اختتم مركز المعلمين في نعلين/ مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، مؤخّراً، ورشتي عمل استمرتا ستة أيام، لمشروع "المدية: حكاية المشهد وذاكرة الناس"، أحد مشروعات التكوّن المهني، وذلك ضمن مشروع تعلّمي يربط الفنون بالتاريخ، بإشراف الفنانين بشار خلف وريم المصري، ومالك الريماوي، مدير مسار اللغات في مركز القطان.
وهدفت الورشتان إلى تعليم الطلاب منهجيات البحث التاريخي، وتطوير قدراتهم في مجال التعبير البصريّ، من خلال إعادة إنتاج تاريخ القرية المدمّرة العام 1967، عمواس، حيث لاحظ الطلاب أثناء معاينتهم لمجموعة من الصور أنّ هناك صورة لعمواس العام 1958، تظهر فيها القرية بكل كيانها وهويتها، فيما لم يجدوا القرية على الخارطة في صورة أخرى من العام 1967؛ في ضوء هذه الملاحظة، بنى الطلاب إشكاليتهم البحثية، ووضعوا مجموعة من الإجابات الافتراضية التي قاموا باختبارها بحثياً.
وقام المشاركون خلال الورشة الأولى بقراءة ومراجعة تاريخ قرية عمواس، حيث لعبوا دور المؤرخين والباحثين، وقاموا بالبحث عن القرية التي اختفت عن الخارطة، لاستعادتها كذاكرة في الزمن وموقع جغرافي حي، فانخرطوا في مجموعات بحثية لدراسة القرية، من خلال قراءة المراجع والكتب، والبحث في الإنترنت، إضافة إلى إجراء مقابلات مع شهود ومختصين.
كما عمل المشاركون على تطوير قصص قصيرة، تم خلالها توظيف تاريخ عمواس المدمرة، كنموذج لبناء قريتهم وسرد قصتهم داخل القرية، تبع ذلك قراءة عميقة لأحداث القصص، ورمزية المشهد، والعلاقات بين العناصر المختلفة في القصة، لتحليل الأحداث واستخراج العناصر البصرية، ومن ثم تحويلها لرموز تمّ تجسيدها بلوحات فنية.
أمّا خلال الورشة الثانية، فقد اطلع الأطفال المشاركون على لوحات فنيّة عالميّة، وقاموا بتحليلها، كما تعرّفوا على بعض أهم الفنانين على مرّ السنين، وقاموا بقراءة دقيقة لتاريخهم ومدارسهم في الرسم. إضافة إلى ذلك، فقد عمل الأطفال المشاركون على مخطط تجريبي لرسم قريتهم، وقد تُوّجت الورشة بجدارية فنيّة خيالية لقرية المدية، تشكّل ملحمة بشرية، وتجسد رؤية الأطفال لقريتهم.
وعن هذه الورش، قال الريماوي: "ما نتج عن هذه الورش هو قصص ولوحات وأشكال تعليمية، تشكل إضافة نوعية في عملية التأريخ الفلسطينية، بوصفها مشروعاً حياتياً فلسطينياً يومياً، مرتبطاً بسياسات الهوية وبالفهم السياسي للوجود الوطني من جهة، ومن جهة أخرى إضافة في تطوير منهجيات التعليم، عبر تضافر منهجيات البحث مع كفايات التعبير الفني، ضمن صيغة المشروع وفعاليته؛ تلك الصيغة التي تبني التعليم بوصفه تنظيماً عقلياً لفعالية الناس الفعلية، ما يؤدي إلى إذكاء ذكائهم العملي والبصري معاً".
وتأتي هذه الفعاليات ضمن مشروع تعليمي، استمر في مدرسة المدية منذ سنوات، حيث قام جيل سابق من طلاب المدرسة بجمع مادة أرشيفية مصممة ككتاب، فيما يقوم الجيل الحالي، بتحويل المواد النصية إلى رسومات ولوحات، ما يفضي إلى تعليم يشكل تواصلاً بين جيل الأهل- جيل التجربة وجيل النص وجيل الصورة.