المتصفح الرقميّ: المعلم كقيّم دراميّ على التشابكات الجمالية
سوزان دافيس[1]
[2]The digital navigator: Teacher as dramatic curator of aesthetic encounters
Susan Davis
مقدمة
إن انتشار فرص التعلم في مشهد تنافسيّ يحتشد بالمساقات الهائلة المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs) ومليارات المواقع الإلكترونية، وبمحتوىً رقمي تفاعليّ وغنيّ يعني أنه قد أصبح بإمكان الناس "عملياً" أنْ يتعلّموا ما يحلو لهم أينما ومتى شاءوا. ويثير هذا الأمر أسئلة حول طبيعة دور المعلم في الفصل الدراسيّ المعاصر وعلى وجه التحديد داخل الفصل الدرامي. لذا فإنّ دور المعلم كقيّم[3] دراميّ يُطْرَحُ اليوم باعتباره جوهريّاً للمعلمين المعاصرين، خاصّةً أولئك الذين يعملون في مجال تعليم الدراما ولكن أيضاً لغيرهم ممّن تُعنى أنشطتهم بالتفاعلات والخبرة الإنسانية. هذا المعلم هو قيّم مطّلع وفطن، ويمتلك فهماً دقيقاً لقدرات الأدوات المتاحة وللغرض منها، سواءٌ الأدوات الرقمية والتكنولوجية، أمّ المادية والمتجسّدة. وينطوي دوره على ممارسة الانتقائية العالية، وصياغة التشابكات الجمالية، والاضطلاع بفعاليّة بدور الموثّق والمبدع الرّقميّ، ناسجاً معاً خيوط التجربة والتأويل بما يدعم صنع المشاركين للمعنى.
السياق المعاصر
شهدنا في العقدين الماضيين التزايد السريع في استخدام العامة للإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات الرقمية، وصولا إلى استخدام مواقع "القراءة/الكتابة"، على نحو ما توقّع برنيرز لي (Lawson, 2005)، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء المحتوى وتعديله وكذلك الوصول إلى المحتوى الرقميّ واستهلاكه. وهذا يعني أن الأجيال الحالية تنشأ في ظلّ توفّرٍ غير مسبوق للمعلومات والتجارب والفرص المتاحةِ عبر وسيطٍ إلكترونيّ بهدف إنشاء المحتوى ومشاركته على حدّ سواء. وبينما كان مفهوم "السكان الأصليين رقميّاً (Digital natives)"(Prensky, 2001) خلال العقد الماضي يعني لدى كثيرين بأنّ جيل الشباب لن يجد صعوبة في الإبحار في هذا العالم الجديد الشجاع، فقد أخذت العديد من الأبحاث التجريبية الغنيّة تسلّطُ الضوء، منذ ذلك الحين، على العيوب الكامنة في مثل تلك الافتراضات.
تُظهر الأدلة أن الانخراط الرقميّ لدى الشباب غالبا ما يركز على الاتصال والتواصل واسترجاع المعلومات والتسلية (Lenhart, Purcell, Smith, & Zickuhr, 2013; Ólafsson,Livingstone, & Haddon, 2013) وأنّ نسبةً ضئيلةً منهم تشارك في إنشاء المحتوى. فحينَ يتعلق الأمر بحلّ المشكلات والتفكير النقديّ، نجد أنّ العديد من "المهاجرين رقميّاً[4] (digital immigrants)" (أو الأقدم) ديمغرافياً غالباً ما يكونون أكثر فعالية في حل المشكلات وتعلّم كيفيّة استخدام التقنيات الجديدة ممن ينتمون لجيل "الأصليين رقميّاً" (Livingstone, 2011; Thomas, 2011). لذلك فإن البحث في حقل الثقافة الرقمية والتعليم يسلط الضوء على تنامي أهميّة دور المعلم أو الميسّر في التركيز على تعلّم التقنيات الرقمية والتعلّم عبرها على حدٍّ سواء، وعدم التسليم بفرضيّةِ أن الشباب كلّهم سيكونون خبراء في هذه النواحي برمّتها.
إنّ إدخال التقنيات الرقمية والأدوات والفضاءات الوسيطة، يتجاوز، لدى معلّم الدراما، نطاق الأدوات التي يستخدمها المعلمون تقليديا، تلك التي كانت تركز في المقام الأول على جسم الإنسان، والأدوات المفاهيمية conceptual tools))، والأغراض الملموسة، والعمليات التفاعلية. يميلُ الطلاب في الغالب إلى الخبرة المُجسّدةِ ماديّاً في الدراما والتي يمكن تعزيزها عبر وسيطٍ رقميّ، وفي الوقت ذاته يستطيع المعلّم أنْ يدرج استخدام التكنولوجيا الرقمية في الفصل الدرامي وأنْ يلعب دورا مهمّا عبر اضطلاعه شخصيّاً بأدوار التوثيق الرقميّ والإشراف على المحتوى. هكذا فإن نطاقَ عامليّ صنع القرار وصقلَ المهارات اللذيْنِ منحا على الدوام دور المعلّم أهميّته المعهودة، يشهدُ اليوم توسّعاً كبيراً، وهو ما أكسب مفهوم المعلم بوصفه قيّماً أهمية متزايدة.
المعلم قيّماً وكاتباً مسرحيّاً
يرتبطُ دور القيّم تقليديّاً بمجالاتٍ مثل الفنون البصرية والمتاحف. والقيّم هو الشخص الذي يُعنى باختيار المواد وإعدادها وتعريفها بهدف التقديم لها أو عرضها في المعارض. ويجب على القيّم عند اتخاذ القرارات أن يولي الانتباه الى التفاصيل والأنماط والصِّلات وصناعة المعنى، وأنْ يبتكر التأويلات ويعدّ الموادّ الموجهّة للآخرين كي يصلوا إليها ويتفاعلوا معها.
وقد لفت عدد من المعلقين الإعلاميين والمنظرين الانتباه الى أهمية هذا الدور للمعلم المعاصر. فعلى سبيل المثال يجادل سيمينز (2008) بأن دور القيّم يُقصدُ به المعلم بوصفه "متعلّما خبيرا (expert learner)" يخلق فضاءً لبناء المعرفة واستكشافها، وهو دور نشط يتضمن اختيار الموادّ الفنيّة والمعلومات عالية الجودة وإتاحتها (على سبيل المثال الاختيار من بين 57 مليون موقع تظهر في نتائج البحث حول التعليم وشكسبير)، بالإضافةِ إلى طرح الأسئلة وتشجيع التفكير العميق أيضاً.
أمّا مفهوم الكاتب المسرحي (dramatist) فيضيفُ بُعداً آخر يعمّقُ فهمنا لطبيعة التعلم التدريجيّ المتحقّق مع مرور الوقت. يشملُ هذا المصطلح مهنة الكُتّاب المسرحيين أو الدراميين (dramaturges)، وأيضا أولئك الذين يشتغلون بالقص والسرد التمثيليّين. يقوم هذا النوع من الأعمال الفنيّة على تسلسل في الأحداث أو الخبرات يتكشّفُ مع مرور الوقت ويُبتَكرُ ضمن فهمٍ للسياق والجمهور. الكاتب المسرحي إذن هو الشخص الذي يخترع الوقائع ويؤلّف الأحداث والقصص التي ستمثّلُ وتُختبرُ من قِبلِ الآخرين. إنّ مهارات السرد ورواية القصص هذه أساسيّة للعمل الدرامي ولكن يُتعارفُ عليها أيضاً بوصفها قُدراتٍ بشريةً حيويّةً ومؤهلاتٍ أساسيةً لا غنى عنها للقرن الحادي والعشرين (Gottschall, 2012; Pink, 2005).
ولذلك فإن المعلم بوصفه قيّماً دراميّاً هو المصمم المتجاوب مع التجربة التعلّميّة في مجملها وخصوصيتها، إذ يستلهمُ طيفاً دائم الاتسّاع من الإمكانيات كي يبتكر مع الآخرين خبرات التعلم، فينسجون معاً خيوط العمليّة برمّتها مانحين إيّاها منطق "الحكاية". وهم في حاجة الى التخطيط بعناية لدخول منطقة النمو المجاور هذه (Vygotsky, 1978)، وهي منطقة يمكن تحديدها باختيار مقاصد تعلم معيّنة ولكن أيضا عبر إفساحِ المجال أمام فاعليّة المشارك الذاتيّة وحضوره وقدرته على صنع المعنى.
تتناول الأجزاء التالية من الدراسة بعض العمليات الرئيسية التي ينخرط بها القيّم الدرامّيّ، مع الإشارة إلى أمثلة من مشروع محدد.
الانتقائية العالية واختيار الموادّ والأدوات والفضاءات الرّقميّة
تعدّ ممارسة الانتقائية العالية من الإجراءات المركزيّة التي يلجأ إليها المعلّم/القيّم الدراميّ، وهي من المفاهيم التي لفتت الانتباه إليها معلمة الدراما المعروفة دوروثي هيثكوت (Heathcote in Johnson & O'Neill, 1984). ويتضمّن هذا الإجراء تحديد مجال الاهتمام وتقليصه واختيار المواد والأدوات والمداخل التي يمكنها أنْ تستدعي انخراط المشاركين. يتعلق هذا الأمر بتحديد المعطيات والأدوات التي قد تفعّل انخراط الطلاب وتوفر لهم فرصًا متتالية ليكونوا مشاركين فاعلين في تحديد نتائج العملية الإبداعية.
عندما يتعلق الأمر باختيار المواد والأدوات والفضاءات الرّقميّة، يجدر الأخذ بنصيحة ديكسون (2007). فمن خلال مراجعته استخدام التكنولوجيا وتأثيرها في الأداء ذهبَ إلى أنه في أغلب الأحيانَ يسود نوعٌ من التقديس للتكنولوجيّات قلّما يصحبه اهتمام بالغرض والمحتوى والرؤية الفنية. يؤمن ديكسون بأن التركيز يجب أن ينصبّ على العناصر الجمالية، وغايات العمل المُبتَكَر ومنجزاته. ومن جهتي أرى أنّ تلك المبادئ نفسها يجب أن تحكم اختيار التقنيات الرقمية الخاصّةِ بالفصل الدراسيّ.
هناك مجموعة من الطرق يمكن من خلالها توظيف التقنيات الرقمية في العمليات والعروض المبنية على الدراما. وقد يشمل ذلك استخدامها من أجل:
• ايجاد أدوات درامية محفّزة
• المعلومات والبحوث
• خلق الدور والدراما
• الإعدادات والبيئات التصويرية لدعم الأداء الحيّ
• تسجيل الدراما وتوثيقها
• عمليات الاتصال (داخل الدور وخارجه)، و
• المشاركة مع الجماهير.
في عمليات تعليم الدراما، غالبا ما يولى اهتمام خاص بأدوات المشاركة والدخول في الدراما. وينطوي هذا الاهتمام غالباً على اختيار نصٍّ تمهيديّ دراميّ وابتكاره (O'Neill, 1995) وايجاد نقطة انطلاق وموادّ افتتاحيّة للشروع في العمليّة الدراميّة. وقد يشمل ذلك الصورَ والقصص والنصوص وغيرها من "الموادّ الملموسة ذات الأهميّة في صنع المعنى (Heathcote in Johnson & O'Neill, 1984)، مثل الرسائل والكتب والخرائط التي، بفضل التكنولوجيا الرقمية، أصبح بالإمكان ابتكارها ومشاركتها رقميا وإتاحتها للمشاركين كي يراجعوها ويعيدوا ابتكارها.
إن أهمية اختيار نصّ تمهيديّ جاذب والإشراف على ابتكاره عبرَ الإفادةِ من التقنيات الرقمية المتاحة يمكن أن تتجلى من خلال تجربة "تدوير الدور في مشروع التقييم المائيّ (The Water Reckoning Rolling Role)". بدأ هذا المشروع باعتباره تعاوناً دولياً يسعى الى إعادة تصوّر نموذج "تدوير الدور" عند هيثكوت (Heathcote)، وقد شمل المشروع الناتج خمسَ مجموعات مختلفة من المدارس الثانوية، (من استراليا وسنغافورة واليونان والولايات المتحدة الامريكية) تستجيب لقضية مشتركة وسياق درامي[5].
وخلال البحث عن نص تمهيديّ محفزّ، درس فريق المشروع المكوّن من أكاديمييّ الدراما والمعلمين الإمكانيّات التي جرى تحديدها على مدى عدة أشهر من الاستكشاف. كان النص التمهيديّ الأساسي هو الفيديو المشحون جماليا الذي يحمل عنوان "الطبيعة البشرية" ويتضمّن صورا لأعمال جايسون دي كايرس تايلور(Jason deCaires Taylor). يقدّم الفيديو والصور مشاهد لمنحوتاتٍ تحت الماء تمثل أشخاصاً في أوضاعٍ مختلفة من الحياة اليوميّة. وقد استُكملت الصور ومقاطع الفيديو هذه بإطار تخييليّ إضافي ابتُكِرَ في صيغةِ رسالة في زجاجة تصل عبر البحر وتفيدُ بأنّ التماثيل ما هي إلّا أناسٌ قد تجمّدت أجسادهم، وهم ناجون من حضارة أردوس أوندا (Ardus Unda) التي اندثرت بفعل كارثةٍ مائيّة. دُمجت هذه الموادّ على موقع إلكترونيّ كان بمثابة منصّة رقمية للمشروع. وكان من بين الأدوات الرقمية المركزية الأخرى التي اختارها فريق المشروع منصّةٌ رقميّةٌ لسرد الحكايات تسمى "PlaceStories". حيث استخدمت هذه المنصة لتمكين جمع المساهمات الابداعية الناتجة من كل مجموعة من مجموعات المشروع والإشراف عليها.
التشابكات الجمالية والارتباط بفكرة العمل
يتضمن تصميم التشابكات الجمالية العثور على نقاط الاتصال والمحاور للربط بين عوالم الدراما وعوالم المشاركين، حيث يتعلق الأمر بإيجاد طرق تحفز انخراط المشاركين من خلال إثارة فضولهم حول أمرٍ مثير أو مدهش أو غير معروف، وبالتواصلِ مع بعض الجوانب في حياة الطلاب.
لذلك فإن دور المعلم بوصفه قيّماً درامياً يُعنى على الدوام بتصميم التشابكات الجمالية، ويأخذ بعين الاعتبار كيفية اتصال المشاركين بفكرة العمل. وقبل الخوض في هذا النقاش، ينبغي النّظرُ في بعض ميزات الانخراط الجمالي، بالاعتماد على عمل دالٍّ لبوندي (Bundy, 2003) حول الانخراط الجماليّ.
استكشفت بوندي طبيعة التجربة الجمالية لدى مشاركين في عمليات بناء اللعب وحدّدت ثلاث ميزات للتجربة الجمالية هي التالية: الاتصال، والحيويّة (او الإحياء)، والوعي العميق connection, animation and heightened awareness (Bundy, 2003). وفي شرحٍ موسّعٍ لمفهوم الاتصال، أشارت بوندي إلى أهمية الارتباط "بفكرة العمل… وهو ما يتطلّبُ من الملاحظين اليقظين أن يعثروا على رابطٍ ما بين الدراما وبين الخبرة الشخصية أو الفهم المكتسبينِ سابقاً. إذ أنّ الفكرة تنبثقُ عن هذا الرابط." (ص. 177).
كانت جلسة التصوير الفوتوغرافيّ ضمن مشروع التقييم المائيّ ([6]Water Reckoning project) من التجارب المبكرة التي أثبت أهميّتها في إنشاء الروابط والانخراط الجمالي. وقد اكتسبت دلالةً أكبر مع تبنيّ المعلم/ الباحث دور القيّم الدراميّ. ففي صباح أحد الأيام، قرّر الطلاب والمعلّم، بعد أنْ عرفوا بأنّ المشروع كان سيهتم بقضايا المياه وبحضارة مندثرة، أنْ يتوجّهوا الى شاطئ قريب لإجراء جلسة تصوير. تمثّلت الفكرةُ في التقاط صور حول ناجين يصلون الى الشاطئ، ولم يكونوا قد وضعوا بعدُ أيّ نصٍّ لحدثٍ درامي فعليّ. تضمنت الصور الناتجة بعضاً من اللقطات المؤثّرةِ للغاية لمجموعة من الشباب مطروحين على الشاطئ، إما ميتين أو مرهقين وقد علا الرمل أجسادهم. ومع أن المعنى والأفكار الكامنيْن في هذا العمل لم يتضحا على الفور، فقد كانت العملية جذابة جمالياً بالنسبة للمشاركين، مما حقّق ارتباطهم بفكرة العمل. وكان الاشتغال المتواصل على المُنتجات التي اختيرت وأعدّت خلال تلك التجربة عاملاً جوهريّا في تحديد اتّجاهات العمل وأفكاره المستقبليّة.
التسلسل، الحبكة، وبناء المعاني
اكتسب الدور الإشرافيّ فعاليّة أكبر عبر اضطلاعنا، أنا والمعلم، بانتقاء الصور من جلسة التصوير واختيار تسلسل لها وطباعتها وابتكار مقطع فيديو مشحونٍ جمالياً، ومن ثُمّ جَلْبنا هذه المنتجات الى الفصل الدراسي في اليوم التالي. وقد أفضت هذه العملية الإشرافيّة إلى المرحلة التالية من العمل الإبداعيّ حيث بدأ الطلاب ينخرطون في صنع المعنى، وتأويل ما مُثّل في الصور ومقطع الفيديو، وبالتالي ابتكار مزيد من الإجراءات الدرامية ويسلط الضوء على جوانب الإشراف الدرامي من دور المعلم وكيف أنّها آليّةٌ مستمرة. ويدخل صنع القرار وصقل المهارات ضمن هذه المرحلة أيضاً حيثُ الخيوط والمسارات المختلفة باتت متوفّرةً وسيصارُ إلى نسجها. ففي العمل الجماعيّ ينبغي جمع الخيوط معاً واتخاذ القرارات بشأن وجهة سير العمل ومنحه منطقاً واتساقاً. وكما أشار هيزمان Haseman (2001) سابقا، فإنّ قيّم أو معلّم الدراما قد يرسم الخيوط والمسارات، ولكن ينبغي عليه بعد ذلك أنْ يعير السمع والانتباه جيّداً الى ما يفعله المشاركون بهذا المحتوى وما يحدثه لديهم من استجابات.
إنّ هذه العملية المشتملة على التأويل وصنع القرار والمراجعة قد تعززت اليوم بشكل كبير من خلال استخدام التقنيات الرقمية. حيثُ يمكنُ تسهيلها من خلال تسجيل شواهد العمليات الدرامية وتوثيقها، ثمّ إعادة إدماجها في العملية بهدف التأمل فيها وتحريرها وإعادة تأويلها. فضلاً عن ذلك فقد أصبحت التقنيات الرقميّة تُدخلُ إلى هذه العمليّة جوانب من "الأداء" في مراحل مبكّرةٍ جدّاً قياساً بما كان عليه الحال في عملية الدراما التقليدية أو العمل الأدائيّ.
كانت هذه العملية مهمة للغاية لمشروع التقييم المائيّ، وذلك بابتكارها محتوى رقميّاً وثّقَ عمل الطلاب على نحوٍ جذب الانتباه الى العناصر الجمالية داخل العمل المقدّم عبرَ الوسيط الرّقميّ. كانت عملية اختيار العمل وتعديله ومشاركته والتفاعل معه لاحقا مهمة جداً لصَقْل المعنى وقد شكّلت نقطةَ انطلاق لتشابكات درامية مستمرة.
خاتمة
صحيح أنّ دور المعلم في حاجةٍ إلى إعادة نظر مستمرّة، إلا أنه ما زال يحتفظ بأهميته، ويأتي مفهوم المعلم بوصفه قيّماً دراميّاً ليلقي الضوء على جوانب مهمة في الدور المعاصر للمعلم. يدرك المعلم بوصفه قيّماً دراميّاً أهمية أنْ يستوعب هذا الطيف من الموادّ والإمكانيّات التي توفّرها الأدوات والتقنيات الرقميّة وتلك الأكثر تقليديّة على حدٍّ سواء، وأنْ يشرف على تنظيمها. يتضمن دور القيّم الدراميّ اختيار الموادّ ووضع تسلسل لها، وإيجاد وسائل للانخراط والتواصل مع المشاركين وإدخالهم إلى العالم الدرامي وإلى عالمٍ مركّبٍّ من الخيال. كما ينسّقُ القيّم الدراميّ بناء التشابكات الجمالية ويلعب أيضًا دوراً في عمليات التوثيق وابتكار منتجات مشحونة جماليًا باستخدام الأدوات الرقمية، وينخرط مع المشاركين في عمليات صنعٍ ابتكار جماعيّةٍ بهدف استكشاف منطق التجارب ومعناها ومساعدة المشاركين والمجموعات في تحقيق قدراتهم الدرامية والتخيليّة.
ترجمة: رامي محتسب وأسماء مزين، برنامج البحث والتطوير التربوي، مؤسسة عبد المحسن القطان
*تم الحصول على حقوق الترجمة من الكاتبة والناشر.
Davis, Susan (2015). The Digital Navigator: Teacher as Dramatic Curator of Aesthetic Encounters. In Schonmann, Shifra (Eds.): International Yearbook for Research in Arts Education 3/2015. The Wisdom of the Many - Key Issues in Arts Education (pp. 208-214). Münster: Waxmann.
الهوامش
[1] سوزان دافيس: باحثة في مجال الدراما والبحث في كلية التربية والفنون في جامعة سينترال كوينز في استراليا. بدأت عملها كمعلمة في الدراما، واستلمت مناصب رفيعة في الجامعة، كان آخرها نائبة عميد الكلية للبحث. لها أبحاث عديدة في مجال الفنون والتفكير الدرامي والدراما عبر تكنولوجيا التعليم.
[2] حصلت المؤسسة على حقوق الترجمة من الكاتبة سوزان دافيس ومن الناشر Waxmann. المرجع الأصلي:
Davis, Susan (2015). The Digital Navigator: Teacher as Dramatic Curator of Aesthetic Encounters. In Schonmann, Shifra (Eds.): International Yearbook for Research in Arts Education 3/2015. The Wisdom of the Many - Key Issues in Arts Education (pp. 208-214). Münster: Waxmann.
[3] اخترنا ان نبقي على الترجمة الأصلية لكلمة Curator - كقيّم (والمرتبط المتاحف والمعارض) آخذين بالاعتبار الجوانب المهمة التي تحملها الكلمة curator من جوانب مهمة لدور القيم في هذا العصر، حيث تشمل عناصر التفكيك والتحليل واختيار عناصر الخبرة، والتأطير وبناء السياق والتصميم والبحث، وهي تلك الجوانب التي يجب ان تتوفر في المعلم كما توضح الكاتبة لاحقا. (المترجم)
[4] يطلق المصطلح "المهاجرون رقميا" على من نشؤا في فترة ما قبل ثورة تكنولوجيا المعلومات مقارنة مع الجيل الذي نشأ خلال حدوثها وانخرط فيها منذ الصغر ويطلق عليهم "الأصليون رقميا". (المترجم)
[5] للتفاصيل المستقبلية انظر الى www.waterreckoning.net و Davis & Simou, 2014
[6] https://www.water-reckoning.net/
المراجع
- Bundy, P. (2003). Aesthetic engagement in the drama process. Research in Drama Education, 8(2), 171-181.
- Davis, S., & Simou, P. (2014). Revisiting Heathcote's Rolling Role model through the Water Reckoning project: pre-texts, dramatic materials an digital mediation. Drama Research, 5(1), 1-20.
- Dixon, S. (2007). Digital performance: A history of new media in theatre, dance, performance art, and installation. Cambridge, Mass & London:MIT Press.
- Gottschall, J. (2012). The storytelling animal: How stories make us human. New York: Houghton Mifflin Harcourt.
- Haseman, B. (2002). The 'Leaderly' Process drama and the artistry of 'Rip,Mix and Burn'. In Rasmussen, B. & Ostern, A. (Eds.) Playing Betwixtand Between: The IDEA Dialogues 2001. IDEA Publications and Between: The IDEA Dialogues 2001, Bergen, Norway, pp. 226-233.
- Johnson, L., & O'Neill, C. (Eds.). (1984). Dorothy Heathcote: Collected Writings on education and drama. Evanston, Illinois: Northwestern University Press.
- Lawson, M. (2005). Berners-Lee on the read/write web. BBC News, 9. Retrieved from http://news.bbc.co.uk/2/hi/technology/4132752.stm
- Lenhart, A., Purcell, K., Smith, A., & Zickuhr, K. (2013). Social media and mobile Internet use among teens and young adults. Washington CD: PEW Internet & American Life Project
- Livingstone, S. (2011). Critical reflections on the benefits of ICT in education. Oxford Review of Education, 38(1), 9-24. doi: 10.1080/03054985.2011.577938
- O'Neill, C. (1995). Drama worlds: A framework for process drama. Portsmouth: Heinemann.
- Ólafsson, K., Livingstone, S., & Haddon, L. (2013). Children’s use of online technologies in Europe : a review of the European evidence base. London, UK: EU Kids Online Network.
- Pink, D. (2005). A Whole new world: Moving from the Information Age to the Conceptual Age. New York: Riverhead Books.
- Prensky, M. (2001). Digital natives, digital immigrants part 1. On the horizon, 9(5), 1-6. Retrieved from http://www.marcprensky.com/writing/Prensky-Digital Natives, Digital Immigrants – Part 1.pdf
- Siemens, G. (2008). Learning and knowing in networks: Changing roles for educators and designers. Paper presented at the ITForum. http://itforum.coe.uga.edu/Paper105/Siemens.pdf
- Thomas, M. (Ed.). (2011). Deconstructing Digital Natives: Young people, technology and the new Literacies. New York & Abingdon, Oxon: Routledge.
- Vygotsky, L. S. (1978). Mind in Society: The Development of Higher Psychological Processes. Cambridge MA: Harvard University Press.