يبقى العام 2011 في ذهن كل عربي بوصفه العام الذي نزلت فيه الشعوب إلى الشوارع كي تطلق صوتها السياسي الذي لطالما كُبت. وسواء في تونس، حيث أطيح برئيس الدولة، أو في البحرين، حيث قُمع الاحتجاج الشعبي، فقد كان العالم العربي (والعالم الأوسع) إزاء منعطف أكيد. أمّا في سوريا، فقد تحول ما ابتدأ كاحتجاج إلى حرب متواصلة أدّت إلى واحدة من أشدّ أزمات النزوح سرعة في التاريخ الحديث. طرح مستوى الهجرة القسرية، الناجمة عن أشكال العنف المختلفة، أسئلة ملحة على المجتمع الدولي تتعلّق بحق التنقل، وحق اللجوء، وإعادة التعريف المتواصلة لهذين المفهومين. وأفضى التساؤل عن معنى الوطن والأمان إلى سبر أغوار أسئلة وجودية على المستويات القانونية، والسياسية، والدبلوماسية. وسُلِّطَ ضوء قوي على الطبيعة الاعتباطية للحدود وديناميات القوة والسلطة بين أولئك الفارّين من الحرب وأولئك الذين يمكنهم تقديم الدعم. وأصبح الأمان، في هذه الحالة، عملة متداولة لدى بقية العالم. ونُظر إلى رعاية بني جلدتنا من البشر لا على أنّها واجب الدول الوطنية في أن تتصرف بمسؤولية كي توفّر الملجأ لأولئك الفارين من العنف، بل على أنّها معاملات رمزية.
مع صوغ هذه الأسئلة في أشكال سينمائية، كان لا بدّ من استجابة جديدة حيال مجموعة من الحاجات جديدة تماماً وملحّة. وتتناول المجموعة الثانية من الأفلام ثلاثة من أسئلة الوجهة والفضاءات الآمنة الممنوحة على نحو قانوني في سياق الخروج السوري من أتون الحرب. وإذ نقدّم أساليب سينمائية مختلفة تماماً، فإننا نبدأ بإثنوغرافيا عن سياسات التخطيط، ترصد تخطيط المنزل الفردي وتسليعه. يمضي بنا فيلم مأوى بلا مأوى (Shelter without Shelter)، عبر عملية صنع السياسات في المؤسسات والشركات، ولدى المُخطِّطين والمُشرِّعين الذين يجب أن يفكروا في حلول تتعلّق بإعادة تموضع الفارين من الحرب. ننتقل بعد ذلك من التخطيط الهادف إلى الاستخدام التجريبي لفضاء مهجور لغير ما قُصد منه في الأصل. يقوم فيلم مطار تمبلهوف المركزي (Central Airport THF) على الرصد والملاحظة، فيستكشف كيف يُنظر إلى مكان من الأمكنة، وكيف يمكن أن يُعاد تعريفه كي يخدم غرضاً غير الذي بُني من أجله. ونرى هنا نجاحات تجربة العيش في مطار مهجور في مدينة برلين وإخفاقاتها. أخيراً، فإنَّ فيلم بحر بنفسجي (Purple Sea)، هو وثائقي مأساوي وشاعري يدور في البحر. صُوِّرت هذه التجربة التجريدية والانطباعية وبشرها عائمون في الماء بعد أن انقلب بهم مركب كبير في البحر الأبيض المتوسط. تتيح لنا المخرجة المشاركة أمل الزقوط مساحة لأن نفكّر بمزيد من الجدية في القوى المتلاعبة التي تخلق ما يسمّى دولنا الوطنية.
يطرح هذا الاختيار لثلاثة أفلام أسئلةً عن تعريف "الوطن" مادياً ومفهومياً، وحقوقنا عليه، ومن يقرر ذلك، وأخيراً كيف تؤثر هذه القرارات والسياسات والتناقضات في حياة الناس على الدوام.
08/02/2023
مأوى بلا مأوى (2019)
93 دقيقة| المملكة المتحدة| الإنجليزية مع ترجمة إنجليزية | المخرج: مارك إي بريز وتوم سكوت سميث
عن الفيلم:
يستكشف فيلم مأوى بلا مأوى الآمال الكبيرة والتحديات العميقة التي ينطوي عليها إيواء اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011. صُوِّر هذا الفيلم الوثائقي على مدى ثلاث سنوات، بين العامين 2015 و2018. وهو يتقصّى كيف جرى إيواء المهجّرين قسراً من سوريا في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، حيث انتهوا في مخيمات ضخمة أو أماكن مدينية فارغة، أو مطارات، أو مستوطنات غير قانونية، أو مبانٍ مصادرة، أو بنى سهلة الفكّ والتركيب، أو مراكز استقبال ضخمة ذات تصميم هندسي. يكشف هذا الوثائقي، بما يشتمل عليه من وجهات نظر العاملين في المجال الإنساني الذين أنشأوا هذه الملاجئ والنقّاد الذين حملوا عليهم، ما تنطوي عليه محاولات إيواء اللاجئين في ظروف طارئة من معضلات معقدة وإخفاقات هائلة. ويقدّم مأوى بلا مأوى، استناداً إلى بحث جديد مبتكر في مركز دراسات اللاجئين بجامعة أكسفورد، تبصّرات في تجربة إنسانية كونية. فنحن جميعاً نحتاج إلى مأوى، لكن ما هو المأوى؟ ثمة، أولاً، مسألة تلك البنى المبنيّة لغرض إيواء أولئك الذين وصلوا معسكرات اللجوء الجماعية. وفيلم مأوى بلا مأوى ينظر إلى صنع السياسات التي تقف وراء بيوت اللاجئين وما يتلو ذلك من تسليع، وإلى حصيلة التجربة المُدرَكة. وإذ يطرح الفيلم السؤال، ما المأوى؟ فإنّه يسائل، أيضاً، عملية اتخاذ القرار. ومع أنّه لا يمنح مجالاً واسعاً لأولئك الذين تُتَّخذ لأجلهم القرارات، فإنّه يلقي إلى السؤال نظرة مكبرة من زاويته المتعلقة بصنع السياسات. ونعرف، من خلال شهادات أولئك المتورطين هنا، حجم الحسابات في محاولة تقديم حلّ ومدى تعارض ذلك مع أولئك الذين يجرؤون على إضافة الإنسانية والدفء. يعرض هذا الفيلم لقيمة المكان بوصفه بيتاً ومصدراً للكرامة، ولاستحالة حلّ هذه المشكلة من جذرها الذي هو العنف والتهجير.
15/02/2023
مطار تمبلهوف المركزي (2015)
96 دقيقة| المانيا| الألمانية و العربية مع ترجمة إنجليزية | المخرج: كريم عينوز
عن الفيلم:
يبقى مطار تمبلهوف التاريخي المعطَّل في برلين مكاناً لوصول المسافرين ومغادرتهم؛ ذلك أنَّ حظائر طائراته الضخمة تُستخدَم كأكبر مأوى طارئ لطالبي اللجوء، مثل اللاجئ السوري إبراهيم ذي التسعة عشر ربيعاً. وبينما يتكيّف إبراهيم مع حياته اليومية الانتقالية، مقابلات موظفي الخدمة المدنية، ودروس اللغة الألمانية، والفحوص الطبية، فإنّه يحاول التغلب على الحنين إلى الوطن والقلق حيال إن كان سيحصل على الإقامة أم سيُرَحَّل.
01/03/2023
البحر البنفسجي (2020)
96 دقيقة| ألمانيا | اللغة العربية مع ترجمة إنجليزية | المخرج: أمل الزقوت وخالد عبد الواحد
عن الفيلم:
نظراً إلى بقاء الطريق إلى أوروبا مغلقاً على الفنانة السورية أمل الزقوط، اضطرت إلى عبور البحر الأبيض المتوسط مع المهربين. لكنَّ القارب الذي كانت على متنه، مع 300 راكب آخر، غرق في منتصف الطريق إلى ساحل ليسبوس. وتمكنت من تسجيل اضطراب ذلك الحادث وفوضاه بكاميرا مقاومة للماء كانت مربوطة بمعصمها. وبات التصوير الذي كان يُراد له أن يكون توثيقاً للرحلة، سجلاً لمأساة. وباتت الصور بألوانها الحادة المترعة بأشعة الشمس الساطعة، والمكتومة التي لا يرافقها الصوت، قصة من قصص الطوارئ. غرق القارب في منطقة محايدة، في مكان ما بين تركيا واليونان. وترددت الخدمات البحرية في الدول المجاورة في إرسال نجدة. يمضي بنا سرد أمل الشعري طوال الفيلم إلى أفكارها، الوجودية على الدوام، وإلى تيار الوعي الذي ساعدها على البقاء. وراحت حينئذ، مع مجموعة من فاقدي الجنسية، تعوم وتسبح، بين الحدود، بين القوانين والتشريعات، من دون أن يُرحَّب بهم أو يُمنحوا تصاريح دخول. وزُهقت أرواح 42 شخصاً في هذه المأساة. وهذا وضعٌ يطرح سؤال الاختيار بين احترام الحدود واحترام حياة الإنسان.
تُنظَر المقالة التي كتبتها ميرل كروغر مع أمل الزقوط، وهي تقوم على حوارات حول تجاربها التي سبقت الفيلم، وذلك على الموقع: https://merlekroeger.de/en/5/purple-sea-essay
في المقابلة المشار إليها أدناه، ثمة خلفية معمّقة حول تشكيل الفيلم، والمقاصد من ورائه، والتقاط الصور، وصناعة الفيلم، ولذلك تُرجى مشاهدتها:
https://www.youtube.com/watch?v=tExK7__ievE