التوجّه نحو النهج التّشاركيّ في تطوير المعارض العلميّة

الرئيسية التوجّه نحو النهج التّشاركيّ في تطوير المعارض العلميّة

*هبة برقان

جانب من فعاليات الليلة العلمية بتنظيم من استوديو العلوم، مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله  10 أيلول 2020، تصوير أنس مر.
 

مقدّمة

طوّرت المتاحف عبر التاريخ منهجيات عملها بما يتيح للزّوار تكوين معرفة جديدة من تجاربهم.  في الجيل الأول من المتاحف، ركّزت فضاءات المتحف على الموادّ المعروضة، حيث عملت على تجميعها في صناديق بغرض عرضها.  تلا ذلك متاحف الجيل الثاني التي أضافت عنصر التفاعل لهذه المعروضات، من خلال الضغط على أزرار.  أمّا متاحف الجيل الثالث، فقد وفّرت تجربة للزوّار تتمحور حول الزائر نفسه لا على الموادّ المعروضة.  واليوم، تعملُ متاحف الجيل الرابع على تكييف تجربة الزائر بشكل فردي ليتماشى مع مستويات الانخراط المختلفة (Museum Planner, 2011).

بدأت العديد من المؤسسات الثقافية، بما فيها المتاحف ومراكز العلوم، باتباع النهج التشاركيّ، بوصفه النهج الجديد في المؤسسات الثقافية.  تحقق المؤسسات الثقافية ذلك من خلال دعوة العامة لأنْ ينخرطوا انخراطاً فاعلاً في بناء المحتوى الثقافي، وليس استهلاكه فحسب (Simon, 2010).  وبناءً عليه، يمكن تعريف المعارض التشاركيّة في المتاحف والمراكز العلمية بوصفها المعارض التي يشارك فيها الجمهور، بشكل فاعل، في عملية تطوير المعرض.

في العادة، تتضمن عملية تطوير معرض علمي تطوير ثيمة المعرض والمحتوى العلميّ، والتفاكر، والنمذجة، واختبار المعروضات مع الجمهور، وتصنيع المعرض من أجل افتتاحه للجمهور، وأخيراً تقييم المعرض.

 

 

يضيف النهج التشاركيّ قيمةً إلى عمليّة تطوير المعارض سيتم نقاشها في هذا المقال.  كما يناقش مراحل تطوير المعرض عند اتباع النهج التشاركيّ، ويسلط الضوء على بعض الممارسات والجوانب المتعلّقة بهذا النهج.

 

تبنّي النهج التشاركيّ في تطوير المعرض

تشير نينا سيمون (2010) إلى أن تحقيق النّهج التشاركيّ في المتاحف مرتبط بوجود مؤسّسةٍ تتمحور حول الجمهور (audience-centred)، وذلك من خلال تقديم الخبرات للزوّار لبناء معانيهم الخاصة (النظريّة البنائيّة) وإشراكهم في التصميم وتطوير البرامج.  ويمكن تطبيق النهج التشاركيّ في تطوير المعرض من خلال إعداد جميع الأطراف المعنيّة (stakeholders) للتعامل مع النّهج وأدواته.

تبدأ عملية إدراج النهجٍ التشاركيّ بأي مشروع أو مؤسسة من خلال تحديد الأطراف المعنيّة، وهم الأشخاص الذين يؤثرون ويتأثرون بنتائج المشروع.  وبالتالي، فإن عمليّة التخطيط لمعرض علمي تشاركي عليها أن تبدأ بتحديد الأطراف المعنيّة وتناولهم بالتحليل، ويعدُّ ذلك أمراً حيويّاً في تصميم مشاركتهم.  تؤيد هذا الطرح مواسي في مقالتها "إلغاء مركزيّة الباحث: عشرة تأمّلات حول التصميم المشترك مع المجتمعات المحلية" (De-centring the researcher: Ten reflections on co-designing with local communities)، حيث شدّدت على أهمية أنْ ينخرط مشاركون وأعضاء من المجتمع انخراطاً بنّاءً في جميع مراحل المشروع التشاركيّ (Mawasi, 2020)، وذلك يتوافق أيضاً مع ما ذكرته سيمون التي عرّفت الإشراك بأنه إخراط المشاركين بشكل فاعل في بناء المحتوى، بدلاً من إبقائهم مستهلكين سلبيّين له (Simon, 2010).

 

  1. تطوير ثيمة المعرض والمحتوى العلمي

يبدأ تطوير المعرض في سياق المتاحف والمراكز العلمية بمرحلة مفاهيميّة تهدف إلى اختيار ثيمة المعرض.  خلال هذه المرحلة، يعمل فريق تطوير المعروضات على التوسّع والتركيز على ثيمات ومواضيع علمية.  ولاتّباع نهج تشاركيّ في هذه المرحلة، على الفريق أن يقود عمليّة تفاكر الثيمات والمواضيع المحتملة بالتشارك مع المجتمع، وإعطاء دور فاعل للمشاركة بأخذ القرارات المتعلقة بالثيمة.

يُعدّ التحليل الأمامي (front-end analysis) إحدى الأدوات التشاركيّة الأكثر استخداماً عند اختيار ثيمة معرض في المتاحف والمراكز العلمية (Taxen, 2004)، حيث تستخدم المتاحفُ المخارج والمداخل للتّفاعل مع زوارها وإشراكهم في اختيار ثيمات ومواضيع علمية محتملة لمعروضاتهم ومعارضهم المستقبليّة.  وقد تتنوّع أساليب ومستويات الإخراط في المتاحف والمراكز العلمية من مجرّد تعبئة استمارات إلى تقديم محطّة تفاعليّة.

 

على سبيل المثال، في متحف ماونت هوليوك كوليدج للفنون (Mount Holyoke College Art Museum)، صمّم الفريق محطّة اقتراع تفاعلية تقوم بجمع تذاكر الزوّار في نهاية الزيارة.  

فبدلاً من أنْ يلقي الزّوار بتذاكرهم في القمامة أو على الأرض، يستطيعون أنْ يضعوها في واحدٍ من الصناديق لاستطلاع رأيهم في معروضات شاهدوها خلال زيارتهم للمعرض.

 

 

2. بحث المحتوى العلمي

عادةً ما تقوم المتاحف ومراكز العلوم بتعيين متخصّص في المحتوى مهمّته تطوير الورقة المفاهيميّة الرئيسة للمعرض ومحتواه العلميّ.  في البحث التشاركيّ، توصي مواسي بضرورة أن ينتقل الباحثون من النّهج الهرمي (top-down approach) إلى التعلّم والتشارك، في التصميم مع المجتمع ومن أجله (Mawasi, 2020).  في تطوير المعارض العلمية، من المهم احترام ثقافات المجتمعات المحليّة وفهم احتياجاتهم قبل اختيار الثيمة والمحتوى العلمي لعرضه على أرض المعرض.

 

3. التفاكر والنمذجة واختبار المعروضات مع الجمهور

بعد أنْ يتم اختيار المحتوى العلميّ للمعرض، ينتقل الفريق إلى مرحلة تطوير المعروضات.  تطوير المعرض هو عملية تشابكية وبنائية تتكوّن من مراحل عدة من توسيع (diverge) أفكار لمعروضات علمية، يتبعها التركيز (converge) على بعضها.  تبدأ العلمية بالتفاكر في أفكار تفاعلية؛ فنمذجة الأفكار وتجربتها، فاختبارها مع الجمهور، وهكذا إلى أن يصل الفريق بالتعاون مع الجمهور إلى الشكل والتصميم المناسب للمعروضة.  لتطبيق النّهج التشاركيّ في تطوير المعارض، من الضروريّ إشراك جمهور المتاحف ومراكز العلوم إشراكاً نَشِطاً في عمليّة التطوير برمّتها.

قد تتنوّع طرق إشراك الجمهور في التفاكر والنمذجة للمعروضات العلميّة واختبارها في سياق المتحف.  فعلى سبيل المثال، يمكن إشراك الفنانين للتفاكر في أفكار تفاعلية للمعروضات ضمن سياق ورشة عمل، أو إتاحة مشغل التصنيع للطلاب كي يقوموا بنمذجة فكرة معينّة.  ومن ناحيةٍ أخرى، يستطيع الفريق ببساطة أنْ يستخدم قاعة العرض المفتوحة لاختبار تفاعل جمهور أوسع وأكثر تنوعاً مع معروضة معينة.

بغض النظر عن الصيغة التي تسعى المتاحف إلى إشراك المجتمع في عملية تطوير المعروضات، من الضروريّ إشراك أعضاء من المجتمع من أجيالٍ مختلفةٍ في سيرورة العمل لكي تكون المشاركة ممثِّلةً للمجتمع برمته (Mawasi, 2020).

 

4. التّصنيع

التصنيع في تطوير المعروضات هو عمليّة تحويل الرسومات التقنيّة إلى معروضات قائمة وتجهيزها لأرضيّة المعرض.  على الرّغم من أن التّصنيع مرحلة تتطلّب مهارات يدوية، فإنّ إشراك أفراد المجتمع يمكن تحقيقه على مستويات مختلفة.  فمثلاً، يمكن لأفراد من المجتمع التطوعّ للعمل على تصميم وطباعة نماذج وقطع باستخدام ماكينة قص الليزر، أو الطابعة ثلاثية الأبعاد، وقد يكون لدى آخرين اهتمام بالمساهمة في أعمال الدهان للمعروضات أو حتى التبرع بمقتنيات قديمة تخدم تصنيع معروضة معينة.

في سياق مشابه، خاض استوديو العلوم في مؤسسة عبد المحسن القطان برام الله، تجربة لإشراك صانعي آلات موسيقية من المجتمع المحليّ لتصنيع معروضاتٍ موسيقيّة ضمن معرض "صدى".  وقد عبّر صنّاع الآلات أن هذه التجربة قد ساهمت بتغيير فكرتهم عن قيمة عملهم.  في المقابل، عبّر فريق تطوير المعروضات أن هذا التعاون قد أطلعهم على تقنّيات رفيعة المستوى تُستَخدَمُ في المشغولات الخشبيّة.

 

5. تقييم المعرض

غالباً ما يشار إلى الفترة الزمنيّة التي يفتح فيها المعرض أبوابه للزوّار بوصفها المرحلة الفعّالة (Taxen, 2004).  تُعدُّ أرض المعرض في المتاحف ومراكز العلوم بأنها أداة أساسيّة في النهج التشاركيّ، حيث يمكن اعتبارها مختبراً مفتوحاً لدراسة المعرض والبحث في مراحل التطوير التي أدّت إلى إنتاجه وإتاحته للمجتمع.  يمكن للفريق خلال مرحلة العرض أنْ يراقب تفاعلات الزوار ويجمع البيانات ويحللها ويربط النتائج بالأبحاث حول التعلّم وخبرة الزائر، وذلك كله في سبيل تقييم المعرض وتطوير رؤى جديدة.

يُعدّ جمهور المعرض عنصراً أساسيّاً في عمليّة التقييم في المعارض التشاركيّة.  في التقويم الختامي (summative evaluation) للمعرض الذي يركّز على تقييم وقياس الأثر الناتج عن إتاحة المعرض للجمهور، على الباحثين أن يكون لديهم فهم بشكل معمّق وحقيقي لما يعتبره أفراد المجتمع ذا قيمة (Mawasi, 2020).  فعلى سبيل المثال، يستطيع أعضاء من الجمهور أنْ يشاركوا في بناء مؤشرات القياس لأثر المعرض عليهم وعلى الزوّار الآخرين.

 

خاتمة

يمكن أن يكون لتبنّي نهج تشاركيّ في المتاحف والمراكز العلميّة تأثيرٌ كبير على العلاقة مع الأطراف المعنيّة (stakeholders)، وذلك من خلال تطوير منهجيّة عمل الفريق بالتوازي مع إشراك أفراد المجتمع في سيرورة العمل، ما له دور في إحداث تغيير حقيقي لا يقتصر على تطوير المؤسسات الثقافية، بل المجتمع المنخرط على حد سواء.

لدى الباحثين العديد من التوصيات عند التعامل مع الجمهور في المشاريع التشاركيّة (Mawasi, 2020; Simon, 2010).  يحتاج المشاركون إلى أدوار واضحةٍ حول كيفيّة المشاركة، كما يحتاجون إلى رؤية نتائج عملهم (Simon, 2010).  ومن المهم إشراك أجيال مختلفة من أعضاء المجتمع، كما ينبغي على الفريق اعتماد نهجٍ متمحورٍ حول الإنسان في فهم المجتمع، وتحديد احتياجاته، واحترام الثقافات المحليّة (Mawasi, 2020).

 

*مشرفة فريق تطوير المعروضات في استوديو العلوم / برنامج البحث والتطوير التربوي

 

المراجع

  1. Mawasi, A. (2020, July 03). De-centering the Researcher: Ten Reflections on Co-Designing with Local Communities. Retrieved October 03, 2020, from https://talkingaboutdesign.com/de-centering-the-researcher-ten-reflections-on-co-designing-with-local-communities/
  2. Simon, N. (2010). The participatory museum. Museum 2.0.
  3. Taxén, G. (2004, July). Introducing participatory design in museums. In Proceedings of the eighth conference on Participatory design: Artful integration: interweaving media, materials and practices-Volume 1 (pp. 204-213).
  4. Walhimer, M., 2011. The Future Of Interactivity? [online] Museum Planner. Available at: <https://www.museumplanner.org/future-of-interactivity/> [Accessed 15 June 2020].