الموسم الثاني: زمن الثورة

الرئيسية الموسم الثاني: زمن الثورة

(11/5/2022 – 6/7/2022)

كل أربعاء، 19:00

 

يسعى الفصل الثاني، المعنون بـ"زمن الثورة"، لتكريم الأفلام التي حاولت أن تستقي من "الداخل" صوراً للشخصيات السياسية، وحكايات للأحداث السياسية والثقافية الجسيمة، وأن تستلهم تجربة الاشتراك في حركات التحرر.  وعلى الرغم من أن المخرجين أنفسهم لم يكونوا "مواطنين" منخرطين في النضال، أو منظِّمين للأحداث التي كانوا يصورونها، فإن "الداخل"، هنا، يعود على ذاتيتهم، وشعريات التضامن العابر للحدود المعادي للإمبريالية الذي جسدوه.  لم يكن سانتياغو آلفاريز عضواً في الڤييت كونغ، ولا كانت آغنس فاردا عضواً في الفهود السود، ولا كانت لهيني سرور صلةٌ بالانتفاضة الماركسية المسلحة في ظفار، لكنْ، لأنهم رأوا أنفسهم، كفاعلين سياسيين، ينتمون إلى زمن التمرد والثورة، ولأنهم قدموا أنفسهم كجزء من موجة التغيير السياسي العالمية، فإن إحساسهم بالضرورة، ورغبتهم في وضع حرفتهم في خدمة النداء الذي أطلقته هذه الثورات، قد غيّرا علاقتهم بالمواضيع التي صوروها.  لم يكن الأمر قرباً أو ثقة أو تعاطفاً فحسب، بل إحساس بأنهم يغيرون العالم معاً.  كانت نظرتهم آتية من "داخل" الزمن نفسه؛ زمن الحاضر الذي يتشكل، والذي كانوا شخوصاً رئيسيين فيه، وزمن المستقبل الذي تخيلوه كحلم مشترك.

كانت السينما سلاحاً للتغيير السياسي، للثورة.  ينطبق هذا، أيضاً، على سينما ويليام كلاين المباشرة التي وثقت المهرجان الثقافي الإفريقي الأسطوري في الجزائر العام 1969.  صُورت ثلاثية باتريسيو غوزمان الفذة "معركة تشيلي" خلال فترة حكم أييندي المبتورة، لكنه لم يتمكن من تركيب الأفلام إلا بعدما استرجع الأشرطة المهربة من تشيلي، بعد أن استقر في بلد المنفى.  بُنيت الثلاثية لتدعيم حجة المخرج، لا وفق ترتيب زمني، للتأكيد على الاستماتة التي قاتلت بها عائلات طبقات تشيلي الوسطى العليا والغنية من أجل إجهاض العدالة الاقتصادية والاجتماعية في تشيلي.  الفيلم الأخير في هذا الفصل، "أرض منتشية" لغلوبير روتشا، وهو الفيلم السردي الروائي الوحيد، يعد تأسيسياً للموجة الجديدة في السينما البرازيلية (أو السينما الجديدة)، وهو قصة رمزية معقدة حول السيطرة السياسية، والتواطؤ، والتغيير الجذري. سينمائياً، يمزج روتشا ببراعة مراجع مختلفة، من الهذيان السوريالي، إلى التكلف المسرحي، إلى الوثائقيات.

ترأس الأمين مرباح[1] اللجنة التي ضمت كلاً من سانتياغو آلفاريز (كوبا)، وعثمان سمبين (السنغال)، وخورخي جيانوني (الأرجنتين)، وحميد مرعي[2] (سوريا).  تزامن اجتماع الجزائر مع فترة توسع نشاطات اتحاد المخرجين الأفارقة، وبخاصة في الدول الأفريقية الفرنكوفونية، التي كانت تشهد تأسيس مراكز وطنية للسينما، وأطر لتوزيع وإنتاج الأفلام على مستوى إفريقي. كما تزامن مع المهرجان الإفريقي للسينما في واغادوغو، فيما بات يعرف ببوركينا فاسو.

بنيت أجندة الاجتماع حول ثلاث لجان فرعية خُصصت للأسئلة التالية: دور المخرج، إشكاليات الإنتاج، الإنتاج المشترك، التوزيع في "العالم الثالث".  اعتُبرت الأفلام حقلاً ثقافياً حيوياً يجب أن يصل إلى الجماهير لضمان "التقدم"، وأداةً لبعث وتحشيد التضامن مع النضالات المعادية للإمبريالية.  شجب البيان الختامي للاجتماع الرقابة والانقلابات الفاشية، وطالب بتحرير المخرجين الأسرى.  وشُجعت مؤسسات الأفلام الوطنية على تقديم الدعم للمخرجين الثوريين في العالم الثالث، وعلى ابتكار نظام للإنتاج، والإنتاج المشترك، والتوزيع، يكون مستقلاً عن هيمنة الدول الإمبريالية، فضلاً عن تدريب الموهوبين التقنيين والإبداعيين لتأسيس استوديوهات محلية.  أخيراً، أعلن المؤتمر أن مقر لجنة سينما العالم الثالث سيكون في الجزائر العاصمة.[3]  إضافة إلى النقاشات، شمل برنامج الاجتماع عروض أفلام.  بعد ستة أشهر، ترأس الاجتماع الثاني في بوينس آيرس خورخي جيانوني، الذي جسد الرابط بين الاجتماعين.  حضر الاجتماع كل أعضاء اللجنة، إضافة إلى مندوبين فلسطينيين وليبيين جرت استضافتهم.  فيما لم يتمكن المندوبون التشيليون والبرازيليون الحضور بسبب الدكتاتوريات القمعية التي استولت على السلطة في بلدانهما.  وكما في الجزائر، شمل برنامج اجتماع بوينس آيرس نقاشات وعروض أفلام وندوات، بنت جميعها على ما طرح في الجزائر.

خلال السبعينيات وحتى الثمانينيات، برزت في أمريكا اللاتينية والكاريبي وإفريقيا أطر أخرى عدة عابرة للقارات، تجسد مثل هذه التطلعات، في إطار مؤتمرات عدة، تبعها كذلك بيانات عدة.  قلة من هذه الأطر لا تزال فعالة اليوم، ويمكن القول إن مصيرها ارتبط بأزمة الجبهات السياسية التي دعمتها، وربما بنهاية الحرب الباردة.

من غير المجدي أن يُقال إنه يجب صرف النظر عن تركة هذه اللقاءات والنشاطات نظراً لعدم استمراريتها أو بقائها، لأن ما يجعلها مدهشة وذات معنى هو الآفاق والمساحات التي فتحتها؛ مساحات الإلهام والرغبة والفعل التي أثبتت هذه الفعاليات أنها ممكنة، والمخيلات الوليدة التي التقطتها وجسدتها، وكيف أتاحت سن شرائع جديدة.  لقد كسرت قواعد الإخراج وأعادت اختراع مهمة السينما، ودور المخرج، ومواقع عرض الأفلام.

لو كان لحركات عدم الانحياز والقارات الثلاث والحركات المعادية للإمبريالية أن تستدعي مكتبتها السينمائية، فإن برنامج الأفلام هذا سيكون وليد مستودعها التخيلي.  فهو يجسد ثلاث غايات: أن يكرّم السينما التي صورت من "داخل" تجربة حركات عدم الانحياز والقارات الثلاث والحركات العالمثالثية؛ وأن يستكشف النقدية البليغة التي امتازت بها الأفلام المعاصرة التي تعود إلى مآلات هذه الحركات والحرب الباردة؛ وأن يتأمل تنوع الطرق الإبداعية التي تَمكَّن من خلالها المخرجون المعاصرون من إبقاء ذكرى التمرد والفاعلية حية.  إلا أن بنية برنامج الأفلام لا يتبع الترتيب التاريخي، عن قصد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]الأمين مرباح هو ابن مولاي مرباح، الشخصية البارزة في النضال الجزائري من أجل الاستقلال.  درس علم الاجتماع قبل أن يلتحق بالمعهد الوطني للسينما في الجزائر العاصمة بين العامين 1964 و1967، كما تدرب في التلفزيون البولندي العام 1968. أخرج أفلاماً قصيرة ومتوسطة وطويلة عدة، روائية ووثائقية، للتلفزيون ومسارح السينما.  من أبرز أفلامه "المفسدون" (1972)، و"بني هندل" (1976)، و"راضية" (1992).  يعتبر "المفسدون" مؤسساً لمرحلة في السينما الجزائرية ابتعدت عن موضوع حرب التحرير.

[2] حميد مرعي كان رئيس المؤسسة العامة للسينما السورية حينها.

[3]Resolutions of the Third World Filmmakers Meeting, Algiers, December 5 - 14, 1973” in Black Camera, Vol. 2, No. 1 (Winter 2010), pp. 155-165. (Indiana University Press).