لا بد في البداية من أن نتوقف، كأعضاء لجنة تحكيم مسابقة الفنان الشاب للعام 2014، على الأوضاع القاسية وغير المقبولة التي يعيشها الفنانون وشرائح المجتمع كافة بشكل مستمر في فلسطين، وعلى التجربة الأخيرة للحرب المدمرة على غزة، والاعتداءات الإسرائيلية التي ما زالت تشهدها أجزاء كثيرة من الضفة الغربية، وعلى ما يكتنف فلسطين من ألم وحزن جراء كل ذلك. ولا بد من الإشادة بقدرة الفنانين الشباب المشاركين في هذه المسابقة، وتحت ظروف كهذه، على الاستمرار في العمل، الأمر الذي يمثل بالنسبة لنا جوهر عملية الصمود والمقاومة السلمية.
إننا نشكر مؤسسة عبد المحسن القطَّان على ثقتهم بنا، وتفويضنا لاتخاذ قرارات صعبة، كأعضاء لجنة تحكيم في هذا البرنامج، وعلى ضيافتهم الكريمة. إننا نهنئ قيِّمة المسابقة، فيفيانا كيكيا، لإخلاصها والتزامها في العمل مع الفنانين التسعة خلال الشهور الماضية، وعلى تنظيم معرض بالأعمال الفنية النهائية بهذه المهنية. ونشيد كذلك بكافة الفنانين والمتحدثين الذين شاركوا في لقاءات وحوارات عبر الإنترنت، سبقت الأعمال النهائية التي نراها في المعرض، ما ساهم في إثراء أفكار الفنانين المشاركين وتطوير أعمالهم.
الوصول إلى النتائج النهائية عنى أربعة أيام من الاجتماعات والنقاشات، والحوارات الثرية والواسعة، ليس فيما يتعلق بالأعمال الفنية فحسب، ولكن أيضاً شمل دور القيمين الفنيين والمؤسسة، وحول طبيعة هذه الدورة من المسابقة، كجزء من قلنديا الدولي في نسخته الثانية، وثميته "الأرشيف .. حياة ومشاركة"، حيث كانت هذه، المرة الأولى التي يُطلب من المشاركين في المسابقة، اقتراح مشاريع في إطار ثيمة معينة. وكانت لدى اللجنة مواقف متباينة حول استدخال عملية تتمحور حول "الثيمة" في سياق هذا البرنامج المحدد، ولكن لقد أُعجبنا جميعاً بالفنانين الذين أفلحوا في إرساء صلات ما بين الماضي والحاضر، والذين درسوا كثيراً من المواد التاريخية، ووظفوها أو استخدموها بمهارة، ليخلقوا تعبيرات معاصرة.
لقد أبدينا اهتماماً خاصاً بأفكار الفنانين ونواياهم الأولى، ومقترحاتهم الأساسية، والكيفية التي تطورت معها مشاريعهم، وقدّرنا عالياً صدق جهودهم. لقد كانت اللقاءات مع الفنانين المشاركين مفيدةً كثيراً، لكن التحليل النهائي الذي ارتكزت اللجنة عليه في قراراتها النهائية، استند إلى الجودة الفنية الكلية للعمل كما تم تقديمه في معرض المسابقة. كما أبدينا اهتماما خاصاً أيضاً بأولئك الفنانين الذين تمكنوا من تطوير وإثراء أفكارهم الأولية التي انطلقت منها مشاريعهم الفنية.
وعلى الرغم من بعض التحفّظات، فقد أشارت اللجنة، بغالبية أعضائها، إلى أن تقديم ثيمة محددة للمسابقة شجع الفنانين على الاشتباك مع الماضي بطريقة إيجابية، وفتح المجال أمام مسارات جديدة من البحث، لم تكن بالضرورة لتحصل دون ذلك الإطار الموضوعي.
هناك ترجمة تحصل ما بين الحدث الذي يحصل، وبين كونها تصبح أرشيفاً، كما يكتب فالتر بينجامين في مقالته "مهمة المترجم" العام 1921. لهذه الترجمة آلياتها الخاصة، والمترجم بالضرورة فنان. فقد استخدم كل واحد من الفنانين التسعة طاقم أدواته ومراجعه ليلقي الضوء على آليات تلك الترجمة.
وعلى الرغم من صعوبة المهمة المتمثلة في الوصول إلى النتيجة النهائية، واختيار بعض الفائزين من بين الآخرين، فإننا نهنئ الفنانين كافة على جهودهم والتزامهم. كل واحد منهم فائز بشكل أو بآخر، بمجرد أنهم كانوا جزءاً من هذا البرنامج، علماً أنه لم يكن أمامنا بد من اتّخاذ قرارات قاسية.
نود أن نبدأ بإشادة خاصة للفنانة مجدل نتيل على عملها "بدون أكفان". لقد شعرنا أن هذا العمل الفني يساهم في هيئة عمل يستنطق الموضوع الصعب للبقايا الحقيقية للموت وللصدمة الإنسانية. وبشكل مؤثر، فإن المشروع يُصادي الطريقة التي قامت بها الفنون الشعبية بتمثيل الشهداء، والتاريخ، والألم الحاضر عند أولئك الذين يواصلون انتظار عودة أحبِّائهم.
قررت اللجنة منح الجائزة الثالثة مناصفةً لـ:
نور عبد عن عملها "بينولوبي"
و
فرح صالح عن عملها "ابن فدائي في موسكو"
إن الصور في عمل نور عبد كانت قوية وتخاطب الموضوع، لكنها حملتنا إلى أماكن أخرى، ولم تحددنا فقط بالمجازات الواضحة حول الانتظار والإعادة في القصة الأسطورية. هناك طاقة إبداعية خام في العمل. وإننا ندرك أن الفنانة قامت بجهود كبيرة للتعبير عن أفكارها بوسيط فني صعّب الأمر الذي بدا طموحاً، ومثيراً للتحدي من الجانب التقني. إن الاختبار المدروس للوسيط الفني يخاطب الماضي الأسطوري بتناغم وحساسية.
قامت فرح صالح بخلق بوابة لنا للاتصال بتاريخ لم يتم مسُّه أو إثارتُه بشكل صريح. إن عملها "ابن فدائي في موسكو" لا يعطينا معلومات جديدة فحسب، بل أيضاً يقدم تأويلاً يفضي إلى قراءات متعددة للحدث ذاته. لقد أثار انطباعنا قرار الفنانة تقاطع عملها كراقصة مع خلق أعمال فيديو وتركيب، عمليتان لم يسبق لها الاشتغال بهما من قبل. إنها تسترد الإيماءة في هذا العمل، وتمنحها قراءات جديدة، مذكرةً إيانا بأهمية تقليد لغة الجسد عبر تاريخ الفنون البصرية.
وتمنح اللجنة الجائزة الثانية لـ:
نور أبو عرفة عن عملها "الرغبة في مراقبة ذاكرة متبقية"
فإننا نعتبر عملها مقنعاً ومتعدد الطبقات، وأصيلاً ومعقداً، إضافة إلى جماليته. إن عمل أبو عرفة يفتح المجال للأسئلة والتقدير الجديد للمواد التاريخية؛ للوحات كانت وما زالت مهمة وأيقونية. وبوقوفها في موقع الفنان، وتخيلها لما رآه، تكرم الفنانة أعمال الفنانين بتلك الترجمة الشاعرية، ولكن من خلال وسيط مختلف، مُلقيةً الضوء على الكيفية التي تماحك بها المخيلة التاريخ. لقد شاهدنا عنصراً ساحراً في العمل، يشبه تناسخاً طيفياً يكشف الظهورات التي هي دائمة الحضور وغير منسية، مُستدعيةً روح الماضي إلى اللحظة الحاضرة.
أما الجائزة الأولى "جائزة حسن الحوراني" فتذهب لـ:
بشار خلف عن سلسلة لوحاته "ظل الظل"
لقد أثار إعجابَنا تبجيلُ خلف واحترامه لمصدر إلهامه؛ أعمالُ الفنان سليمان منصور، والخطوات الجريئة التي قام بها في إحضار رواية الفنان الكبير إلى الوقت الحاضر. لقد أثارت انطباعنا الصرامةُ التشكيلية، وأصالةُ التعبير في مجموعة من اللوحات الناضجة بشكل غير مألوف بالنسبة لفنان شاب، وفهمه لعلاقته بتاريخ فن الرسم الفلسطيني. إننا نعتقد أن العمل يخفي صراعاً عميقاً تحت الأسطح الناعمة والمخادعة لتلك اللوحات، وإن هنالك ذكاءً في القرارات التي اتخذها بشأنها. كما نعتقد أن هناك فناناً يطور بثقة مفرداته من خلال فن الرسم، الذي يعمل بوضوح بناء على قواعده الشخصية، وبرمزية ثرية.
وفي النهاية، إننا نهنئ الفائزين الذين أشدنا بأعمالهم في هذا البيان، ونتمنى، في الختام، لكل فنان وفنانة من الفنانين التسعة المشاركين، كل النجاح في المستقبل.
أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الفنان الشاب للعام 2014
أسنسيون مولينوس جوردو
سامية حلبي
كمال جعفري
مايكل راكوفيتز
نداء سنقرط