القدس: المكان والمعنى
لا يمكن فصل المكان عن المعاني والأفكار التي تنسج داخله وحوله من قبل البشر ضمن السياقات التاريخية الاجتماعية، وما تتضمن من أطر سياسية وعلاقات قوة، فالمكان كمكان يأخذ شكله الرمزي وبعده الهوياتي من خلال المعاني التي يكتسبها عبر عمليات تأويله وتفسيره؛ تلك المعاني التي تتشكل أثناء سيرورة انتقاله الدائمة من جغرافيا إلى مكان (ما_كان)، ضمن علاقات يتقاطع فيها التاريخ والجغرافيا، والفكر والسياسة، والثقافة والأيديولوجيا، فهوية الأمكنة ليست نتاجاً لخبرة العيش فيها، ولا لتأويلات نقية لها بقدر ما هي تعبير عن علاقات الصراع السياسي والأيديولوجي في المكان وعليه.
ضمن هذه التوجهات، يمكن النظر إلى "القدس" كمكان، حيث تشكل كمكان وفكرة معاً، وأحياناً تقدمت الفكرة عن المكان لتهيمن على تأويلاته وتنتج حضوره ومعناه، ففي مراحل تاريخية سادت فكرة معينة عن القدس على حساب فكرة أخرى، أو على حساب "حضور المكان بحقيقته"، حيث لا وجود لحقيقة نقية بمعزل عن "التأويلات" التي هي جوهرها علاقات القوة في حقلي السياسية والمعرفة، وهذا ما أشار إليه عصام نصار "القدس كانت فكرة قبل أن تكون مكاناً في هذا العالم المادي"، فكرة يرى أنها استندت إلى "الذاكرة والمخيلة الأوروبية" في المرحلة التاريخية الكولونيالية التي استندت إلى نصوص دينية وتوجهات استشراقية استعمارية، تلك الفكرة التي تولد عنها، في سياقها أو سياق مواجهتها، أفكار أخرى، تلتقي معها وتشكل امتداداً لها مثل إلى الأيديولوجيا الصهيونية، أو تلك التي تختلف معها وتناقضها كالأيديولوجيا الوطنية الفلسطينية أو العربية الإسلامية.
في ضوء هذه الصراعية وحرب الأفكار على المكان وفيه، تشكلت التصورات عن القدس كمكان، وضمن هذا الفهم نعرض هذين النصين كنماذج تطرح "رؤية من خلال" وعبر هذه التصورات لقراءتها وإعادة النظر في رؤيتنا للمكان "القدس"، من خلال رؤية "الفجوة الممتلئة" حتى في تأويلاتنا نفسها، حيث ثمة "تأويلات مختلفة" في الرؤية الفلسطينية. وفي هذا السياق، نعرض وثيقة تمثل تعبيراً عن أحد التوجهات الرسمية للخطاب التقليدي الرسمي "السلطوي" الفلسطيني، ممثلاً بكتيب تعريفي بالقدس صادر عن وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، شكل محاولة لتقديم معلومات وتصورات عن القدس لأطفال المدارس في فلسطين، ونص بعنوان "بين رمزية الحياة ومنطق السياسة" المبني على ندوة ثقافية تقييمية نظمتها مؤسسة عبد المحسن القطان العام ٢٠٠٨، بهدف دراسة وتحليل الكتيب نفسه ضمن السياق التاريخي والآني، شارك فيها مجموعة من العاملين في الحقل الثقافي، ممن هم على تماس مع الحياة اليومية الاجتماعية في القدس، أو كمجال للدراسات الثقافية والسياسية القائمة على المواجهة المباشرة مع الآخر ومع سياساته في القدس وتصوراته وادّعاءاته حولها وحول هويتها.
معرض «فلسطين من الأعلى» 2021، مؤسسة عبد المحسن القطان.