كثيراً ما شُبّهت المعرفة بالشمعة؛ فهي لا يؤذيها أنْ يضيء جزء من لهيبها شمعة أخرى، لكنّ تشبيهاً آخر قد يحمل معنى أدقّ؛ وهو نبتة اللّبلاب الأخضر؛ فهي كلّما رويتها؛ كبرت وامتدّت أوراقها لتشكّل عريشة جميلة كثيفة تنتشر بكلّ الاتّجاهات لتبدو وكأنّها بلا نهاية.
تتبّع اللّبلاب
في البداية؛ انضمّت المجموعة الجديدة من المربيّات إلى برنامج التكوّن المهنيّ لمربيّات الطفولة المبكّرة/ برنامج البحث والتطوير التربويّ مطلع العام الجاري (2016)، وحينها تطرّقن لأوّل مرّة لمفاهيم "الدراما في التعليم"، وكان ذلك في المساق الشتويّ الذي يعقده البرنامج سنويّاً لمدّة 3 أيّام مكثّفة.
بُنيَ مساقهنّ الأوّل بالاعتماد على إنتاجات معلّمين ومربّيات عبر السنوات الماضية، كما تمّ توظيف البرنامج السابق بمنهجيّاته وخبراته وحتى بأشخاصه؛ فمعظم المدرّبين والمركّزين في المساق الشتويّ كانوا يوماً ما مكان المربيّات الجديدات، يستكشفون منهجيّات الدراما في التعليم لأوّل مرّة من خلال برنامج البحث؛ فأصبحوا هم البذرة لنبتةٍ جديدة من بعدهم.
ولم يُتبّع هذا الأسلوب في تمرير المعرفة خلال المساق الشتويّ فقط؛ فبات من التقاليد السنويّة في برنامج البحث أن يحدث تبادلٌ بين معلّمين من مدرسة "وودرو" البريطانيّة-التي تعتمد نهج "عباءة الخبير" التربويّ في كلّ صفوفها- ومربيّات من فلسطين؛ وآخر مرّة كانت في نيسان الماضي؛ حين توزّع أربعة معلّمين بريطانيين على 3 رياض أطفالٍ فلسطينيّة ليطبّقوا عباءة الخبير مع الأطفال بالتعاون مع مربيّاتهم، ما نتج عنه تبادل للمعرفة والرؤى والخبرات؛ وحرص برنامج البحث على توثيق تلك التجربة بالصور والفيديو والنصوص والمخطّطات؛ والأهمّ التأمّلات؛ وذلك لدفع دائرة المعرفة أكثر؛ ولتوسيعها إلى خارج تلك الروضات الثلاث؛ فعرض الباحثان في برنامج البحث فيفيان طنّوس ومالك الريماوي،تجربة التبادل في روضة دار المعرفة أمام المربيّات الجديدات، حيث طُبّق نهج "عباءة الخبير" التربويّ في صفّ "التمهيدي"، وشرحت طنّوس كلّ مراحل العصف الذهنيّ، مروراً بالتخطيط الجماعيّ والتطوير على الخطة، وجميع الأخطاء التي حصلت وكيفيّة تفاديها أو استثمارها، وثمّ التطبيق وصولاً إلى مرحلة التحليل؛ حيث قُسّمت المربّيات الجديدات إلى مجموعاتٍ بعد سماعهنّ التجربة ليحلّلنها ويعدن عرضها بأنفسهنّ، بكلّ ما فيها من عناصر العباءة التي بتنَ يألفنها مثل "توتّرات، وانعطافات، ومهامّ، وممكنات تعلّم".
الآن؛ بعد ستة أشهر من الورش الدوريّة، ومتابعة باحثي البرنامج للمربّيات عن كثب؛ تزداد المربيّات انغماساً كلّ مرّة، فتجدهنّ يدونَّ الملاحظات بنَهمٍ، ويلتقطن الصور لكلّ الرسوم والنقاط التي يطرحها الباحثون.
وقالت المربيّة شيرين حمدإنّ التحاقها ببرنامج التكوّن المهنيّ لمربّيات الطفولة المبكّرة قد أضاف الكثير إلى خبرتها التي تصل إلى 14 عاماً في هذا المجال، فتحرص على تدوين كلّ ما تتعلّمه وتخصّص وقتاً يوميّاً لقراءة الكتب التي يوزّعها البرنامج على المربّيات في مجال التربية والدراما، وتؤكّد أنّها تلمس تغيّراً في طريقة تفكيرها: "كلما أقرأ معلومة، بتعطيني فكرة جديدة، وحتى في الورشات صرت ألاقي حالي بفكّر أبعد، حاسّة بفرق كبير"؛ وكونها تعمل في معهدٍ مهنيّ حيث تدرّس مربيّات لمرحلة الطفولة المبكّرة؛ فإنّ حمد تنقل بدورها تجربتها المكتسبة إلى طالباتها في المعهد.
التكوّن المهنيّ
قد يصبح لقب "الجديدات" للتعريف بمجموعة المربّيات أقلّ دقّة شيئاً فشيئاً، لكنّ كونهنّ يندرجن ضمن مشروع "التكوّن المهنيّ لمربّيات الطفولة المبكّرة"؛ أي "المتكوّنات"، فهذا التعريف مستمرّ لا محالة؛ فيعتبر الريماوي أفضل تعريفٍ للتكوّن المهنيّ هو تعريفٌ أدلت به معلّمة قد عمل معها: "التكوّن المهني هو أن يبحث المعلّم عن طريقته من جديد؛ كلّ يوم".
وفي ورشة العمل الأخيرة التي عُقدت الاثنين 20/ 6؛ سُئلت المربّيات عن تعريف "السياق"؛ وهو أحد مبادئ التخطيط في الدراما، وتتعلّمه المربّيات بالتدرّج، وطُلب منهنّ أن يعطين أمثلةً على سياقاتٍ ممكنة؛ فكانت هناك اقتراحات عدّة، أبرزها مثالٌ مستوحى من تجربة "التبادل" التي عُرضت أمامهنّ، ومثالٌ ثانٍ من قصّة "ذات الشعر الذهبي"؛ التي عملنَ عليها في ورشةٍ مع الفنان الاسكتلنديّ روس جورجسن، والمثال الثالث كان من قصّة "عازف المزمار"؛ التي بنيتْ عليها ورشتهنّ مع مدير برنامج البحث وسيم الكردي مطلع حزيران؛ وهذا ما يوضّح تكوّن معرفة تكامليّة تراكميّة لديهنّ، تمكّنهنّ من البناء عليها والانطلاق منها لاستكمال رحلتهنّ التي ما زالت في بدايتها؛ حتى تأتي مجموعة أخرى من المربّيات "الجديدات".