رام الله – (مؤسسة عبد المحسن القطان):
في إطار مشروع "رام الله دوك"، نظمت مؤسسة عبد المحسن القطان، ومعهد غوته، والقنصلية الفرنسة العامة، وفيلم لاب – فلسطين، حلقة قامت على تصميمها وإعدادها والإشراف عليها القيمة والكاتبة عدنية شبلي، وامتدت على مدى ثلاثة أيام ما بين 23-25 آذار تحت عنوان "خارج الرؤية"، في قاعة مسرح المركز الثقافي لمؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله. وتم اختتام هذه الفعالية المهمة في ندوة عامة، وبحضور 60 شخصاً معظمهم من الفنانين وصناع الأفلام.
وشارك في الحلقة كل من: القيمة لارا الخالدي، والأكاديمية والمحاضرة في جامعة بيرزيت أميرة سلمي، والباحث والأكاديمي روبرت ج.س. يونغ، والفنان والمخرج عامر شوملي، والمخرج كمال الجعفري، والمخرجة أندريا لوكا زيمرمان، والمنتج السينمائي بن جيبسون.
وتمحور القسم الأول من الندوة الذي حمل عنوان "الرؤية بوصفها ثورة"، حول الطرق والأدوات الممكنة لمواجهة الحالة التي يصبح معها المرء مرئياً ولامرئياً في الوقت نفسه، في السياق الفلسطيني. كما طرحت الجلسة سؤال كيف يمكن للمرء أن يتموضع بحيث يستطيع رؤية الواقع لا كما يُراد له أن يُرى، بل بوصفه سلسلة من الأعمال المقاوِمة التي تسعى إلى تغيير ما تم تعريفه كواقع. تبعاً لذلك، تمت مناقشة حالات كانت فيها الصور جزءاً من فعل ثوري، لا توثيقاً أو تسجيلا ًله فحسب.
وحاول روبرت ج.س. يونغ، الذي يعمل محاضراً في جامعة نيويورك، خلال مشاركته التي حملت عنوان "عتمة مرئية"، فهم كيف لصانع/ة أفلام أن تـ/يتجاوب مع الأشكال التي تكون فيها فلسطين والفلسطينيون غير مرئيين؟ في هذا العرض، تناول بعض الطرق والأدوات الممكنة لمواجهة هذه الحالة الوجودية من "العتمة المرئية".
وطرحت سلمي، وهي محاضرة في جامعة بيرزيت، خلال مشاركتها التي حملت عنوان "خرق الرواية الاستعمارية: المعرفة بوصفها فعلاً مقاوماً"، السؤال عن الكيفية التي يمكننا بها تحرير الواقع، وأنفسنا، من الشكل المحدد خطابياً لمعرفته، من خلال الكشف عن الحدود التي يرسمها والوقوف بمواجهتها، ولكن أيضاً، وهي مسألة ضرورة في سياق مستعمَر، الكيفية التي يمكن بها إعادة موقعة الذات بحيث يمكنها رؤية الواقع كما لا يُراد خطابياً أن تتم رؤيته، بحيث لا تكون المعرفة جزءاً من نظام ممأسس يسعى إلى تثبيث الواقع والسيطرة عليه، بل جزء من فعل مقاوم يسعى إلى تغيير ما هو قائم.
واستعرضت لارا خالدي، وهي كاتبة وقيمة فنية، خلال مداخلتها بعنوان "الوسيط والثورة" الفيلم الوثائقي "تسجيلات ثورة بالصوت والصورة" (1992) لهارون فاروقي، عبر تفحص تغيرات الممارسة الفنية في فلسطين خلال الانتفاضة الأولى (1987-1991). يتطرق العرض إلى أسئلة حول ماهية الفن الثوري، ومركزية وسيط الكاميرا في إنتاج صورة الذات خلال الثورة والفعل الثوري نفسه. يعالج الفيلم التسجيلات غير الرسمية للمظاهرات الحاشدة في رومانيا العام 1989، واستيلاء الثوريين على المحطة التلفزيونية، كاشفاً كيف تصبح الصور فاعلة في الثورة.
وتناولت الخالدي تجربة "نحو التجريب والإبداع" التي بادر إليها الفنانون سليمان منصور، ونبيل عناني، وتيسير بركات، وفيرا تماري في الانتفاضة الأولى، وتبنيهم وسائط ومواد إنتاج جديدة وثورية تمثلت في الطين والجلد والأصباغ الطبيعية والخشب وغيرها، تاركين تلك المواد التي درجوا على استعمالها، والتي تمثلت، بشكل أساسي، في الكانفاس والألوان، التي كانت تأتي من دولة الاحتلال.
أما الجلسة الثانية التي حملت عنوان "أضداد بصرية" فقد بحثت في أحد تمظهرات عملية صنع الأفلام في فلسطين، وهي الابتعاد عن "الإخراج من قبل" نحو "الإخراج مع"، لفهم كيف يصبح الإخراج الجمعي الاجتماعي والثقافي امتداداً للأفعال الثورية، وذلك من خلال شعرية الخلق، والحق في الحلم، والرقّة المتناهية في التعبير، لتستكشف هذه الجلسة التمظهرات الفيلمية للتعبيرات -المنخرطة أخلاقياً والمؤثرة ثقافياً- عن الإنسانية المعلنة، وعن التعايش ضمن بيئات أوسع (أبعد من حدود الذاتية المتمحورة حول البشر).
وقدم شوملي جلسة بعنوان "الإخراج بالاشتراك مع"، قام خلالها بعرض عملية إخراج فيلم "المطلوبون الـ18" (2014) والتأمل فيه، وما حملته هذه التجربة من تخلٍّ عن فكرة أن الفيلم له، أو أنه هو وحده من أخرجه. وما تبع ذلك كان عملية من الإخراج الاجتماعي الجمعي؛ "الإخراج مع" لا "من قبل".
وخلال مشاركتها التي حملت عنوان "أن تكون مرئياً"، تفحصت المخرجة الوثائقية أندريا لوكا زيمرمان التمظهرات المتنوعة "للسلطة" وتحدياتها (خاصة في هويتها "ما وراء الكواليس"، من العمليات العسكرية العلنية إلى تخطيط المدن). وقالت: وكيف لنا أن نقاوم تأطيرَنا بشكل حصري من خلال الطبقة، والنوع الاجتماعي، والإعاقة، والعرقية، والجنسانية، وحتى الجغرافيا؟ كيف لنا أن نعبر عن أكمل إمكانياتنا إبداعياً وجمعياً؟ كيف لنا أن نتمسك بالنظرة الفضولية التي تقاوم ما قد يأتي إلى مكان وجودنا، بقواعده المقرّة مسبقاً ونواياه وسجلات المرئي الخاصة به؟
أما المخرج السينمائي كمال الجعفري فقد تحدث في مداخلته التي حملت عنوان "التأمل بلا هدف"، عن تجربة متابعة كاميرا مراقبة وضعها والده مقابل سيارة أخته لحمايتها، وما حفظته من الوقت لتأملهم والتفكر فيهم، إنها تختار كل لحظة ودقيقة تصورها، وتقرر متى تقطع البث وتنطفئ. يقول "إننا نعيش من أجل لحظات قصيرة، تمنحنا البهجة والعجب. ويبدو لنا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لصناعة فيلم جاهز. أمام الكاميرا، فيبدو أن لكل كائن فرصة في الوجود. وكل خطوة، وفعل، وحركة، مطبوعةٌ في ذاكرة آلة، سواء شوهدت أم لا؛ بلا وعي، ولا إدراك، ولا هدف". ليكون السؤال أن الآلة وحدها يمكنها استيعاب الحياة في العرض البطيء، واختزالها لنا في وقت قصير. هل نحن غير قادرين بشكل متأصل، لأن وجودنا مقيدٌ بنظام معتمد على الرؤية؟
وتفحص بن جيبسون أثر البث الدولي على القيم اليومية التي نتقبلها جميعاً في النهاية، بطريقة قلقة نوعاً ما، في مداخلته التي حملت عنوان "حول الشكل الجديد الممكن للأفلام".
كما سبق الندوة الختامية ورشات عمل خاصة قدمها كل من روبرت يونغ وكمال الجعفري وبن جيبسون وأندريا لوكا زيمرمان بإدارة الكاتبة والناقدة عدنية شبلي، وشارك في الورشات 17 صانع أفلام فلسطينياً.
وقسمت الورشات إلى 5 جلسات، 4 منها في رام الله، وواحدة في غزة، وحملت عناوين: "كشف أوجه الخلل القسري"، و"مواجهة النهب"، و"الخصوصيات والخيال السياسي"، وأكملها كمحاور كمال الجعفري في الجلسة الخامسة، التي قدمها الجعفري وعدنية شبلي عبر سكايب للمشاركين في غزة، الذين اجتمعوا في المجلس الثقافي الفرنسي في غزة.
كما نظم خلال فعالية "خارج الرؤية" 19 عرضاً لـ13 فيلماً، تعرض لأول مرة في فلسطين، حيث عرض 11 منها في المركز الثقافي لمؤسسة عبد المحسن القطان، ومعهد غوته في رام الله، و8 أخرى عرضت في غزة في محترف شبابيك للفن المعاصر، والمركز الثقافي الفرنسي في مدينة غزة. وحملت الأفلام تجربة توثيقية سينمائية فريدة، ذات بعد ثوري على أشكال التوثيق المرئي بالعموم، وذلك بالخروج عن المألوف في القصص، وفي تصويرها وحكايتها، واختيرت هذه الأفلام لتلائم مفهوم المشروع الهادف إلى مساءلة سبل الرؤية المعهودة في سياق الثقافة البصرية في فلسطين.
يشار إلى أن "خارج الرؤية" هو أحد مشاريع رام الله دوك 2019، ويهدف إلى دعم صانعي الأفلام الفلسطينيين، في حقل الأفلام الوثائقية بشكل عام، وذلك من خلال توفير الفرصة لهم لعرض مشاريعهم الوثائقية، والدفاع عنها مباشرة أمام مجموعة تضم عدداً من المنتجين والمحررين المفوضين من محطات تلفزيونية، وشركات إنتاج عالمية. ويقام بالشراكة ما بين مؤسسة عبد المحسن القطان، وفيلم لاب، ومعهد غوته، والمعهد الفرنسي في القدس.
ومن المتوقع استكمال المشروع من خلال إعطاء ورش عمل لصانعي الأفلام الوثائقية خلال الفترة القادمة، في جوانب متعددة لها علاقة بصناعة الأفلام الوثائقية، وانتهاءً بعقد جلسة "البيتشينج" مع نهاية العام 2019، التي يتم خلالها عرض مشاريع أفلام وثائقية أمام مجموعة من المنتجين وشركات الإنتاج العالمية.