غزة – (مؤسسة عبد المحسن القطان – 20/4/2019):
"بالأول شعرت بالحماسة، وبعد رؤيتي للشغل ومقدار التعب إللي فيه، شعرت باليأس ... ولكن بعد إنجازي للوحتي شعرت بالفرح والفخر"؛ هكذا عبّرت الطالبة بسمة الطويل عن مشاعرها بعد مشاركتها في ورش العمل الخاصة بإنتاج الفسيفساء، وذلك في إطار مشروع "غزة القديمة" الذي تشارك فيه مجموعة من طالبات الصف الثامن الأساسي ومعلمتهنّ أحلام شلدان من مدرسة بنات الرمال الإعدادية، ضمن برنامج التكوّن المهني للمعلمين في غزة، الذي ينفذه برنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان..
عملت الطالبات مع معلمتهنّ مؤخّراً، وضمن مرحلة متقدّمة للمشروع، على اكتشاف الموقع الأثري للكنيسة البيزنطية في جباليا، التي يعود بناؤها وفق بعض المصادر إلى العام 444 ميلادي، حيث جرّبت الطالبات التعلّم بشكل أعمق عن حياة المجتمع في تلك الحقبة التاريخية، وبخاصة التبادلات الثقافية الممكنة بين أهل غزة والبيزنطيين والقادمين من خارج فلسطين للحج وغيره.
خاضت الطالبات عملية استقصاء للوحات الفسيفساء الموجودة في أرضية الكنيسة، فعملن على تصويرها، والبحث في تاريخها وحكاياتها، ومشاركة تساؤلاتهنّ حولها مع مختصي الآثار والتاريخ في غزة، كما عملت الطالبات على إنتاج تصوراتهنّ لمعاني الرموز المنقوشة فيها، ودلالاتها وتأويل أشكالها الفنية.
وقالت الطالبة مرح حرز الله، خلال زيارتها المكان "ذهبنا مرة أخرى إلى موقع الكنيسة لكي نلتقط صوراً للأيقونات، وبرأيي أنها تطرح لنا أسئلة كثيرة، يمكننا البحث عنها ... ويمكننا أن نتصورها ونتخيلها".
تشاركت الطالبات تساؤلاتهنّ، وقمنَ بتصنيفها في مجالات عدة، تمثّل بعض الجوانب الحياتية القديمة، ثمّ عملن، عبر مجموعات بحثيّة، على إيجاد إجابات لها، كما جرّبت الطالبات مقارنة فسيفساء كنيسة جباليا، وما تبقى من موقعها الأثري، بما هو موجود في موقع سانت هيلاريون -تلة أم عامر- جنوب غزة من أجل فهم أكبر للماضي.
وعن ذلك، تحدّثت الطالبة منّة خضير "تعرّفنا أن لنا حضارة عريقة، لكنّها مضطهدة ... يجب الحفاظ عليها ... ويجب على الجميع إعادة إحيائها بمختلف الطرق حتى لا تندثر وتفنى".
أمّا الطالبة كائنات الجرجاوي، فتقول "عندما نقوم بتحليل الصور والبحث في تفاصيلها، فإننا نتعرف على حياة الناس، ويمكننا أن نكتب قصصنا كما نتخيلها نحن في تلك الفترة".
اتفقت الطالبات والمعلمة على تعلّم صنع الفسيفساء، وإنتاج مجموعة من اللوحات التي تحاكي بعض الرموز القديمة التي عملن على اختيارها ودراستها، لعرضها للمجتمع، ولمشاركته قصصهنّ حولها، وحول حياة الناس في تلك الحقبة.
انخرطت الطالبات ومعلّمتهن على مدى شهرين في مساق تدريبيّ نظمه برنامج البحث والتطوير التربوي، بالتعاون مع مركز عمارة التراث/إيوان، والمهندسة نشوى الرملاوي، حيث تعلّمت الطالبات خطوات صنع الفسيفساء من عجن المواد الخام، وتقطيعها، ومن ثمّ تركيبها بأشكال فنّية، وصبّها في شكلها النهائي.
وقد أجمعت الطالبات على أنه لم يمكنهنّ تقدير مدى التعب الذي عاناه القدماء في صنع الفسيفساء وإنتاج اللوحات الفنّية التي تغطّي المواقع الأثرية، ولا المشاعر المختلفة التي ربّما عاشوها، إلا بعد أن خضن هذه التجربة، حيث قالت الطالبة فرح الخولي: "كان للورش أثر جميل في تعلّمنا الصبر والمثابرة، وأن الشخص إذا عزم على فعل شيء حتى لو كان صعباً، فسوف ينجزه".
أما الطالبة آصال هنية "في بداية الورش كنت أظن أنها ستكون مرهقة ومملّة، ولكن مع العمل واقتراب اللوحة على الانتهاء، صرت أرى الحماس في عيون مجموعتي، وأصبحت رغبتي في العمل أكثر، لأننا نريد أن نوصل رسالة للآخرين بأنّنا فتيات صغيرات، وبعمرنا هذا استطعنا إنجاز عمل رائع وصعب، لم يقدر عليه الكثير من الكبار".
وقالت علا بدوي الباحثة ومديرة مكتب البرنامج في غزة عن المشروع إنّه "أحد مشاريع التكون المهني التي نعمل عبرها سوياً مع المعلّمين على تجربةٍ لفهم وإنتاج مختلف للتعلّم ولدور المعلّم والمدرسة، وإمكانات ذلك في تعزيز تفاعل كلّ فرد مع عالمه، وإيجاد وصنع مكانه الخاصّ فيه، عبر قيادة حياته المجتمعية، واكتشاف ما يتيحه التفاعل المبني على الشراكة والتعاقد بين الطلبة والمعلمين، مع محيطهم؛ ليس المدرسي فحسب، وإنّما الاجتماعي والثقافي والأسري، من فرصٍ لتعلّم أكثر عمقاً وشمولية ومقاربة للحياة".
بعد انتهاء مرحلة صنع الفسيفساء، تعمل الطالبات والمعلّمة حالياً، بالتعاون مع برنامج البحث والتطوير التربوي، على تطوير قصصهنّ التي أنتجنها، من أجل تنظيم فعاليات مجتمعية خاصة بمشروعهنّ.