كان من المفترض أن تطلق مؤسسة عبد المحسن القطان المجموعة الشعرية "جنازة لاعب خِفّة" لأنيس غنيمة، و"جراحٌ تُجرّبُ نفسها" لحامد عاشور في رام الله نهاية شباط 2019، ولكن الاحتلال منعهما من الخروج من غزة. وكان غنيمة قد حصل على جائزة مسابقة الكاتب الشابّ للعام 2017 التي تنظّمها مؤسسة عبد المُحسن القطّان، وحصل عاشور على إشادةٍ مع توصيةٍ بالنشر من لجنة تحكيم المسابقة عن حقل الشعر.
"جنازة لاعب خفّة"... وليدة الحرب
ولد أنيس غنيمة في غزة العام 1992، ولكن مجموعته الشعرية "جنازة لاعب خفّة" ولدت العام 2014، إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. يقول غنيمة "كان عدوان العام 2014 على قطاع غزة بمثابة شعلة وجود لمجموعتي الشعرية، فأنت بحاجة إلى حدث قويّ لتكتب، وكان الحدث هو الإغماء بفعل رائحة الدم، عندما سقطت القنابل حولي كل ثلاث ثوانٍ بالضبط. كتبت مع الحرب أكثر قصائد هذا الديوان، دفنت كثراً؛ ربما أكون بينهم. لكنني أتذكر الآن أنني صحوت في ذلك الوقت لأشيّع هذه الجنازة".
وعن الجغرافيا في بلورة تجربته الشعرية يقول: "غزّة هي الحاضر الأول في العمل، بوصفها المأساة الأعلى والألم المشترك، أكاد أقول إن مجموعة قصائد في ديوان شعري كانت بحاجة ماسّة إلى مؤثرٍ جامع، أياً كان شكله؛ لأن لكل نصّ ثمة موضوعاً ما، والشعر إذاً هو الطريقة لإحراز التقدّم أمام فوضى الأشياء".
ويضيف: "لا يمكنك الكتابة بمعزل عمّا يدور في هذه المدينة وحولها، الحياة التي تسير بكساحٍ ضمن قسوة السائد وعلوّ جدران حصارها، وقلق كل وقت من سقوط حجرٍ على رأسها. جاء الديوان مع هذا الخوف والرهبة، وفي نطاقٍ لا يحتمل، لكنه أراد أن يكون مع رغبةٍ في الإفلات من مغبّة الخشية وإغراء الإرث، ومع رغبة في مواجهة الحامل التقليدي".
أما عن الشخصية التي يريد من القارئ أن يتصورّه بها فقال: "ليتصور القارئ ما يشاء، علينا أن نكتب نحن، وللقارئ مطلق الحرية فيما يتصور. أرسل لي أحدهم قائلاً: يا لها من نصوص قاسية، أعتقد أنك شخص حزين للغاية. أعتقد أنني حزين على الإنسانية. هذا هو الجواب". وعلى الرغم من ذلك، هناك شخصية تدور في كثير من نصوص الديوان، ربما هي شخصية أحدٍ ما يصاب بالجنون في فترة ما من حياته، فيقرر أن الكتابة هي حلّه الوحيد الذي يبقيه على قيد الحياة.
وفازت المجموعة الشعرية "جنازة لاعب خفّة" بجائزة مسابقة الكاتب الشاب للعام 2017 التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطَّان، وجاء في بيان لجنة التحكيم عن المجموعة أنها: "تقدم هذه المجموعة خطاباً شعرياً ناضجاً ومتمكّناً، واستعارات وصوراً مدهشة، وزخماً شعرياً يتدفق في نصوص منسابة عن القسوة والحزن، عبر شعرية تتميز بالذاتية والتجريب والإبداع، وحزن ذاتي مبرر يمتلك الكفاءة لفتح كوة على ما هو إنساني وعام. يبشر هذا الشعر الطازج بصوت شعري مميّز، وله موقع محدّد من العالم. عالم القصائد ليس واسعاً، ولكنه عميق وحاد ومؤثر".
"أكتب لأضمد العالم الجريح"
يعتقد حامد عاشور أن العالم وُجد جريحاً، ووجِدَت معه ضمادة الشعر، ومن هنا جاء عنوان مجموعته الشعرية "جراح تُجرّبُ نفسها". ويضيف: "دائماً ما كنت أتخيل أن هناك جراحاً تستبسل لأجل أن تبقى ولا تزول، وتعبر عن نفسها بالأثر الذي تتركه خلفها، كذلك هي قصائدي بنفس تركيبة الجرح الذي يُجرب نفسه، ويحسِب مدى عمقه واتساعه، وكما لي القدرة على تحمل الألم، للجرح قدرته أيضاً على تحمل العلاج، وهنا تكمن عملية التجريب، فالجرح سيواجه، مرغماً، شتى أنواع الفناء، وعليه أن يكون عنيداً ومقاوماً، وعليه أن يتحمل ذلك".
وعن تأثير غزة على تجربته الشعريّة يقول: "هي غزة لأنني لا أعرف لها اسماً آخر، وهي المكان الذي أنا فيه لأنني لا أعرف مكاناً آخر، حتى في المرة الوحيدة التي غادرتها ازددت تورطاً فيها. غزة الشيء الوحيد الذي يشغلني بينما هي منشغلة بكل شيء سواي، ليس لي أي تأثير عليها، ولها التأثير المباشر على حياتي، ولها اليد الأولى التي شكلتني من الداخل، ودعتني للتأمل على نحو أعمق. عشت معها ثلاث حروب متتابعة، وخرجتُ في كل مرة بثمن أكبر وطعنات أدق. غزة بكل مآسيها وأزماتها، بكل صراخها وحروبها، كان لها اليد الثانية التي كشفت لي ستار الوعي، أحياناً أشعر أنني أشاهد العالم من شرفة عالية. تسمى غزة، وربما لهذا يبدو العالم في نظري صغيراً جداً على الرغم من امتداده، وربما لهذا، أيضاً، لست أبالي إن لم يعد هناك غزة، إن ابتلعها البحر أو الحصار أو كلاهما معاً، فهي على الأغلب تسمو عن فكرة المكان وتقفز من على الجغرافيا، ويمكنها تطويع الزمان بالشكل الذي يسمح لخلق روائيين وفنانين ومجانين وشعراء".
ويقول عاشور عن دوره في مستقبل الشعر في غزّة: "ليس لدي إجابة تقريرية على هذا، كما إنه لا إجابات لدي على أي شيء متصل بغزة، كل شيء هنا هلامي وغير محدد، وغزة نفسها تعرف ذلك، وتعرف أنها زئبقية إلى الحد الذي يجعل من المستحيل حصرها ضمن تعريف واضح، أو التنبؤ بشيء قادم، إنها تشبه الشعر بمكوناته الأولية، وهي مدعاة للتأمل ومحفز حقيقي لجريان الألم والأمل معاً على خطٍ متوازٍ ولا نهائي".
احتاج حامد عاشور إلى ثلاثة أعوام لإنجاز مجموعته الشعرية، التي حصلت على إشادة لجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب للعام 2017، وهي أول إصداراته الشعرية المطبوعة. وجاء في بيان لجنة التحكيم عنها: "أنها "تقدم موهبة يجب تشجيعها، ومخيلة نشطة ونبرة شخصيّة في الكتابة تستحق الانتباه، وتنطوي على عمل شعري ممتع ومدهش ومتدفق وغني، لغةً وإيقاعاً وصورةً ورؤيا، مقدماً شعراً ناجماً عن تلقٍ مختلف للعالم، وثقة بالنفس كافية لتمنح الأشياء فرصة كي تقول نفسها بنفسها".
يشار إلى أن برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان، كان قد أطلق مسابقة الكاتب الشاب في العام 2000. وتوفّر المسابقة جائزة أولى في مجال الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، إضافة إلى نشر الأعمال الأدبية الفائزة، وتلك الأعمال التي توصي لجنة التحكيم بنشرها.