غزة - (مؤسسة عبد المحسن القطان – 4/2/2019):
نظّم برنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسّسة عبد المحسن القطان، مؤخّراً، العرض المسرحي التفاعليّ "معلّمة مقهورة" في مسرح الهلال الأحمر بغزة، وذلك ضمن تجربةٍ جديدة يعمل عليها البرنامج في إطار مشروع مسرح المنتدى -المضطهدين- في التعليم.
وحضر العرض 150 شخصاً من المعلّمات والمعلمين، ومديري المدارس وعدد من المشرفين والأهالي.
وتدور مسرحيّة "معلّمة مقهورة" حول معلّمة شابة تحاول تطوير ممارساتها التعليمية مع طلبتها، في ضوء نهجٍ إنسانيّ تتبناه، منطلقةً من إيمانها بقدرات الطلبة كأطفال، وأهمّية تطوير علاقتها بهم، وتطمح إلى مشاركة تجربتها هذه مع آخرين، حيث تعمل المعلّمة في ظلّ ظروف اجتماعية صعبة، تتشابك فيها علاقات القوة والاضطهاد من قبل أطراف متعدّدة في المدرسة؛ كأهالي الطلبة، والإدارة المدرسية، وزملائها المعلمين.
وتم عرض المسرحيّة مرّتين في الفعاليّة نفسها، حيث هدف العرض الأول إلى تعريف الجمهور بقصّة المسرحية ونهايتها، بينما عمل العرض الثاني على إنشاء المنتدى عبر إشراك الجمهور في المسرحية كمشاهدين- ممثلين، يدخلون حيّز المسرح ويلعبون أدواراً، يجرّبون عبرها طرقَهم وأساليبهَم في تغيير وتطوير أحداث المسرحية، عبر محاولة موازنة علاقات القوّة وتغيير الظلم الذي يرونه في أيّ جزء منها، كما شارك الجمهور في عمليّة حِواريّة حول بعض القضايا التربوية التي تمسّها المسرحية.
انطلقت تجربة التكوّن المهني عبر مسرح المنتدى-المضطهدين في مطلع العام 2018، حيث انخرط 12 معلمة ومعلماً في تجريب مجموعة من الأنشطة المبنيّة على نهج مسرح المضطهدين، عملوا من خلالها، وعلى مدار العام، على استدعاء مواقف وممارسات وقصص من حياتهم الواقعية، قاموا بتفكيكها وتجريب رؤيتها بأشكال مختلفة، ومحاولة إنتاج ما تحتمله كلّ حالة فيها من معانٍ متعدّدة عبر عروض مَشهدية، قاموا بأدائها وتطويرها عبر الارتجال، ولعب الأدوار، وتوظيف ما تتيحه منهجية أوغستو بوال في المسرح، وأعراف الدراما من تقنيات. كما انخرطوا، مؤخّراً، في تطوير بعضها لمشاركته كعرض مسرحيّ منبريّ مع الجمهور بعنوان "معلّمة مقهورة".
يذكر أنّ جمهور مسرح المنتدى-المضطهدين يتشكّل عادةً من الناس الذين يمكن أن يكونوا قد تعرضوا إلى المشكلة نفسها، أو مرتبطين بطريقة ما بالمشكلة كحلفاء لمن وقع عليهم الظلم أو المضطهِدين، أو أنّهم محايدون. ويهدف هذا النوع من المسرح، على المدى الطويل، إلی أن یستفيد هؤلاء من الحلول المقترحة في حياتهم الواقعية.
وعن التجربة، تقول علا بدوي مديرة مكتب برنامج البحث في غزة؛ المسؤولة عن مشروع مسرح المنتدى في التعليم "على الرغم من أنّ التجربة تشكّل بالنسبة لنا عتبةً لولوج عالم المسرح الواسع والعميق، وتحديداً مسرح المضطهدين، فإنها مهمةٌ باعتبارها تجربتنا الأولى لاستدخال مسرح المضطهدين في التعليم، ومن ناحية أخرى بما كشفته لنا من فرص متعدّدة الأبعاد لتطوير التجربة ذاتها في سياق اجتماعي يسعى إلى تغيير مجتمعي، ويوظّف ما تتيحه الدراما في التعليم من أعراف وتقنيات مع المجتمع، وخارج إطار الغرفة الصفّية، إضافة إلى ما نسعى إليه من تطوير تكوّنية مهنية للمعلّمين".
وعن العرض المسرحي، قال الفنان يسري المغاري الذي ساهم في تدريب المعلّمين كممثلين: "طرَق المعلمون والمعلمات جدار الخزّان حين قدّموا مسرحيّتهم، وحين قدِموا من مناطق مختلفة للمشاركة في العرض المسرحي، فهم ليسوا بممثلين لكنهم أبدعوا في تقديم همّهم وهمّ الكثيرين من المعلمين ... تحدّثوا بصوت عالٍ عن قضاياهم، ومن خلال جلوسي بين الجمهور رأيت رؤوسهم مرفوعة، وأجسادهم تتحرك وكأنهم غير جالسين على مقاعد ... الكلَ يريد أن يشارك بالحدث، والكلّ متحفّز للفكرة كأنها فكرته أو موضوعه ... هذا هو النجاح برأيي".
وقالت المعلّمة ياسمين حمادة التي حضرت العرض: "المسرحية ناقشت موضوعاً اجتماعياً وواقعياً، وسلوكيّات تُمارس بشكل يومي في مدارسنا؛ أيّ إنها كانت صادقة وموضوعية، والنجاح الأكبر أنها سمحت لجمود الجمهور أن ينكسر في مشاركته، وتغيّر دوره من أشخاص متفرجين إلى أشخاص مشاركين".
رانيا الصوالحي مديرة مدرسة قالت: "التجربة عبرّت جيداً عما يجول في خاطر الكثيرين، ولكن هل ستكون هناك، في يوم ما، حلول جذرية لبعض المشاكل التي تم طرحها؟ أعتقد أنه سيكون من الصعب التغيير بشكل عام، ولكن أن تصل القناعة إلى الأفراد بأن التغيير يجب أن يبدأ من أنفسهم، هذا هو المغزى، وهذا هو النتاج غير الملموس للمسرحية برأيي".
بدوره، وصف د. رأفت الهبّاش مدير منطقة شرق غزة التعليمية التجربة: "تجربة معلمة مقهورة من خلال مسرح المنتدى هي تجربة عميقة تضع مجموعة من السلوكيات المهنية في بؤرة النقاش العميق لكلّ المعنيين من مديري تعليم ومديري مدارس ومعلمين وطلبة وأولياء أمور، لنخرج بالتصوّر الأمثل لهذه السلوكيات، وذلك من خلال طرح وجهات النظر المختلفة، وهي فرصة حيوية لاستجلاب الواقع وتجميده في لحظات معيّنة لإعادة صياغته وفق رؤى مختلفة، "معلمة مقهورة" أظهرت معلمين مبدعين من خلال ممارسة أدوار مختلفة غير أدوارهم التقليديّة، وأعطتهم فرصة ثرية لممارسة واقع هذه الأدوار، وما فيها من صعوبات وتحديات وآفاق وحلول".
وذكر المعلم منذر النجار أحد المشاركين في المسرحية، موقفاً طريفاً تعرّض له: "شعرت أثناء العرض بانخراطي بكامل مشاعري في أداء الدور ... ومما لفت انتباهي وزاد من إيماني بقوّة ما نسعى إلى تغييره، هو تفاعل الجمهور معنا ... لكنّي استغربت من تساؤل بعض الجمهور عن دوري كمعلم قائلين لي: هل أنت في حياتك كذلك؟ أي كأنّني أمارس ما قمت به من قمع في المسرحية على أرض الواقع، وذلك أشعرني بأن ما قمنا به كمعلمين في مسرح المنتدى هو عمل مهم، ومن الجميل أن نبني عليه ونطوره".
أمّا المعلّم نبيل القوقا الذي قام بدور الجوكر/الميسّر في العرض المسرحي، فيصف دورَه: "لقد منحني دوري فرصة الاستماع إلى همسات التغيير التي يتبادلها الجمهور، جميعنا نمتلك تلك الرغبة الجامحة في إحداث التغيير وإيقاف الظلم وتحقيق المساواة العادلة لكل أفراد المشهد من قاعدة الهرم الى رأسه؛ بدايةً من الطالب وإنتهاءً بالإدارة، جميلٌ جداً أن نرى مديراً يدافع عن معلّم، والأجمل أن نرى معلماً يدافع عن الإدارة، أو نرى طالباً يعرض لنا كيف يجب على معلّمه أن يعامله بطريقة لا تؤذيه كطالب".