أحمد عز الدين أسعد*
معلمون مشاركون في مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية أثناء زيارتهم لمعرض الليلة العلمية بتنظيم من استوديو العلوم، رام الله، أيلول 2020. |
مقدّمة
تحاول هذه المقالة تأمل بعض أنماط الحياة الفلسطينية في مجتمع الضفة الغربية، وجرى تناول مجتمع الضفة الغربية، ليس لأغراض التحيز، أو تعميم التأملات، وإنما لقرب الباحث من مجتمع الضفة الغربية والاطلاع على عدد من المشاهد خلال الجائحة، كما أن هناك خصوصيات للتجمعات الفلسطينية الأخرى في فلسطين المستعمَرة العام 1948، وفي قطاع غزة، تحتاج إلى تأملات ودراسات ومعاينات ميدانية، يصعب الإحاطة بها بسبب البعد الجغرافي. بنيت هذه المقالة بناءً على تجارب شخصية وتأملات في المجتمع ودراسات سابقة لبعض الظواهر الاجتماعية إبان الجائحة مثل "المبادرات المجتمعية، صندوق وقفة عز، العمال"، وحاولت قدر الإمكان أن تأخذ طابعاً تأملياً تحليلياً بعيداً عن الصيغة الأكاديمية الصرفة، لتسهيل مهمة القارئ في الوقوف على بعض التحولات والتساؤلات التي ما زالت مفتوحة وتحتاج إلى إخضاعها للدراسة والفحص.
أولاً. مشهد انقطاع الحياة المفاجئ وصدمة الجائحة
تتسارع الحياة في المجتمعات في العصر الحديث، وبخاصة في زمن الحداثة السائلة بمنطق عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (1925-2017). لقد اعتاد غالبية أفراد المجتمع الفلسطيني، على حياة شائكة شبه طبيعية في ظروف غير طبيعية؛ تحت شرط الاستعمار الاستيطاني الاستغلالي، وقد اختبر أفراد المجتمع الفلسطيني انقطاع الحياة على مدار سنوات متعددة، بفعل حظر التجول من قبل الجيش الإسرائيلي والإغلاقات المتقطعة والحواجز بأنواعها، والاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية العام 2002، وحملات مداهمات وإغلاق محدد زمانياً ومكانياً بين حين وآخر يشهده المجتمع بشكل شبه يومي؛ أي أن انقطاع الحياة في المجتمع الفلسطيني والإرباك سمة شبه يومية وأساسية في الحياة الفلسطينية. كان العدو (الاحتلال) في ظرف انقطاع الحياة الفلسطينية مرئياً وظاهرياً؛ متمثلاً في جنود وقناصة وأدوات عسكرية مرئية أو فيزيائية، لكن في حالة انتشار فايروس كورونا فالعدو غير مرئي، ولا يمكن التنبؤ بمكانه وزمانه وخارطة تحركاته وانتشاره.
ربما لم يكن الفلسطينيون يتوقعون انتقال الفايروس إلى المجتمع الفلسطيني بالسرعة التي وصل فيها، وربما كانت هناك حالات من الإصابة في المجتمع، لكن أحداً لم يعمل الفحص المطلوب؛ ظناً منه، أن أعراض الإصابة مثل أعراض الأنفلونزا أو الرشح وفق حديث أحد الأصدقاء، وكذلك هي رؤية طبيب عام في مدينة رام الله.
لقد شكل خبر الإعلان عن الإصابات في مدينة بيت جالا مطلع آذار/مارس 2020، بعد مخالطة عمال في فندق سياحي في مدينة بيت جالا، لوفد سياحي يوناني، واكتشفت الحالات بعد مغادرة الوفد للبلاد، صدمة كبيرة للمجتمع الفلسطيني والمؤسسة الرسمية الفلسطينية والمجتمع المدني والأهلي الفلسطيني. وبسبب الصدمة وعدم القدرة على التنبؤ بالحالة الوبائية في محافظة بيت لحم، حجر المصابون بالفايروس وجزء منهم عاملون في الفندق الذي كانوا يعملون به، وهو الفندق ذاته الذي نزل فيه الوفد اليوناني، وبدأت موجة من التخبط تعم المجتمع الفلسطيني، وتخوف من القادم المجهول.
سيطرت الحكومة الفلسطينية على المشهد في بيت لحم، وأدارت الأزمة بنوع من الحكمة، لكن بسب الخوف والهلع والصدمة والخوف، خرج مجموعة من الأفراد في قرية شرق مدينة بيت لحم، وبعض الأفراد على مدخل مدينة أريحا، وكذلك الحال في مدخل مدينة الخليل، وأحرقوا إطارات السيارات كتعبير عن رفضهم لنقل أيٍّ من مصابي مدينة بيت لحم إلى خارج محافظة بيت لحم أو حتى خارج الفندق في بيت جالا؛ وهذا مؤشر على الصدمة المجتمعية وحالة الخوف التي اجتاحت جزءاً كبيراً من أفراد المجتمع. بالتزامن مع ذلك، أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية حالة الطوارئ في فلسطين بتاريخ 5/3/2020، وتبدأ سريانها من اليوم التالي السادس من آذار، وإعلان حالة الطوارئ من قبل الحكومة الفلسطينية هو تعبير عن الصدمة والهلع من هول الكارثة القادمة على المجتمع الفلسطيني، واللايقين والأرق الاجتماعي، وتخوف الكل الفلسطيني -أفراداً وجماعات ومؤسسات- من الجائحة العالمية. وقد مَثَّلَ إعلان حالة الطوارئ مأسسة لعملية انقطاع الحياة اليومية بشكل بنيوي في المجتمع الفلسطيني.
استمرت الحياة في المحافظات والمدن في الضفة الغربية في حالة شبه طبيعية، باستثناء توقف المؤسسات التعلمية المدرسية والجامعية، وإغلاق دور العبادة، والمقاهي والنوادي، ومنعت أي مظاهر للتجمعات والاحتفالات، وألغيت الحجوز السياحية، وغيرها من الإجراءات. وبعد أيام أعلنت الحكومة الفلسطينية منع التنقل بين المحافظات والدخول في مرحلة إغلاق مشددة لمدة أسبوعين لاحتواء الحالة الوبائية، ومددت لأسابيع متعددة، رافق الإغلاقات وارتفاع عدد الإصابات، والإعلان عن أول حالات الوفاة بسبب فايروس كورونا، حالة من الخوف والترقب، فقد بات كل فرد من أفراد المجتمع يشعر بالخوف على نفسه وعلى عائلته، وبخاصة الخوف على من هم كبار في السن أو يعانون من أمراض مزمنة.
برزت سلوكيات لدى بعض الأفراد مرتبطة بالأزمة وصدمة الجائحة، مثل نشر تسجيلات صوتية وكأنها لمدير صحة محافظة بيت لحم كأخبار مظللة أو ربما تنمر اجتماعي، وغيرها من السلوكيات التي تعبر عن الانكشاف والخوف من الجائحة. لكن المشهد رمم سريعاً؛ فمدينة الخليل وشبابها بعد أيام قليلة أطلقوا حملة/نداء "بيت لحم كوني قوية ... الخليل بيت لحم ... جسد واحد"، مثلت هذه العبارة حالة من التضامن والتلاحم الاجتماعي في مواجهة الجائحة والصدمات النفسية والاجتماعية التي تجلت في خطاب بعض الأفراد وسلوكهم، تبتعها سلسلة من حملات التضامن والإغاثة لمحافظة بيت لحم من قرى الضفة الغربية ومدنها وبلداتها.
كانت حالات التضامن الاجتماعي، أيضاً، داخل محافظة بيت لحم، فقد كان لالتزام سكان محافظة بيت لحم بإغلاق المحافظة وعزلها دور عن باقي محافظات الضفة الغربية، دور مركزي في التصدي للجائحة، والتخفيف من هول الصدمة، في بيت لحم وباقي المحافظات الأخرى. وبرز سلوك اجتماعي تضامني في المجتمع الفلسطيني بسبب أزمة كورونا، وتعدد حملات التضامن وأشكالها وأنواعها، التي كانت تهدف إلى مساعدة من انقطعت بهم السبل بسبب توقف العمل، والإغلاق.
لقد شهد المجتمع الفلسطيني العديد من المبادرات المجتمعية، التي ساهمت في التخفيف من وطأة انقطاع الحياة اليومية، ومن تلك الحملات على سبيل المثال لا الحصر "توزيع معقمات ومواد تنظيف، وتوزيع كمامات ومساعدات طبية، وتوزيع مواد تموينية وغذائية، وتأمين حاجات المنازل بالمواد الأساسية بأسعار التكلفة مع خدمة التوصيل، وجمع أموال وتبرعات ... ودعم نفسي واجتماعي، وتوزيع الخبز، وإعفاء بعض المستأجرين من أجرة البيوت والمحلات، وحملات تعقيم للشوارع والأماكن العامة، وإعداد وجبات الطعام للعاملين في الميدان من أطباء ورجال أمن وللمحجورين، وحملات إعلامية إلكترونية تضامنية مع الأسرى، وتظاهرات إلكترونية رقمية لإحياء الذكرى 44 ليوم الأرض، ومبادرات أطباء متقاعدين ومن القطاع الخاص وضعوا أنفسهم وخبراتهم تحت تصرف الحكومة، ودورات تدريب على التعقيم، ووضع مراكز وفنادق ومنازل تحت تصرف الحكومة الفلسطينية لتحويلها إلى مراكز حجر صحي، ومبادرات تصنع كمامات ولباساً واقياً وأجهزة تنفس صناعي، والحواجز الشعبية، وحكايات وقصص يقدمها مبدعون إلكترونياً ...".[1]
على المستوى الشخصي، شكل انقطاع الحياة المفاجئ أزمة على المستوى البحثي، فلم يعد هناك إمكانية للتنقل والوصول إلى المكتبات، وبخاصة مكتبة جامعة بيرزيت، ومكتبة بلدية البيرة، التي كنت أقضي وقتاً فيها لمراجعة بعض الأدبيات. وقبل أيام من انتشار الفايروس في مدينة بيت لحم، كنت أتردد على مكتبة جامعة بيرزيت بشكل شبه يومي، كنت أصعد إلى الطابق الثالث من المكتبة، وألج إلى غرفة مصادر الجرائد/الصحف، كنت أعمل جولة ومراجعة لعدد من الصحف، بالتركيز على الأعوام 1988-1989، عاينت مجموعة من الصحف، وتصفحت بعضها بالتفاصيل مثل: القدس، الشعب، الفجر، الطليعة، وألقيت نظرة على الاتحاد والنهار، كنت أسير بخط كرنولوجي لمتابعة تفاصيل وأحداث مرتبطة بالعصيان المدني في مدينة بيت ساحور إبان الانتفاضة، لإنجاز كتاب عن تجربة بيت ساحور العصيانية خلال الانتفاضة، أدى انقطاع الحياة بسبب كورونا، غيابي عن بعض المصادر الأولية التي كنت أحتاجها.
عُدت إلى مكتبة جامعة بيرزيت بعد شهور في أيلول/سبتمبر 2020، فقد تركت الصحف في بدايات آذار/مارس 2020 على الطاولة لاستكمالها في اليوم التالي، كان اليوم التالي هو أول يوم في جائحة كورونا في فلسطين، كانت الصحف على الطاولة باقية كما وضعتها في مكانها، لكن كنت قد أنجزت الكتاب وحصلت على معلوماتي الأولية، من مصادر رديفة، فقد أرسل لي صديق بعض أعداد صحيفة الدستور الأردنية التي كانت مهتمة بتلك المرحلة، رممت انقطاع المصادر، وبخصوص فتوى شرعية لم أعثر عليها في صحيفة الدستور، فكان طوق النجاة من صديقة باحثة في الأنثروبولوجيا، أرسلت لي نص الفتوى بعد عملية مجهدة من البحث في آركيولوجيا الأرشيف. إن الانقطاع عن المصادر الأولية غير المتوفرة بصيغة إلكترونية، قد شكل صدى موازياً كصدمة جائحة كورونا لدى الباحثين.
عند العودة إلى المساحات الشخصية، وتأمل ذواتنا، وتأمل سلوك الأطفال، والجلوس لفترات طويلة في المنزل، بسبب انقطاع الحياة اليومية الروتينية، فالانقطاع أدى إلى اتصال وتفاعل وجاهي آخر في المنازل؛ وتغيرت لعبة الأدوار، فالجميع سواسية في الخروج من المنزل، والكل محجور؛ الصغير والكبير والعامل والعاطل عن العمل، كما حدث تحول في البرنامج اليومي؛ لا أذكر متى آخر مسلسل كنت أتابعه قبل جائحة كورونا، ربما كان من الدراما السورية، وأنا في سنوات دراستي في البكالوريوس 2006-2010، لكن خلال الجائحة عاد للتلفاز مكانته وحضوره كمصدر رئيس للمعلومة والخبر والمتابعة، وعاد التلفاز يتلاعب بعقولنا بمنطق بير بورديو، فكان لم الشمل في الجهة المقابلة للشاشة، الذي غاب لسنوات قبل الجائحة، وعاد الحنين إلى الدراما، وخلال فترة بسيطة وجدت نفسي متورطاً مع الأطفال بحضور مسلسل: التغريبة الفلسطينية، شارع شيكاغو، حارة أبو عواد، ولا أذكر ما جاد به الأطفال من مسلسلات وبرامج للأطفال، تخلصت من تلك الورطة بأعجوبة، ونجوت من فخ التلاعب بالعقول، بالانشغال في العمل البحثي والقراءة.
كشفت المساحات البيتية عن إبداع الأطفال، لمست حس الدراما والتمثيل في أحد الأطفال، من خلال طرائف تصرفاته ونوادر حكايته. لمست، أيضاً، قدرات ذهنية ونفسية للتكيف مع الحالة، فخلال الأيام الأولى من الجائحة، أو ربما الساعات الأولى، علم الأطفال بوجود الفايروس، وأن هناك حالة من اللاطبيعي ستتحول إلى حالة من شبه الطبيعي لفترة لا نعلم ميقاتها.
ثانياً. بعض ملامح التغيرات في أنماط الحياة اليومية
لقد شكل انقطاع الحياة المفاجئ تغييراً في أنماط الحياة الفلسطينية، وبخاصة دخول حالة الانقطاع بشكل تدريجي، وتعطيل قطاعات التعليم في البداية، ثم امتد الانقطاع ليشمل قطاعات المجتمع الفلسطيني كافة، مع استثناءات للبنوك ومحلات البقالة والمخابز والصيدليات، وقد شكل انقطاع الحياة المفاجئ تغيراً في أنماط الحياة والسلوك اليومية لأفراد المجتمع وسلوكهم اليومي، وبخاصة أن المجتمع الفلسطيني دخل حالة من العودة إلى البيوت والاستقرار فيها، والعودة إلى الفضاء الخاص والحميمي (فضاء العائلة النووية). وقد عُطلت الحياة والمرافقة العامة كالمساجد والكنائس، والمقاهي، والمكتبات، والمراكز الثقافية وغيرها من أمكنة ثالثة، كمساحة أخرى غير مكان العمل ومكان السكن، التي كانت ترتاد قبل جائحة كورونا كمكان للترفيه وتبادل الحديث، وكمساحة لنسج العلاقات الاجتماعية أو التعبير عنها، لدى فئات من الشباب والطلبة وشرائح من الطبقة الوسطى والطبقات العليا.
إن العودة إلى البيت والمساحات الخاصة قد شكل صدمة، بعضها سلبي وبعضها إيجابي، وبخاصة أن هناك انقطاعاً عن روتين الحياة اليومية، أو مسار الحياة اليومية التي تبدأ من الصباح وتنتهي مساءً، وبخاصة للعاملين الذين يخرجون من بيوتهم بشكل يومي. يمكن رصد مجموعة من بعض تغييرات أنماط الحياة خلال جائحة كورونا، يمكن الوقوف على أبرزها:
- تواري المواطنة والمواطنين، وتقلص الفضاء العام للمواطن الفلسطيني، ونزول الأمن بكثافة إلى الشوارع ونصب حواجز المحبة، فالمواطن أصبح مقيداً معزولاً في فضائه الخاص، يخاف الخروج إلى الفضاء العام. مقابل هذا التغيير في المشهد، أصبح هناك نوع من "مواطنة الفايروس"؛ فالفايروس هو سيد الفضاء العام، والمهيمن عليه، ويمارس حضوره في الفضاء العام متوارياً ومتخفياً عن الأنظار، ويحاول قدر ما استطاع اختراق الفضاءات الخاصة وأجساد مواطنيها، فالهيمنة والمواطنة تبدلت وأصبحت معكوسة، وأصبحت السلطة بيد الفايروس غير المرئي، التي عجزت السلطات المرئية الطبية والعسكرية والأمنية وأدواتها المساندة من ممارسة المراقبة والمعاقبة عليه بلغة ميشيل فوكو.
- تجلت تغييرات مرتبطة بتوقيت النوم، أدى تعطل الحياة اليومية لأطفال وأبائهم، إلى تغيرات في مواقيت النوم والتأخر في النهوض صباحاً، فالارتباط الأساسي بالمدرسة والعمل كان يجبر العائلة على النهوض في ساعات الصباح ما بين 6-7 صباحاً، لكن العطلة طويلة المدى في ظل الجائحة، أرخت بسدولها لتعويض نقص النوم لدى الأطفال والعائلة بالنوم لساعات متأخرة من الصباح، وأحياناً لساعات الظهيرة بالتزامن مع حلول شهر رمضان خلال جائحة كورونا، وتعطل نظام الحياة الفلسطينية، ويمكن القول إن نمط النوم والحياة قلب رأساً على عقب النوم في النهار أو لساعات متأخرة من النهار، والسهر ليلاً حتى مطلع الفجر.
- بروز تغيرات مرتبطة بمنظومة العبادة؛ قبل جائحة كورونا كان هناك اعتقاد سائد، أو صورة نمطية ترى أن المجتمع الفلسطيني كباقي المجتمعات العربية، مجتمع ترتفع فيه نسبة التدين، لكن اختبار كورونا بين أن هناك تعاطياً دنيوياً وعقلانياً مع جائحة كورونا، فتم بروز نزعة تعتمد على التعليمات الطبية، ولم تحتكم للخطاب الديني الشعبي.[2] وتقبلت شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني إغلاق دور العبادة (الكنائس والمساجد)، على الرغم من بروز بعض الأصوات الضعيفة التي طالبت بفتح المساجد، كون الحكومة سمحت بفتح البنوك ومراكز تجارة أخرى، أي أن الخطاب الطبي والمنظومة الطبية كان مرجعاً في التعامل مع الجائحة أكثر من المرجعيات الدينية والاعتقاد الشعبي وغيرها.
- لُمست نسبياً عودة العمل الاجتماعي والتطوعي ولجان الطوارئ؛ لقد برز صعود واضح للعمل المجتمعي، وقد رأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت مجدي المالكي "أن حالة الاستنهاض المجتمعي هذه التي شهدها المجتمع الفلسطيني منذ بداية الأزمة، تتسم بمحدودية فعاليتها، على الرغم من تصاعد وتيرتها، وذلك مقارنة بحجم الحاجات المجتمعية التي برزت بسبب توقف عجلة الحياة الاقتصادية، وانكشاف فئات واسعة ومتزايدة في المجتمع الفلسطيني".[3]
- محاولة تعميم نمط "الفردانية الوقائية" والتباعد الاجتماعي: حثت الحكومة الفلسطينية والأجهزة التنفيذية على ضرورة عدم التجمع، وبروز مفهوم "التباعد الاجتماعي" كوسيلة للوقاية ومنع انتشار الوباء، وقد عبر أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيت لحم بلال عوض سلامة عن مفارقة مفاهيمية-اجتماعية، بقوله يجب "استخدام مصطلح (التباعد الجسدي) وليس (التباعد الاجتماعي)، لأن الاجتماع البشري هو ضرورة كما يقول ابن خلدون، والمؤانسة حسب أبو حيان التوحيدي، فغريزة الوجود البشرية قائمة على الاجتماع وليس التباعد، والتضامن بدلاً من الخلاص الفردي، والتقارب الاجتماعي الوجاهي والأسري يحقق حالة من حفظ التوتر، وقد تكون عامل توتر لمن أساء استخدامها، لأن التقارب الاجتماعي نزعة بشرية تحافظ على الوجود والمنعة الوطنية، مع الحفاظ على السلامة ومستلزمات السلامة في التفاعل الاجتماعي، وحفظ المسافة التي تضمن عدم الاحتكاك الجسدي/التباعد الجسدي مع من أصابتهم الجائحة، والتضامن النفسي والعاطفي والمادي معهم".[4]
- على الرغم من فردانية الخطاب والوقاية، فإن البنية الفلسطينية ما زالت جماعية، فجرت استعادة نموذج العائلة الممتدة والحميمية الاجتماعية خلال الجائحة. وعلى الرغم من التخوف من الفايروس، وخطاب التباعد الجسدي/الاجتماعي؛ فإن البنية الاجتماعية المتمثلة في العائلة والأسرة الممتدة ما زالت تلعب دوراً محورياً في المشهد الاجتماعي الفلسطيني، فعلى الرغم من حملات التضامن والإغاثة، والمبادرات الإغاثية الرسمية والشعبية ومن القطاع الأهلي والخاص، فإن العائلة قامت بالدور المركزي في الحماية الاجتماعية والمساندة لمن فقدوا العمل، وساعدت أفرادها في تدابير احتياجاتهم اليومية.
- إعادة الاعتبار للثقافة والفاعل الثقافي في زمن الجائحة والحداثة السائلة وثقافة الاستهلاك الإلكتروني، فتنوعت الأفعال الثقافية ما بين موسيقى وفن ومحاضرات أكاديمية وندوات ومؤتمرات وتدريب وغيرها، وقال إياد ستيتي "إن بعض الناشطين في القطاع الثقافي، على مستوى مؤسسات وأفراد، يحاولون، على الرغم من الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، فرض وجودهم على المشهد، وإعلاء شأن الفعل الثقافي في صفحات التواصل الاجتماعي والميديا الملبّدة بأرقام عن عدد الإصابات وعدد المخالطين والمخالطات ... في محاولة منهم لاستنهاض الهمم ورفع المعنويات وإلقاء الضوء على أهمية دور الثقافة في هذه الأوضاع. فقامت بعض المؤسسات الثقافية والنخب الثقافية الفلسطينية ببعض المبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوسط الاجتماعي والمشهد العام من أجل إيجاد حالة ثقافية في زمن الوباء، من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث".[5]
- كما تجلت أنماط كانت مفقودة أو محدودة داخل المجتمع الفلسطيني، وعادت لانتظام من جديد، وبخاصة في مدينة القدس ومحيطها، فمثلاً عاد جزء ملحوظ من أفراد المجتمع لممارسة رياضة المشي صباحاً ومساءً للتعويض عن العزلة في المنزل، وعدم القدرة على قيادة السيارة لمسافات تزيد على 500 متر عن المنزل، وعدم وجود أماكن للخروج والتنزه، فعاد للرياضة الصباحية بريقها بعد انغماس أفراد المجتمع في العمل والدراسة وروتين الحياة اليومية، فكان انقطاع الحياة اليومية بسبب الإغلاق والعزلة فاتحة للعودة إلى سلوكيات ورياضات جديدة.
- هناك جملة متعددة من تغيرات أنماط الحياة اليومية في المجتمع الفلسطيني، التي يصعب رصدها وتتبعها في مساحة التأمل هذه، إلا أن هناك تغيرات مرتبطة بأنماط الترفيه، والتغذية، وإشغال وقت الفراغ، والعلاقات الاجتماعية على شموليتها، وتغير في نمط التعليم والتحول نحو التعليم الإلكتروني وغيرها من التغيرات؛ التي ربما تؤسس لثقافة اجتماعية جديدة في المجتمع الفلسطيني.
معلمون مشاركون في ورشة الموسيقى ضمن مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية، القطان، تشرين أول 2020. |
ثالثاً. تحولات العلاقات الاجتماعية والافتراضية
شهدت العلاقات الاجتماعية الفلسطينية هزة كبرى وتحولات ملموسة، بفعل انقطاع الحياة، وصدمة جائحة كورونا. يمكن الادعاء أن العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني مترابطة وقوية؛ نظراً لمساحة المجتمع الفلسطيني الصغير، وتقارب الأفراد من بعضهم البعض؛ كون البنية الاجتماعية الفلسطينية متمحورة حول العائلة والقرية والمخيم والمدينة ومؤسسة العمل وغيرها، أي إن هناك هوية اجتماعية تخلق جماعات فلسطينية متخيلة على المستوى المحلي، مثل هوية متمايزة لطلبة جامعة بيرزيت وخريجيها، هوية اجتماعية للعاملين في مؤسسة أو قطاع معين ... إلخ.
رصد أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت حسن لدادوة بعض التحولات أو التغيرات في الحياة اليومية في الريف الفلسطيني، وبخاصة في الأفراح والأتراح، وقال "لجأ البعض إلى تأجيل موعد الزفاف، أو اقتصاره على الأهل، ولاحقاً يؤجل الزواج أو يجري دون احتفال. وفي مجال التعامل مع حالات العزاء (والتي تفرض واجباً صارماً على كل فرد في القرية بأن يقوم بتعزية ذوي الفقيد شخصياً)، تطورت الاستجابة من التشديد على عدم التقبيل والاكتفاء بالمصافحة، إلى عدم إقامة العزاء في قاعة عامة، ونقله إلى منزل أهل الفقيد، الذي رأى فيه بعض الشخصيات الاعتبارية زيادة في خطورة نقل المرض (نقل العزاء إلى مكان أضيق والاختلاط فيه أعلى)، ومن ثم أصبح العزاء بواسطة الاتصال الهاتفي أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي. وهو انتقال من الاستجابة إلى الإجراء الرسمي بإغلاق القاعات العامة إلى القرار الفردي بالاكتفاء (بالتعزية عن بعد)، وقبول هذا السلوك في ظل الحالة القائمة".[6] وقد ساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية في استبدال العلاقات الاجتماعية المباشرة والوجاهية إلى علاقات افتراضية بواسطة التكنولوجيا الحديثة.
كذلك؛ في الدعوة إلى الأفراح دَرَجَ تصميم عدد من بطاقات الدعوة إلى الأفراح، بطريقة لطيفة، ساهمت في نشر التوعية والالتزام بتعليمات الطب الوقائي، فمثلاً إحدى البطاقات أظهرت رسومات للعروسين وهما مرتديان للكمامة، كإشارة إلى ضرورة الالتزام بلبس الكمامة حتى في بطاقة حفل الزفاف. وبرز نمط من بطاقات المعايدات والتهنئة الإلكترونية التي كانت شائعة قبل الجائحة، لكن وظفت بكثافة خلال الجائحة، وبعض البطاقات التي دعت المدعوين للحفل بالبقاء في بيوتهم والالتزام بقواعد الوقاية الصحية.
يشير هذا السلوك الذي برز بعد أسابيع قليلة من انتشار جائحة كورنا إلى أن جزءاً من أفرد المجتمع تقبل التغيير الذي وقع، والتزم بالسلوك الوقائي، وابتدع أصحاب الأفراح وسيلة لإشهار الزواج بطريقة إلكترونية فيها حس الدعابة وإعلان الزواج ورفع الحرج عن إقامة حفل وتجمع للأهالي والأصدقاء، أي استبدل توزيع البطاقة اليدوي الوجاهي ببطاقة إلكترونية تهدف إلى إشهار الزواج بالدعوة إلى التزام المنازل، بدل الدعوة إلى تناول الغداء في منزل والد العريس أو مكان آخر كما هي العادة شائعة ودارجة في المجتمع الفلسطيني.
ومما ساعد على استبدال العلاقات الوجاهية بعلاقات افتراضية، عدم وجود فروقات كبرى في استخدام التكنولوجيا وتوفرها في المجتمع الفلسطيني، فالتكنولوجيا متوفرة بنسبة متقاربة في القرية وفي المدينة. وقد بين مسح تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات للعام 2019، أن نسبة الأسر التي لديها جهاز حاسوب (حاسوب مكتبي أو محمول أو لوحي مثل التابلت) قد بلغت 33.2% في فلسطين، بواقع 35.7% في الضفة الغربية و28.7% في قطاع غزة. كما أظهرت النتائج أن نسبة الأسر التي تمتلك حاسوباً متقاربة بشكل كبير في كل من الحضر والريف، حيث بلغت النسبة 33.6% و33.7% على التوالي. بينما بلغت 27.6% في المخيمات؛[7] أي إن ما يقارب ثلث الأسر الفلسطينية لديها جهاز حاسوب في البيت، بينما ثلثا الأسر لا تمتلك جهاز الحاسوب. لهذا المؤشر تفسيرات متعددة، لا مجال لخوضها الآن، لكن يمكن الادعاء أن الهاتف الذكي يغني جزئياً عن استخدام الحاسوب في التصفح ومتابعة الأخبار والتواصل الاجتماعي، واستخدام التطبيقات لأغراض اجتماعية وترفيهية.
كما أظهرت بيانات المسح أن 97.3% من الأسر في فلسطين لديها خط هاتف خليوي نقال واحد على الأقل بواقع 97.2% في الضفة الغربية، و97.3% في قطاع غزة. كما أظهرت النتائج أن نسبة الأسر في فلسطين التي تمتلك هاتفاً ذكياً واحداً على الأقل بلغت 86.2%؛ بواقع 90.8% في الضفة الغربية و78.2% في قطاع غزة. وأظهرت نتائج المسح أن 79.6% من الأسر في فلسطين لديها نفاذ للإنترنت، بواقع 83.5% في الضفة الغربية و72.7% في قطاع غزة. كما أظهرت النتائج عدم وجود فجوة كبيرة حول توفر خط الإنترنت لدى الأسر الفلسطينية بين الحضر والريف، حيث بلغت النسبة 79.8% في الحضر، و80.9% في الريف، بينما بلغت 74.5% في المخيمات.[8] إن امتلاك الهاتف الذكي ووفرة الإنترنت على علاته في المجتمع الفلسطيني، ساهم، نوعاً ما، في إمكانية التحول في بعض العلاقات الاجتماعية من علاقات وجاهية إلى علاقات افتراضية ومراسلات وأحاديث اجتماعية جماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.
كما لوحظ انتشار ظاهرة المجموعة على صفحة وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لشغل أوقات الفراغ وتوسيع دائرة الأصدقاء أو البحث عن أصدقاء تقطعت بهم السبل من سنوات طويلة وعقود. ويمكن هنا الإشارة إلى فكرة لطيفة انتشرت خلال الجائحة، وهي إنشاء مجموعات لخريجي الجامعات الفلسطينية، فمثلا "منصة خريجي جامعة بيرزيت" التي أنشئت على فيسبوك أواخر حزيران/يونيو 2020، حصلت على 34,742 عضواً حتى أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2020، وجرى تفاعل افتراضي واسع فيها، وتعرف أصدقاء على بعضهم بعد طول انقطاع، واستدعى جزء من المتفاعلين الصور ومقاطع الفيديو وأحداث وشخصيات مرت بالجامعة، وتمت إعادة إحياء الذاكرة ونبشها، وربما ما كانت لهذه الذاكرة أن يتم استدعاؤها لولا العزلة والبقاء في البيت وتفقد الملفات الشخصية التي اندثرت في رفوف البيوت.
ظهرت حالة من التواصل أو التعبير عن العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، عبر كتابة بعض أفراد المجتمع يوميات العائلة في الحجر، ومنهم أساتذة وإعلاميين وسياسيين وآخرون، وقد عبرت هذه الحالة من كتابة اليوميات عن حالة من التواصل الذاتي بين الكاتب والمتن المكتوب، وتواصل مع الأهل والأصدقاء والطلبة وأفراد من المجتمع، كتلخيص للحياة اليومية أثناء الجائحة، وساهمت بعض تلك اليوميات في تحفيز آخرين على تقبل العزلة وحالة الحجر بممارسة مهام يومية وكسر حالة التخبط والإحباط جراء العزلة.
كون الاجتماع البشري ضرورة، ولا يمكن للأفراد كسر علاقات التضامن والعلاقات الاجتماعية، رصدت مجموعة من أشكال التضامن والتواصل بالأغاني والنشيد الوطني الفلسطيني والشموع والتكبيرات أحياناً في أرجاء واسعة من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية التي كانت فيها حالات عزل وكثافة في عدد الإصابات، فكانت مجموعات من الأفراد تعتلي أسطح المنازل والشرفات وتمارس التواصل الوجاهي عن بعد، بإشعال الشموع أو الهتاف والغناء بصوت موحد، كتعبير عن التواصل والتضامن وكسر العزلة ورفع معنويات أفراد المجتمع، وخلق حالة من الفرح والترفيه بدل الخوف والعزلة.
على الرغم من ملاحظة أن هناك تحولات في بعض العلاقات الاجتماعية من علاقات وجاهية إلى علاقات افتراضية، واقتصار جزء كبير من أفراد المجتمع في علاقاتهم الاجتماعي على التحية من بعد أو التسليم بقبضة اليد أو الأكواع، فإن هناك استمراراً في العلاقات الوجاهية كما هي في مرحلة ما قبل كورونا، لدى شرائح واسعة من المجتمع.
خاتمة: الاجتماعي أولاً
من المبكر جداً الحديث عن أثر جائحة كورونا على المجتمع الفلسطيني من أفراد وبنى وعلاقات وعادات اجتماعية وغيرها، فالمجتمع الفلسطيني وبنياته، مختلف عن المبنى الاقتصادي المرتبط بإحصاءات وأرقام ومدخلات ومخرجات تتحكم فيها السوق واليد الخفية والموارد ... إلخ، بما يسهل التنبؤ بانكماش الاقتصاد أو تعافيه أو تراجعه. لقد عصفت كوارث كبرى بالمجتمع الفلسطيني لا تقل وطأتها عن جائحة كورونا كالنكبة والنكسة والاستعمار المستمر، والانقسام السياسي والجغرافي، وغيرها الكثير، وما زال المجتمع الفلسطيني له ما له وعليه ما عليه يعتبر الدفيئة والمخصب للاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي، وما هي جائحة كورونا إلا درس في العودة إلى الاجتماعي والمحافظة عليه، وإعادة ترميم ما اندثر منه، فالكارثة تعيد الفرد إلى الجماعة، والابن إلى العائلة، والجزئي إلى الكلي، والنظم الفرعية تعود إلى البنى الكبرى متضامنة مقترضة روح البقاء، وما القول "في البدء كان المجتمع" إلا كنداء للعودة إلى الاجتماعي كمحرك مركزي وأساسي قادر على التكيف والتضامن والصمود والمقاومة.
*باحث في الدراسات العربية والإسرائيلية-فلسطين
[1] أسعد، أحمد عز الدين. "في البدء كان المجتمع: كورونا وهشاشة الرهانات المجتمعية الزائفة". مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 8/4/2020:
https://www.palestine-studies.org/ar/node/1649933
[2] بوعزيزي، محسن. "ندوة الجائحة ... مخبراً اجتماعياً". الدوحة: المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات. 7 حزيران/يونيو 2020، استرجع بتاريخ 19/10/2020: https://bit.ly/31lnVAy
[3] المالكي، مجدي. "تدابير المجتمع الفلسطيني في مواجهة أزمة فيروس الكورونا". مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 8/4/2020:
https://www.palestine-studies.org/ar/node/1649930
[4] سلامة، بلال عوض. "محاولة أولية لتفهم الأرقام الكورونية -بين أزمة وتأزيم". الحوار المتمدن. 22/4/2020: https://bit.ly/3dHSuFo
[5] ستيتي، إياد. "المبادرات الثقافية في زمن سلطة الكورونا العليا". مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 8/4/2020:
https://www.palestine-studies.org/ar/node/1649934
[6] لدادوة، حسن. "الريف الفلسطيني في عصر الكورونا". مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 8/4/2020:
https://www.palestine-studies.org/ar/node/1649932
[7] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 2020. المسح الأسري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2019: تقرير النتائج الرئيسية. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 21.
[8] المصدر السابق، 22-24.