس المال الاجتماعي أكثر من أي قنوات فردية الدوافع، حتى وإن كانت مستحثة بالثقافة.[85]
تكشف هذه الوظيفة أنه لا ينبغي أن يقتصر دور الثقافة على النمو الاقتصادي، حيث الأصول الثقافية هي فرص لإنتاج وتصدير منتجات وخدمات عالية القيمة، ولكن يجب إطالة أمدها لتشمل دوراً أكثر شمولاً للثقافة في التغيير الاجتماعي الحضري، حيث الثقافة هي "الغراء" الذي يثبت الأساس على مستوى أعمق في المجتمع ويساعد على التوسط، عبر نظام معقد من الشبكات، في العمل والتحول نحو التنمية المستدامة.
إن المناطق التي تنفذ استراتيجيات التنمية على أساس القيم الثقافية تعترف وتحتفي بالأسس المشتركة وتشجع الشعور بالانتماء وهوية المكان. ومع ذلك، فإن الفنون والثقافة قادرتان على خلق وإشاعة الإحساس بالمكان، ليس فقط من خلال الاحتفال بالقيم المجتمعية، ولكن أيضاً بتوفير الفرص للالتقاء وفهم أنظمة القيم الأخرى، واحتضان التنوع، وتنمية الثقة بالآخرين، وتأسيس الشبكات الاجتماعية. هذه الشراكات والروابط الرسمية وغير الرسمية تتراكم كرأسمال اجتماعي. في المقابل، عند جمع الناس معاً، فإنها تساعد على زيادة الوعي العام وتحسين التخطيط الجماعي وتنظيم الأنشطة، وهي القواعد الأساسية لتمكين المجتمع من أجل العمل الجماعي.
هذا التمكين هو ما يحدد المجتمع النشط القادر على (العمل معاً) لتحقيق المنفعة الجماعية والتغيير الاجتماعي. علاوة على ذلك، يفسر تعزيز رأس المال الاجتماعي، وتمكين المجتمعات بالمهارات التنظيمية دور الثقافة والفنون في التنمية المجتمعية المستدامة بإحداث نظام كثيف من الشبكات، ما يعني المشاركة في السلطة. وظيفة تم تحديدها على أنها ضرورية لحضور مستويات متعددة من الحكم والتدخل الجماعي، واستراتيجية بديلة للنماذج التقليدية المتقادمة للحوكمة والتنمية.
*باحثة ومترجمة فلسطينية
المراجع
- Ruth, A., & Heinsohn, N. (2005) Measuring Empowerment in Practice: Structuring Analysis and Framing Indicators, World Bank Policy Research Working paper 3510.
- Azevedo, M. (2017). The role of culture in development From tangible and monetary measures towards social ones. Journal of Cultural Management and Cultural Policy / Zeitschrift für Kulturmanagement und Kulturpolitik | 3 (2). 47-72.
- ________ (2016). The evaluation of the social impacts of culture: culture, arts and development. Thesis. Economics and Finance. Université Panthéon-Sorbonne – Paris.
- Brown, A. (2006). An Architecture of Value. Grantmakers in the Arts Reader, 17(1).
- Chambers, R. (1983). Rural Development: Putting the Last First, London: Longman Group.
- Charlton, M., Barndt, D., Dennis, K., & Donegan, R. (2013). Transforming Communities Through the Arts. Toronto: Toronto Arts Foundation.
- Coleman, J.S. (1988) Social capital in the creation of human capital. Am J Sociol 94:95–120.
- Coleman, J. S. (1990). Foundations of social theory. Cambridge: Harvard University Press.
- Crooke, E. (2007). Museums and Commmunity: Ideas, Issues and Challenges. UK: Routledge.
- Dessein, J., Soini, K., Fairclough, G., & Horlings, L. (2015). Culture in, for and as Sustainable Development. Conclusions from the COST Action IS1007 Investigating Cultural Sustainability. Finland: University of Jyvaskyla.
- Dunlop, S., Galloway, S., Hamilton, C., & Scullion, A. (2004). The economic impact of the cultural sector in Scotland. Scotland: Centre for Cultural Policy Research, Fraser of Allander Institute for Research.
- Eagleton, T. (2001). The idea of Culture. Blackwell.
- Florida, R. (2002). The Rise of the Creative Class: And How It’s Transforming Work, Leisure, Community, and Everyday Life. Hazard Press.
- Greffe, X. (2013). Arte e mercado (Observatório Itaú Cultural). Sao Paulo: Iluminuras.
- Greffe, X. (2010). L’économie de la culture est-elle particulière? Revue d’économie politique, 1, 1–34.
- Greffe, X., & Pflieger, S. (2005). Culture and Local Development. Paris: OECD.
- Holden, J. (2006). Cultural Value and the Crisis of Legitimacy: Why culture needs a democratic mandate. DEMOS.
- Jermyn, H. (2004). The art of inclusion (No. 35) (p. 171). Arts Council of England.
- Kay, A. (2005). Social capital, the social economy and community development. Community Development Journal, 41(2), 160–173.
- KEA, European Affair. (2006). The Economy of Culture in Europe. European Commission.
- Kilroy, A., Garner, C., Parkinson, C., Kagan, C., & Senior, P. (2007). Towards transformation: Exploring the impact of culture, creativity and the arts on health and wellbeing (A consultation report for the critical friends event). Manchester Metropolitan University.
- Kreisberg, S., (1992) Transforming Power: Domination, Empowerment, and Education, Albany, NY: State University of New York Press.
- Maridal, J. H. (2013). Cultural impact on national economic growth. The Journal of Socio-Economics, 47, 136–146.
- McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004). Gifts of the Muse: Reframing the Debate About the Benefits of the Arts. Santa Monica: Rand Research.
- McEvoy, A. (2003). Social Inclusion—some observations. Mailout. The national magazine for developing participation in the arts.
- Newman, A. and Mclean, F. (2004) ‘Capital and the Evaluation of the Museum Experience’, International Journal of Cultural Studies, 7 (4): 480-498.
- Nussbaum, M. C. (1997). Cultivating Humanity: A Classical Defense of Reform in Liberal Education. Cambridge, MA: Harvard University Press.
- ___________. (1990). Love’s Knowledge: Essays on Philosophy and Literature. New York and Oxford: Oxford University Press.
- O’Connor, J. (2007). The cultural and creative industries a review of the literature (Creative Partnership Series). London: Arts Council of England.
- Pires, B. (2012). The impact of ‘Creative Industries’ definitions on subsector typologies. Escola das Artes, Universidade Catَlica Portuguesa, Porto.
- Polson, E. C., Kim, Y.-I., Jang, S. J., Johnson, B. R., & Smith, B., (2013). Being Prepared and Staying Connected: Scouting’s Influence on Social Capital and Community Involvement. Social Science Quarterly, 94(3), 758–776.
- Putnam, R.(2000). Bowling Alone: The Collapse and Revival of American Community. New York: Simon and Schuster.
- ________ (1993). Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy. Princeton University Press.
- Putnam, Robert D., Lewis Feldstein, and Donald J. Cohen (2003). Better Together: Restoring the American Community. New York: Simon and Schuster.
- Putnam, Robert D. (2000). Bowling Alone: The Collapse and Revival of American Community, New York: Touchstone.
- Stern, M. J., & Seifert, S. C. (2010). Cultural Clusters: The Implications of Cultural Assets Agglomeration for Neighborhood Revitalization. Journal of Planning Education and Research, 29 (3), 262–279.
- Silva, R., & Ferreira-Lopes, A. (2013). A Regional Development Index for Portugal. Social Indicators Research.
- Tepper, S. (2014). Artful living: Examining the relationship between artistic practice and subjective wellbeing across three national surveys (The Curb Center for Art, Enterprise, and Public Policy). Vanderbilt University.
- Throsby, D. (2008). The concentric circles model of the cultural industries, Cultural Trends, 17:3, 147-164.
- _________(2001). Economics and Culture. Cambridge, United Kingdom: Cambridge University Press.
- Tuckman, B. W. (1965). Developmental sequence in small groups. Psychological Bulletin, 63(6), 384–339.
- UNCTAD. (2008). Creative Economy Report 2008: The Challenge of Assessing the Creative Economy towards Informed Policy-making. United Nations.
- UNESCO. (2011). UNESCO Culture for Development Indicator Suite. UNESCO.
- Uphoff, N. (1999). Understanding social capital: Learning from the analysis and experience of participation. In P. Dasgupta & I. Serageldin (Eds.), Social Capital: A multifaceted perspective (pp. 215–253). Washington, DC: World Bank.
- Weinstein, A. (2003). A Scream Goes Through the House: What Literature Teaches Us About Life. New Yor: Random House.
- Williams, D. (1996). How The Arts Measure Up: Australian research into social impact. COMEDIA.
- Williams, R. (1976). Keywords: A Vocabulary of Culture and Society.
الهوامش
[1] الثقافة في اللغة العربية أساساً هي الحذق والتمكن، وثقف الرمح أي قومّه وسواه، ويستعار بها للبشر فيكون الشخص مهذباً ومتعلماً ومتمكناً من العلوم والفنون والآداب، فالثقافة هي إدراك الفرد والمجتمع للعلوم والمعرفة في شتى مجالات الحياة؛ فكلما زاد نشاط الفرد ومطالعته واكتسابه الخبرة في الحياة، زاد معدل الوعي الثقافي لديه، وأصبح عنصراً بناءً في المجتمع. وكان أول من استعمل مصطلح ثقافة ليقابل به لفظة (culture) في العصر الحديث هو سلامة موسى. "كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث، ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه، فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة في الأدب الأوروبي، الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الكتب، ومع ذلك هي خاصة بالذهن". عن سلامة موسى: الثقافة والحضارة - مجلة الهلال.
[2] Eagleton, T. (2001). The idea of Culture. Blackwell.
[3] Williams, R. (1976). Keywords: A Vocabulary of Culture and Society. London. p:90.
[4] Greffe, X., & Pflieger, S. (2005). Culture and Local Development. Paris: OECD. p: 27. downloaded on: 7/9/2020.
[5]UNESCO. (2011). UNESCO Culture for Development Indicator Suite. UNESCO. p: 4. Downloaded on: 9/9/2020.
[6] Greffe, X. (2010). L’économie de la culture est-elle particulière? Revue d’économie politique, 1, 1–34. Cited from: Azevedo, M. (2016). p:4.
[7] Greffe, X. (2010).
[8]Dunlop, S., Galloway, S., Hamilton, C., & Scullion, A. (2004). The economic impact of the cultural sector in Scotland. Scotland: Centre for Cultural Policy Research, Fraser of Allander Institute for Research.p:6. Downloaded on: 9/9/2020.
http://christinehamiltonconsulting.com/wp-content/uploads/2011/10/Economic-Impact-Report.pdf
[9] Pires, B. (2012). The impact of ‘Creative Industries’ definitions on subsector typologies. Escola das Artes, Universidade Catَlica Portuguesa, Porto. Downloaded on: 9/9/2020.
https://pdfs.semanticscholar.org/2cc2/82b8034fdd12fb661c848f413a394516be31.pdf
[10] KEA, European Affair. (2006). The Economy of Culture in Europe. European
Commission. Downloaded on: 9/9/2020.
https://ec.europa.eu/assets/eac/culture/library/studies/cultural-economy_en.pdf.
[11] UNCTAD. (2008). Creative Economy Report 2008: The Challenge of Assessing the Creative Economy towards Informed Policy-making. United Nations. Downloaded on: 9/9/2020.
[12] O’Connor, J. (2007). The cultural and creative industries a review of the literature (Creative Partnership Series). London: Arts Council of England.p:9.
https://www.researchgate.net/publication/251804201_The_Cultural_and_Creative_Industries
[13] Kreisberg, S. (1992) Transforming Power: Domination, Empowerment, and Education, Albany, NY: State University of New York Press.
[14]Ruth, A.,& Heinsohn,N. (2005) Measuring Empowerment in Practice: Structuring Analysis and Framing Indicators, World Bank Policy Research Working paper 3510
[15] Dessein, J., Soini, K., Fairclough, G., & Horlings, L. (2015). Culture in, for and as Sustainable Development. Conclusions from the COST Action IS1007 Investigating Cultural Sustainability. Finland: University of Jyvaskyla.p:21
https://www.researchgate.net/publication/283273104_Culture_in_for_and_as_Sustainable_Development
[16] Silva, R., & Ferreira-Lopes, A. (2013). A Regional Development Index for Portugal. Social Indicators Research. https://link.springer.com/article/10.1007/s11205-013-0455-z\
[17] Chambers, R. (1983) Rural development: putting the last first. Harlow: Prentice Hall.
[18] UNESCO. (2011).
[19] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004). Gifts of the Muse: Reframing the Debate About the Benefits of the Arts. Santa Monica: Rand Research. p:xi downloaded on: 20/8/2020.
https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/monographs/2005/RAND_MG218.pdf
[20]Holden, J. (2006). Cultural Value and the Crisis of Legitimacy: Why culture needs a democratic mandate. DEMOS.
[21] Greffe, X., & Pflieger, S. (2005).
[22] Greffe, X., & Pflieger, S. (2005). p:8.
[23] Stern, M. J., & Seifert, S. C. (2010). Cultural Clusters: The Implications of Cultural Assets Agglomeration for Neighborhood Revitalization. Journal of Planning Education and Research, 29(3), 262–279. Downloaded on: 18/8/2020.
https://repository.upenn.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1013&context=siap_revitalization.
[24] Florida, R. (2002). The Rise of the Creative Class: And How It’s Transforming Work, Leisure, Community, and Everyday Life. Hazard Press.
[25] Throsby, D. (2008). The concentric circles model of the cultural industries, Cultural Trends, 17:3, 147-164. Downloaded on: 20/8/2020.
[26] Throsby, D. (2001). Economics and Culture. Cambridge, United Kingdom: Cambridge University Press.p:4
[27] Throsby, D. (2001). p: 113
[28] صاغ عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو المصطلح في بحثه العام 1973 بعنوان "إعادة الإنتاج الثقافي وإعادة الإنتاج الاجتماعي"، الذي شارك في تأليفه مع جان كلود باسيرون. طور بورديو هذا العمل لاحقاً إلى مفهوم نظري وأداة تحليلية في كتابه العام 1979 "التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق".
[29] UNCTAD. (2008). p: 13.
[30]Throsby, D. (2008). P:150.
[31] Throsby, D. (2001).
[32]Tepper, S. (2014). Artful living: Examining the relationship between artistic practice and subjective wellbeing across three national surveys (The Curb Center for Art, Enterprise, and Public Policy). Vanderbilt University.
[33] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[34] سنعرض للمفهوم وأهميته بشيء من التفصيل لاحقاً.
[35] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004) .p: xiii.
[36] Brown, A. (2006). An Architecture of Value. Grantmakers in the Arts Reader, 17(1). Downloaded on: 20/9/2020.
https://torontoartsfoundation.org/tac/media/taf/Research/Transforming%20Communities
[37] Brown, A. (2006). p: 28.
[38] Azevedo, M. (2017). The role of culture in development From tangible and monetary measures towards social ones. Journal of Cultural Management and Cultural Policy/Zeitschrift für Kulturmanagement und Kulturpolitik | 3( 2). 47-72. p:47. Downloaded on 20/9/2020.
https://jcmcp.org/articles/the-role-of-culture-in-development/?lang=en
[39] Greffe, X. (2011). P:122.
[40]Kilroy, A., Garner, C., Parkinson, C., Kagan, C., & Senior, P. (2007). Towards transformation: Exploring the impact of culture, creativity and the arts on health and wellbeing (A consultation report for the critical friends event). Manchester Metropolitan University.
[41] Kay, A. (2005). Social capital, the social economy and community development. Community Development Journal, 41(2), 160–173.
[42] اقترح ثروسبي مصطلح "النظام البيئي الثقافي" وحدده بوصفه "النظم البيئية الثقافية" التي تدعم عمليات الاقتصاد الحقيقي، مثلما تفعل النظم البيئية الطبيعية؛ يمكن أن يؤدي إهمال رأس المال الثقافي إلى النوع نفسه من المشاكل التي تنشأ إذا سمح لرأس المال الطبيعي والنظم البيئية الطبيعية بالتدهور" (Throsby, 2001: 161).
[43] Jermyn, H. (2004). The art of inclusion (No. 35) (p. 171). Arts Council of England. p:17.
[44] Azevedo, M. (2016). The evaluation of the social impacts of culture: culture, arts and development. Thesis. Economics and Finance. Université Panthéon-Sorbonne – Paris. P:82 Downloaded on:22/8/2020.
[45]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[46]Charlton, M., Barndt, D., Dennis, K., & Donegan, R. (2013). Transforming Communities Through the Arts. Toronto: Toronto Arts Foundation. P:39.
[47]Brown, A. (2006). p:19.
[48] Nussbaum, M. C. (1990). Love’s Knowledge: Essays on Philosophy and Literature. New York and Oxford: Oxford University Press.
[49] Weinstein, A. (2003). A Scream Goes Through the House: What Literature Teaches Us About Life. New York: Random House. p: xxvii.
[50]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H, Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[51] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H, Zakaras, L., & Brooks, A. (2004). p:51.
[52] Williams, D. (1996). How The Arts Measure Up: Australian research into social impact. COMEDIA. Downloaded on:23/9/2020.
https://arestlessart.files.wordpress.com/2016/11/1997-deidre-williams-how-the-arts-measure-up.pdf
[53] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004). Brown, A. (2006).
[54] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[55]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[56]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[57]Crooke, E. (2007). Museums and Community: Ideas, Issues and Challenges. UK: Routledge.p:15
[58]Crooke, E. (2007). p:14.
[59] Putnam, R. (2000). Bowling Alone: The Collapse and Revival of American Community. New York: Simon and Schuster.
[60]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[61] Crooke, E. (2007). p:65.
[62] Putnam, R. (1993). Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy. Princeton University Press. p:35.
[63] Coleman, J.S. (1988) Social capital in the creation of human capital. Am J Sociol 94:95–120.
[64] Coleman, J. S. (1990). Foundations of social theory. Cambridge: Harvard University Press .p: 302.
[65] Uphoff, N. (1999). Understanding social capital: Learning from the analysis and experience of participation. In P. Dasgupta & I. Serageldin (Eds.), Social Capital: A multifaceted perspective (pp. 215–253). Washington, DC: World Bank. P:216.
[66] Polson, E. C., Kim, Y.-I., Jang, S. J., Johnson, B. R., & Smith, B. (2013). Being Prepared and Staying Connected: Scouting’s Influence on Social Capital and Community Involvement. Social Science Quarterly, 94(3), 758–776. p:761
[67] يُنظر إلى رأس المال الاجتماعي، بشكل عام، على أنه يستند إلى بنية شبكية، أي يتضمن العلاقات الاجتماعية بين الأفراد (Uphoff, N. (1999. رأس المال الاجتماعي جزء لا يتجزأ من العلاقات الاجتماعية ويتحقق عندما يتفاعل الناس، وبالتالي، يميل رأس المال الاجتماعي إلى التركيز على الفرد، على الرغم من أن معظم المؤلفين يقرون أو يدرجون دور البيئة الاجتماعية الأوسع في التأثير على جودة التفاعلات الاجتماعية وطبيعتها. يتعامل التماسك الاجتماعي عادةً مع المشكلة نفسها من مستوى المجموعة أو المجتمع، ويميل إلى التركيز على التفاهمات المشتركة مثل التضامن والثقة المعممة ومساعدة المعايير والقيم والمواقف على نطاق واسع. في حين أن الشبكات الاجتماعية ورأس المال الاجتماعي هو بُعد من أبعاد التماسك الاجتماعي، فإن التماسك يميل إلى التركيز على أهمية مؤسسات التنسيق القوية التي تركز على المجتمع ككل بدلاً من الحضور في العلاقات الاجتماعية.
كلاهما ينطوي على استكشاف طبيعة التفاعل الاجتماعي والتبادل في مجموعة أو مجتمع. كلاهما ينطوي على استكشاف الأساس المنطقي للسلوك البشري، لا سيما فيما يتعلق بالتفاعل الاجتماعي. يبدو أن الاختلاف الرئيسي هو نقطة البداية: يميل رأس المال الاجتماعي إلى البدء بالفرد، ويميل التماسك الاجتماعي إلى البدء بالمجتمع.
- Nahapiet, J., & Ghoshal, S. (1998). Social capital, intellectual capital, and the organizational advantage. Academy of Management Review, 23(2), 242.
- Easterly, W., Ritzen, J., & Woolcock, M. (2006). Social cohesion, institutions, and growth. Economics & Politics, 18(2), 103–120.
- Kearns, A., & Forrest, R. (2000). Social Cohesion and Multilevel Urban Governance. Urban Studies, 37(5–6), 995–1017.
- Portes, A., & Vickstrom, E. (2011). Diversity, Social Capital, and Cohesion. Annual Review of Sociology, 37(1), 461–479.
[68] Crooke, E. (2007) p:64.
[69] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004) p:29.
[70] Tuckman, B. W. (1965). Developmental sequence in small groups. Psychological Bulletin, 63 (6), 384–339. Downloaded on: 30/8/2020.
[71] Williams, D. (1996). p:9.
[72] Greffe, X. (2013). Arte e mercado (Observatório Itaú Cultural). Sao Paulo: Iluminuras. p:279.
Cited from: Azevedo, M., (2016).p:87.
[73] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[74] McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004). p:85
[75] Putnam, D., Feldstein ,L., and Cohen, D. J. (2003) .Better Together: Restoring the American Community. New York: Simon and Schuster.
[76]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[77]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004) .p:85.
[78]McCarthy, K. F., Ondaatje, E. H., Zakaras, L., & Brooks, A. (2004).
[79] Nussbaum, M. C. (1997). Cultivating Humanity: A Classical Defense of Reform in Liberal Education. Cambridge, MA: Harvard University Press.p:10.
[80] Crooke, E. (2007).p:66.
[81] Newman, A. and Mclean, F. (2004) ‘Capital and the Evaluation of the Museum Experience’, International Journal of Cultural Studies, 7 (4): 480-498.p:480.
http://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.1010.352&rep=rep1&type=pdf
[82]McEvoy, A. (2003). Social Inclusion—some observations. Mailout. The national magazine for developing participation in the arts. June/July. P: 7.
[83] Greffe, X., & Pflieger, S. (2005).p:38.
[84] Putnam, R. (1993).
[85] Maridal, J. H. (2013). Cultural impact on national economic growth. The Journal of Socio-Economics, 47, 136–146.