تميّز العددان السابع والخمسون والثامن والخمسون من مجلة رؤى تربوية، الصادران، مؤخراً، عن برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسّسة عبد المحسن القطّان، بعدد من النصوص كتبتها معلمات شاركن في برنامج التكوّن المهني لمربيات الطفولة المبكرة، روين فيها قصصهن الشخصية، وتجربتهنّ مع المسار، وانعكاس هذه التجربة على حياتهنّ المهنيّة والشخصيّة. تصفّح المجلة بالضغط هنا.
ويقدم مالك الريماوي مدير التحرير، قراءة تأملية في قصص المربيات العشرين، تحت عنوان "كتابة المربيات: سرديات الإيذاء والأمل"، يصف فيها كتاباتهن بأنها خروج عن مسار الطاعة والامتثال، واستعادة لاستقلالية العقول، وإعادة التعليم لعقله الواعي.
ويتحدث الريماوي عن صراع تخوضه هؤلاء المربيات ضد نظام تعليميّ تقليديّ يقيّد المربية والأطفال، ويحد من خيالهم وقدراتهم، وعن نضالهن لتطبيق منهج جديد قائم على الدراما كسياق تعليمي، والتعلّم بالمشروع من أجل تحقيق تعلّم فاعل وممتع لطلابهن.
وتصف المربية إسراء عزّام عملها كمربية أطفال، قبل التحاقها بالبرنامج، بأنه عمل روتيني، حيث أُملي عليها برنامجها التدريسي من الإدارة في أول يوم عمل لها.
وتذكر عزّام، التي تحمل شهادة في تخصص الحاسوب، والتحقت، مضطرّةً، بالعمل في روضة أطفال، بأنها لم تحب عملها في السابق، حتّى إنها كانت تخجل منه وتخفيه عن صديقاتها.
وتعتبر أن انتقالةً نوعيةً عاشتها بالتحاقها بدورة منهجيات الدراما في التعليم لمربيات الطفولة المبكّرة؛ إذ عادت إلى ممارسة عملها بدافعيّة عالية وحماس لتجربة المنهج الجديد الذي تعلمته، من خلال القصص والتفاعل.
ويسعى برنامج التكوّن المهني لمربيات الطفولة، الذي تنفذّه "القطان" منذ تسع سنوات، إلى رفع أداء المربيات وتطوير قدراتهن في بناء هويتهن الذاتية والمهنية، وكذلك إكسابهن منهجيات تفكير جديدة تقوم على دمج المعرفة والمهارة والقيم، والانخراط في دور مختلف مع المنهاج والمجتمع معاً.
ويتكون البرنامج من سلسة مساقات تدريبية تشمل الجانبين العملي والنظري، تهدف إلى تشكيل فهم أوسع لفلسفات التعليم، وخصائص المرحلة العمرية واحتياجاتها، وتقوم على بناء سياقات فاعلة توظّف مهارات الطفل وقدراته عبر استخدام منهجيات جديدة مثل الدراما في التعليم، وعباءة الخبير، والتعلم عبر المشروع، والاستقصاء والعلوم، والفنون؛ من قصة، ومسرح، وموسيقى، وإحياء الدمى.
وتصف عزّام دهشتها بمدى تفاعل الأطفال واستغراقهم في الخيال عند ممارستها منهجاً تفاعلياً معهم. وتقول "خرجت من عالم التقليد إلى عالم الإبداع، واستطعت أن أفهم أطفالي أكثر، وأن أبني لهم تعلّماً يجعلهم أطفالاً معتمدين على أنفسهم، وشغوفين بالتساؤل والبحث".
بدورها، تكتب المربية أميرة عرينات أنها التحقت بالمهنة لانعدام الفرص الأخرى، وكونها لم تتلقَّ تعليماً يؤهلها للعمل مع الأطفال، وكانت تشعر بقلة الثقة أمام أطفالها. واستمر ذلك حتى انتسابها إلى دورة التكوّن المهني لمربيات الأطفال، ما شكّل تحولاً في حياتها على الصعيدين المهنيّ والشخصيّ، وفق وصفها.
وتقول عرينات: أصبحت بيني وبين الأطفال لغةٌ مشتركة، صرنا نتعلم معاً، وصرنا أقرب بكثير إلى بعضنا البعض، أحببتهم وأحببت مهنتي.
وتؤكد أن المعرفة التي اكتسبتها نقلتها من الجمود إلى الحركة في الحياة، حيث وجدت أدواراً لطلابها بعيداً عن الحفظ والكتابة وترديد الكلمات.
وتمكّن برنامج البحث والتطوير التربويّ في "القطّان" من تدريب أكثر من 140 مربية أطفال حتّى الآن، وتزويدهن بخبرات، وإطلاعهن على تجارب محليّة وأجنبيّة بهدف تأسيس أدوار مغايرة في التعليم والممارسة والتخطيط والتأمل وبناء مواقف تعليمية تحاكي فضول الأطفال واهتماماتهم وحاجاتهم النمائية.
وتتفق المربيات في قصصهن العشرين، على أن تطبيق ما تعلمنه غيّر نظرتهن إلى إمكانات الأطفال وقدراتهم، ونظرتهن إلى أحلامهن وطموحاتهن أيضاً.
وتكتب المربية وفاء صلاح عن تطبيقها الدراما في التعليم، من خلال قصة السفينة، حيث يصمّم الأطفال/القراصة أشكالاً لأهم الأغراض وأكثرها معنى لهم -تراوحت بين صورة، أو دمية، أو أصيص زهور- لحملها على السفينة، التي سرعان ما يهيج البحر بها، ما يضطرهم إلى التخلي عن أشيائهم للنجاة من هيجان البحر، حسب القصة.
تقول صلاح إنها والأطفال عاشوا لحظات مليئة بالإثارة والتحدي، فعليهم أن يختاروا ما بين التخلي عن أغراض الماضي أو أحلام المستقبل! وتروي أن أطفالها تعلموا، من خلال القصة، أن أحد معاني العيش هو أن نتخلى عن متعلقات الماضي للمضي قدماً إلى المستقبل.
وهنا، تقول المربية إنها، أيضاً، تعلّمت أن عليها، كمعلمة، أن تتخلى عن أحلام الماضي، وهي بالنسبة لها أن تتخصص في تدريس التاريخ، كي تكون معلمة حقيقية.
وبنصها تعلن صلاح تحقّق الهدف المرجو من ورش الكتابة القصصية الذاتية التي تُدفع من خلالها مربيات الطفولة المبكّرة في برنامج تكّونهن المهني، إلى خوض مغامرة الكتابة، ليعبّرن من خلالها عن رحلتهن في الحياة، ومن أجلها، حتّى يصلن إلى حالة اكتشاف الذات والرضى عنها.
ويكتسب برنامج التكوّن المهني لمربيات الطفولة المبكّرة أهميته من أهمية المرحلة التي يعملن معها، فأطفال هذه المرحلة يشكلّون وعيهم ويتحلون بذكاء متزايد وتطوّر في الخيال والذاكرة واللّغة.
ويُجمع الباحثون على أن الأطفال في هذه المرحلة يتعلمون بكفاءة أكبر، ويكتسبون معرفة أكبر عن طريق النشاطات القائمة على اللعب؛ مثل المسرحيات الدرامية، والفن، والألعاب الاجتماعية.