"عصر الجوهر والخيال والعمل الشاق": مقابلة مع الفنان الفلسطيني ستيف سابيلا

الرئيسية "عصر الجوهر والخيال والعمل الشاق": مقابلة مع الفنان الفلسطيني ستيف سابيلا

ستيف سابيلا (المولود في العام 1975 في القدس، فلسطين) فنان ومؤلف يتخذ من برلين مقرا له. حازت مذكراته التي وضعها في كتاب بعنوان The Parachute Paradox على جائزة وصدرت عن دار النشر كيربر فيرلاج (في أيلول 2016) وتطرق فيها لمفهوم استعمار الخيال. أما دراسته الزمنية التفصيلية (مونوغراف) بعنوان ستيف سابيلا-التصوير 1997-2014 فقد صدرت عن هاتييه كانتز بالتعاون مع أكاديمية الفنون في برلين (2014) وتضمنت نصوصا لهيوبرتس فون اميلانكسن وقدمها الفنان والاكاديمي كمال بلاطة.

حصل سابيلا على شهادة البكالوريوس في الفنون البصرية من جامعة ولاية نيويورك في العام 2007، وتمكن من خلال منحة شيفننج أن يتابع دراسة الماجستير في دراسات فن التصوير، والذي حاز عليها من جامعة ويستمنستر في لندن في العام 2008 حيث تخرج بامتياز ورتبة شرف. وفي العام 2009 تمكن سابيلا من خلال منحة من مؤسسة سعيد الحصول على شهادة الماجستير الثانية في إدارة الفنون من معهد سوثبي للفن في لندن، ومنحته أكاديمية الفنون في برلين جائزة إلين أورباخ للعام 2008.

نشر سابيلا العديد من الأوراق والمقالات حول سوق عالم الفنون ويقوم حاليا بالإعداد لنشر ما اطلق عليه "The Artist’s Curse" أو "لعنة الفنان" وهي سلسلة من الخواطر والنصوص القصيرة جدا والنصائح وتحليلات دقيقة حول عالم الفن كما هو قائم حتى العام 2020. وسيصدر عن سابيلا قريبا كتاب الفنان بعنوان "أسرار الحياة".

.  النص الكامل لمقابلة الفنان ستيف سابيلا مع "ميدل إيست مونيتور"

 

"الأرض الحرام" هو عمل من ثلاث لوحات فوتوغرافية بعرض ستة أمتار، وقد تم، إبرازه أيضاً، ضمن عرض للمتحف الفلسطيني بعنوان "اقتراب الآفاق: التحولات الفنية للمشهد الطبيعي"، هل يمكنك أن تتحدث لنا أكثر حول عملية صناعة هذا العمل تحديداً؟

نظراً للحالة الطارئة الوجودية غير المسبوقة التي نعيشها اليوم، فقد تغيرت إجاباتي عن الأسئلة المطروحة.  ونحن نراقب ما يجري، يمكننا أن نرى أن هذه الجائحة ما هي سوى "تسونامي بطيء الحركة" لا يهدد بهذا المعنى الحياة على كوكب الأرض، بل هي "الحضارة الإنسانية" التي تجد نفسها على المحك.  فكوكب الأرض أوجد زر إعادة التشغيل الخاص به حتى تتمكن الحياة من الاستمرار، لكن ربما ليست لنا.  ولعل ما سيتبقى مستقبلاً لن يكون سوى شذرات وبقايا من الأعمال والفنون لتروي قصتنا، وآمل أن لا تكون على جدران الكهوف مجدداً.

إن لم نستيقظ الآن فقد ينتهي بنا المطاف سائرين على الطريق نحو الأرض الحرام، اسم العمل الذي قمت بتعليقه في المتحف الفلسطيني.  نحن في حقبة من التغيير والفرص والإبداع والخيال وما هو جديد، وعلينا أن نودّع عصر الحروب والكراهية.  ففي عصر ما بعد سيناريو نهاية العالم "الكوروني"، لن تقوم قائمة لأي قائد في العالم، هذا إن تبقى أي قادة، ما لم يتبنَّ وعياً قاطعاً بضرورة حماية الكوكب أولاً، يليه توفير الرفاهية والضمان للمواطنين كافة بشكل متساوٍ.

في الأرض الحرام، يستطيع الشخص أن يرى أشكالاً متنوعة من بقايا الحياة، حيث أوراق الشجر اليابسة، والريش، وحبوب اللقاح، والغبار العابر، تخلق مشهدية جديدة يشوبها عدم وضوح فيما إذا كنا فوق المياه أو في أعماق المحيط، في أعالي الفضاء أو تحت الأرض، أو فوق سطح أرض محروقة متحجرة.  وهناك، أيضاً، تلك الأشكال البيضاء في الأرض الحرام، تبدو وكأنها أشكال تشبه البشر، ولكنها في حالة من الضياع والغرق.  تعبر هذه الصورة، بأشكال مختلفة، عن الحالة الجسدية والنفسية التي يعيشها العديد من الفلسطينيين، حتى أولئك الذين ظلوا في أرضهم، وهي الآن، قد تكون تعبيراً عن واقع حياة قد يحل ويباغت البشرية جمعاً في لمح البصر.

يلهمنا هذا العمل "الأرض الحرام" لأن نتخيل الجمال في عالمنا، وأن ننظر إلى ما وراء السطح الخارجي، تحديداً في هذا الزمن من التغييرات المتلاحقة في كل ما يحيط بنا.



أنت تعيش حالياً في برلين؛ المنفى الذي اخترته طواعية للعيش فيه منذ سنوات طويلة خلت.  لقد شكل مفهوم "الخيال المستَعمر" لب اهتمامك الفني والكتابي، فهل يمكنك أن توضح لنا ما الذي يعنيه هذا المفهوم؟

كما هو معروف، فقد ولدت في البلدة القديمة من القدس، ومكثت فيها حتى العام 2007.  في حينها، كنت أعيش المنفى وأنا في وطني وبيتي.  وقد تعمقت هذه الحالة عندما انتقلت إلى العيش في لندن بصخبها وإيقاعها الذي يخلق شعوراً أكبر بالاغتراب، وتمكنت فقط في العام 2012 في برلين من أن أحرر نفسي من حالة المنفى الدائم الذي لطالما اعتقدت أنه قدر حتمي.  لقد اختبرت بشكل مباشر كيف يقوم الاحتلال بشل حركة الجسد والسيطرة عليه.  لقد شعرت بالأثر النفسي الصعب والشديد لما يعنيه أن تولد في ظل الاحتلال، وأن تعيش لاحقاً واقعاً محاصراً.

لقد بت مقتنعاً على مر السنين بأن الفلسطينيين قد وصلوا إلى الحد الذي يصعب معه عليهم تخيل ماهية الحياة بحرية، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يكون بمقدور أي شخص أن يحرر البلاد؟ لقد أفقت وأدركت بأن ما يمنع البلاد من التحرر يكمن في أن خيالهم بات محتلاً، وقد وصلوا إلى طريق مسدود في ظل قدرات محدودة في إيجاد طرق جديدة يتجاوزون فيها قضبان سجنهم.  من هنا، قمت بتنقية خيالي وأعلنت استقلالي وأعطيت نفسي فرصة الولادة من جديد، وهو شيء أعتقد أن كل فلسطيني، وحتى كل إسرائيلي وكل مواطن في هذا العالم عليه القيام بالشيء ذاته، ففي نهاية المطاف، نحن نتحدث عن عالم واحد وقلب واحد.

 

هل ما زلت منخرطاً في المشهد الفني في فلسطين؟

دعني بداية أشير إلى أنني لم أغادر المشهد الفني في فلسطين أبداً.  لقد قمت، فعلاً، بعرض أحد عشر عملاً فردياً في فلسطين بين الأعوام 1998-2007، لكن بعد مغادرة القدس، أعتقد أن كل الفنانين يصبحون سفراء لموطنهم الأصلي، سفراء لا يخفون الحقيقة، ولربما الفنان هو أكثر الأشخاص قدرة على استشعار نبض الشعوب، ومن ثم تحويل هذه النبضات والاهتزازات إلى فن عظيم؛ فن لا ينحاز لهوية معينة، بحيث يستطيع الجميع أن يروا أنفسهم ويتواصلوا معه.  فقط هذا النوع من الفن هو الذي بمقدوره أن يصمد أمام اختبار الوقت.

برأيك، ما هو أكثر شيء يحتاجه المشهد الفني الفلسطيني حتى يواصل التقدم والازدهار؟ ما هو دور الفنان الفلسطيني في الخارج بهذا الصدد؟

في العام 2009، كانت أطروحتي ضمن دراستي لنيل لقب الماجستير الثاني في معهد سوزبيز للفن، تتمحور حول إعادة النظر في قيمة الفن الفلسطيني، ورحلته عبر أسواق الفن، حيث أوردت تفاصيل حول الديناميكيات التي من شأنها أن تمكن نمو المشهد الفني وتطوره، بما في ذلك الاستقرار السياسي، والتعلم، والسياسات الحكومية، والمتاحف، وجامعي الفنون، والمعارض، وبيوت المزادات، ومعارض الفنون، وهي أمور تفتقدها فلسطين جميعها، وهو الواقع الذي مهد الطريق أمام دولة الإمارات العربية المتحدة بمواردها الغنية، لتصبح القناة الرئيسية لدعم نمو قطاع الفنون الفلسطيني.  لكن الكثير من الأمور تغيرت في العقد الأخير، الأمر الذي يتطلب إجراء دراسة جديدة حول الموضوع.

ومن الواضح بالنسبة لي أنه في زمن ما بعد الكورونا، لا بد من العودة إلى الطاولة، وإعادة تنظيم الأمور، حيث إن بقاء الفنانين، وبخاصة أولئك الذين يفتقدون لوجود ودعم قوي في سوق الفن، مهدد بالانهيار.  يجب علينا أن نتذكر دائماً أن المقصود بهذا الانهيار الآن ليس مرتبطاً بالقيمة الأصيلة، بل بالقيمة المادية للفن، على الرغم من وجود علاقة بينهما.  والآن، حيث نواجه واقعاً جديداً، فإن ترويج الفنون وتسويقها سيواجه تحديات أكبر، وسيدفع الفنانون ثمناً كبيراً نتيجة لذلك، لكنهم بالتأكيد لن يصبحوا أقل إبداعاً.  لقد آن أوان الوضوح في الرؤية والتنقية بإزالة الشوائب، وأن يصبح كل المبدعين، مبدعين خارقين.

قبل بضعة أشهر، أردت أن أتشارك مع بعض المؤثرين المحليين من أجل تأسيس مجموعة فنية مستدامة تتبناها شركات في فلسطين، وهي مبادرة كتبت عنها بشكل موجز ضمن أطروحة الماجستير الثاني في معهد سوزبيز.  إذا نجحنا في إنشاء عشر مجموعات فنية من هذا القبيل، من بين الشركات الرائدة، بحيث تقتني كل شركة عشرة أعمال فنية سنوياً ليكون لدينا بيع لمئة عمل فني (بداية متواضعة).  الأعمال الفنية المئة هذه من شأنها أن تطور بشكل عضوي اقتصاد الفن، وبالتالي تولد دخلاً للعديد من الفنانين المختلفين، وتسلط الضوء وتبرز الشركات التي تقتنيها.  الآن هو وقت التعاضد، ووقت تشكيل الصورة الأكبر، وإدراك أننا جميعاً جزء صغير جداً من الصورة الكبيرة التي نقوم برسمها أو تشكيلها سويا.

 

أحد آخر العروض التي قمت بها في العام 2019 كان مسيرات العودة الكبرى، الذي تضمن أكثر من ألف صورة فوتوغرافية التقطها صحافيون فلسطينيون من قطاع غزة، وقمت بوضعها بشكل متباين مع صور من الفضاء الخارجي.  هل يمكن لك أن تروى لنا فكرة هذا العمل وأساس تشكيله؟

لقد قمت بالجمع بين هذه الصور من أجل خلق حقائق جديدة وعالم جديد.  لقد قمت بدمج قطاع غزة المغلق إغلاقاً محكماً مع الفضاء الخارجي غير المتناهي بشكل أنتج ما يمكن تسميته "جدارية فريسكو معاصرة" ضخمة تُظهر نضال الشعب الأبدي من أجل الحرية.  هذا العمل هو عبارة عن حقيقة داخل حقيقة، رحلة إلى البداية والنهاية.  الحياة في فلسطين أشبه ما تكون بحلقة لولبية، تماماً مثل تلك التي نجد أنفسنا فجأة مجبرين أن نعيشها.  وقد سقطت فلسطين، أكثر من أي وقت سابق، من خارطة العالم، لقد تم تهميشها.  كما فقد نضال الشعب الفلسطيني مركز ثقله.  أردت أن أنسج قصة يكون كل مشهد فيها مهماً، وحيث كل حياة مرتبطة بالصورة الأكبر.  استلهم هذا العمل من فن النهضة، الذي يشي معناه بالإنجليزية باستعادة الحياة.  ما أخشاه الآن هو موت الرواية الفلسطينية، وأخاف أن تتحول فلسطين إلى أيقونة دينية صماء بلا نور أو حياة.

استخدم أحياناً آلة التصوير الخاصة بي كفرشاة رسم، ولكن هنا في مسيرات العودة الكبرى، استخدمت اللون في هذه الصور كأنه الدهان.  لكن أساس هذه اللوحة سيظل دوماً التصوير الفوتوغرافي الذي يحض الخيال على القفز من بعد إلى بعد آخر – من غزة إلى العالم وما هو أبعد.

أول مرة شاهدت فيها مسيرات العودة الكبرى على شاشة التلفاز، بدا المشهد بالنسبة لي سريالياً يشبه الصور التي يمكن تخيلها عن نهاية العالم.  كان الناس يغرقون في سحب الدخان، لا تثنيهم النار، وقد تم التقاط صور لهم في أوضاع بدت وكأنها خرجت من الأسفار المقدسة، وكأنها أزيلت من جداريات الفريسكو في كنيسة قديمة.  استغرقتني عملية تجميع الصور أكثر من 800 ساعة، جلست فيها ليلاً نهاراً أعمل على تجميعها أحياناً في ظل ظلام دامس لا يضيئه سوى ذلك الشعاع المنبعث من الصور نفسها.  قمت بوضع الناس مع بعضهم البعض، باحثاً دوماً عن فضاء وحيز يسمح لهم بالامتزاج.  كنت غالباً اكتشف تفاصيل متناهية الصغر بعد إمعان النظر في الصورة الواحدة للمرة الثلاثمائة.  وعلى مدى هذه الساعات الطويلة من العمل، كان أكثر ما أخشاه أن أصاب بالعدوى وأصبح مخدراً وفاقداً للإحساس أمام هذه الصور.  والآن، نرى العالم كله محاصراً ومتهاوياً داخل صورته نفسها.

هؤلاء أشخاص بقصص لا تنتهي.  قصتنا الإنسانية. وعلى الرغم من أن الواقع يبدو كئيباً، فإن العديد من الذين شاهدوا العمل شعروا بالأمل.  لقد سعدت بحقيقة أنهم التقطوا حس النهضة والعودة للحياة الذي تحمله هذه المسيرات، وأطلقوا على العمل مجازياً "كنيسة السيستين-النسخة الفلسطينية".  لقد لامس العمل مشاعر الناس وحركها، وألقى ضوءاً جديداً على الواقع المستحيل على الأرض.  لقد وجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين داخل روايتهم الخاصة بهم، وهذا العمل يطرح أسئلة ويتحدى الآليات المطلوبة من أجل الهروب والفرار نحو الحرية.  والجواب عن هذا الأمر موجود في داخل كل واحد منا، وقد آن الأوان لنصغي لكلام القلب.

 

 

أنت أيضا كاتب.  ما هي الآفاق والاحتمالات الجديدة التي وجدتها من خلال الكتابة؟

لعل أفضل طريقة لدي للتعبير عن ذلك هي اقتباس كلمات كمال بلاطة في معرض إجابته عن السؤال نفسه.  في حينه، قال كمال بلاطة "الكتابة هي طريقة للعودة إلى البيت، الرسم هو شعورك أنك بالبيت".  وأستطيع أن أضيف إلى ذلك بأن أقول إن هناك طرقاً عدة لإيجاد ذلك البيت.  أردت أن أكتب مذكراتي، مفارقة الباراشوت، خلال ثلاثة أشهر.  استغرقني ذلك ثلاث سنوات أخرى لأنني تعلمت الكثير حول جوهر الحياة من خلال رسمها بالأحرف.  لقد اعتنقت تلك الرحلة، حيث كل صورة وكل كلمة وكل فاصلة تصبح ذات أهمية.  إن كل عملية خلق وإبداع هي في جوهرها عمل شطب ومسح واختزال وإزالة للطبقات التي تحجب الصفاء والوضوح والرؤية وبالتالي الوعي.

 

هل يمكنك أن تعطينا أمثلة حول كيفية معالجتك لذلك من خلال عملك؟

لقد تعلمت أن أرى وأعالج الحياة كما هي بدون حجاب.  أن أنظر إلى الواقع كما هو، وأن أتعمق فيه وفي ما وراءه.  يمكننا القيام بذلك فقط حين نركز ونزيل كل الفوضى والضجيج والتشوهات في رحلتنا الداخلية بحثاً وتنقيباً عن معدن جوهرنا، أي الروح.  ولأن الروح لا تحب من يكذب عليها، تعلمت سريعاً أن أكون صادقاً مع نفسي، وأن لا أضيع وقتي في التعامل مع أشياء سطحية.

 

 

نحن نرى كيف أن جائحة مرض فيروس كورونا 19 قد أخل بنظام العالم كما نعرفه، ما هو دور الفنان في هذه اللحظة التاريخية الفريدة؟

إنها نهاية شيء ما أو بداية شيء آخر! لا أحد يملك فكرة واضحة حول ماهية هذا الشيء الآخر وكيف سيبدو.  بالتالي، الأجدر فينا أن نتخيل ونخلق الواقع الجديد سوياً.  لقد أزف الوقت للتوقف عن ترسيم الحدود والبدء برسم معالم مستقبلنا.  فالمستقبل هو الآن.  علينا أن نصبح أكثر وعياً بأننا لسنا سوى نقطة من لا شيء في بحر الكون الفسيح وحساباته.  لكن علينا أن لا ننسى أبداً بأن حالة العدم أو اللاشيء هي، أيضاً، حالة خلق لكل شيء.  نحن جميعاً مرتبطون ببعضنا البعض، جزء من صورة أكبر بكثير.  وإذا ما أردنا أن نظل حاضرين في هذه الصورة الأكبر، علينا أن نحقن ذواتنا بصورة عن عالم أفضل، وأن لا يكون ذلك عبارة عن حلم أو رؤية أو صورة مثالية طوباوية، فنحن في زمن كل ما هو جوهري وأساسي، زمن العمل الجاد أكثر من أي وقت مضى.

 

هل هناك أي مشاريع جديدة تعمل عليها حالياً؟

لقد قمت خلال الأسابيع الأخيرة بإنتاج أعمال فنية تفوق ما اعتدت على إنجازه خلال خمس سنوات.  أعتقد أنه طالما نحن نحب العمل الذي نقوم به، فإن الكون سيدعمنا.  وربما كنت أشعر بحاجة ملحة لإنتاج مجموعة من الأعمال حول الجوهر وكينونة الحياة.  وهذا ما تجلى على شكل "أرض الأبد"، "اللانهائي"، "قصة قصيرة"، "فلسطين غير المحتلة"، و"صوت القدس".  وقريباً جداً، سأصدر أحدث كتبي بعنوان "أسرار الحياة".

 

من كل ما ذكرت، أود الحديث سريعاً حول "أرض الأبد" (Everland).  في تجوالي وأسفاري على طرق فلسطين، التقطت دوماً صوراً للتطريز الفلسطيني.  ما برز من هذه الصور يبدو أو يعطي إحساساً مشابهاً لكثير من ثقافات الأرض.  يحتفي هذا العمل بكل هذا الجمال.  أن تولد في القدس أو في مكان ما في العالم، يعني دوماً أن تصبح مواطناً في كوكب الأرض.  نحن جميعاً من كل مكان واللامكان.  وإن أردنا وصف الحالة شعرياً، لقلنا إننا جميعا من مكان ما آخر! وهذا المكان هو أرض الأبد التي جميعاً نبحث عنها.  وهذه الأرض هي التي موجودة هنا تحت أقدامنا.

 

أرى كذلك أن كل هذه الأعمال ضرورية في أوقاتنا هذه، لأنها تحرر الفن من جانبه المادي الفيزيائي، وشكله أو مما هو نمطي ومتداول.  كل مرة سيتم فيها عرض "أرض الأبد"، سيتم وضع المربعات في كوكبة وتوليفة مختلفة، بما في ذلك وجهتهم نحو أي جانب.  بهذه الطريقة، يصبح هذا العمل مثل أعمالي الأخرى "اللانهائي" و"صوت القدس".  حتى وإن بالشكل البصري، له احتمالات لا متناهية، وبالتالي يخلق صورة بصرية جديدة دائمة التغير والتجدد.  أما كيف نجمع قطع الأرض مع بعضها البعض، فهو شيء متروك لخيالنا الجماعي.

 

 

كلمة أخيرة تود أن تقولها لنا في نهاية هذا اللقاء؟

لو بقي إنسان واحد فقط يتخيل عالماً أفضل، ستكون للحياة فرصة للاستمرار.  هناك آخر في كل واحد منا، بعضنا الآخر.