لم تحتجْ أمّهات قرية يبرود أن يريْن الأحافير تُعرض أمامهنّ في المبنى الذي سيصبح قريباً متحفاً تفاعليّاً؛ ليعرفنَ ما الذي تنشغل به بناتهنّ منذ سنوات، فقالت والدة الطالبة ساجدة عبد المطلّب المنخرطة في مشروع الأحافير منذ بدايته العام 2011: "بدأ المشروع مع ابنتي ساجدة لمّا كانت طالبة في الصفّ الخامس، والآن صارت ابنتي الأصغر إيلاف جزءاً منّه، صاروا البنات يعلّمونا"؛ مستذكرةً بدقّة كلّ المراحل التي مرّت بها ابنتاها كالبحث، وصنع مجسّمات للأحافير باستخدام الجبصّ؛ مضيفةً: "بينما أولادي غير المنخرطين في المشروع مرّوا على وحدة الأحافير في كتاب العلوم مروراً سريعاً".
ويُعدّ مشروع الأحافير أحد مشاريع "التكون المهني"، التي ينفّذها برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسّسة عبد المحسن القطّان، من خلال توظيف "التعلّم عبر المشروع"، ويشرف على المشروع المعلمة سهاد السيد، ومن برنامج البحث مدير مسار اللغات والعلوم الاجتماعية مالك الريماوي، والباحث والمنسق عبد الكريم حسين، وحاليّاً يتم العمل على تكوين رؤيا ورسالة واضحة لمتحف تفاعليّ للأحافير، وخطة لإدارته، وشعارٍ له؛ ما استدعى إشراك الأمّهات عبر لقاءاتٍ عُقد أوّلها الاثنين 16/1/2017؛ شارك فيها الريماوي وعبد الكريم، والباحثة فيفيان طنّوس، والفنان عبد الله قواريق.
"لقّطتوا زيتون ولّا أحافير؟"
قالت والدة الطالبة ولاء ياسر إنّها اعتادت جمع "الحجارة" ذات الشكل المميّز حين كانت طفلة، وسألت أباها مرّة عن إحداها فقال لها: "هذي طاقية جحا، وهذي وسخة جُحا"، وحين وجدتها ثانيةً برفقة ابنتها ولاء بعد أعوام؛ أجابتها صغيرتها بأنّها أحفورة لقنفذ البحر.
يهدف مشروع "الأحافير" إلى جمع إجابتيْ "طاقية جحا" وأحفورة قنفذ البحر في مكانٍ واحد، دامجاً القصص التي حاكتها الذاكرة الشعبيّة مع المعرفة العلميّة المثبتة.
وتؤكّد الأمّهات إنّ أثر المشروع على بناتهنّ كان واضحاً في توطيد علاقتهنّ مع قريتهنّ، فتجوّلن مع أمّهاتهنّ وجدّاتهنّ في جبال القرية التي لم يعرفنها من قبل، واستثمرنَ موسم قطف الزيتون في جمع المزيد من الأحافير، فعاتبتْ جدّةٌ مازحة: "انتن جايات تلقطن زيتون ولّا أحافير؟".
اختارتْ كلّ أمّ وطفلتها أحفورةً واحدة ليروين قصّة حولها، فذكّرت إحدى الأحافير أمّاً بطفولتها: "ذكّرتني لمّا كنت أسرح مع ستّي على الجبل، وأبني قصر من الحجارة، أحلى لعبة"، وروت طالبةٌ أنّ الأحافير تعيد أمّها بالذاكرة إلى طفولتها على شاطئ الخليج، حيث اعتادت قضاء عطلتها الأسبوعيّة بالكويت.
(Fossils in Palestine)
تستذكر إحدى الأمّهات الحاضرات في اللّقاء زيارتها إلى متحفٍ "إسرائيليّ"، حيث وجدت أحافير من مغارة "الزيطة" في قريتها يبرود، وما سبّبه ذلك من استياءٍ لم يزل؛ حتى بعد مرور قرابة 15 عاماً.
وفي السياق ذاته؛ بحثتْ المشاركات على محرّك البحث Google عن "الأحافير في فلسطين"، فلم يجدنَ أيّ محتوى يفيدهنّ؛ مقابل ما وجدنه من مصادر حين طبعنَ بالإنجليزيّة "الأحافير في إسرائيل Fossils in Israel"، ما يدلّل على أهميّة هذا المشروع من ناحية سياسيّة أيضاً.
من السهل أن يُرمّم المبنى ويُعدّ لعرض جهد الطالباتِ وما جمعنه من أحافير وأبحاث خلال الأعوام الماضية؛ الأصعب هو رؤية هذا المتحف والأفكار التي سيحملها؛ عاكساً القيم التي تعدّها الطالباتُ والأمّهاتُ قد تعزّزت خلال العمل؛ فذكرنَ التعاون والعطاء والاستكشاف والإصرار، مضيفاتٍ أنّ صلتهنّ مع القرية توطّدت: "فيه إشي بيربطني في يبرود غير إنّي عايشة فيها".
ومثالٌ على ذلك؛ الطالبات اللواتي بدأن المشروع العام 2011؛ وتحوّل التزامهنّ من التزامٍ مدرسيّ إلى التزامٍ شخصيّ طوعيّ حين كبرنَ وانتقلن إلى مدرسةٍ ثانويّة في قريةٍ مجاورة؛ ولم ينقطعنَ عنه.