عندما سئل فولتير عمّن سيقود الجنس البشري، قال: الذين يعرفون كيف يقرؤون. وبالتركيز على "كيف"، كانت القراءة في مشروع امتلاك المكان هي نقطة الارتكاز والانطلاق لفهم قضايا مجتمع كل من المخيم السويدي في غزة، وقرية الكرمل في الخليل، وهي التي جمعت شباب المنطقتين في مسارٍ واحد، ليخطو من بعد تأسيس مجموعاتهم فيه خطوات حازمة، تعرّفوا خلالها على استخدام العالم الرقمي في مجال الفن، وفن التصوير، والكتابة الإبداعية، والأفلام، والرسم، كأدوات للتعبير وتوظيفها في قضايا الضغط والمناصرة الخاصة بالمكان، ليبدأ من بعدها الشباب بتحديد القضايا الرئيسية والمشاكل التي يعاني منها الفاعلون في محيطهم الجغرافي من أجل الخروج بقضية مناصرة يتم من خلالها العمل على حملة تساهم في حل تلك المشكلة.
تنوعت العناوين التي تطرقت إليها الفرق أثناء عملية تشكيل المجموعة، لبناء أرضية ثابتة، جماعية وتشاركية، تجمعهم، وتصل بين وجهات نظرهم حول المجتمع، وجاء من ضمنها: كتاب غسان كنفاني "إلى الأبد"، مقال غسان كنفاني "عن الأقلام أكتب ... ليس عن الكتب"، مقال "عن نهاية أمريكا ومعجون الأسنان وقصص ستي ونهايات أخرى" لفارس شوملي، كتاب "سر الزيت" لوليد دقة. وكان السؤال الأهم هو كيف نقرأ؟ وكيف نترك للقراءة كممارسة فكرية المساحة في التأثير على شخوصنا، وفهمنا للعالم ولدورنا فيه؟
فيما تعتمد مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي هذه المنهجية في تشكيل كافة مجموعاتها الشبابية، وفي تمكينهم من أدوات الحوار التي تقود خلال سيرورة العمل إلى تأسيسهم كمجموعة متماسكة ومندمجة على اختلاف مناطق تواجدهم. واستطاع الشباب في كل من فريق الكرمل وفريق المخيم السويدي، بسرعة قياسية، تشكيل أنفسهم كمجموعات جديدة شغوفة، تمكنت من الاندماج في الأنشطة المتنوعة للمؤسسة وفي برامجها الأخرى بسلاسة وبشكل عضوي، حيث إنهم كانوا قد شاركوا في مخيمات الشباب التي تنظمها المؤسسة في كل من غزة ورام الله، والتي تناولت قضايا متعلقة بالثقافة الإعلامية والفضاء الرقمي في الألفية الثالثة ودور الشباب في استخدام هذا الفضاء، إضافةً إلى بدء وقيادة حملات مؤسسة تامر في مناطقهم مثل حملة "أبي اقرأ لي" وحملة "أنا تبرعت بكتاب"، كما شاركوا في حوارات أفلام "نقش على حجر" التي أنتجتها فرق شباب مؤسسة تامر.
وتنوعت القضايا التي ناقشها الشباب في منطقة الكرمل بين قضايا بيئية متعلقة بالمكان والثقافة المجتمعية المرتبطة به، وقضايا اجتماعية مثل المشاكل العائلية وانعكاساتها على واقع البلدة ككل، إضافةً إلى القضايا الثقافية فيما يتعلق بالمواقع الأثرية وإهمالها من قبل المجتمع المحلي ووجودها تحت تهديد الاستيطان، وقضايا تعليمية مثل التسرب من المدارس، وهو ما أظهر وعياً عميقاً لدى الفريق بمجتمعه والقضايا التي تحيط به، وانشغاله بها على مختلف مواضيعها، والرغبة الملحة بأخذ الفرصة للتعبير عن هذه القضايا أو العمل من أجلها. أما في المخيم السويدي، فقد تناول الفريق جغرافية المخيم، والعوامل المؤثرة على وجوده داخل المنطقة الحدودية "المصرية الفلسطينية"، وعلاقتهم مع الحدود، وهواجس التأقلم، في مقابل تعزيز هوية المخيم ورموزه كحرفة الصيد، وصناعة المراكب وارتباطها بالبحر، إضافة إلى قضية صمود الناس داخل المنطقة، والسعي إلى تحسين ظروفها وليس الهرب منها.
يستهدف المشروع فئة الشباب واليافعين/ات كمحرك للتغير المجتمعي، ويشجعهم على التساؤل والتقدم بقراءات للواقع الذي يعيشونه، والعقبات التي تواجههم، من خلال الحوارات والمجاورات الثقافية، ويدفعهم باتجاه التفكير بمبادرات تضيء على قضايا وانشغالات مجتمعهم، بما يخدم عملية بناء مداخل جديدة لفهم دورهم المجتمعي، ويساهم في بلورة تصوراتهم للمستقبل الذي يريدونه. بالبحث في إمكانيات انخراطنا كفاعلين إيجابيين، نتحرك بوعي في ظل هذا الزخم الهائل من السياسات المحيطة، وبما من شأنه أن يعزز دور اليافعين/ات والشباب كشركاء في بناء المجتمع.
يذكر أن مشروع "امتلاك المكان"، ينفذ من قبل مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، بمشاركة نحو 50 شاباً وشابة، وبدعم من مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية الذي تنفذه مؤسسة عبد المحسن القطَّان، وبتمويل مشارك من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC).