صنع الحضور جداريّتهم الخاصّة في معرض "اليد الثالثة"، فعلّق كلّ واحد منهم صورته وكتب جانبها اسمَ والدته، فكان العملُ الفنيّ التفاعليّ "اسم أمّك"، وهو واحدٌ من أربعةِ أعمالٍ فنيّة في المعرض، تحققت عبر عمليّة طويلة ضمن مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة" مع فنّانين ومعلّمين وناشطين وباحثين وطلبة في قلقيلية.
واختتم برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسسة عبد المحسن القطّان، مؤخراً، معرض اليد الثالثة، بعد استمراره لمدّة ثلاثةِ أيّام في قلقيلية، وعَمَّه أكثر من 1000 زائر وزائرة.
وكان افتتح المعرض بحضور محافظ قلقيلية رافع رواجبة، ومدير عام مؤسسة عبد المحسن القطان زياد خلف، ومدير البرنامج وسيم الكردي، ومسؤولة البرامج في الوكالة السويسريّة للتعاون والتنمية، راغدة أنضوني.
وتمحورت تسمية المعرض "اليد الثالثة" حول مفهوم اليد التي تستعيد معاني الأشياء بعد أن صنعتها اليد الأولى وباعتها، واستهلكتها اليد الأخرى فحوّلتها لحطام؛ حسب تعبير الباحث ومدير مسار اللغات والعلوم الاجتماعيّة في البرنامج مالك الريماوي.
وقال الريماوي: إنّ المعرض كان غاية بنفسه لأجل وضع الفن في صميم الحياة (حياة الناس) ووسيلة في العمل المجتمعي لأجل تطوير الرؤية وبناء حوار، والتأسيس لأشكال متعددة من صيغ المشاركة والمساءلة تقوم على مسؤولية المواطن ومساءلة المسؤول.
واحتوى المعرض على أعمال عدّة، أحدها واجهة عرض (فاترينا) لتسعِ لوحات نُفّذت بتقنية الطباعة والكولاج، لصورٍ من سوق الأثاث المستعمل في قلقيلية، والموجودة غالباً على أرصفة المدينة، وتعيق حركة المارّة؛ فاعتمدت فكرة الواجهة على تكثيف الصور البصريّة وازدحامها كردّة فعلٍ بسيطة تجاه ما يشعر به المارّة خلال تنقّلهم.
اختار المشارك صهيب منصور صوراً لأحذية مستعملة في لوحته، مطلقاً اسم "قبلات الأرض" عليها، ومرفقاً إيّاها بنصّ يقول فيه: "تشعر بنشوة الوصول دون أن تتحسس جسد الطريق، دون أن تعرف معنى القبلة على خد الأرض، فكيف يمكن للخطوات أن تتذكر ماضيها؟".
بينما اختارت المشاركة عبير عودة 16 لوحةً مؤطرة، أقحمتها في لوحةٍ واحدة اسمها "نظرات"، لتعبّر عن القصص حبيسة الإطارات، قائلة: "حدقت فيها الكثير من العيون، وغادرتها، بعد أن تركت فيها آلاف النظرات العالقة".
من جانبها، عرضت المشاركة سلام أبو لبدة "أحلام دراجات"، التي يبدأ عمرها حين ينفخ الطفل عجلاتها بحلم السفر، كما كتبت. أمّا المشارك سعيد خضر، فقد لجأ إلى سنوات طفولته وبيت العائلة، فاختار أدواتٍ مطبخيّة قديمة تذكره بذلك.
وعجّت لوحة المشاركة منار زيد "وقت لنبضي" بالساعات، وعبّرت عنها قائلة: "الزمن يفلت منا دائماً، ولكنّه يعلّمنا فنّ الكثافة".
كما احتوى العمل الأوّل، الواجهة، على المزيد من اللوحات المتنوّعة، شكّلها كلّ من المشاركين لميس معين تركي، ومحمد أبو عباه، ومها عتماوي، وعصمت زيد، ولينا داود.
العمل الثاني كان مختلفاً، فاعتمد "مقلوبة صوت" على مطبخٍ فارغٍ تماماً، إلّا من صوتٍ يصدر عن كلّ زاوية فيه، لإعداد وجبة المقلوبة، صوت الأواني والموقد وحنفيات الماء؛ هي تلك الأصوات التي تسمعها النساء خلال الوقت الطويل اللواتي يقضينه في المطبخ.
والعمل الثالث "اسمي الموناليزا" هو شاشة مؤطرة بإطارٍ ذهبيّ، تعرض مقابلاتٍ سريعة لأشخاصٍ يعرّفون عن أنفسهم بذكر أسماء أمّهاتهم، اعتراضاً على حجب تلك الأسماء عادةً في دعوات حفلات الزفاف، والقوائم الانتخابيّة مثلاً.
وقالت الشابة، يارا هلال، التي زارت المعرض في يوم افتتاحه، إنّ العمل الثالث لفتَ نظرها كثيراً، وتعتقد أنّ موضوعه مهمّ ويجدر بنا الحديث عنه، فنحن نتعرّض له كلّ يوم، مضيفةً: "جميل إني أشوف ناس مستعدّين يكونوا جزء من التغيير".
ويتناول العمل الرابع ثيمة "اسمي الموناليزا" ذاتها، ولكن بطريقةٍ تفاعليّة مع زوار المعرض، فيدعوهم من خلال فيديو يعرض وجوه نساءٍ، مع صوت إحداهن تقول: "أنصفوا النساء"، داعيةً إياهم إلى أن تؤخذ لهم صورة ليعلقوها على الجدار الأبيض المجاور للشاشة، ويكتبوا أسماء أمهاتهم عليها؛ وذلك بعد أن أجرى مجموعة من المشاركين، خلال التحضير للمعرض، جولات متعدّدة طلبوا فيها من أهالي المدينة كتابة أسماء أمهاتهم على بطاقات، ورفض العديد منهم ذلك.
وقال الزائر كمال سمارة، الذي بادر إلى كتابة اسم أمّه على الجدار الأبيض، إنّه يعتقد أنّ حجب أسماء النساء موجود بشكلٍ طبيعيّ في محيطه، فهو مرتبط بمفهوم "الشرف"، ويعتبره بعض الرجال خاصّاً بهم، ولكنّه يعارضهم بالرأي ولا يعتبر الأمر مخجلاً.
ويعقّب الفنّان التشكيليّ المشارك في إنتاج المعرض، رأفت أسعد، على هذا العمل قائلاً: "بعد اللّقاءات التي عقدناها مع فئات مجتمعيّة مختلفة في قلقيلية، وتحديد القضايا التي تهمّهم إثر ذلك، فكّرنا، بدايةً، في صنع جداريّة منيرة تجمع بطاقات أسماء الأمهات، وتعرض في المدينة، ولكنّنا أعدنا التفكير في الموضوع، وفضّلنا أن يكون الجمهور مشاركاً وجزءاً من صنع العمل الفنيّ، لا مستهدفاً من خلاله".
وأضاف أسعد حول تجربته: "عملتُ على مشاريع فنيّة لها علاقة بالمجتمع سابقاً، ولكن لم يسبق لي العمل في قلقيلية، فكانت تجربة مختلفة وغنيّة ومليئة بالأفكار، وعملنا خلالها كفريق على كيفيّة خلق علاقةٍ بين الجمهور والفنّ، أي كيف يعبّر الفنّ عن الجمهور، ثم يتواصل معه بوضوح أيضاً".
يذكر أنّ إنتاج معرض "اليد الثالثة" جاء في سياق مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة"، الذي تنفذه "القطان" بدعم مشارك مع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية (SDC)، وبإشراف كلّ من الفنانيْن التشكيليّيْن رأفت أسعد وبشار خلف، والمخرج المسرحيّ عيد عزيز، والمخرج بلال الخطيب، وباحثين من "القطان": مالك الريماوي، وعبد الكريم حسين، وفيفيان طنوس، والمصوّر في وحدة الوسائط المتعدّدة يوسف كراجة.