البيان الختامي للجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب 2019 - حقل القصة القصيرة

الرئيسية البيان الختامي للجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب 2019 - حقل القصة القصيرة

نظرت لجنة تحكيم مسابقة الكاتب للعام 2019 (جائزة القصة القصيرة) التي تكونت من الكاتب والناقد أحمد المديني (المغرب/فرنسا)، والروائية والقاصة منصورة عز الدين (مصر)، والروائي والقاص علاء حليحل (فلسطين)، في 26 مجموعة قصصيّة، تقدم بها كتاب وكاتبات شباب فلسطينيون من أنحاء مختلفة من فلسطين التاريخية والشتات.

وقام كل عضو، منفرداً، بقراءة المجموعات القصصية المشاركة وتقييمها دون علمه بأسماء كاتبيها، وبتزويد المؤسسة بتقريره الفردي، ومن ثم قامت إدارة برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان، بجمع التقارير الثلاثة في تقرير واحد، وإطلاع أعضاء اللجنة عليه.  وعقبت ذلك عملية تداول تمت عبر البريد الإلكتروني، خلصت إلى الاتفاق على النتائج التي يقدمها هذا البيان.

راعت لجنة التحكيم في تقييم الأعمال القصصيّة المشاركة مستواها الأدبي بصفتها تنتسب إلى حقل القصة القصيرة، من دون أن تتقيد بالمعيار الكلاسيكي الذي يمكن أن يُخفي أو يقلل من قيمة روح التجديد والتفرد.  وتحث اللجنة هؤلاء الكتاب على الإلمام بتراث هذا الفن، ومراكمة القراءة لمتونه المؤسِّسة، والتلمذة عليها، واستيعابها قبل الطموح للتجديد بحرق المراحل.  إذ تذهب عديدُ القصص نحو التجديد والخرق للقواعد والانزياح عن ما يعتبر السائد والتقليديّ، فتعيد النظر في ترتيب الزمن، وتفكك الوحدة العضوية، ليصبح التفكيك ناظمها الأول، بناءً على تبعثر المشاعر الشخصية قلقاً وحيرة وأزمة عموماً، ليس لها وفيها موضوع محدّد تبنى حوله فتُنيره؛ فالحيرة والقلق الوجوديان بلا تحديد هاجسها، واليأس واللاّيقين والإحساس بالعبث مضمونها، حتى إنّ حضور المضامين السياسيّة لا يسلم من تهويمات هذه المشاعر، فيتبدد فيها، أو تحضر مجتزأةً وهامشية.

وعلى الرغم ممّا شاب الكثير من هذه المجاميع من أخطاء نحوية وهفوات إملائية عديدة، مشدّدة أن الأدب أوّلاً صناعة ولغة وفصاحة وقواعد مثلما هو موهبة أيضاً، فإنها تتمتع بمستوى فني أدبي جيد، ولكتابها نظرات ذكية وإشراقات.

إنّ المجموعات القصصيّة المشاركة في الإجمال مُبشّرة، وتنبئ عن إحساس مرهف فعلاً، ومعاناة مشحونة بهموم ذواتها وزمانها ومصير وطنها.  كتابات قصصيّة لجيل يبحث، لا تقنعه النماذج السابقة عليه، ويُبدي حرصاً على عدم استنساخها، ولا البقاء حبيسَ التقليد؛ سواء في فهمه لقضايا بلده وقيم مجتمعه، أو الصياغة الفنية لها بما ينسجم وتوقه لاجتراح كتابة مختلفة ومجددة، تتخطى المثال، ومحاولاته هي مغامرة أو تجريب مستمرّ في هذا السبيل، وهذا كله جيد ومعطاء.

رأت اللجنة أن للذات حضوراً قوياً في أغلب المجاميع المقترحة، فبدت الذات بؤرة النظر والاتصال مع المحيط، النبع والمصبّ، بمشاعرها وفي قلقها تغطس الكائنات والأشياء، إلى حدّ يكاد تنمحي معه المسافة بين الذات الشخصية، وبين الوجود والمكوّن الموضوعيّ المفترض لأيّ قصة، ما يتطلب تباعد أنا الكاتب عن مساحة القصّ.

تميزت أعمال عديدة بالكتابة المشهديّة التي لا تحتكم للسرد القصصيّ المتعارف عليه، وتميز بعضها بطرق مواضيع شائقة ومثيرة قياساً بالمعهود في الكتابة الفلسطينيّة عموماً.

وقد وجدت اللجنة صعوبة تمثلت في المفاضلة بين عدد كبير من المجموعات المستحقة للفوز، على الرغم من وجود بعض المجموعات التي لم تحقق المعايير الدنيا للكتابة القصصيّة.

وبعد المداولة، خلصت لجنة التحكيم إلى الاتفاق على النتائج التالية:

 

التنويه بالمجموعة القصصية:

قتلت في مثل هذا الوقت

لـ شروق محمد دغمش (غزّة)

تتميّز قصص هذه المجموعة بتفاوتها الكمّي، حسب مادتها الحكائية ومقاصدِها، نازعة إلى التجريب دون السقوط في الإنشائيّة المجانية أو الخاطرة.  تسعف كاتبَتَها لغةٌ سليمةٌ، شفافة، تصوغ غرضها بلا تزيّد، فيأتي المحكي محمولاً بجمل إلى القصر أقرب، وعبارات مقتضبة، وأوصاف وإشارات مركّزة، تلائم مقتضى هذا النوع السّرديّ.  وتتميّز أيضاً بمزج مؤلفتها بين الهموم الذاتية والمحيط، عائليّاً ومجتمعيّاً ووطنيّاً، في محاولة صهرها لتنتظم في سبيكة واحدة، وبإيقاع متناغم.

وتشفّ هذه المجموعة عن كتابة حسّاسة وذكية تتعامل مع مواضيع قاتمة بأسلوب يبدو محايداً، إلّا أنّه مكثف ومتميّز.

 

يا للحظ السعيد يا مدام باربارة

لـ هبة بعيرات

(نيوجرسي - الولايات المتحدة)

تقدم هذه المجموعة قدرة متميزة على كتابة قصّة قصيرة باقتضاب وتقشف، وبأسلوب يبدو محايداً وبعيداً، إلّا أنّه يقترب من ذوات الشخصيات وعوالمها بمهارة ودقة لافتتيْن في قصص تتسم بحيوية الخيال ودمج الغرائبيّ بالواقع كأنما ينتمي إليه وليس مفارقاً له.

وقرّرت اللجنة كذلك الإشادة بـالمجموعتين القصصيّتين التاليتيْن مع توصية بنشرهما:

 

أربعون أنا ونصف بصلة

لـ علاء محمود عودة

(طرطوس - سوريا)

تتكوّن هذه المجموعة من نصوص حرص كاتبها على أن تأتي مُشذَّبةً في هيكلها، شديدةَ الاقتضاب في خطابها، اقتصاد العبارة ميسمها، مصوّبة على فكرة أو لحظة واحدة أو شعور.  مصدرُ هذا وعيُه المسبَق بالقالب الفنيّ للقصة القصيرة جدّاً.

حمل أكثر من نصّ فيها طبيعة تجريبية تجترح التجديدَ والقبضَ على الهارب والمنفلت بأوجز العبارة، وأبلغ القول، وأضأل الشيء، وحتى في الظلّ وصمت الكلام، هنا، في هذه المحاولة، يعززها تنويعٌ على الموضوع والفاعلين في القصّ، وتركيب في البناء، وتنويع في سجل المحكي بين سرديّ وحواريّ، مع تعدّد في المحاور يتفاعل الواقعيّ والرومانسيّ والإنسانيّ، في قصص جيّدة وحيويّة مكتوبة بذكاء أجاد فيها الكاتب أنسنة الكائنات والأشياء.

 

اختفاء شجرة باباروتي

لـ عامر نعيم المصري

(خان يونس- قطاع غزة)

لأنّها مجموعة قصصية مكتملة فنياً، وتقدم كاتباً متمكناً من أدواته وله صوته الخاص ورؤيته الخاصة للعالم عبر كتابة ذكية ومسترسلة وقصصيّة بامتياز، وقدرة واضحة على التقاط التفاصيل والتشييد عليها بمهارة وقوّة عوضاً عن حضور الخيال الأدبيّ، ما يضفي على المواضيع والأسلوب متعة إضافيّة.

أما الجائزة الأولى، وقدرها 4000 دولار مع النشر، فقد قرّرت اللجنة منحها بالإجماع، لـلمجموعة القصصيّة:

 

جيجي وأرنب علي

لـ أمير عمر حسن حمد (القدس)

فقد اجتمعت في هذه المجموعة خصائص فنية وسمات حذق، وامتلاك جيّد لأدوات التعبير والبناء القصصيْن، والتقاط بفهم ذكي لما يصلح مادّة للقَصّ القصير، إضافة إلى ما اجتهد كاتبها في اقتراحه طريقته الخاصّة ومنظوره لمقاربة هذه المادّة وصياغتها.  إنّ هذه المجموعة -وهي ثمرةُ قلم ناشئٍ- لتُنبئ وتبشّر بوعد كبير في حقلها.

إنّ أوّل ما يلفت نظر القارئ، ويمثل عنصر جاذبية في هذا العمل بقصصه المختلفة، أنه يسرد حكاياته، ويقدّم شخوصَه، ويرصد بيئتَه وقضاياه من بؤرة الطفولة وببوصلتها، فيبدو كلُّ شيء بكراً، وطازجاً، وبسيطاً وشعريّاً ومَبعثَ إثارة وفضول.  فحين يتقمّص كاتبٌ روحَ الطفولة وجوارحَها وبراءاتِها، باكتشافاتها وهفواتها، فإنه يدفعنا إلى أفق المغامرة والتوقّع، فيشدّ البصرَ للمرئيات والنفسَ للإحساس، وما يتولد من مجهود نراه يتكوّن أمامنا بالتدريج، بالوصف المحدد والتخمين المسنود والتوالد الناجم عنهما للصُّور والفكرة راسمة أو مرسومة في موقف دالٍّ وكلمات مُعبّرة تبهر بدقتها، وبسريان الغرابة طابعاً على أكثر من قصة في المجموعة، وهو ما ينسجم مع عوالم الطفولة وروحها التي لم تعتد بعد على منطق الواقع، وما زال العقل لم يستتبّ فيها ويُخضعها ويقنّنَ تفكيرَها وسلوكها.

يعتمد كاتب هذه المجموعة الوصف أداةً أولى؛ إمّا لرسم الشخصيّة أو لوحات البيئة، وإما توليد الإحساس، وهي مهارة مطلوبة في فنّ القصّ عندما يتضافر عنصرا السرد والتشخيص، ويوظَّفان لبناء القصة ونقل محكيّها وتوصيل خطابها وضمنه مرماها ومعناها.  لغتُها مشرقة، ميَسّرة، تدل على ما تذهب إليه وتريده بلا طنين ودون أصباغ.  تنسجم فيها خاصية البساطة مع وصف أجواء الطفولة، وتصبح كثيفة وبليغة إذا انتقلت لما هو أعقد.

إنها، ببساطة، مجموعة قصصية متميزة وناضجة وتنبئ عن موهبة لافتة ننتظر منها الكثير مستقبلاً، حيث لا تخفق أيّ قصة في إثارة الدهشة وقدرة الكاتب على تنوع عوالمه وتعددها، وقدرته على تشكيل هذه العوالم المتنوّعة بالمهارة نفسها، كاشفة عن كتابة ممتازة واستثنائية، وأسلوب خاصّ ومتفرّد يحوي السخرية اللاذعة، وذكاء الالتقاط، وخفّة السرد في قصص فلسطينية تروي اليوميّ والمنسيّ في التفاصيل الصغيرة للحياة تحت الاحتلال، وفي ظلّه.

أعضاء لجنة التحكيم

أحمد المديني، منصورة عز الدين، علاء حليحل

كانون الأول 2019