قفزة كبيرة بين عالمين
رزان عويضات
روضة ومدرسة الرجاء الإنجيلية اللوثرية/ رام الله
تعتبر المرحلة الانتقالية من عالم رياض الأطفال إلى المرحلة الأساسية الأولى في المدرسة، وبخاصة للصف الأول الأساسي، من أهم المراحل وأصعبها التي من شأنها أن تترك أثراً طويلاً على كل مناحي تطور الطفل ونموه، حيث يصاحب هذه المرحلة الكثير من المشاعر والتوقعات المختلفة عند الأطفال والأهل على حد سواء، مشاعر تكون في الغالب ممزوجة بالحماس، والفرح، والقلق، والخوف.
مرحلة الانتقال هذه تتمثل للأطفال بالانتقال إلى بيئة جديدة، صف جديد، معلمين جدد، قوانين وأنظمة جديدة، مجتمع مدرسي أكبر، منهاج رسمي وكتب كثيرة تملأ الحقيبة وواجبات يومية. والأصعب انتقال هؤلاء الأطفال من عالم اللهو واللعب والاكتشاف الذي كان يعم جو الروضة، إلى عالم الانضباط والالتزام بكرسي وطاولة، وتلقي معلومات واسعة وممنهجة.
فيما شكلت لي هذه المرحلة تحدياً كبيراً -كمعلمة ليس لديها أي خبرة سابقة في العمل مع المراحل العمرية الصغيرة- فهي سنتي الأولى في العمل مع كلتا المرحلتين؛ كمربية في الروضة أعطي بعض الحصص الخاصة باللغة الإنجليزية كمحادثة والإشراف، وكمعلمة لغة إنجليزية للصف الأول الأساسي. تجربة جديدة، حملت معها الكثير من المخاوف وواجهتني فيها التحديات، أهمها صعوبة تأقلم الأطفال وذويهم مع المرحلة الجديدة، وبخاصة أولئك الأهل الذين لم يكن لديهم تجارب سابقة مع أطفال في مرحلة التعليم الابتدائي أو المدرسة، ما شكّل صعوبة لهم في فهم النمط المتبع ومتطلبات هذه المرحلة والدور المتوقع منهم.
إعلان يجذب انتباهي وفرصة لن تعوض
في أحد الأيام تنشر إدارة المدرسة إعلاناً خاصاً ببرنامج تدريبي لمربيات مرحلة الطفولة المبكرة في مؤسسة عبد المحسن القطَّان، جذب انتباهي فالتقطه سريعاً ودون أي تردد توجهت إلى الإدارة وسألت: هل بإمكاني الالتحاق في هذا المسار؟ هل يمكنكم مساعدتي في تحقيق ذلك؟ الجميل بالأمر أنهم رحبوا بذلك.
بدأت مرحلة القراءة والبحث عن المسار ومتطلباته ومضمونه، وكنت على يقين تام أن هذا الإعلان هو إشارة لي في تلك السنة على وجه الخصوص، لمساعدتي وتوجيهي في الدخول إلى عالم الطفولة بثقة وقوة. اعتبرتها فرصة لا تعوض، وعملت جاهدة على اغتنامها، فذهبت إلى اللقاء التجريبي الأول حاملة معي جهداً وأملاً وإصراراً على أن أكون من المقبولين للمشاركة في هذا المسار.
قُبِلت، وبدأت رحلتي الجديدة، رحلة جعلتني أنتقل مع بداية العام لاستخدم أسلوباً جديداً ومختلفاً في تعليم الأطفال، فهي فرصة لي ولهم لاختبار هذا النهج من التعليم وأثره على كلينا.
مع بداية العام الدراسي، قمت بالتخطيط للمشروع الأول والتجهيز له جيداً، ونفذته مع الصف الأول، مر المشروع بسرعة لم أتوقعها، وبشكل مرن وسلس جداً، أعاد الطلاب إلى حياة الروضة، حيث حب تعلم كل جديد، وحرية الحركة في الصف، والحرية في التعبير، وتوظيف لمهارات أحبوها مثل الرسم والقص واللصق والتلوين. شكّل ما رأيته من انشداد الطلاب لما يحصل في الصف وتجاوبهم معه بشكل إبداعي، دافعاً كبيراً لي بأن أستمر على هذا النهج لأنني أدركت أنني أسير على الطريق الصحيح.
تطور ملحوظ في صف مختلف
مع كل مشروع كنت أجد تطوراً كبيراً داخل الصف على مستوى الطلاب الفردي والجماعي، وعلى مستوى التعلم الذي يتحقق، وعليَّ أنا شخصياً. فإكساب المعلومة للطلاب أصبح أكثر متعة وسرعة وسهولة، ما انعكس على حماسهم وجديتهم في التعلّم والعمل معاً، وفي التزامهم داخل الصف.
لمس الأهل التغيير الذي يحدث داخل الصف وأثره على أطفالهم، وعبّروا عن إعجابهم به، فقالت إحدى الأمهات لي: "هذه أول مرة يأتي فيها آدم ويتكلم بحماس عما فعله في المدرسة". البعض الآخر شكرني على ما أقوم به مع أطفالهم، وأبدوا استعداداً كبيراً لمساعدتي في أي شيء يتطلبه المشروع، كما تابعوا كل خطوة له.
خلق هذا الشكل من التعليم صفاً مختلفاً، خفف على الطلاب وذويهم استيعاب الفجوة التي كانت تحدث بالانتقال من صف الروضة إلى الصف الأول، وكسر هذا حاجز الخوف والقلق عند كليهما. وكأن العمل بالمنهجيات الجديدة كان المفتاح السحري لفتح باب جديد في حياتهم وحياتي أنا أيضاً. فقد ساعدني هذا في إيجاد الفروقات الفردية عند الأطفال من ناحية، وأتاح لهم الفرصة للتعبير عما في داخلهم، وربط تعلمهم مع الواقع من ناحية أخرى.
من خلال مشاركتي مع الطلاب في كل خطوة في المشروع، ومراقبة ردود أفعالهم وطريقة تفكيرهم، وفي عملهم معاً ضمن فريق، استطعت أن أكتشف أولئك الذين يعانون من صعوبات في التعلم، فمثلاً اكتشفت وجود طالبين يعانيان من صعوبة في فهم المطلوب، وفي طرق التعبير عنه، ما جعلني أطلب المساعدة من المرشدة الاجتماعية ومعلمة التوجيه وصعوبات التعلم، لتشخيص الحالتين وتقديم المساعدة لهما. كما أذكر طالباً آخر كان يوظف خياله بشكل كبير في كل شيء، بحيث لم يستطع الفصل بين الواقع والمتخيل، فتوجهت إلى الأهل الذين أبدوا استعداداً عالياً في التعاون معنا لأجل طفلهم.
نهج جديد يحقق الكثير
بعد خوض هذه التجربة لهذا النهج الجديد في التعليم، التي ما زلت اعتبرها تجربة متواضعة لأنني أرغب في تطويرها، يمكنني الحسم بأنها قد ساعدتني وساعدت أطفالي على بناء جسر آمن ينتقلون عبره بين عالمين، عالم الطفولة وعالم المدرسة؛ من خلالها استطعت أن أملأ الفجوة بين هاتين المرحلتين بالكثير من المهام والتعلم والمتعة، ما ساعدني على تسهيل عملية تعلم الأطفال واندماجهم فيه ومع بعضهم البعض.
هذا النهج الذي يتم توظيف المنهاج الرسمي فيه وبناؤه على شكل أنشطة ومهام وأدوار، أتاح مجالاً واسعاً أمام الطلاب للتعبير عن أفكارهم وإيجاد دور فاعل لهم في تعلمهم، كما ساعدهم على اكتساب الكثير من المهارات المختلفة وتطوير العديد من القدرات، التي ما كان للتعليم العادي أن يتيحه لهم مثل ربط التعلم بالواقع المعاش، والتفكير في قضايا حياتية كبيرة. كما أن تنوع المصادر المستخدمة فيه يجعل الأطفال قادرين على استيعاب المعلومات الجديدة بسهولة، وعلى حفظها لفترة طويلة.
وعلى الرغم من تعدد المواد المنهاجية في الصف الأول وتنوعها بين اللغات والتربية الدينية والاجتماعية والمواد العلمية، ومحدودية الوقت لإنجاز متطلبات كل مادة والتقيد ببرنامج محدد، فإنني من خلال التجربة يمكنني أن أجزم بأن هذه المنهجية ستساعد المعلمين كما الأطفال على خوض تجربة تعليم نوعي في صفوفهم يتجاوز ما هو مطلوب منهم، كما سيوفر الكثير من الوقت والجهد لتطوير قدرات الأطفال في مناحي مختلفة يتغافل عنها المنهاج مثل تطوير مهارات وقيم مثل الإصغاء لبعضهم البعض والتعاون والحوار وتطوير الأفكار وحل المشكلات.