بعد مرور أكثر من شهرين على إحالة اللجنة العليا لمراجعة المسيرة التعليمية في فلسطين تقريرها الذي كلفت بإعداده من قبل مجلس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى المجلس الوزاري الذي أقر تشكيل مجلس أعلى للتعليم في فلسطين مهمته الأساسية دراسة توصيات التقرير والشروع في تنفيذها، إلا أن مجلس الوزراء بعد قراره هذا، لم يتخذ أي خطوة عملية حتى الآن، على الرغم من المخاطر التي شخصها التقرير، والتي تهدد المسيرة التعليمية في فلسطين بكل مكوناتها ومفاصلها.
وقد تضمن التقرير مراجعة شاملة للمحاور المختلفة في قطاع التعليم، تبيَّن بعد إجرائها "أن التعليم بوضعه الحالي لا يلبي معايير الجودة المتعارف عليها، وبحاجة ماسة إلى إصلاح شامل لجميع قطاعاته؛ فالمناهج الحالية مثقلة بالمعلومات، والمواد الدراسية تعتمد الحفظ والتلقين والتعلم عن ظهر قلب، وتركز على المعارف ومهارات التفكير الدنيا، وتهمل التطبيق ومهارات الحياة والتفكير العليا، فهي لا تعزز الإبداع والتحليل الناقد وحل المشكلات، ولا تتطرق إلى التعليم الريادي. كما أن البيئة المدرسية لا تشجع البحث والاستقصاء، ولا تلبي احتياجات المتعلمين المختلفة تبعاً لتطور نمائهم، وتعدد ذكاءاتهم، واختلاف قدراتهم وبيئاتهم".
ولفت التقرير إلى أن "استراتيجيات التعلم المتبعة في معظم المدارس الفلسطينية، تتمركز حول المعلم أو الكتاب المدرسي، مهملةً المتعلمين بشكل قصدي أو غير قصدي، فمشاركة المتعلمين في الصف محدودة لا تتعدى الاستجابة السلبية لأسئلة المعلم، فالنظام التعليمي لا يوازن من حيث الأهمية بين المتعلم والمعلم والمدرسة والمنهاج. إن أي نظام تعليمي نموذجي يجب أن يخلق حالة التوازن الشاملة بين المتعلم والمعلم والمدرسة والمنهاج".
وأضاف التقرير: كما يفتقر النظام التعليمي الحالي إلى التواصل الحقيقي بين المدرسة وأولياء الأمور والمجتمع المحلي في القضايا التربوية، فالمجتمع الفلسطيني، بجميع شرائحه، لا يزال يراقب ما يحدث على صعيد تعليم أطفاله دون تدخل في التخطيط والمراقبة والمتابعة له. كما أن هنالك غياباً لمرجعية قانونية للتعليم، ما يساهم في إمكانية تعدد التفسيرات والمرجعيات الفردية لأي قرارات تؤخذ. فالقرارات تؤخذ بشكل فردي، وعلى أعلى المستويات، وذلك ناتج عن مركزية الإدارة التربوية، ما يؤثر على واقع الميدان التربوي، وبخاصة صلاحية المعلمين في اختيار ما يناسب احتياجات طلبتهم، وصلاحيات مديري المدارس، إضافة إلى الصلاحيات المحدودة الممنوحة لمديري التربية والتعليم في مناطقهم. ومن ناحية أخرى، فإن تعدد الجهات المركزية في وزارة التربية والتعليم العالي التي تتعامل مع الميدان دون تنسيق وتكامل في العمل فيما بينها، يعتبر من أكثر العوامل سلبية على إنجاز العمل في الميدان بجودة عالية".
وأوضح التقرير أن "أساليب التقويم المتبعة في المدارس الفلسطينية هي أساليب تقليدية، تعتمد، في الغالب، الامتحان الورقي أساساً لقياس ما تم حفظه من الكتب المدرسية، وذلك لن يساهم في تحسين جودة التعليم، ولا في تكوين مواطن فلسطيني قادر على التساؤل وحل المشكلات والمساهمة في بناء مجتمع، فالمدارس تعمل لأجل تهيئة طالب قادر على النجاح بامتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، من خلال استذكار مجموعة من المعلومات والامتحان بها. فنظام التوجيهي الحالي هو أحد أسباب الجمود المستمر في النظام التربوي. وبسبب طبيعة الامتحان المعتمدة على الحفظ والاسترجاع، نجد نسبة الملتحقين بالفروع الأكاديمية وبخاصة فرع العلوم الإنسانية (الأدبي) تصل إلى 76%، أما الفرعان العلمي والمهني، فإنهما يعانيان من شح الإقبال عليهما، ولذلك انعكاسات خطيرة على نظام التعليم العالي، وتفشي البطالة بين أوساط الشباب".
أما واقع المعلمين الفلسطينيين، ففد أشار التقرير إلى أنه "على الرغم من التزايد المطّرد في الطلب على مهنة التعليم (ارتفاع نسبة البطالة وعدم توفر مشغلين في القطاعات الأخرى) فإن المعلمين يعانون من أوضاع وظيفية ومهنية سيئة، ليس أقلها انخفاض متوسط راتب المعلم، وتراجع مكانته الاجتماعية، وقلة دافعيته للعمل، وصعوبة الظروف الوظيفية في المدرسة. فكثرة الأعباء الإدارية، وقلة الصلاحيات المعطاة للمعلم، وتشدد نظام الإشراف والرقابة عليه، وتعدد الجهات التي تلقي بالمهام على كاهله، وكثرة برامج التدريب التي يشارك بها بطريقة عشوائية، ومن جهات متعددة، دون وجود استراتيجية ومنهجية واضحة تنظم عملية التعاطي مع التدريبات الداخلية والخارجية، كل ذلك يزيد من إحباط المعلمين، ويقلل من إنجازاتهم في الميدان".
وللنهوض بالتعليم، أورد التقرير أنه "لا بد من العمل من خلال رؤية تربوية فلسطينية متنورة، تركز على الإنسان الفلسطيني كفرد، من خلال تعزيز منظومة القيم والأخلاق وإعادة بنائها، واكتساب المعرفة وإنتاجها بتوظيف أحدث التقنيات التكنولوجية للوصول إلى التحرر والتنمية، وتحقيق أهداف المجتمع الفلسطيني المتنور الحديث. ومن أهم أولويات النموذج الإصلاحي هو تحسين أوضاع المعلمين الوظيفية، وتطوير الإدارة اللامركزية في التعليم، وإشراك المجتمع في العملية التعليمية لمتابعة ومراقبة بناء الإنسان الفلسطيني المشارك القادر على التساؤل والحوار والتعلم في بيئة آمنة وحوارية تراعي قدراته وإمكانياته وبطريقة تعلم تناسبه".
وأكد ضرورة تعزيز "قدرة نظام التعليم العام، بشقيه الأكاديمي والمهني، على رفد مؤسسات التعليم العالي بطلبة يمتلكون مهارات القرن الحادي والعشرين، ويستطيعون البحث والتقدم في مسارات أكاديمية ومهنية تلبي احتياجات سوق العمل، وأن يوجه الطلبة حسب ميولهم وقدراتهم، في تحديد دقيق للمهارات المتوقعة المطلوبة لزيادة منافسة الخريجين على الوظائف، وامتلاك المهارات المطلوبة والمعرفة".
إن هذا التقرير وفق ما يراه وسيم الكردي أحد أعضاء اللجنة العليا لمراجعة المسيرة التعليمية في فلسطين للعام 2015 "يحتاج إلى خطوات عملية ومنهج فعل حقيقي من أجل المباشرة في التغيير؛ التغيير المتزامن في كثير من المجالات، والتغيير الجذري في مجالات محددة، والتغيير التدريجي في مجالات، والتغيير بناء على الأولوية في مجالات أخرى. ولكن في جميع الأحوال، فإن المسألة ليست مسألة إجرائية أو إدارية بحتة، إنها في جوهرها مسألة تتصل بالرؤيا والمفاهيم والقيم، وهذا يتطلب قيادة التغيير في الرؤية والمنظور من خلال الممارسة الفعلية؛ الممارسة التي تعمّق الرؤى، والرؤى التي تطور الممارسة؛ إنهما عمليتان متداخلتان ينبغي تضافرهما معاً".
وقد قام مركز القطان للبحث والتطوير التربوي بنشر التقرير كاملاً في العدد الأخير (48 و49) من دوريته رؤى تربوية، وذلك من أجل تعميمه على المجتمع بكل فئاته، وخلق حوار مجتمعي يفضي إلى تغيير وضعية التقرير القابع في أحد جوارير مجلس الوزراء، من حالة التجمد إلى حالة الانعتاق والتطبيق.
للحصول على التقرير كاملاً اضغط على الرابط التالي.