رام الله – (مؤسسة عبد المحسن القطان):
نظمت مؤسسة عبد المحسن القطّان ندوة بعنوان "الكتاب في الأسر"، قدّمها الأسيران المحررّان عبد الله أبو غضيب وخليل عاشور، ضمن افتتاح العمل الفنيّ التركيبي "إبرة في كعب كتاب" للفنانة الإيطالية بياتريس كاتنزارو، حول قسم الأسرى في مكتبة بلدية نابلس، أمس، في مكتبة ليلى المقدادي القطان في مقر المؤسسة برام الله.
"شكلّ الكتاب بحضوره أحد تجلّيات الثقافة في حياة الأسير، وامتزج دور الكتاب ثقافياً مع الدور النضاليّ"، بهذه الكلمات افتتحت المديرة العامة لمؤسسة عبد المحسن القطّان فداء توما الندوة، مضيفة "لذلك ارتأينا أن يكون أول مشاريع مكتبة ليلى المقدادي القطان حول قضيّة الكتاب في الأسر، لأنّ قضيّة الأسرى مفصليّة تقعُ في صُلب قضايانا الوطنيّة"، ولتسليط الضوء على قيمة "الكتاب" في حياة للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
وذكر مدير مكتبة بلدية نابلس السيد ضرار طوقان، أن مكتبة البلديّة تشكّلت من كتب مكتبتيّ سجنيّ الجنيد ونابلس المركزيّ، وسعت البلدية من خلال الكتب التي جاوزت 8000 كتاب و1000 كراسٍ الى الحفاظ على تاريخ الأسرى وحكاياتهم، وإبقائها في متناول الجميع.
وقال أبو غضيب خلال الندوة: "كلُّ كتابٍ هو نسخة مقروءة من عقل المؤلف، ويضيف معرفةَ الكاتب إلى معرفةِ القارئ، إضافة الى كونه ينقل الأسير من الجدران التي تعزله عن الحياة، الى حياة أبطال الكتاب، فيستشعر نفسه جزءاً من حياةٍ أخرى"، إذ يبقى السجن حبساً للجسد لا للروح والتفكير. كما إنّ المعرفة التي تأتي عبر الكتب -حسب أبو غضيب- تُهذّب النفس وتحسّن السلوك، وتخلقُ وحدةً في الفكر الثوريّ والنضاليّ. في إطار ذلك، كانت هناك صعوبة في وجود الكتب والروايات داخل السجون، لأن سلطات الاحتلال تمنع الأسرى والمُعتقلين الفلسطينيين من الحصول عليها.
وعن بناء مكتبة السجن، قال عاشور: لقد استعملنا كلّ الطرق لتأسيس مكتبة صغيرة في السجن، احتوت في البداية على 80 كتاباً في العام 1972، وخلال 10 أعوام تمكنا من الوصول إلى 1800 كتاب في مكتبة السجن، التي شكلك، لاحقاً، قسم الأسرى في مكتبة بلديّة نابلس.
وأضاف: كانت البداية بترميم الكتب الموجودة، عن طريق استعمال "البلاستر" والغراء المُهرب من الأسرى لجمع الكتب المُمزّقة، إضافة الى خياطتها بالإبر، وخيوط الأكياس القماشيّة، ثمّ بإحضار كتبٍ جديدة عن طريق نزع غلافها واستبداله بصورٍ لممثلاتٍ ومغنيات.
وأضاف عاشور: "لم يكنُ الكتاب وسيلةً للمعرفة فحسب، بل استُخدِم كأداةٍ لمجابهة السجان، من خلال تهريب الرسائل بين الأسرى من سجنٍ الى آخر، إذ كانوا يضعون الرسائل بين غلاف الكتاب وقطعة كرتونٍ مقوّى، ويغلفونها ليبدو غلافاً للكتاب، إضافة الى استعمال الكتاب لتهريب إبر الخياطة، وشفرات الحلاقة، والبيانات التنظيميّة، من خارج السجن إلى داخله، وبين الأقسام.
وتحدثّ رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرريّن قدري أبو بكر عن تجربته في الأسر في سجن عسقلان، إذ لم تكن الكتب موجودة، مع ذلك استطاعوا تأسيس مجلّة أسبوعيّة داخل السجن نفسه، عن طريق كتابتها على مغلّفات الأطعمة بعد غسلها وتنشيفها، وتحوّلت بعدها إلى مجلّة شهريّة.
من جهتها، أكّدت الأسيرة المحررّة عائشة عودة أن الكتب لم تكن خياراً يتّم التفاوض على إدخاله في السجون، بل كانت وسيلةً للضغط على الأسيرات ومعاقبتهنّ، بينما عبّر الأسير المحرّر صلاح الخواجا عن قدرة الأسرى في نقل البيانات من سجن النقب خلال الانتفاضة الأولى 1987 على ورقٍ شفافّ، توضعُ داخل كبسولات صغيرة ثم تُنقل إلى أهالي الأسرى خلال الزيارات.
ويتمحور العمل الفني التركيبي حول استعارة مجموعة من كتب قسم الأسرى في مكتبة نابلس، ونشرها في فضاءات جديدة، لإثارة حالة من النقاش حول الكتاب في الأسر.
وتنقل العمل الفني قبل ذلك بين ثلاثة مواقع في فلسطين، كان الأول في المكتبة الخالدية في القدس ضمن مشروع "معرض القدس" الذي تنفذه مؤسسة المعمل للفن المعاصر، ثم في معرض المدن "ما بين عيبال وجرزيم" لمتحف جامعة بيرزيت، والآن في مكتبة ليلى المقدادي القطان.